كيف يتحول النقد في السنوات الأخيرة، وبتأثير من اقتحام الميديا لكل جزء من حياتنا اليومية؟ هذا السؤال الذي يطرحه الناقد خالصا إلى ضرورة أن يراجع النقد تاريخه المعاصر، لا في مغارب الكرة الأرضية فقط بل في مشارقها أيضا.

نورالدين فرح واستعادة مقديشيو

إبراهيم درويش

لم يغادر عالم نور الدين فرح الروائي ـ الذي قدم من خلاله حتي الان عشر روايات ـ مقديشو والصومال، برغم مبارحة الكاتب لجغرافياهما. ولا تخلى عن هوية المجتمع الصومالي القبلية، ولا عن أعراف الثقافة الشفاهية ورؤاها التحتية. حيث كانت اللغة الصومالية لغة شفهية، ولم تكتب هذه اللغة الا في بداية السبعينات، عندما قرر حاكم الصومال السابق محمد زياد بري استخدام الحروف اللاتينية لكتابة اللغة الصومالية . وتحتل مقديشيو مكانة محورية في عالم نورالدين فرح الروائي، فقد برزت في رواية (سردين) وهي من الروايات الاولي التي طرحت اسم فرح بقوة باعتباره صوتا مهما في ما يعرف بادب الكومونولث الناطق بالانكليزية. ويعتبر فرح من أهم الاصوات التي أسست للمشهد الروائي في شرق افريقيا، حيث أوجد له حضورا في خارطة الادب الافريقي الذي كان يسيطر على مشهده من قبل الأدب الناطق باللغة الفرنسية، الأدب الفرانكفوني الذي كان باكرا في الحضورـ وتميزت فيه الاصوات المغاربية، الجزائرية، من مالك حداد، ومحمد ديب، وكاتب ياسين، إلى كامارا لاي، وحميدو شيخ من غانا ومإلى في غرب افريقيا. أما في شرق افريقيا فلم تتميز إلا حفنة قليلة من الأصوات كان أبرزها نجوجي واثينجو، الكاتب الكيني الذي حظيت اعماله بمكانة محورية في الادب الافريقي في مرحلة ما بعد الاستقلال مثل (لا تبك يا ولدي الحبيب)، و(بتيلات الدم)، وغيرها. وقد غاب نغوغي عن الادب الناطق بالانكليزية، عندما تحول للكتابة بلغته الوطنية الكيكو، بعدما طرح حوارا موسعا حول لغة الأدب الأفريقي وأثر كتابة هذا الأدب بلغة المستعمر القديم على رؤى أفريقيا وهويتها. لذلك كانت كتابة نورالدين فرح هي الكتابة التي أعادت طرح أدب شرق أفريقيا المكتوب باللغة الانجليزية من جديد على الخريطة، وانضم الروائي التنزاني عبد الرزاق غورنا اخيرا للمشهد في عدد من الاعمال الادبية المهمة، فأصبحا معا الصوتان الأساسيان في الكتابة الأفريقية باللغة الانجليزية في هذه المنطقة من القارة الأفريقية. لأن هناك مناطق أفريقية أخرى تزدهر فيها الكتابة باللغة الانجليزية من نيجيريا التي أنجبت اسماء لامعة في هذا المجال من تشينوا أتشيبي إلى وول سوينكا، وجنوب أفريقيا التي قدمت العديد من أدباء أفريقيا الكبار من نادين جوردمير إلى كوتسيا.

في هذا المشهد الأفريقي العريض يظل فرح صوتا مهما في الادب الافريقي الناطق بالانكليزية، وعادة ما يذكر اسمه في قوائم المرشحين لجائزة نوبل، وهو وإن عاش معظم حياته متنقلا مرتحلا، ويعيش منذ فترة في جنوب افريقيا، فإنه لم يتخل أبدا عن اهتماماته الصومالية التي بدت في عمله غير الروائي الذي حوي أصواتا صومإلىة من المنفي. أبطال فرح، يتحدثون بلغات متعددة مع انه في رواياته الاولي ركز علي النخبة المتعلمة في ايطإلىا التي تعيش في احياء مقديشو الجميلة والفارهة مع الاشارة إلى حركة الافكار الثورية والمعارضة للنظام الديكتاتوري، كما اهتم فرح بشكل دائم بالمرأة الصومالية ، واستعاد صورة الثائر الصومإلى المعروف محمد عبدالله حسن الذي اعتبرته الادبيات الايطإلىة الملا المجنون ومحمد عبدالله حسن يمثل التراث الشفاهي والشعر الصومإلى المعروف وتقإلىد القبيلة، فعبدالله حسن يمثل في المخيال الصومالي، صورة الفارس والبطل والاسطورة الصومالية في تجلياتها المتعددة. ولعل أهم ما تمثله اعماله هو وضع المرأة وشروطها الانسانية، فهو ككاتب ذكر لم يتردد لحظة واحدة في اعطاء المرأة صوتا قويا في اعماله، فهو يتعامل مع وضع المرأة كشرط أولي وحق اساسي في التحرر الفردي والسياسة.

