«استحقاق» أيلول: بين الوهم والواقع

في معاني المبادرة الفلسطينية

مسعد عربيد

ماذا تريد السلطة الفلسطينية؟

هل التوجه الفلسطيني، بالنسبة لمبادرة السلطة الفلسطينية بطلب الامم المتحدة الاعتراف بدولة فلسطين، يكمن في طلب الاعتراف بدولة فلسطينية أم بعضوية الامم المتحدة؟ هل هو توجه الى الجمعية العمومية أم مجلس الامن؟ والى ماذا سيؤول اليه مصير م. ت. ف.، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ووضعها القانوني في الامم المتحدة فيما لو تم الاعتراف بالدولة الفلسطينية؟ ولما تذكرت القيادة الفسطينية أن عليها التوجه الى الامم المتحدة؟ ولما الآن حصرا، مع انه لدينا مئات القرارات الدولية لصالح شعبنا وحقوقنا التي لم تطبق؟

يجدر بي التنويه ضمن هذا السياق على انه من المعلوم قانونيا، وبحسب ميثاق الامم المتحدة (المادة 4/2 من ميثاق الامم المتحدة)، ان إجراءات عضوية الامم المتحدة، تبدأ عادة بتوصية من مجلس الامن الذي يقدمها للجمعية العمومية من اجل قبول عضوية هذه الدولة الأمر الذي يتطلب موافقة 9 دول دون استخدام حق الفيتو، لتقوم بعد ذلك الجمعية العمومية بالموافقة على طلب الدولة. 

دلالات المبادرة

ولكن، لنفترض جدلا ان فلسطين اصبحت دولة ـ أي عضواً في الامم المتحدة، تُرى ما هي الفائدة التي يمكن جنيها امام الرفض الاسرائيلي واستمرار الاحتلال والاستيطان والتهويد؟ من ناحية ثانية، إن الحصول على دولة إنما يفرض العديد من المتطلبات والتبعات بمعنى أن:

- اسرائيل سوف تقف كدولة امام دولة اخرى (الندية)، وليس امام اراض محتلة.

- اعفاء اسرائيل كلية من التزاماتها كدولة محتلة وذلك بحسب ما تنص عليه الاتفاقيات الدولية كاتفاقية جنيف وعيرها.

- الغاء حق الفلسطينيين في تحرير وطنهم أمام شعوب العالم كله وامام القانون الدولي. بمعنى سوف ينعدم المبرر لدى الفلسطينين للمطالبة بتحرير الارض طالما هم يملكون من الان وصاعدا دولة عضوة في الامم المتحدة كباقي دول العالم.

- اضافة الى ذلك هناك العديد من المشاكل والالتزامات التي تترتب على وضع وصفة "دولة" بالمعنى القانون الدولي وهذا امر سنتركه للخبراء القانونيين.

 

خلفية: إضاءات على الوضع القانوني للدولة الفلسطينية 

1) عضوية الامم المتحدة

قبل كل شيء يجب التمييز بين عضوية الامم المتحدة والاعتراف بدولة، وهو اعتراف تقبل به الدول او ترفضه بناءاً على مصالحها وسياساتها. اليوم يتمتع الفلسطينيون بعضوية في الامم المتحدة متمثلة ب م ت ف منذ نوفمبر عام 1974.

من وجهة نظر القانون الدولي، تعتبر الحقوق المشروعة لشعبنا العربي الفلسطيني متكئة بالدرجة الأولى على حقه في مقاومة الاحتلال وتحرير وطنه المحتل وتقرير مصيره وحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم. وكذلك حق شعبنا في استخدام كل السبل والوسائل من اجل تحقيق هذه الحقوق، بما فيها استخدام الكفاح المسلح ضد المعتدي والمحتل. 

2) القضية الفلسطينية في مسيرة الامم المتحدة

في الفترة الواقعة ما بين السنوات 1947 - 1966، اي قبل الاحتلال الثاني عام 1967، جرى إدراج قضية اللاجئين الفلسطينيين 35 مرة على جدول أعمال الهيئات والأجهزة الرئيسية لهيئة الأمم المتحدة ولجانها الأساسية. وبعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، طُرحت قضية فلسطين واللاجئين والنازحين عشرات المرات. وطيلة هذه الفترة كانت الجمعية العامة تطالب بالحل "العادل" لمشكلة اللاجئين وتعترف بحقهم في العودة أو الحصول على التعويض.

