تقدم الكلمة في هذا العدد ديوانا مصريا يقدم نموذجا لتجربة الكتابة الشعرية التي تمتلك وعيا رقميا بوسائط الرجة المعلوماتية. كما يشكل الديوان انخراطا واعيا للشعر في الفضاء الرقمي وأسلوبا مختلفا لفضاء تداوليات القصيدة، وهو ما يخلف أسئلة جديدة في سياق جماليات التلقي للنص الشعري كما ينفتح دائما على تجدد القراءة.

ديوان العدد

الأعمال الكاملة لإنسان آلي

(الجزء الأول: البحث عن نيرمانا بأصابع ذكية)

شريف الشافعي

إهداء

إلى الهواءِ الفاسِدِ،

الذي أجْبَرَنِي على فَتْحِ النافذةِ

 

ــ1ــ

أقودُ سيارتي منذ عشر سنواتٍ

ببراعةٍ حَسَدَتْنِي عليها الطُّرقُ

 

المفاجأةُ التي عانَقَتْنِي

أنني فشلْتُ في اختبار القيادةِ،

الذي خَضعْتُ له خارج الوطنِ

 

الضابطُ أخبرني

أنني أطلْتُ النظرَ إلى المرآة

صَارحْتُهُ بأنني معذورٌ في الحقيقةِ

كانت نيرمانا جالسةً في المقعدِ الخلفيِّ!

 

رغم عدم حصولي على الرُّخْصَةِ

شَعرْتُ بسعادةٍ لا تُوصَفُ

لأنني تَمَرَّنْتُ على قيادة ذاتي

في المشاوير الاستثنائيّةِ

 

ــ2ــ

سَأَلْتُها:

"مَنْ أنتِ؟"

قالتْ:

"أنا أنا"

سَأَلَتْنِي:

"مَنْ أنتَ؟"

قلتُ:

"أنا أنتِ"

التهمَت الأمواجُ نيرمانا، فصاحتْ بي:

"الْزَمْ شقَّتَكَ،

 وأغْلقْ محبسَ الماءِ بسرعةٍ"

 

ـــ3ــــ

مثلما تحضرينَ بسهولةٍ في ضميري

(الذي لا محلَّ له من الإعرابِ)

على ظهر أحدِ الأفيال الْمُسَالِمَةِ،

تتسرَّبين أيضًا بسهولةٍ في مسامِّ جِلْدِي المتشقِّقِ

تتشَّرَبُكِ ذرّاتي المترابطةُ

المتعطّشةُ إلى التحلُّلِ

في الجيرِ الحيّ

 

تمشطينَ شَعْرَكِ المجعّدَ بعصبيّةٍ أمامي

في حين أضغطُ بهدوءٍ على لوحة مفاتيح الكمبيوتر

أكتب حروفَ اسمكِ في مُحَرِّكِ (Yahoo)

نيرمانا Nirmana

نيرما Nirma

نيرميتا Nirmitta

نيتا Nitta

ميتا Mitta

تيتا Titta

نيرمالا Nirmala

نيرفانا Nirvana

نيرفا Nirva

نورينا Noreena

نوريتا Noritta

ناريمانا Narimana

نيرمينا Nermina

نون Noon

نونا Nona

ن N

 

تُجيبني الشاشةُ بابتسامةٍ كمقذوفاتِ السفن

لها جناحانِ وذيلٌ

إلا أنها غير قادرةٍ على الطيران

 

يُحلّقُ 16 صِفرًا فوق رأسي في الغرفة

0 0 0 0

في منقارِ كلِّ صِفْرٍ قطعةٌ من فصوصِ مُخّي

(المضبوطةِ جيّدًا بالشّكْلِ)

 

أصنعُ من خَجَلي المتورّمِ منطادًا

أصعد به إلى أقدمِ كوكبٍ في المجرَّة

حيث لا أحد يقلّمُ أظافِرَهُ الجميلةَ،

التي يحفرُ بها مسالكَ حياتهِ

ويحفرُ بها قَبْرَهُ

 

ـــ4ـــ

راقتْ لي مدفأةُ الفحمِ

ورائحةُ البخورِ القادمةُ من عند الجيرانِ

فَضَّلْتُ تأجيلَ قَلْيِ السمكِ إلى المساءِ

كي لا يحرقَ الزيتُ المتطايرُ

فراشةً هائمةً في قفصي الصدريِّ

 

تَوَقَّعْتُ حُلْمًا بديعًا في تلك الليلةِ

خصوصًا بعد أن قررتُ النوم بدون عشاءٍ

وبدون غطاءٍ

بالفعل

طَلَعَتْ نيرميتا من الشَّرْنقةِ

وراحتْ تُطقْطقُ عُنقَها بدلالٍ عدة مراتٍ

وأنا أُصَفِّقُ لها بحرارةٍ

 

ـــ5ـــ

لستُ بحاجةٍ إلى ارتيادِ الفضاءِ

بعد أن امْتَلَكْتُ أكثرَ من ألفِ فضائيّةٍ

في حجرة نومي

(ربما هذه الفضائياتُ هي التي امْتَلَكَتْنِي

 وَأَسَرَتْ آدميَّتي بصورها المتلاحقةِ)

 

لا أزالُ بحاجةٍ إلى ارتيادِ نونا

والغوصِ في أنسجتها ببذلةِ الفضاءِ

بعد فشلِ الطَّبَقِ والدّيكودر

في التعامل مع إشاراتِها القريبةِ والقويّةِ

 

ـــ6ــ

يَعرفُ الهاتفُ أنها هِيَ

فيخجل من حرارتهِ المرفوعةِ مؤقَّتًا

وينبض بحياةٍ

لا تتحمَّلُها أسلاكُ أعصابي

 

نيرفانا

"صباح الخير" من شَفَتَيْها كافيةٌ جدًّا لأتساءلَ:

"كيف سأتحمَّلُ رائحةَ البشرِ أمثالي

 بعد أن غمرني عِطْرُ الملائكةِ؟!"

"تصبح على خيْرٍ" من عينَيْها صالحةٌ جدًّا

لزرع الفيروس اللذيذِ في عقلي الإلكترونيِّ الْمُنْهَكِ

وَمَحْوِ خلايايَ السليمةِ والتالفةِ

 

لماذا لَمْ تظهرْ نيرفانا

في الصورةِ الديجيتال التي الْتَقَطتُها لها؟

وهل حقًّا أنا عندي هاتفٌ؟!

 

ـــ7ـــ

أمام إصرارِ نيرميتا الشديدِ

على لعبِ مباراة بنج بونج بالكرة الأرضيّةِ

اضطررْتُ إلى الموافقةِ

 

كان سهلاً عليها جدًّا

أن تُمَرِّرَ الكرةَ بالمضربِ من فوق الشبكةِ

من ملعبِها إلى ملعبي

لأنها لا تؤمنُ إطلاقًا بالحدودِ

بين نصفِ الطاولةِ الكونيّةِ، ونصفِها الآخَرِ

ولأنها قصدتْ باللعبِ .. مجرّد اللعب

بالنسبةِ لي

رغم أنني قصدتُ باللعب .. مجرّد اللعب،

كنتُ أجدُ صعوبةً في تمرير الكرةِ من فوق الشبكة

خشيةَ اتهامي بمعاداةِ الحدودِ السياسيّةِ بين الدول

ومناصرة النزعاتِ الكونيّةِ

ذات الثمارِ الملوّنةِ والأوراقِ الخضراءِ

والظّلالِ السوداءِ الْمُخيفَةِ

 

ـــ8ــ

بقماشةٍ مبلّلةٍ

أُنظِّفُ مرآتي

إلا من الإبرة المغنطيسيّةِ الْحُرّةِ فوق جبيني

وأزرارِ قميصي الواقي من المفاجآتِ

 