في روايته الجديدة (عقد Knots) الصادرة عن ريفرهيد بوك في نيويورك، يواصل رحلة العودة إلى مقديشو، التي شاهدها لاول مرة عام 1996 بعد منفي اجباري استمر 22 عاما، حيث كتب يقول كنت اتمني ان اكون شاهدا، كاتبا يكتب شهادته في الوقت الذي تمزقت فيه مقديشو لاشلاء مثل لعبة طفل. ومثل طفل، تمنيت لو كنت قادرا علي البكاء المباح، وهو ما فعلته بعيدا وبصمت في غرفتي في الفندق ... مقديشو في عمله السابق الذي صدر عام 2005 (روابط/ صلات) هي مدينة اشباح. سكانها عصابات اطفال، يتوزعهم زعماء الحرب، مدججون حتي الانياب بالأسلحة، ويمضغون القات. بيوتها مهدمة وما لم يسقط منها فهو متداع، ولا احد يستطيع الخروج منها بدون المرور علي نقاط التفتيش. في (روابط) قام فرح بملاحقة رحلة العودة لبطله جيبلة من نيروبي إلى مقديشو وانتظاره الطويل في الفندق، ورؤيته لوتيرة الحياة في العاصمة.

في (عقدKnots ) 2007 التي تتم ما بدأه في الرواية السابقة، يقدم لنا رحلة عودة اخري، تقوم بها هذه المرة كامبارا، سيدة صومإلىة ناجحة في كندا، متعلمة، ومثقفة، تتقن الحديث باكثر من لغة، ومفتوحة علي الحياة، باعتبارها ممثلة، كاتبة مسرحية، وعاملة في الاعلام. وكامبرا تجسيد لقصة نجاح من قصص المهاجرين إلى الدول الغربية، تعود إلى مقديشو، وتعيش في بيت زوجها الإسمي السابق زاك، وابن عمتها، حيث تحاول فك عقد الحياة في العاصمة الغامضة، التي لا يتحرك فيها أي شخص بمفرده، وعليه ان يخطط لكل خطوة يخطوها، ويعرف مع من يتصل قبل التحرك. كامبارا هي ابنة عائلة هاجرت إلى كندا قبل الحرب الاهلية وانهيار المجتمع الصومإلى، تذعن لرغبة أمها بالزواج ولو اسميا من زاك، قريبها الذي يعاني من مرض يصيب لثة اسنانه، مما يجعل رائحة فمه لا تطاق، وتتخذه كامبارا، صورة أو استعارة لوضع الصومال الاسن والملوث والمشوه وشروط الحياة فيه. حيث تصل كامبارا إلى مقديشو، التي رحل إليها زاك، بعد ان انفصلت عنه، وتزوج من فتاة صومالية، يتهم بعد اعوام بضربها وبالقسوة معها. زاك يمثل مؤسسة اغاثة كندية في الصومال، يعيش حياته في داخل جدران بيته الذي يفتقر لادني شروط الحياة، غرفه متعفنة، وهوايته الوحيدة هي مضغ القات. وعندما تحضر كامبارا لأسباب لا نعرفها، ويتركها فرح تنكشف شيئا فشيئا ـ ومعها تكبر العقد، كجبل جليد ـ فلا نعرف ما الداعي لحضورها، هل الهرب من ازمتها بعد ان خانها زوجها وردي، الشاب العاطل الذي التقته في جنيف اثناء رحلة تصوير، وجلبته إلى كندا مثلما جلبت زاك، وتزوجته وانجبت منه داملر، ولدها الوحيد، الذي غرق في المسبح في الوقت الذي كان وردي مع خليلته في حمام الساونا، هل تحاول استعادة بيت عائلتها الذي إما آل للخراب او احتلته عائلات غريبة او شبان يقضون فيه اوقاتهم لمضغ القات وهو الخيار الذي يبدو واضحا من خلال اصرارها علي زيارته. ام انها تريد فعلا المساعدة في حل مشاكل مجتمعها؟