الملفت أنه في عام 1947 منح قرار التقسيم (181) الفلسطينيين دولة عربية على ما يقارب 48% من مساحة فلسطين التاريخية، لكن العرب والفلسطينيين رفضوه أنذاك. واليوم يطالبون بأقل من 20% ، رغم ان ذلك قرار التقسيم ما زال يقبع على رفوف الامم المتحدة.

في 11 ديسمبر عام 1948 أصدرت الجمعية العامة القرار رقم 194 الذي نصت فقرته الثانية على السماح لأولئك اللاجئين، الذين يودون العودة إلى ديارهم والعيش في سلام مع جيرانهم، بان يقوموا بذلك بأسرع ما يمكن... ومنذ ذلك الوقت والجمعية العامة وغيرها من هيئات الأمم المتحدة تؤكد على هذا القرار مرارا وتكرار. الامر ذاته ينطبق على قرار 242 في نوفمبر 1967 والذي يطالب اسرائيل بالانسحاب من الاراض العربية المحتلة في يونيو 1967. 

خلفية تاريخية: مسيرة القيادة الفلسطينية 

1) مسلسل الفشل والهزائم

لا يطل علينا إستحقاق ايلول اليوم للمرة الاولى. فقد شهدناه مراراً من قبل رغم تعدد التسميات. يأخذنا هذا الى بدايات سبعينيات القرن الماضي، وتحديدا الى بوادر المسار التصفوي ونهج المساومة الذي انتهى بالتخلي عن تحرير فلسطين والثوابت الوطنية والقومية للنضال الفلسطيني وخيانة مشروع التحرير الوطني الفلسطيني. لقد بدأت المطالبة بدولة فلسطينية في اوائل سبعينات القرن الماضي حين أسموها آنذاك السلطة الوطنية. وهذا يعود بنا كما يذكر أغلبنا الى برنامج النقاط العشر او برنامج السلطة الوطنية الذي تم اقراره في يونيو 1974 في الدورة 12 للمجلس الوطني الفلسطيني (المنعقدة في القاهرة).

ونجد انفسنا في كل مرة مضطرين للتذكير بان إرهاصات النضال الفلسطيني قد بدأت منذ اواخر خمسينات القرن الماضي لتحرير فلسطين من الاحتلال الاول، أي احتلال 1948. إذ من اجل هذه الغاية قامت المنظمات الفلسطينية الفدائية (فتح والجبهة الشعبية وفصائل م. ت. ف. الاخرى).

بعد ذلك أخذنا نسمع عن وعود الدولة. ففي الـ 15 من نوفمبر عام 1988دورة المجلس الوطني غير العادية المنعقدة في الجزائر والتي اطلق عليها اسم دورة الشهيد ابو جهاد والانتفاضة، تم اعلان قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وإطلاق وثيقة اعلان الاستقلال الذي ارتكز على قرار الامم المتحدة رقم 181 لعام 1947 (ركيزة موقف القانون الدولي). وقد جاء في وثيقة إعلان الاستقلال، انه من الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب العربي الفلسطيني بتشريده وبحرمانه من حق تقرير المصير، اثر قرار الجمعية العامة رقم (181) بتاريخ 29 - 11 - 1947، فان هذا القرار ما زال يوفر شروطا للشرعية الدولية تضمن حق الشعب العربي الفلسطيني في السيادة والاستقلال الوطني وإقامة دولته.

بتاريخ 15 ديسمبر 1988 اعترفت الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة في دورتها الثالثة والأربعين المنعقدة في جنيف، بقيام دولة فلسطين، مشيرة إلى أن إعلان هذه الدولة جاء تنفيذا مكملا لقرار الجمعية العامة رقم (181) الصادر يوم 29 نوفمبر 1947. ومن هنا فان الشعب العربي الفلسطيني يعتبر نفسه ـ وعملا بالقانون الدولي ـ ممارسا لحقه في تقرير المصير، الأمر الذي تشير إليه من حيث الأساس، نظرية القانون الدولي بخصوص الأصالة والهوية بالنسبة للشعب العربي الفلسطيني.