أَقْبضُ كَفِّي وأبسطُها عدة مراتٍ

أفتحُ فمي وأغلقُهُ عدةَ مراتٍ

أُحْصي أسناني غيرَ متشكِّكٍ في عددها

فقط ليطمئنَّ قلبي أنني صديقُ الأرقامِ الطيّب

بل الطيّب جدًّا،

الذي لا يؤذي أحدًا

ولا يريدُ أن يَجْرَحَ نفسَهُ أبدًا

حتى إن هشّمَ المرآةَ بقبضةِ يدهِ

وفضّلَ مطالعةَ ظلّهِ الأسْودِ على الحائط الخشنِ،

على طريقة نيرمانا

 

ــ9ــ

أَعْلَنَت الوِسَادَةُ

أنها لن تَقْدِرَ على الاحتفاظِ برأسي إلى الصباح

 

جاء ذلك ردًّا على أخذي حقنةَ التخدير

استعدادًا لإزالة لسانٍ زائدٍ في فمي

يُطْلقُ كلماتٍ غيرَ مفهومةٍ

تبدأ كلّها بحرفٍ من هذه الحروف الخمسةِ:

(نون. ياء. راء. ميم. ألف)

 

الحمدُ لله

ليست هناك خطورةٌ على "لسانِ المزمارِ"

ربما لأنه أَخْرَسُ

 

ــ10ــ

لَمْ أكن محتفظًا بقدْرٍ كافٍ من التركيزِ

ربما بسبب آلام الظهرِ،

التي زادت حدَّتُها مع طول فترات الجلوسِ

في المكتب وفي المنزل

لذلك أخطأ إصبعي في نَقْرِهِ لوحةَ المفاتيحِ

كتبتُ "Normal" بدلاً من "Nirmala"

هنا ابتسم مُحَرِّكُ (Yahoo) بحنانٍ مفرطٍ

نساءُ الأرض كلهن زُرْنَنِي في تلك الليلة

طيورُ الزّينةِ كلها دَاعَبَتْ مُخِّي بلطْفٍ

 

كان أمرًا محرجًا حقًّا

أن أتثاءب عدة مراتٍ

بل أنام فعلاً

قبل أن أوزّعَ الحلوى على ضيوفي

مع أن الكَرَمَ من كروموزوماتي الوراثيّةِ!

 

ــ11ــ

لَمْ أصدّقْ نيرمانا حين هَمَسَتْ:

·        عيناكَ تقولانِ أشياء وأشياء

= عينايَ أم نَظّارتي؟

·        عيناكَ من تحت النظّارة

= وماذا يقول أنفي إذن؟!

·        يقول إنكَ أدمَنْتَ استنشاقَ السّخافاتِ!

= وبماذا أخْبَرَتْكِ عينايَ الكريمتان؟

·        بأنكَ تدركُ جَيِّدًا أنني لا وجودَ لي!

= ها ها ها ..

 

ــ12ــ

مَشَيْتُ حافيًا فوق الأحجارِ والمساميرِ،

من منتصفِ الليلِ إلى الصّباحِ

ليس بمحضِ إرادتي،

ولا رغبةً في تقليدِ نيرمانا،

كما توهّمَ البعضُ

وكما توهَّمْتُ أنا

 

الحقيقةُ السخيفةُ

أنني التزمْتُ – مُجْبَرًا - بقوانينِ السوقِ

حيث فُرِضَتْ على محلاتِ الأحذيةِ،

والمحلاتِ كلها،

مواعيدُ صارمةٌ

لفتحِ وإغلاق أبوابها

 

ـــ13ــ

مع قدومِ أوّلِ نسمةِ صيفٍ

نقلْتُ هدومي الشتويّةَ إلى أبعدِ موضعٍ في الدولابِ

غيرَ عابئٍ بتحذيراتِ خبراءِ الأرصادِ

من التقلّباتِ الجوّيّةِ

 

أَعَدْتُ ترتيبَ الدولاب كلّه

نظرْتُ طويلاً إلى سُتْرتي العسكريّةِ

لا أدري أين أضعها في حقيقة الأمر

هل أتخلّصُ منها؟

أستبعدُ أن يجيئني استدعاءٌ رسميٌّ

"نحنُ لسنا في حالةِ حربٍ"

على الأقلِّ كما تقولُ جرائدُ الصباحِ،

ونشراتُ الأخبارِ

 

الغريب أنني اخْتَرْتُ أفضلَ شَمَّاعةٍ

وَعَلَّقتُ السُّترةَ العسكريّةَ عليها

في أقرب موضعٍ في الدولاب

ربما فقط لأنامَ هادئًا

مطمئنًّا أن لصًّا لن يَجْرؤََ على سرقةِ مجوهراتِ زوجتي

من الرّفِّ العلويِّ

 

عندما نِمْتُ بعدها

رَأَيْتُنِي أركضُ في الشمس الحارقةِ

بدون أيّ ملابس

وبدون ظلالٍ

مرتديًا فقط الخوذةَ والبيادةَ

وحاملاً بندقيّةً آليّةً

 

حاولتُ قتلَ الكلابِ الضّالّةِ،

التي أجبرتْ نيرمينا على جمع أغنامها

والرحيل من كوخها الخشبيِّ فوق الجبل

أطلقتُ الذخيرةَ الحيّةَ دون جدوى

ذابت الكلابُ كلّها في القلاعِ والخنادقِ

 

أفقْتُ من النومِ مُنْهَكًا

وَجَدتُ اللصوصَ قد حطّموا الدولابَ تمامًا

المجوهراتُ كما هي .. الحمدُ للهِ

لكن أولاد الكلابِ سرقوا سُتْرتي العسكريّةَ

هل تراهمْ طمعوا في الشّمّاعة؟!

 

ــ14ــ

جَاءَتْنِي رسالةُ نيرما على بريدي الإلكترونيّ:

"كُلْ جيّدًا، وَنَمْ مبكّرًا

 لتُحسنَ استقبالي في الصّبَاحِ"

رَدَدْتُ على الفور:

"مُثَبِّتُ الشَّعْرِ لا يناسبُ ملامِحَكِ هذه الليلة

 الطعامُ والنومُ مطرودانِ من غرفتي

 إلى أن تحضري جائعةً مُحْمَرَّةَ العينينِ"

 

لماذا ذكَّرَتْني رسالَتُها غيرُ الموقَّعةِ بإمضائها

بِمُزيلِ العَرَقِ المغشوشِ،

الذي أصابَنِي بالحساسيةِ؟

 

ــ15ــ

حَلُمْتُ كثيرًا

بأنني حطّمْتُ الرقمَ العالميَّ في القفزِ بالزانةِ

حَلُمَت الزانةُ كثيرًا

بأنها تحطّمتْ تحتي

وَأَسْقَطَتْنِي فوق جثمانها

سألتُ نيرمانا:

"أيُّ الْحُلْمَيْنِ أَعْجَبَكِ أكْثَرَ؟"

قالتْ بهدوءٍ:

"حُلْمِي بأنكَ أصبحتَ زانةً

رَفَعَتْنِي إلى السماءِ

ثم تَحَطَّمَتْ تَحْتِي"

 

ــ16ــ

لَمْ يكنْ جنونًا

أن أتفادَى – وحدي - فيلم "Titanic

ذلك الذي احتضنَ ثقافاتِ الأرضِ كلها بقوّةٍ مُفْرطةٍ

بحجةِ جَبْرِ عظامِها المتكسِّرة

وَلَمْ يكن اتّزانًا

أن أحتضنَ – وحدي - " "Tittan show

ذلك الذي اخترقَنِي كرصاصةٍ

بحجة تطْهيري بالفصْدِ والحجامةِ

من سُمِّيَّاتِ ثقافاتِ الأرضِ

ومن الأرواحِ الشّرّيرَةِ

 

ــ17ــ

التاريخُ الذي بداخلي

أكَلَتْه الجغرافيا

الجغرافيا التي بداخلي

عَضَّها التاريخُ

 