في البداية يرسم فرح صورة ابطاله، زاك، اردي والدة كامبارا القوية التي تعيش في اوتاوا، وكامبارا التي تعيش في تورنتو، ورحمة صديقة كامبارا واحدي سيدات المجتمع الصومإلى هناك، ووردي الزوج. فرح من خلال هذه الشخصيات يقدم لنا صورة عن مصائر اللاجئين الذين توزعوا في كل اشتات الارض، وقصص نجاحاتهم وفشلهم. ولان فرح معني بالضرورة برسم مصائر الانثي والمرأة فهو يدين جنسه، الرجال، الذين يخونون زوجاتهم، ويبدو ان كل امرأة في العمل لها قصة مرة مع زوجها من ناحية البعاد والفراق. او الهجر والضرب والاهانة واخيرا الخيانة. وتبدو كامبارا في ثقافتها ورؤيتها المنفتحة نموذجا للمرأة القوية، التي تعلمت فنون الدفاع عن النفس. وفي الوقت الذي لم يكن فيه بطل روابط غير قادر علي الخروج من الفندق او محل اقامته، فكامبارا التي تجد نفسها تحت رحمة زاك الذي تخلصت منه منذ زمن بعيد تحاول الخروج من المسكن واقامة علاقات مع نساء مقديشو، جيجو، وكين، ومع بعض الشبان المسلحين، وصاحب محل بقالة حيث تحاول من خلال هذه الشبكة توفير الحماية لنفسها ومن اجل انجاح مشروعها الذي جاءت من اجله. فهي تراقب ما حل في العاصمة ومراكزها، وتتمني لو قامت بانتاج عمل مسرحي يغطي علي مساحة الدمار والخوف الذي يغمر العاصمة.

مقديشو في رواية فرح الجديدة لم تتغير فهي مقسمة بين رجل الجنوب القوي، ورجل الشمال القوي، ولكنه في هذا العمل يحاول ان يعطي المدينة صورة اخري، عن كفاح نساء مثل كامبارا وكين، ورجال متعاطفين معهن مثل دجال والشاب سيلكهير ذي الشعر الحريري وبايل وشيموس الايرلندي الذي حضر في رواية روابط حياة جديدة، فعلي الرغم من المصاعب والمشاكل التي تلاقيها كامبارا التي تقوم بعملية تطهر جديدة في مدينتها بعد فرارها من زواجها من وردي، ومن امها التي تصر علي التدخل بحياتها وادارة شؤونها تقوم ببناء شبكة من العلاقات مع نساء المدينة، بحثا عن امل. ومع نهاية الرواية تنجح كامبارا بعرض عملها المسرحي ـ الذي هو عبارة عن مسرح دمي، خاصة ان ابنها داملر كان يحب الدمي ـ الذي يكون ناجحا بكل المقاييس. وتتحرر من سيطرة زاك الذي استقبلها في بيته، وخاضت معه جدالات طويلة عن معني ان يكون الانسان مدينا للآخر، فزاك ربته والدة كامبارا، وقامت بملاحقة مستقبله، وتأكدت من حصوله علي الجنسية الكندية من خلال زواج وهمي. زاك يعرف انه مدين لكامبارا وعمته، لكنه يشعر انه خارج وغريب عن العائلة. اردا الوالدة التي تحضر مع صديقة ابنتها رحمة إلى مقديشو، تلتقي مع ابنتها في نهاية عرض المسرحية، وتقضي معها اول ليلة في بيتهما المستعاد من احد زعماء الحرب. فرح يستعيد مدينته، من خلال النساء المضطهدات الخارجات من تجارب مختلفة، وعبر ملاحقته حياة وكفاح وحركة كامبارا وصديقاتها يقدم املا للكثير من الصومإلىين. زمن الرواية قريب، فهي مكتوبة اثناء تقدم جماعة المحاكم الشرعية في مدن الصومال، حيث يشير إلىها في البداية. تبدو عقد في مسرحها اكثر تفاؤلا في طرحها، وطامحة من اجل بناء المدينة من الاشلاء التي بعثرها زعماء الحرب.