بعد اقامة السلطة الفلسطينية في عام 1994 على ارضية اتفاقيات اوسلو، تم تحديد يوم 4 مايو 1999، حسب اتفاقية اوسلو كتاريخ لانتهاء الحكم الذاتي، وعليه كان من المفروض ان يكون هو يوم اعلان الدولة الفلسطينية.

لكن هذا قد تبخر مع مفاوضات يوليو 2000 في كامب دافيد واقصد كامب ديفي رقم 2. (بيل كلينتون، ياسر عرفات، ايهود باراك). 

توالت بعد ذلك محطات متعددة إدعت الوعود بالدولة الفلسطينية:

ـ مبادرة السلام العربية عام 2002.

ـ خارطة الطريق الاميركية عام 2003.

ـ وعود بوش بالدولة الفلسطينية قبل حلول نهاية عام 2005.

ـ ثم تأجيلها الى 2008 بعد اضحوكة انابوليس في نوفمبر 2007.

ـ بعد ذلك اخذت السلطة منذ عام 2009 بالحديث عن "إستحقاق ايلول"، ثم تراجعت لتعلن استمرارها في المفاوضات. أعلن الرئيس اوباما ايضا نيته و"التزامه" بقيام الدولة الفلسطينية وكذلك وعدت الرباعية في بياناتها المكوكية بقيام هذه الدولة على (1) حدود 1967، (2) وعاصمتها القدس الشرقية، (3) بالاضافة الى حل كافة قضايا الوضع النهائي اللاجئين استنادا الى الشرعية الدولية. 

دوافع المطلب الفلسطيني

1) فلسطينياً: المراوحة في المكان

اذا كانت الصعوبات التي تواجه هذه المبادرة الفلسطينية بهذا القدر ولا تقتصر على فيتو اميركي بل وربما فرنسي وبريطاني، واذا كانت فوائدها ضئيلة واحتمالات نجاحها ضعيفة، فلما إذا تصر القيادة الفلسطينية على هذا المسعى؟

قد لا تبدو الاجابة صعبة على هذا السؤال خصوصا اذا علمنا ان هذه المبادرة لعبة غير مكلفة وأنه ليس لدى القيادة الفلسطينية لعبة اخرى، وذلك لأن كل تحركاتها الاخرى قد فشلت على كافة المستويات: المفاوضات، المصالحة، تدهور الاوضاع الفلسطينية تحت الاحتلال الصهيوني، الاستيطان مستمر دون توقف، والتهويد على قدم وساق.

لننظر الى المشهد التفاوضي الذي دام ما يقارب العقدين:

- اسرائيل: ترفض كل شي ولا تريد الانسحاب وتواصل مخططات الاستيطان والتهويد.

- الفلسطينيون في مأزق: يعلنون تمسكهم بالمفاوضات، على حين لا يجدون نتيجة او اعتراف من الطرف الصهيوني.

- الانظمة العربية: تعلق الجرس في عنق الفلسطينين قائلة: نحن معكم ونلتزم بما تقررونه. وهكذا يتنصلون في حقيقة الامر من المسؤولية التاريخية.

2) عربياً: اعتراف الانظمة العربية بيهودية الدولة

دعونا نطرح بعض الاسئلة هنا من دون ان نتسرع في الاجابة.

ما علاقة هذه الخطوة الفلسطينية بالاعتراف العربي بيهودية الدولة الصهيونية، بدولة "يهودية نقية" في اسرائيل؟

وما علاقتها بالمعطيات القائمة: الحراك الشعبي العربي في تونس ومصر وغيرها من البلدان العربية، وسقوط مبارك وغياب عمر سليمان عن المسرح وضبابية موقف النظام المصري الجديد من الصراع العربي الصهيوني والدور الذي ستلتزم به مصر الجديدة مستقبلا؟

بعبارة اخرى ما علاقة المبادرة الفلسطينية باستباق او إجهاض حراك شعبي فلسطيني على غرار ما حدث في تونس ومصر؟

تشخيص الواقع الراهن

أ) إشكالية الوضع القانوني ل م.ت.ف. في الامم المتحدة

لننتبه هنا لبعض النقاط الهامة والجدلية:

 

- إن م.ت.ف. تمثل الشعب الفلسطيني بكافة قطاعاته وأينما تواجد هذا الشعب (عرب الاحتلال الاول، عرب الضفة والقطاع، واللاجئين الفلسطينين اينما كانوا).