الفرقُ بين نيرفانا و"Miss Universe 2007"

أن الأخيرةَ جغرافيا مستقرّةٌ في التاريخ

في حين أن نيرفانا

تاريخٌ يرفضُ الاستقرارَ فوق أيّةِ جغرافيا

 

ــ18ــ

في المعبدِ القديمِ المتهالِكِ،

الذي جَدَّدَهُ المهندسون في 48 ساعةً بحوائطَ جاهزةٍ

صَعدَت التكنولوجيا الْمِنْبَرَ

ممسكَةً مسْبَحَةً

عندئذٍ،

انْفَرَطَت حَبَّاتُ الجماهيرِ

وغابَ عن الجميعِ اتجاهُ القِبْلَةِ

وحدي،

أواصلُ السجودَ للإلهِ المعبودِ في غُرْفَتِي

خاشعًا متضرّعًا

متمنّيًا أن تكونَ كلماتُ نيرمانا،

التي تردّدُها كثيرًا ولا أَفْهَمُها،

تعني "سبحانَ الله"

 

ــ19ــ

اشتعالاتُ نوريتا، وانطفاءاتُها

ليست بكبريتي، ولا بمائي

 

عندي فقط عودُ ثقابٍ واحد

أدّخرهُ ليومٍ ينقطعُ فيه التيارُ الكهربائيُّ

حيث لابدَّ حينذاكَ أن أرى نفسي بسرعةٍ جدًّا

ثُمّ أشرب الماءَ الذي أملكهُ كلّه

 

ــ20ــ

تتمنّى ساعةُ القلبِ

لو تُخْطِئُ التوقيتَ مرةً واحدةً

فتدقّ دقّتينِ مثلاً

في تمامِ الواحدة!

 

هذا ليس معناهُ أنني أرغبُ في امرأتينِ

- حاشا -

الله يشهدُ أنني مصابٌ بالتُّخمَةِ من النّسَاءِ

كلّ ما في الأمر،

أنني أودُّ طَمْأَنَةَ نيرمانا

أن كواكبَ المجرّةِ، وإلكتروناتِ الذّرّةِ

من الممكنِ ألا تنتظمَ في دورانِها

 

ـــ21ــ

"الفوطةُ القديمةُ

 هل تصلح لامتصاصِ عَرَقِي الجديدِ؟

 وهل هو خالٍ حقًّا من الأملاحِ المتعادلةِ كيميائيًّا،

 وله طعمُ التوابلِ المتوهجةِ؟!"

 

هكذا سألْتُ نيرمانا،

فَوَضَعَتْ لاصقةً طِبّيّةً على شَفَتَيْها

 

ــ22ــ

أنابيبُ اختبارٍ

أدواتُ تشريحٍ

معطفٌ أبْيضُ

فأرٌ أبْيَضُ

القلبُ يجبُ ألا يكونَ أبْيَضَ كي أُنْجِزَ التّجْربةَ!

مع أن هدفي – واللهِ العظيمِ – نبيلٌ جدًّا

حيث أريدُ مراقبةَ الذي يحدثُُ للأنسجةِ الحيّةِ بالضبطِ

عند حَقْنِها برحيقِ نيرما

وعند حَقْنِها بغيابِها

 

نيرما رفضتْ أن تُساعدني في إجراءِ التّجربةِ

بحجّةِ أنها لا تعترفُ بفأرٍ غيري

 

ــ23ــ

لا أستمتعُ عادةً بعروضِ السّيركِ

فالوحوشُ تُذكّرُنِي بذاتي،

التي توحَّشَتْ رغْمًا عني

والحركاتُ الصعبةُ لا تجتذبُ بهلوانًا مثلي

يمشي على الحبالِ يوميًّا

ويراقصُ القمرَ والأفاعي والدخانَ

الذي أَدْهَشَنِي حقًّا في العرضِ الأخيرِ

وَوَصَفَتْهُ نيرمانا بأنه "مُرْعِبٌ"

هو مشْهدُ الأسُودِ المتمرّدةِ

التي هَجَمَتْ فَجْأَةً على مدرّبها

وبدلاً من أن تَنْهَشَهُ أو تحاولَ افتراسَهُ 

ضَرَبَتْهُ بالكرباجِ

وَطَلَبَتْ منه أن يمرَّ برشاقَةٍ من "طَوْقِ النّارِ"

باعتبارِهِ البطلَ الجديدَ لملحمةِ الترويضِ الْكُبْرَى،

الذي يَسْتَحِقُّ الحياةَ وتحيّةَ الْجُمهورِ

 

ــ24ــ

عُلْبةُ الكوكاكولا .. للثلاجةِ الحمراءِ:

"لسْتِ أُمِّي بالتأكيدِ"

الضوءُ الأبيضُ .. لمصباحِ النّيون:

"مَن الذي وَهَبَنِي تَوَهُّجِي؟"

العلكةُ .. للأسنانِ:

"تمنّيْتُ أن يكونَ لي لسانٌ لأخرِجَهُ لكِ"

القمَامَةُ .. لِسَلّةِ المهمَلاتِ:

"لو رَضِيَ بي غَيْرُكِ، لما رَضِيتُ بكِ"

أنا لنونا:

"حَبْلِي السُّرِّيُّ مُتَّصِلٌ بكِ، يَهَبُنِي بعضَ وَهَجِكِ. تَمضغينَنِي فأرجو أن أتذوَّقَكِ بلساني. رَضِيَتْ بي نونُ النّسْوةِ، ولا أرضَى إلا بنونا"

 

ــ25ــ

بطاقيّةِ نورينا

أتدفَّأُ فقط، لكنْ لا أخْتَفي

(من قالَ إن طاقيّتَها هي "طاقيّةُ الإخفاءِ"؟!)

 

من غير طاقيّةِ نورينا

قد أتحمّلُ البَرْدَ

خصوصًا في الأمكنةِ المزدحِمَةِ

لكنْ لا يراني أحَدٌ بالتأكيد!

 

ــ26ــ

لَمْ تكن السينما كاملةَ العددِ

40٪ من المقاعدِ كانتْ خاليةً

أغلبيةُ الحضور شعروا بأن الفيلم مُمِلٌّ

بعد أقلِّ من نصفِ ساعةٍ

 

البطلُ يعاني من البطالةِ

يرفضُ دفعَ رشوةٍ

للحصول على فرصةِ عملٍ

يُحرّمُ على نفسه ثروةَ والدهِ

المتهمِ في قضايا فسادٍ وغسيلِ أموالٍ

ينفثُ الدخانَ منذ صغرهِ

في مقاهي الدرجة الثالثةِ

يتعاطى السياسةَ في أوكارِ الأحزابِ الوهميةِ

حياتُهُ بصفةٍ عامّةٍ لا تخضعُ لأي برنامجٍ

 

أما البطلةُ التي تدّعي الرومانسيّةَ،

فهي تقيسُ أحلامَها بالمازورةِ

تُفَضِّلُ الطعامَ المسلوقَ، وتنامُ مبكّرًا

تبتسمُ بقدرٍ في المناسباتِ العائليّةِ

تخلعُ الحجابَ على الشاطئِ وفي قاعاتِ الأفراحِ

في محاولاتٍ كلاسيكيّةٍ لاصطيادِ عريسٍ جاهزٍ

 

حينما وقعَ البطلُ في شِبَاكِها

استهجنَ المتفرجونَ الحبكةَ الدراميةَ

فلا هو تَشَهَّاها،

ولا هي رَأَتْهُ في الأساس!