(عقد) هي الجزء الثاني من ثلاثيته التي بدأها في (روابط) حيث تتداخل شخصيات العمل مع الرواية الجديدة، خاصة جبيلة، وبايل وشيموس. بايل بالتحديد يصبح محطا لاهتمام كامبارا، الذي تحبه والمشهد الاخير، في الرواية عندما يلتقي بايل اول مرة مع اردا، والدة كامبارا، حيث يترك الكاتب الخط الروائي مفتوحا وبلا نهاية. ويقول فرح ان الرواية هي محاولة منه للحفاظ علي بلاده. (عقد) هي ايضا جزء من رحلة فرح الروائية. فاول اعماله الروائية التي صدرت عام 1970 كانت عن المرأة وكفاحها وخروجها من الريف ومناطق البدو للمدينة، الرواية حملت عنوان (من ضلع اعوج) في استعارة للحديث الذي يقول ان المرأة خلقت من ضلع اعوج ، وقد ظهرت الرواية في السلسلة المهمة التي كانت تصدرها دار هاينمان عن الادب الافريقي. وتتحدث الرواية عن ايبلا الفتاة التي تهرب من معسكر قبيلتها، هربها من قدرها الذي فرضته عليه عائلتها وذلك عندما وعدت بزواجها من رجل يكبرها باربعين عاما. الرواية تتحدث بالتحديد عن المجتمع البطريركي وبنيته، حيث تقوم العائلة/ القبيلة بحرمان المرأة من حقوقها وصوتها. وتأخذنا الرواية في رحلة مع ايبلا اولا إلى مدينة صغيرة ومنها إلى مقديشو.

وتجب الاشارة هنا إلى ان قراءة اعمال فرح تقدم صورة عن مآلات واحوال الصومال، فهي صورة وانعكاس عن اوضاع البلاد وحالة السكان الاصلية، مقديشو لم تحظ بوصف جميل من الرحالة الذين زاروها في القرون الماضية، ولكنها مع رطوبتها ورائحة الجو المالح كانت مدينة زاهية في مرحلة ما بعد الاستقلال قبل ان تتحول لانقاض. في روايته ( الابرة العارية) الصادرة عام 1976 اتخذ فرح من العلاقة بين الصومإلىين الذكور والاناث مع الغربيين مدارا للبحث في روايته تلك، فبطل الرواية هو كوشتسن، استاذ يعمل في مقديشو، وعد فتاة تعرف عليها اثناء دراسته في الخارج بالزواج منها، المدرس هذا يحب كتاب النيجيري وول شوينكا المفسرون. حيث تصل الفتاة إلى مقديشو، متوقعة أن يفي المدرس بوعده، ومن خلال هذا الخط يحاول فرح عرض ازمة الهوية الصومالية ، حيث تبدو المرأة محرومة وتتسيدها حيوات وقرارات الرجال، خاصة في مرحلة ما بعد الاستقلال.

ثلاثية فرح (تنويعات علي فكرة ديكتاتور افريقي) والتي صدرت في الفترة ما بين 1980 -1983 تحاول تقديم موازاة بين الممارسات الاستعمارية والنظام الشمولي. الجزء الاول (حليب حلو وحامض) 1979 هي عن توأمين لويان وسويان، الاول طبيب اسنان والثاني صحافي الذي يموت بطريقة غامضة، وفي محاولته للبحث عن اسباب وفاة اخيه، يجد لويان ان سويان كان عضوا في منظمة سرية كانت تهدف للاطاحة بالنظام السابق. وفي النهاية يعين لويان سفيرا لبلاده في يوغسلافيا، ومثل شقيقه الآخر سويان يترك الكاتب مصيره مفتوحا. أما رواية (سردين) 1981 التي تعتبر مهمة من ناحية اسلوبها الذي ينتمي لتيار الوعي، فيقدم فيها فرح قصة صحافية تطرد من عملها في صحيفة وطنية مهمة، فيما يقوم النظام باغراء زوجها بناء علي وعد كاذب بالحصول علي عمل، وهذا الزوج يحكم بيته بالحديد والنار حيث تجبر ابنته علي عملية ختان فرعوني. اما الجزء الثالث من الرواية فهو (افتح يا سمسم)..