- دوليا، عدد الدول المعترفة ب م.ت.ف. يتجاوز المئة دولة وهي بهذا تتفوق على عدد الدول التي تعترف باسرائيل.

- لم تتمتع اية حركة تحرر وطني في تاريخ الامم المتحدة بالامتيازات التي تتمتع بها م.ت.ف.

ـ تحظى منظمة التحرير بمقعد كامل في جميع المنظمات الدولية المنبثقة عن هيئة الأمم.

ـ تتمتع م.ت.ف. باعتراف دبلوماسي كما ان لها بعثات دبلوماسية في أكثر من مئة دولة.

ـ يتمتع رئيسها بامتيازات كرئيس دولة.

ـ تشارك م.ت.ف. في الجامعة العربية والمنظمات المنبثقة عنها بعضوية كاملة، وتقف على قدم المساواة مع باقي الدول الأعضاء، وكذلك الحال في منظمة المؤتمر الإسلامي ودول عدم الانحياز.

وهنا نطرح سؤالين:

1) ماذا بقي لمنظمة التحرير من مكاسب اخرى لكي تكسبها فيما لو أصبحت فلسطين دولة عضوًا في المنظمة الدولية؟ وهل ستحل الدولة محل المنظمة وتغييب الاخيرة عن المسرح؟ وفي هذه الحالة من سيمثل 6 ملايين لاجئ فلسطيني وما ينوف عن مليون ومائتي الف من عرب 1984؟ 

2) ماذا سيحصل لهذا الوضع القانوني اذا ما اصبحت السلطة الفلسطينية هي ممثلة الشعب الفلسطيني في الامم المتحدة؟ الى ما ستؤول اليه م.ت.ف. مع العلم انها الوحيدة التي تمثل عرب 1948 وستة ملايين من اللاجئين الفلسطينيين. 

ب) الفهم الاسرائيلي للوضع القانوني للاراضي المحتلة 

الاطروحة الاولى: اراضي ال 67 لم تكن اراضي مستقلة وذات سيادة: فالضفة كانت "محتلة سابقا من الاردن" و"غزة من قبل مصر"، اما الاحتلال الاسرائيلي فهو اراض "اكتسبتها" اسرائيل عن طريق "حرب دفاعية" ولحماية امنها.

الاطروحة الثانية: اسرائيل غير ملزمة بالانسحاب: فقرار 242 يطالبها بالانسحاب من "اراضٍ محتلة" وليس من "الاراضي المحتلة".

(أل التعريف موجودة في النص الفرنسي والاسباني والروسي والصيني وغابت في النص الانكليزي. ولكن من منظور القانون الدولي والشرعية الدولية، فان هذه الحجة برمتها، ال التعريف او غيابها، لا علاقة لها باغتصاب اراضي بالقوة). 

الاطروحة الامنية وهي ذريعة اسرائيل الازلية: حدود اسرائيل غير آمنة لا سيما في الوسط الضيق (10 أميال). اذا فالتوسع هو لاغراض امنية.

ت) المواقف من المبادرة الفلسطينية

 

فلسطينياً:

الشارع الفلسطيني: الشارع الفلسطيني يدرك بالفطرة وبالتجربة المريرة ويعلم سلفاً انه ليس هناك إستحقاقاً بل هو بكل المعاني إستحماق. كما يدرك ان هذه السلطة قد لا تذهب وان ذهبت فلن يكون هناك دولة بل في كل الاحوال ستفتعل هذه القيادة اجواءاً توحي بان المفاوضات قد اتخذت مسارا جادا وهكذا تبدأ جولة مفاوضات جديدة. مع ذلك فان الاراء ووجهات النظر متعددة في الساحة الفلسطينية حول هذا الامر نستعرض بعضا منها بشكل موجز:

- هناك من يتسائل: على السلطة جادة ام انها تناور؟

- هناك من يعتبر ان العودة الى المرجعية الدولية وإستحضار القرارات الدولية إنما هو محاولة يائسة وملهاة ومضيعة للوقت وتعبير عن افلاس لعملية المفاوضات ـ التي هدرت عشرين عاماً ـ هي السبب وراء هذه الخطوة.