 

تَمَنَّيْتُ وقتها

أن أشاهدَ فيلمًا أكثرَ تشويقًا

أو أكثرَ صدْقًا

عن المجاعاتِ،

عن التفرقةِ العنصريّةِ،

عن الانفجاراتِ الإرهابيّةِ،

عن الإبادةِ الجماعيّةِ حتى

 

في اليوم التالي

ذَهَبْتُ إلى المسرحِ اليونانيِّ الرومانيِّ

نيرمانا هي بطلةُ العرضِ وحدها كما عَلِمْتُ

"الغزوُ الْمُبَاحُ" هو عنوانُ المسرحيّةِ

لم تكتفِ نيرمانا باحتلالِ خلايا جسدي

بل تَمَكَّنَتْ أيضًا من سَلْبِ خبايا الرُّوحِ

أشهدُ لها حقًّا بالبراعةِ

 

قالتْ لي بعدها بأسابيع:

"سأرحلُ يوم 2/9/2007

 ولن أعود مرة أخرى"

 

عَجَزَت حبالي الصوتيّةُ عن الاهتزازِ تمامًا

دعوتُها بكل الوسائل إلى التَّرَاجعِ

أَصَرَّتْ على تنفيذِ رَغْبَتِها

ضاربةً بمحاولاتي المستميتةِ عَرْضَ الحائطِ

 

قلتُ:

"هو غيابي أنا.. وليس غيابَكِ"

انفجرتْ ضاحكةً، وقالتْ بصوتٍ مُشْرقٍ:

"رَسَبْتَ أنتَ في امتحانِ إخفاءِ المشاعرِ،

 وَنَجَحْتُ أنا في بروفاتِ مسرحيّتِي الجديدةِ!"

 

قبلَ أن أتشاجرَ معها

بسبب مزاحِها السخيفِ جدًّا

قالتْ بصوتٍ لَمْ أسمعْ مثله من قبل:

"سَامِحْنِي..أنا فعلاً كَلْبَةٌ!"

 

ــ27ــ

تُزَلْزِلُنِي أحيانًا نوباتُ حياةٍ

لا تَنْتَهِي إلا بجرعاتٍ مكثّفَةٍ

من "المبيداتِ البشريَّةِ" المناسبةِ

 

مُشْكِلَتِي الكبرى مع نورينا

أنها تباركُ نُهوضِي من البياتِ الشّتويِّ

في حين أخشى السُّكْنَى في بستانها الْمُشْمِسِ

أكثرَ من خمسِ دقائق

 

التعوُّدُ على الظلام 

ينتهي عادةً بقليلٍ من الرؤيةِ

أما التعوّدُ على أشعّةِ نورينا

فنهايَتُهُ المؤكّدة:

عدم القدرةِ على الإبصارِ مرةً أخرى

 

ــ28ــ

تَمَكّنْتُ أخيرًا من امتلاكِ دفترِ شيكاتٍ

لكنني لَمْ أتمكّنْ بعد

من امتلاكِ "توقيعٍ"

أو حتى بصمةٍ مميّزةٍ

 

الشيكاتُ التي كَتَبَتْها نيرمانا لي

لم تكن بحاجةٍ إلى توقيعٍ منها

فخطُّهَا لا نظيرَ له،

والأهَمُّ من صَرْفِ تلك الشيكاتِ بالنسبةِ لي

أن أحتفظَ بها كتذكارٍ

 

ــ29ــ

الأشعّةُ المقطعيّةُ على المخِّ

كشفتْ بوضوحٍ

عدم وجود خلايا مصابةٍ بـ"متلازمةِ نيرما"

رسمُ القلبِ

يؤكّدُ عدم انتظام النبضاتِ بدون سببٍ ظاهرٍ

كهرباءُ الجسمِ

تبدو زائدةً على المعتادِ بغرابةٍ

تحليلُ الدمِ

يشيرُ إلى ارتفاع نسبة الكلوروفيلِ الأخضرِ

 

منظارُ المعدةِ

التقط صورًا لعروسين في شهرِ العسلِ

 

اختبارُ القدرةِ على الإنجابِ

يؤكّد تفرُّدي بضخِّ بذورِ الياسمين

الصالحةِ للزراعةِ في أية تربةٍ

بدون أسمدةٍ كيماويّةٍ

 

جهازُ كشفِ الكذبِ

أطْلَقَ إشارةَ تنبيهٍ،

عندما سُئِلْتُ عن نيرما، فقلتُ: "إنها السرابُ"

 

ــ30ــ

كلما أَكَلْتُ قطعةً من نيرمانا

أو قَصَصْتُ شريحةً منها بالمقصّ

شعرْتُ بعقدة الذنبِ

لكن هذه العقدة تتبدّدُ على الفورِ

عندما تقف نيرمانا فوق الميزانِ

وتجد أن وزنها قد زادَ

شَجَّعَنِي هذا الأمرُ

على البحث عن سوبر ماركت

يبيعُ سلعًا تنمو عندي باستهلاكِهَا!

 

ــ31ــ

الألعابُ التي تعلّمتُها وحدي كثيرةٌ جدًّا

أهمُّها:

مصارعةُ الثيرانِ الوحشيّةِ في جسدي النحيلِ

وأداءُ الحركاتِ الأكروباتيّةِ بامتيازٍ

فوق "مُتَوَازِي" الحياةِ

ومبارزةُ "خَيالِ المآتةِ"،

الذي احتلّ مرآتي

 

نيرميتا علّمتْني ألعابًا أكثرَ خطورةً

لكنها أكثرُ إمتاعًا

 

عَلّمَتْني الرقصَ الإيقاعيَّ مع الأسماكِ

في قاعِ البحيرةِ

وقذفَ الصيّادينَ بالقواقعِ الملغومةِ

إذا حاولوا الاقتراب

(نيرميتا البحريّةُ ذاتُ الزعانفِ

 تعتبرُ أن أكلَ الأسماكِ جريمةٌ لا تُغتفر)

 

عَلَّمَتْني تقليدَ البشرِ الذين أحبُّهم،

والحيواناتِ الأليفةِ

بأسلوبٍ كاريكاتوريٍّ يفضحُ عيوبَهمْ بقسْوةٍ

 

عَلَّمَتْني الغناءَ في الصباحِ

ولو بحنجرةٍ خشبيّةٍ مشروخةٍ

 

عَوّدَتْني نيرميتا أيضًا

على تعاطي جرعاتٍ مكثّفةٍ

من منشّطاتِ الرُّوحِ

أَحْبَبْتُ هذا الأمرَ جدًّا

وكرهْتُ التفكيرَ في حالي بعد أن أصبحَ مُدْمِنًا

ولا أجدُ عبوّاتٍ جديدةً

(هذه المستخلصاتُ الطبيعيّةُ

 لا تُباعُ في الصيدليّاتِ بطبيعةِ الحالِ)

 

لَمْ تكتفِ نيرميتا بتنشيطِ الملفّاتِ المرئيّةِ

في أقراصي الصّلبةِ والمرنةِ

لكنها نشّطتْ أيضًا الملفّاتِ الْمُخْفاةَ

والملفّاتِ الْمُلْقاةَ منذ زمنٍ في "سلّة المهملاتِ"

 

نشّطتْ أيضًا غُددي العَرَقيّةَ وغُددي الدمعيّةَ

قالت إن رائحةَ العَرَقِ وبريقَ الدموعِ

يزيدانِ الرجالَ جاذبيّةً

 

وصفتْ نفسها بالمجنونةِ

ونقلتْ برجَ حظّها إلى جوارِ برجِ حظّي المائلِ

 

أصرّتْ ـ ولا أدري لماذا ـ

على أن تلعبَ معي "استغمّاية"

كان ذلك ضد إرادتي بالطبع

ومع انطلاقِ صفّارةِ البدايةِ

خطر لي ـ ولا أدري لماذا ـ

أن كلّ شيءٍ قد انتهى

 

ــ32ــ

سَتَنْتَفِي المصداقيّةُ تمامًا

عند توقيعي أيَّ بروتوكول

للحدِّ من تلوُّثِ البيئةِ

فَيَدِي نفْسُها ملوّثَةٌ جدًّا!