في ثلاثية (دماء تحت الشمس) يقدم نورالدين فرح نقدا للعلاقات الاجتماعية والقبلية، حيث يحاول ان يؤكد ان ما يجب ان يربط الصومإلىين هو الحب وليس الدم، وتتكون هذه الثلاثية من (خرائط) 1986 والتي يقدم فيها نور الدين فرح دراسة في ثقافة إلىأس وغياب إلىقين في فترة ما بعد الاستعمار، و(خرائط) في حقيقة الأمر من اهم اعماله. الراوي فيها هو الضمير الغائب، وهي عن ايتام الحرب في أوغادين، احدهم قامت خادمة اثيوبية بتربيته، وعندما يبلغ الولد سنة السابعة عشرة، وعليه الاختيار بين الدراسة والخدمة في الجيش، يعرف ان مربيته الاثيوبية خانت قريته من اجل حب جندي اثيوبي، ويحاول فرح هنا ان يقدم لنا الكفاح، والصراع بمعانيه الوطنية والشخصية، فالشاب كان عليه الاختيار بين امه، الوطن وامه بالتبني، التي عادت إلىه كخائنة.

الجزء الثاني (هدايا) 1996، ومع ان النبرة في الرواية اخف، الا ان فرح يريد ان يقول لنا ان وضع الانسان في موضع من يعطي لا من يأخذ سيكون احسن، لان قبول العون غالبا ما يجعل الانسان مدينا للذين قدموه وقد حللت اثر المعونات الاجنبية، فممرضة تعمل في قسم الولادة تزوجت مرة وترملت في الاخري تحاول ان لا تعيد التجربة تلتقي شاب متخصص في الاقتصاد، درس في امريكا، اسمه بوساسو، وهو يقود سيارة قريبه، ويجد بوساسو ودنيا قاسما مشتركا لهما وشعور كل منهما بحضور الاخر، وكأنهما تشاركا الموت والحياة، وتقدم الرواية صورة اعمق واكثر تفاؤلا عن المجتمع الذي يعيش الحرب، اكثر من رواية (خرائط) التي ركزت علي اثار حرب اوغادين علي الوعي الجمعي الصومإلى، والتي كحدثت عام 1977 وكانت بداية انهيار الدولة الصومالية الحديثة. أما (أسرار) 1998 فإنها تقدم صورة عن تاريخ الصومال القاسي وعن الحقد والكراهية. في الرواية يعرف كالامان، رجل الاعمال الشاب، الحقيقة عن نفسه وعائلته، وانه كان نتاجا لعملية اغتصاب جماعي تعرضت له امه. يعيش كالامان في مقديشو وفي يوم تزوره صديقة طفولته شولونغو، وتقول له انها تريد ان تصنع ولدا معه. وتسكن شولونغو التي تملك مميزات سحرية في شقته، ويشك كالامان في ان لها علاقة مع والده. يقص نور الدين فرح القصة من زواية مختلفة، وهي ان كل واحد في العائلة لديه اسراره، حيث يقول نقول في الصومال انك لا تسأل شخصا تعرفه ليحكي لك عن شيء تعرفه، يرفضها كالامان ولكنها ترفض، حيث تنام مع جده الذي يموت حيث يختم فرح الرواية قائلا جثة واحدة وثلاثة اسرار . يكتب فرح بالانكليزية والصومالية . وترجم اعمالا من العربية والصومالية للانكليزية. ولد في بيداوا، المدينة فيما يعرف بالصومال الايطإلى، عمل والده مترجما مع الانكليز الذين كانوا يحكمون المنطقة. وبعد ولادته نقل والده إلى أقليم اوغادين الذي ضمته اثيوبيا عام 1948.

درس فرح في مدرسة في بلدة كالافو في اوغادين، وتعلم العربية والانكليزية والامهرية، اللغة الرسمية في اثيوبيا. بعد حصول الصومال علي الاستقلال، غادر فرح مع عائلته للجنوب هروبا من الحرب الحدودية في اوغادين، بعد دراسة الادب والفلسفة في جامعة تشانديغرا، عاد للصومال وعمل مدرسا في العاصمة. وبعدها عاش في انكلترا، لفترة. في اثناء رحلة له إلى اوروبا يعرف ان النظام في الصومال صادر روايته (الابرة العارية) ، ووضعه علي القائمة السوداء، ويقرر عدم العودة والعيش في منفي اجباري، مع ان الرواية الاولي ظهرت مسلسلة في الصحف الصومالية . وقد منع محمد سياد بري كل اعماله وامر بقتل الكاتب. درس فرح في عدد من الجامعات في المانيا والولايات المتحدة والسودان ونيجيريا وايطإلىا وغامبيا والهند وزار دول الاتحاد السوفييتي السابق. عاد فرح لاول مرة للصومال عام 1996، اي بعد 22 عاما من المنفي. ومنذ عام 1998 يعيش في كيب تاون، جنوب افريقيا.

Nuruddin Farah, Knots, New York, Riverhead books, 2007