(وإلا، كيف نفهم تصريحات فياض التي تقول ان اعتراف 191 دولة عضوة في الامم المتحدة لا يساوي شيئاً اذا لم تعترف اسرائيل نفسها؟ هل الذهاب الى الامم المتحدة نزهة طالما اسرائيل لن تعترف؟)

- هناك من يقول أن قرار السلطة قرار فردي: اي انه لم يتم استفتاء الشعب الفلسطيني وانه لا يوجد اجماع وطني للقوى السياسية الوطنية الفلسطينية، وإن فتح وحدها هي من قررت الذهاب الى الامم المتحدة رغم الخلافات بين قياداتها. المقابل، فان فتح وعباس يطرحان الموضوع على انه خيار جمعي وطني وهذا ليس صحيحا.

ـ كما أن خيار ايلول لا يأخذ بالاعتبار المصالح الوطنية والقومية للشعب كأولية، وإنما يخدم مصالح الطبقة الحاكمة ويوفر لها فرصة الخروج من مأزق المفاوضات المشلولة.

ـ إن هذا الخيار يتعاطى مع الشكليات الرسمية والالقاب والمسميات الدولية بينما الواقع على الارض يبين أن مقومات الدولة غائبة تماماً.

ـ وأيضا ان هذه المباردة سوف تؤدي الى خلط الاوراق وارباك الواقع... لعبة الشاطر حسن... ولهذا اضرار كثيرة ليس اقلها ارباك الشعب الفلسطيني وربما هذا ما قد حصل فعلاً.

ـ إن هذه المبادرة ليست سوى هزيمة اخرى تضاف الى قائمة الهزائم السابقة الكثيرة ومن ثمّ تعود القيادة الى معزوفة المفاوضات من جديد. مع ذلك، وحتى هذه اللحظة، لم يتوفر لدينا تصورا كاملا لسيناريوهات محتملة عن الرد الاسرائيلي على هذه المباردة أكان سياسيا او عسكريا. 

إسرائيل: رفض، لاءات، اشتراطات

لقد اعتبرت اسرائيل الخطوة الفلسطينية تهديداً استراتيجياً لها، وهجوماً استفزازياً ومحاصرة لكيانها، ووصفتها ب ايلول الاسود - الكارثة التي تستهدف نزع الشرعية الدولية عنها. والحقيقة، إن اسرائيل تدرك انها وحلفائها قادرون على افشال المسعى الفلسطيني. وهي تعي اهمية الابعاد الاخلاقية والفلسفية والقانونية والمعنوية للقرارات الدولية ولا تقلل من دلالاتها، ولكنها في الوقت ذاته، لا تأبه بها ولا تنصاع لها ولا تنفذ منها شيئاً، بل تعمل على احباطها وافشالها.

اميركا: تواطؤ كامل مع «اسرائيل»

لقد رفضت الولايات المتحدة خطط الفلسطينيين للحصول على اعتراف بدولة مستقلة من جانب واحد في الامم المتحدة قبل التوصل الى اتفاق سلام مع اسرائيل وهددت باستخدام حق الفيتو لاسقاط مثل هذا القرار في مجلس الامن.

من الواضح أن الادارة الامريكية تنحاز الى الموقف الاسرائيلي وتعتبر هذا التوجه الفلسطيني عملا استفزازيا ل»اسرائيل» ولن يسفر عن شيء حقيقي للفلسطينيين. وإمعانا في الضغط على الموقف الفلسطيني، هددت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الاميركية بوقف المساعدات المالية للسلطة، وصرحت: «أن واشنطن لن تدعم أي خطوة فلسطينية أحادية الجانب ترمي لنيل اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطينية، لأن حل الدولتين لن يتحقق الا بواسطة التفاوض". المفاوضات اذن هي الطريقة الوحيدة للحوار وهذا أمر تعيه القيادة الفلسطينية جيدا.