سينوبُ الحظُّ عن المصداقيّةِ

عندما يتّضحُ أن ورقةَ اليانصيبِ في درْجِ مكتبِي

هي بالفعلِ نيرمانا

مثلما وَعَدَنِي بائعُ الأوراقِ

ذو الضميرِ الملوّثِ!

 

ــ33ــ
القاعةُ خاليةٌ من المجسَّمَاتِ واللوحاتِ

ومن الزوّارِ بالتأكيدِ

رغم ذلك،

يتوسّطُها الفنانُ في زَهْوٍ

مُدّعِيًا أنه الوحيدُ

القادرُ على ضَغْطِ الفراغِ كلّه

داخل أربعِ حيطانٍ

 

الجوائزُ العالميّةُ،

التي حصل عليها صَاحِبُنا

طَمْأَنَتْنِي على نفسي

إذ أَدَّعِي منذ آلافِ السنين

أنني الوحيدُ القادرُ على ضَغْطِ نيرمانا

داخل "بيتِ الطاعةِ"

بغضِّ النظرِ عن "مَنْ يُطيعُ مَنْ؟"

 

ــ34ــ

في امتحانِ القدراتِ الخاصّةِ

سُئِلْتُ:

"متى تُقاسُ السّعادةُ بالبراميلِ؟"

الإجابةُ التي أَثْبَتَتْ نبوغي:

"لو تَمَّ استخراجُ نيرفانا من آبارِ البترولِ"

 

ـ35ـ

الدنيا ذاتُ العجائبِ السبْعِ

تَطْمَعُ في الثامنةِ

 

أنا

"ذو النونِ" الواحدةِ

لا أطمعُ في أعجوبَةٍ غيرها

كل صباحٍ تَلْتَقِمُنِي النونُ، فأقول:

"لا إلهَ إلا أنتَ سبحانَكَ إني كنتُ من الظالمين"

 

ــ36ــ

لَمْ تنفِ اختبارات الـ"DNA"

أن تكون مولودةُ نيرمانا

ذاتُ الغمّازتينِ في الخدّينِ، والأصابعِ الطويلةِ،

هي ابنتي أنا من علاقةٍ شرعيّةٍ

 

لَمْ تنفِ الاختباراتُ كذلك

أن تكون نيرمانا ذاتُها

هي كبرى بناتِ أفكاري

من علاقةٍ غير شرعيّةٍ

 

ــ37ــ

سبعة سِبَاعٍ، أنا ثامِنُهم

تعاهدوا على الغَدْرِ

 

سَأَلْتُ اللغةَ العاجزةَ عما يمكنني فِعُلُهُ

أَجَابَتْنِي بأنني في حالةِ الوفاءِ بِعَهْدي:

مُطَالَبٌ بعدم الوفاءِ به!

وفي حالةِ عدم وفائي بِعَهْدِي،

مطالَبٌ بالوفاءِ بهِ!

 

نيرمانا

وَصَفَتْ كلَّ البشرِ وكلَّ المعاهداتِ وكلَّ الكلماتِ

بأنها دوائرُ مجنونَةٌ

يستوي فيها الوفاءُ والغدْرُ

وَطَلَبَتْ مني أن أنتظرَها إلى الأبدِ

عند نُقْطَةِ الْمَرْكَزِ

 

ــ38ــ

المدينةُ الساحليّةُ

لَمْ تفكرْ يومًا في خيانة البحرِ

رغم ذلك،

غضبَ البحرُ عليها جدًّا

لأنها لَمْ تغطسْ فيه بالكامل

 

ليس من حقي أبدًا أن أخونَ

وبناءً على هذا المنطق الشاذّ:

ليس من حقي ـ أيضًا ـ أن أخونَ الخيانة!

 

عندما وضع أرشميدس "قانونَ الطّفْوِ"

ضحكتْ نيرمانا من أعماقِها

وغاصتْ في أعماقِ البحر إلى الأبد ضدّ "قوّةِ الدَّفْع"

كي تثبتَ للعلماءِ أن "القانونَ" هو "الخيانة"

 

ضحكَ أرشميدس بدوره وهو يقولُ:

"نيرمانا حقًّا هي أَصْدَقُ الأكاذيبِ!"

 

ــ39ــ

غير معتَرَفٍ بالفلز الْمُشِعِّ "نيرمانيوم"

في الجدولِ الدوريِّ الحديثِ للعناصرِ الكيميائيّةِ

هو من اكتشافي أنا

ولا أحدَ يصدّقُ وجودَهُ غيري

 

ربما لأنني الوحيدُ

الذي رحتُ ضحيّة تفاعلاتِهِ الانشطاريّةِ

 

ربما لأنني الكيميائيُّ الوحيدُ في هذا الوجودِ

أو ربما لأنني الوحيدُ

الذي لا أفقَهُ شيئًا في الكيمياءِ

 

ــ40ــ

الرّوبوتاتُ المتمرّدةُ على قوانينِها الأساسيّةِ

الْمُقَيِّدَةِ لحركَتِها (*)

أَغْرَتْنِي بالاستماتةِ في الدفاعِ عن وجودي كإنسانٍ

حتى لو أَدَّى ذلك إلى مخالفَةِ البشرِ،

أو التسبّبِ في إيذائِهم،

بشكلٍ مباشرٍ أو غيرِ مباشرٍ

 

القانون "صِفْر" الذي وَضَعَتْهُ لي نيرفانا،

ووافقْتُ عليه غيرَ مضطرٍّ،

تنصُّ بنودُهُ على ما يلي:

·        لا يجوزُ للشخصِ الوحيدِ الذي يؤمنُ بنيرفانا إيذاؤها، ولا يجبُ أن يسمحَ بحدوثِ أذىً لها.

·        يجبُ على هذا الشخصِ إطاعةُ أوامر نيرفانا، إلا حينما يتعارضُ ذلك مع البندِ الأوّلِ.

·        يجب أن يحافظَ هذا الشخصُ على وجودِهِ، طالما لا يتعارضُ ذلك مع البندَيْنِ الأوّلِ والثاني.

 

ــ41ــ

لا تُصَدِّقُ نيرمانا أنني صِرْتُ عالميًّا

لمجرد امتلاكي فيزا كارد معتمدةً

ورخصةَ قيادة دوليّة

وجوازَ سفر عليه أختامُ عشرين دولةً

بيننا وبينها علاقاتٌ طيبةٌ

أو اتفاقياتُ صُلحٍ وسلامٍ

 

نيرمانا تؤكّدُ،

أن رائحةَ الزيتِ الحارِّ في فمي

(أقصدُ اللعَاب)

لا يمكنُ مَحْوُها بالنعناعِ الأمريكيِّ

وأن الكالّو في قدمي

لا يمكن مداراتُهُ بحذاءٍ إيطالِيٍّ

من الجِلْدِ الطبيعيِّ الممتازِ

 

نيرمانا (رغم كل شيءٍ)

تؤمن بخصوصيّتِي (في كلِّ شيءٍ)

ولذلك فهي تزورُنِي في كثيرٍ من الأحيانِ

بعباءةِ "عفريتة هَانِم"

حيث لا يراها أَحَدٌ غيري على الإطلاقِ،

ولا حتى مُخْرِج الفيلم الفانتازيِّ

الذي أنا بَطَلُهُ الْمُطْلَقُ!