أما الرباعية: فخلاصة موقفها يتختزل في دعم اسرائيل والعمل على اقناع السلطة الفلسطينية بالعدول عن هذه المبادرة.

السيناريوهات المحتملة وتداعيات الفشل 

عقبات

إن اميركا تمسك بخيوط اللعبة وعدائها للشعب الفلسطيني وللامة العربية أمر لا يختلف عليه عاقلان. ولهذا فان الدولة التي تسعى القيادة الفلسطينية الى (إستصدارها) من الامم المتحدة لن تزيد عن كونها دولة افتراضية مثل تلك التي تم اعلانها عام 1988. اما العقبة الاهم فتبقى الوقائع المادية على الارض: قد لا يبقى من اراضي فلسطين سوى ما يقارب 10%، فيما يمعن الكيان الصهيوني في المزيد من إلتهام الارض العربية والاحتلال الاستيطاني ورفض الانسحاب والتهويد الذي لا يتوقف.

تداعيات فشل المبادرة فلسطينيا

يشكل أيلول موعدا مع فشل آخر وسراب جديد وخيبة اخرى، اي عجز م.ت.ف. والسلطة وفتح وإنهيار المشروع التحريري الوطني الفلسطيني وايقاع الشعب الفسطيني وقواه السياسية في المزيد من الاحباط والشعور بالانسداد السياسي وشق الصف الفلسطيني. انه فشل سوف يفتح الباب مجددا للقيادة لكي تعود الى تبرير فخ المفاوضات الذي لا ينتهي. فهنيئاً لاسرائيل! وهل يحلم نتياهو بأفضل من هذا؟ اما اميركا التي رفضت الطلب الفلسطيني، فقد تدفع بالقيادة الى سيناريوهات اخرى أهمها الحصول على الاعتراف بدولة غير عضو non-member state (عدد الاصوات المطلوبة: النص زائد واحد وهذا ممكن). فيما يقول رأي آخر انه اذا لم يتم الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية فقد يبدأ فصل جديد من مشروع النضال والمقاومة الفلسطينية او بذور انتفاضة جديدة.

استنتاجات

المبادرة هي خيار الخروج من مأزق المفاوضات

إن خيار الامم المتحدة هو خيار الهروب الى الامام واعلان الفشل والعجز عن انجاز المشروع الوطني الفلسطيني، وهو طعنة للمشروع القومي والبعد العربي للنضال الفلسطيني، وهو إصرار على نهج التسوية كي تستمر القيادة وذلك لانها تضمن لها التربع على عرش السلطة والتمسك بالحكم والحفاظ على مصالحها وامتيازاتها الاقتصادية والطبقية وامتيازاتها الاجتماعية. وبتقديري ان القيادة تدرك فشل المبادرة مسبقا، وهي تناور من اجل استئناف المفاوضات واقناع الشعب الفلسطيني:" بأننا قد حاولنا وصبرنا وما زبطت". والدليل على ذلك تصريحات ابو مازن: الخيار الاول والثاني والثالث هو المفاوضات وان الامم المتحدة ليست بديلا واننا لن نتصادم مع اميركا.

نستنتج مما سبق ان هذه الخطوة بمدلولها العملي ليست سوى التذويب الفعلي والتدريجي للحقائق المادية والتاريخية للقضية الفلسطينية. تلك هي الحقيقة، وهي حقيقة القيادة الفلسطينية ودورها.

الدولة/الكيان قادمة

لا شك بان شكلاً من أشكال الدولة او الكيان أمر قادم: بمعنى ان "دولة اوسلو" قادمة وإلا لما كان هناك اتفاق اوسلو اساساً. نعم، سيكون هناك دولة فلسطينية او كيان فلسطيني، ولكن عندما يتوفر هناك شرطان اساسيان، لا يهم إن كان في ايلول الـ 2011 او في اي ايلول قادم:

الاول، الشرط الصهيوني: عندما تكتمل الشروط لمشروع دولي (تشارك فيه وتقبله كافة الاطراف الفلسطينية والعربية والاقليمية والدولية) لشطب القضية الفلسطينية؛ أي إبقاء الاحتلال وشرعنته، والتهويد والاستيطان، وبقاء اللاجئين في منافيهم. ومعنى هذا ان اقامة دولة اوسلو اعترافاً بحقوق الفلسطينين بل تكون في الواقع شطباً لها.

الثاني، الشرط الراسمالي ـ الغربي: تعريب الاعتراف (اي الاعتراف العربي) بيهودية الدولة الصهيونية، أي عندما يتأكد الغرب الراسمالي والعدو الصهيوني من الاعتراف العربي الصريح بالكيان الصهيوني والتطبيع الكامل معه، مما سيتيح بدوره للكيان الصهيوني النفاذ الى الامة العربية لتطبيع الاعتراف والقبول به، ومن ثَمّ اندماجه في اوطاننا واسواقنا ومجتمعاتنا اندماجاً كاملاً ومهيمنا. أي ان يصبح الوطن العربي ـ جغرافيا واقتصاديا وعسكريا وتكنولوجيا ـ مباحاً للاغتصاب والنهب الصهيوني ـ الامبريالي. وهذا في حصيلته هو التجسيد الفعلي لمخطط العالم الجديد وترسيخ علاقات المركز الراسمالي ـ ببلدان المحيط.

مفاعيل المستقبل

أما العوامل التي تساهم او تعيق الوصول الى هذه الكارثة فتتمحور حول عاملين اساسيين:

ـ المقاومة العربية في فلسطين والعراق ولبنان.

ـ الحراك الشعبي العربي وتطوراته. من هنا نستطيع ان نفهم هذه المبادرة وتوقيتها وتزامنها مع الثورة المضادة في سياق محاصرة الحراك الشعبي في الوطن العربي والالتفاف عليه وتحرك الانظمة العربية والتعجل بل والاصرار على "إستحقاق ايلول".

ان المضمون الحقيقي لاعتماد مشروع الدولة كما رأينا اعلاه هو التخلي عن مشروع التحرير وبالطبع إسقاط حق العودة، وهذا يعني في المحصلة اختصار المنظمة في سلطة الدولة ونهاية المنظمة كأداة مشروع التحرير والعودة وممثل لكافة قطاعات الشعب الفلسطيني اينما كانوا. إن الحصول على دولة عبر الجمعية العامة هو مسألة رمزية فخرية طالما ان الكيان الصهيوني لا يعترف بذلك.(هذا إن لم تمارس اميركا حق النقض). أما الحصول على هذه العضوية فيعني امرين خطيرين:

1) إقرارا نهائيا بدولة الكيان الصهيوني من جانب الفلسطينيين دون أن يأخذوا دولة فعلية تعترف بها إسرائيل.

2) إعتراف عربي بالكيان الصهيوني لا سيما وأن الدول العربية تتبنى الطلب الفلسطيني، وهذا تقويض نهائي للقضية كقضية وليس فقط لحق العودة.

الخاتمة: انهاء الصراع

إثر هذا الوضع، إن حصل الاعتراف بالدولة أم لم يحصل فإن العودة إلى المفاوضات هو الطريق الوحيد، وهذا ما تفهمه السلطة جيداً وما تقصد القيام به. في هذه الحالة ستكون المفاوضات مع (دولة) وهذا يعني قيام الدولة بقمع اية معارضة او مقاومة اي ان عليها (احترام التزاماتها كدولة). اما ما يمكن استنتاجه من هذه المناورة فهو إنهاء الصراع نفسه عبر إخراج منمق جدا يتجسد في تحريك الشارع لصالح هذا المطلب.

وهو ما يذكرنا بالعبرة من اتفاقية اوسلو: صحيح اننا ادركنا اننا قد خدعنا بأوسلوا وانها كانت كارثة على روؤسنا، ومع ذلك فكل ما يحصل اليوم هو تثبيت فعلي لاوسلو. لقد اصبحت اوسلوا أمرا واقعا لا يمكن الفكاك منه او شطبه.

 

عن «كنعان»