 

ــ42ــ

أَجْمَلُ إحساسٍ في الدنيا

أن تَخُصَّنِي بدمائها العطرةِ إلى الأبدِ وردةٌ نموذجيةٌ

هي قمة الْمُمْكِنِ فعلاً بالنسبة لدراكولا مثلي،

وهي منتهى الأحلامِ بالنسبةِ لغيري من الآدميين

 

أَعْجَبُ ما في زهرة المستحيل نيرفا،

ذات الْمَتَاعِ الْمُرَكَّبِ،

أنها ترشُّني بِأَحْمَرِهَا الأنثويِّ

الفريدِ من نوعِهِ في الوجودِ

وأنني أستلذُّ بعذابي

حيث لا توجد معي قارورةٌ نظيفةٌ

أحتفظُ فيها إلى الأبدِ

بهذا الرحيقِ المختومِ

 

ــ43ـ

معجزةُ نيرفانا الكبرى

أنها توقظُ مَنْ هو مستيقظٌ

وتتثاءبُ أمام النائمِ، فينام

 

ربما هي عاديّةٌ جدًّا

لكنها قادرةٌ على جعلِ العاديّينَ صُنّاعَ معجزاتٍ

 

في "التشات" الأخير معها مثلاً،

بعد ساعاتٍ قليلةٍ

من تناولنا البيتزا معًا على شاطئ البحر

واحتسائنا رطوبةَ الجوِّ الممزوجةَ باليودِ اللاذعِ،

تحوّلتْ كلماتي إلى ما يشبهُ الشِّعْرَ الارتجاليّ

مع أنني أعاني من عقدةٍ في اللسانِ

وَبُطْءٍ في صفِّ الكلماتِ غير المعتمدةِ في كتبِ المنطقِ

 

قلتُ لها في أقلّ من خمس دقائق

هذه العباراتِ المحقونةَ بسكّر القَصَب:

"راقبتُكِ اليوم وأنتِ تمارسين فعلاً بشريًّا اسمه الأكلُ، فتأكّدتُ أن أشباهَ الملائكةِ يأكلون، لا مثلما أشيعَ. أما أنا، فكفاني مذاقُكِ أيَّ طعامٍ يمكنُ أن يعكّرَ صفوَ حواسّي الخمس.

عندما أطلْتُ النظرَ إلى وجهكِ المضيءِ الباسمِ، حسدتُ نفسي كثيرًا على امتلاكي الشمس وحدي، بعد أن غادرتِ المدينةَ بساعاتٍ.

كم تمنّيتُ لو يصيحُ البحرُ فينا، ويأمرنا بأن نتدثّر بردائه معًا، لتنسانا العيونُ، وتتذكّرنا الجفونُ، ونحن نمارسُ الاختباءَ في صَدَفَةٍ واحدةٍ تتسعُ لنا.

لستِ نقاطًا على حروفي، أنتِ أبجديّتي الجديدةُ، التي فهمْتُ بها العالَمَ كلّه، وعندما نطقْتُ بها، لَمْ يَفْهَمْنِي أحدٌ. يكفيني فقط أنكِ تقدّرين حركةَ لساني، حتى إن لـَمْ تنحازي إلى لغته.

ما تسمعينه الآن ليس صوتي، ولا صمتي. هو احتكاكُ كياني الحديديِّ بطاقتِكِ الكهربائيّةِ المستَمَدَّةِ من برق السماءِ. ماكينتي تعمل رغمًا عني، صدّقيني، بعد أن اتّصلَ بها تيّارُكِ. كل ما أخشاه، أن تعملَ بدون توقّفٍ، فلا أسيطر عليها، أو أن تتوقّفَ بفعلٍ إراديٍّ مني، فلا أسيطر على حياتي.

أنتِ الماثِلَةُ الآن، لا الْمُمَثِّلَةُ. أنتِ نبعُ الفنِّ، الذي ينسكبُ فيتحقّق تلقائيًّا من ذات نفسه. المخرجُ والمصوّرُ والمؤلّفُ والعاملون جميعًا ليسوا في حقيقةِ الأمر سوى جمهورِكِ، الذي لا يملكُ سوى التصفيقِ لكِ، وكلُّ واحدٍ يندبُ حظَّهُ لأن لديه يدينِ فقط يصفّقُ بهما.

أنا اليوم تمنّيتُ أن أنقسمَ ثنائيًّا كالأميبا آلاف المراتِ، لأُشْبِعَ رغبةَ شعبٍ تمنّتْ طوائفُهُ كلها الطوافَ حولكِ.

أنا أكونُ بوجودِكِ، هكذا أفهمُ، ولا تعنيني المسمّياتُ. أنتِ هي أنتِ، ولا تعنيني الصفاتُ. أنتِ تكبرين بداخلي، غير أن مساحة خريطتِكِ أكبرُ بكثيرٍ من مساحةِ جِلْدِي. حَمْلِي غيرُ كاذبٍ، صدّقيني. أحتويكِ حقًّا، صدّقيني، لكنكِ أنتِ أيضًا، صدّقيني، تحتوينني، وليس لأيٍّ منّا غطاءٌ.

اليومَ، فقط، شَمَمْتُ رائحةَ الجنونِ الصادرةَ من غليونِكِ، فعشْتُ ليلةً بألفِ ليلةٍ وليلةٍ. كيف لو ضَمَمْتُ الجنونَ إلى حِضْنِي، وَمَصَصْتُ رحيقَهُ بأمعائي المبطّنةِ بالعوازلِ الحراريّةِ المتهالكةِ؟ بعد أن أشعلْتِ غليونَكِ، نسيتِ ولاعَتَكِ معي، ربما بإرادتِكِ. لا أريد ولاعاتٍ، ليتَكِ تركتِ لي مطفأةَ حريقٍ. أنصحُكِ بأن تُجَرّبي تدخينَ البشرِ، لن تحتاجي إلى ولاعاتٍ، ستشعلينَهم بوقودِ عينيكِ، وشرارِ ابتساماتِكِ.

تقولين إنكِ تذوبين من صِدْقي، فكيف أصفُ حالي إذْ أفترضُ صدْقَ حضورِكِ في يقظتي ومنامي؟".  

 

ــ44ــ

قلتُ لنيرمانا:

"أنتِ فتاةُ الجرانيت،

 التي مَنَحَتْنِي صَكَّ الغفرانِ،

 وسمحتْ لي بإعادةِ نَحْتِها"

قالتْ لي:

"أنتَ كاذبٌ كاذبٌ

 أنا لستُ قابلةً للتعديل، ولا إعادةِ التسميةِ

 من المؤكد أنكَ لستَ بمثَّالٍ،

 ويمكنكَ التطهّر من خطاياكَ بالدِّيتول"

 

ــ45ــ

الحصولُ على الحدِّ الأدْنَى

من وضوحِ العلاقةِ بيني وبين نيرمانا

يتطلّبُ إنشاءَ شبكةٍ بينيّةٍ عملاقَةٍ

تربط نِقَاطِي الفعّالةَ بنقاطِها

 

الأكْثَرُ أهميّةً من شَرْطِ غيابِ الرّقابةِ على الشّبكةِ

أن تكونَ المسافةُ الزمنيّةُ بين بدايتي ونهايتي

أطولَ مما يستغْرِقُهُ تدفّقُ المعلوماتِ

بين نقاطِي ونقاطِها

 

ــ46ــ

الحذاءُ الذي نَسِيتْهُ سندريلا في الحفلِ

لَم يكن سببًا كافيًا

للبحثِ عن طيفها الشّاردِ

المختبئِ في كهفٍ ما

خارجَ حدودِ المدينةِ

 

آثارُ قَدَمَيْ نيرمينا الحافيتينِ

على رُخَامِ رُوحِي

كانت كافيةً جدًّا

للاحتشادِ لرحلةٍ مكوكية ممتعةٍ

للبحث عن لحمها ودمها في القارات كلّها

أو على الأقل للتأكد من أن الأرض لا تزال كرويةً

مثلَ كرةِ النارِ في جَوفي

 

ــ47ــ

لَمْ أضحكْ منذ زمنٍ بعيدٍ

مثلما ضحكْتُ مساء أمس

في الحفل الخيريِّ،

الذي أَقَمْتُهُ في منزلي الأنيق

لصالح ضحايا الزهايمر

غير القادرين على تذكُّرِ أسمائهم الحقيقيَّةِ

ولا على نسيانِ أصابعهم المفقودةِ

ضَحكْتُ كثيرًا حقًّا

حينما جَذَبَتْنِي نيرميتا

من رابطة عنقي الملوّنةِ

وراحتْ تدور بي حول مائدة الطعام

وأنا ألْهَثُ وراءها، وأنظرُ إلى الأطباق بشغفٍ

 

سَأَلَتْنِي نيرميتا ببراءةٍ

عن سرِّ سعادتي الهيستيريّةِ

رَدَدْتُ بجديّةٍ:

"ألا ترينَ أصابعَهم المفقودةَ،

 وقد عادتْ بسلامٍ، وَمَلأت الأطباقَ؟!"

 

حَمْلَقَتْ فِيَّ ذاهلةً، وَتَمْتَمَتْ متعجبةً:

"إنما هو الجمبري الفاخرُ الذي تُحِبُّهُ!"

 

عندئذٍ أيقنتُ أنني أُصِبْتُ بدوار البحرِ

انطلقْتُ أسألُ فاقدي الذاكرةِ وأنا أترنَّحُ:

"مَن فيكم القبطانُ؟

 أريدُ في الحال

 أن تعودَ هذه المركبُ إلى الشاطئ"

 

ــ48ــ

خلف نيرمالا الممتدّةِ أمامي كستارٍ

أرى الحياةَ والموتَ بوضوح على المسرحِ

وهما يتبادلانِ المقاعدَ والأدوارَ

وأرى نفسي مُقْبِلاً نحوي بخطواتٍ متسارعةٍ

 

هل نيرمالا  شفّافةٌ إلى هذا الحدِّ،

أم أنها لا وجودَ لها؟

 

ــ49ــ

لشعوري بأن الانجذابَ إلى نيرفانا،

والدورانَ حولها

أشدُّ خطورةً من تجارةِ السلاحِ،

وزراعةِ الخشخاشِ

اقترحْتُ إضافةَ هذه المادة

إلى "الإعلانِ العالميِّ لحقوقِ الإنسانِ":

"لكل شخصٍ، أينما وُجِدَ، الحقُّ في حريّةِ الاعتقادِ بوجودِ نيرفانا، وحريّة التعبيرِ عن ذلك الاعتقادِ بالممارَسَةِ العلنيّةِ"

 

ــ50ــ

في الكلماتِ المتقاطعةِ

جميعُ الأسئلةِ الْمُسْتعصِية على الأفهامِ

أجبْتُ عنها هكذا:

 

ن

ي

ر

م

ا

ي

 

 

 

م

ر

 

 

 

ر

م

 

 

 

ي

ا

م

ر

ي

ن

 

المدهشُ،

أن إجاباتي كلّها جاءتْ صحيحةً

 

ــ51ــ

بحلولِ يوم 30 من فبراير

سأحتفلُ بالذكرى الأولى لميلاد تيتا

 

في الأولِ من أبريل من العامِ نفسِهِ

سوف يتردّدُ أنني حيٌّ

 

في نهاية ذلك العامِ

سأكتشفُ أن 30 من فبراير يومٌ وهميٌّ

وأن الأولَ من أبريل يومُ الأكاذيبِ الباردةِ

 

ــ52ــ

حيلةٌ واحدةٌ تتبقّى

للكهنةِ والدّجّالينَ ورسَامي الكاريكاتور

الراغبين في تحويل التراب إلى تِبْرٍ

 

ليس عليهم سوى خلطِ الترابِ بالسَّمْنِ

وبأرْجُلِ الدَّجاجاتِ المسلوقَةِ

ثم وضع الخليطِ في حذائي الطويلِ ذي الرقَبَةِ

ليحصلوا على التِّبْرِ

بعد أن أقطعَ سبعةَ كيلومترات ماشيًا بالحذاءِ

بشرطِ أن يكون المشْيُ

في اتجاهِ نونا

 

ــ53ــ

سألْتُ القفّازَ الخائنَ

عن مصدر البكتيريا القاتلةِ

المخبوءةِ في أحشائِهِ

رَفَضَ الإفصاحَ عن شركائه في الجريمةِ

وأشعل النارَ في نفسه منتحرًا

خشيةَ أن أصعقَهُ بكهرباءِ نيرفانا

فيموت سبعين ألف مرة

 

هل أحْتَاجُ إلى أن أغسلَ يدي سبعين ألف مرة

قبل أن أصافحَ نيرفانا؟

وكم مرّةً سأنظّفُ فمي وأسناني

قبل أن أُقَبِّلَها

وأقضمَ تفاحاتِها غيرَ المقشورةِ؟

 

ــ54ــ

الساكنون في ناطحَةِ السّحابِ

أطْوَلُ مني بكثيرٍ

(وفقًا لِصُوَرِ الأقمارِ الصّناعيّةِ البلْهاءِ)

رغم ذلك،

لا أحْقدُ عليهم

ولا على مساكنهِم الْمُؤَمَّنَةِ ضدّ الزلازلِ والرياحِ

 

أنا أراهم جيّدًا على حقيقَتِهمْ

هم لا يرون إلا ملامحي الافتراضيّة،

التي تخدمُ مصالِحَهم

في الجانبِ الآخرِ من الكرةِ الأرضيّةِ

 

أنا مُتَفَرِّغٌ

لقراءةِ كفّي وأوراقِ الشّجرِ

هم ليس لديهم وقتٌ لمثلِ هذهِ القراءاتِ

كما أن كُفُوفَهم غيرُ منقوشةٍ

وأوراق شجرِهم ليستْ خضراءَ

 

أنا حُلْمُ حياتي محارةُ لؤلؤٍ واحدةٌ

أواصلُ فيها غيبوبتِي اللذيذةَ

بعيدًا عن ضوضاءِ البشرِ وغباواتِهم

هم ميّتون من التعبِ

لرغبتِهم في حصْدِ لؤلؤِ الكونِ كلّه

بالطرقِ الشرعيّةِ، وغير الشرعيّةِ

 

أنا أحبُّ نيرفانا

وبالطبع أعتقدُ بوجودِها

هم يحبّونَ ألا يُحِبَّ أحدٌ أحدًا

والأهَمُّ بالنسبةِ لهم من نَفْيِ وجودِ نيرفانا

نَفْيُ مَنْ لا ينفي وجودَهَا!

 

ــ55ــ

في اعترافاتِ نَحْلةٍ في قسمِ الشّرطةِ

وَرَدَ أنها تغشُّ عَسَلَها بالجلوكوزِ

في اعترافاتِ زهْرةٍ في القسمِ نفسِهِ

وَرَدَ أنها تغشُّ رحيقَها بالماءِ

 

في اعترافَاتِي أنا،

في منزلي ودونَ أيِّ ضغوطٍ،

وَرَدَ أنني أغشُّ الجميعَ،

حيث أَحْتَضِنُهمْ بذراعينِ مستعارَتَيْنِ

بينما ذراعايَ الحقيقيّتانِ تُطاردانِ نونا

أملاً في احتضانِها

 

ــ56ــ

رغم نحافَتِي

نصحني الطبيبُ بحجز مقْعَدَيْنِ لي في القطار

بعد إصابتي بالشّيزوفرانيا

 

عليَّ أن أختار دائمًا:

على أيِّ مقعدٍ أجلسُ أولاً،

في حين ينتظرني المقعدُ الآخر خاليًا

 

ليس من صلاحياتي

أن أهبَ المقعدَ الخالِيَ لمن أشاءُ

ولو بشكلٍ مؤقّتٍ

 

حينما تنازلتُ عنهُ في إحدى الرحلات

للسيدة نورينا،

التي لَمْ تتمكّنْ من حجز مقعدٍ لها

رفضتْ شرطةُ القطار السماحَ لها بالجلوس

قيل لها إنه من الخطورة البالغة عليها

الاقتراب من مقعد مريضٍ ميئوسٍ من شفائه

 

حكيتُ للطبيب ما حدث

طلب مني بهدوءٍ شديدٍ ودون تفسيراتٍ

أن أتركَ عيادته وأبحث عن طبيبٍ آخر

متنازلاً عن مبلغٍ ضخمٍ أدفعهُ له شهريًّا

 

ـــ57ــ

من صالة جيمنيزيوم إلى أخرى

أدمنْتُ التنقُّلَ

أملاً في نفْخِ عَضَلاتي

بالتمريناتِ الثقيلةِ

وهرموناتِ النموِّ المكثّفَةِ

 

ربما أنجحُ في تفصيلِ جِسْمِي

على مقاسِ البلّوراتِ الباردةِ

التي حَلّتْ محَلَّ الأعْيُنِ

لدى أغلبيّةِ البشرِ

 

من المؤكّد أن رُوحي باقيةٌ على حالها

إلى أن تنفخَ فيها نيرفانا نفخَةً طبيعيّةً من رُوحِها

عندئذٍ

ستصيرُ على مقاسي

 

ــ58ــ

المغنطيسُ الأحمقُ،

الذي يُصرُّ على أنني بُرَادةُ حديدٍ،

لن يفوزَ أبدًا بِنُخَالَتي الذهبيّةِ

 

كيف استجابتْ نيرمانا لندائي،

مع أن أذنَيْها غيرُ قابلتَيْنِ للمَغْنَطَةِ،

والمجال المغنطيسيّ لحنجَرَتِي ضعيفٌ جدًّا؟

 

ــ59ــ

اعْتَرَضْتُ كثيرًا

على أن تُدارَ ذاتي من الخارجِ

ليس لأنني إنسانٌ حُرٌّ

ذو إرادةٍ وعقلانيّةٍ وَمُبَادَرَةٍ،

ولا لأنني مُتَرَفِّعٌ عن حَفْنِةِ دولاراتٍ،

بل لأنني كائنٌ أنانيٌّ إلى أبعدِ الحدودِ

أفضِّلُ مَصَّ أصابعي

على استعمالِها كأصابعِ ديناميت في المناجمِ

أو كأصابعِ سوسيس في المطاعمِ العالميّةِ

أو حتى كـ"أصابعِ زينب" لإطعامِ أطفالِي في العيدِ

 

لماذا وافقْتُ بسهولَةٍ

على أن تُدِيرَنِي نيرمانا؟

ربما لأنها تَحَمَّسَتْ لإدارتِي من الداخلِ

 

ــ60ــ

الْحَكَمُ الدولِيُّ القديرُ

أَشْهَرَ في وَجْهي هذه البطاقةَ

 

التَزَمْتُ على الفورِ بالقرارِ

خارجًا من الملعبِ بأدبٍ

وسط دهشةِ الزملاءِ والمنافسينَ والجمهورِ

 

بعد المباراةِ سَأَلْتُهُ عن واقعةِ الطّرْدِ

أجاب:

"لأنكَ الوحيدُ الذي اسْتَحْقَقْتَ النظرَ إلى البطاقةِ

 والفوزَ بالأوتيزمِ في سِنِّ النّضْجِ"

 

ــ61ــ

قبل الغَدَاءِ:

أفرادُ العائلةِ جميعًا حول المائدةِ

 

فوق المائدةِ:

ديكٌ كبيرٌ جدًّا

كمّيّةٌ ضخمةٌ من الأرزِ

زجاجاتُ مياهٍ لا أوَّلَ لها ولا آخرَ

 

بعد الغداءِ:

ثلاثة أفرادٍ فقط حول المائدةِ

أيديهم تَحْتَضِنُ بطونَهم المنتفخةَ

سكاكينُ الطعامِ في أطباقِهم الفارغةِ

مُلَوَّثَةٌ بلحْمِ الدّيكِ

وبدماءِ بقيّةِ أفرادِ العائلةِ!

 

في الغرفةِ المجاورةِ:

بَذَلْتُ جهْدًا حقيقيًّا

كي أقنعَ نيرمانا

بأنني لقمَتُها السّائغةُ

 

ــ62ــ

فكّرَتْ نيرمانا في صناعةِ عَلَمٍ لها

من قماشٍ لا يتهالَكُ ولا يَفْنَى

كي يُرَفْرِفَ حُرًّا في الهواءِ

في حالةِ مُصادَرَةِ أنفاسِها

بمعرفةِ رجالِ الجماركِ

الْمُنتَمينَ إلى الماضي

أو بمعرفتِي أنا شَخْصِيًّا،

أنا الْمُنتمِي إلى المستَقْبَلِ

 

فكّرْتُ أنا في وَضْعِ صورتِي على عُمْلَةٍ ماليّةٍ

أو حتى طابعِ بريدٍ

كي أرْتبطَ بقيمَةٍ ما

في حالةِ اختناقِ أنفاسِي

في مصنعِ التّبْغِ الذي أمْتَلِكُهُ

 

ــ63ــ

الطريقُ من البيتِ إلى المصْبغةِ

كان يعني لبناطيلي

أنها عائدةٌ إلى ألوانِها الأصليّةِ بالقوّةِ

بعد أن بهتَتْ

 

الطريقُ من المصْبغةِ إلى البيتِ

أخْبَرَنِي بأنني لا قوّةَ لي

حيث نطقتْ بناطيلي كلّها بلسانِ الجينزِ الأزرقِ

وفقًا لأوامرِ مالكِ المصْبغةِ الجديدِ

 

أهَمُّ خطْوَةٍ في مشْواري كلّه

أن نيرمانا تعاطَفَتْ مع بعضِ خطواتي

 

ــ64ــ

ضحكتْ تيتا بإشفاقٍ

حين أَخْبَرْتُها بأنني خَصَّصْتُ لها

نغمةً في موبايلي تليقُ بها

من المؤكّد إذن

أنها لَمْ تُسَجِّلْ رقمي في ذاكرتها

 

الأمر المدهش

أنها سَأَلَتْنِي عن تلك النغمةِ

أَجَبْتُها غيرَ متحمّسٍ:

"حكايتوو حكاية.. وروايتوو رواية"!

 

اسْتَفَزَّتْنِي حين طلبَتْ أن تسمعها

قلتُ بغيظٍ:

"سَجّلي رقمي عندكِ،

قفي إلى جواري، واتصلي بي، لتسمعيها"

 

عندما فَعَلَتْ،

خَيَّمَ الصمتُ على المكانِ،

فأيقنْتُ أن قلبي خارج نطاقِ الخدمةِ

                        

ــ65ــ

ربما فَهمَتْ ميتا لماذا بكيتُ أنا

حينما رأيتُ شَعرةً بيضاءَ في لحْيتي

 

لَمْ أفهمْ أنا لماذا بكتْ ميتا

حينما لَمْ تجدْ شَعْرَةً بيضاءَ واحدةً في رأسها

 

ــ66ــ

سَأَلْتُ المكنسةَ الكهربائيّةَ

عن سرِّ تعاستي

قالت:

"لأنكَ اسْتَعْمَلْتَنِي بغير حسابٍ

 لدرجة أنني كَنَسْتُكَ فيما كَنَسْتُ!"

 

سألتُ نيرمالا عن سرِّ تعاستي

قالت:

"لأن ساعتَكَ منضبطةٌ جدًّا

 لدرجة أنني فَشَلْتُ في أن أكون مركزَ مينائِهَا

 وأن أزرعَ عقاربي الشّفّافةَ محلَّ عقاربِها المرئيّة"

 

ــ67ــ

لاحظَ صديقي

أنني عملتُ (Refresh) لصفحة بريدي الإلكترونيّ

حوالي 70 مرة في دقيقة واحدةٍ

لَمْ أكن أنتظر رسالةً جديدةً من نيرمانا،

كما خُيِّلَ إليهِ،

كانتْ مجرد حركة عصبيّة

لِدَفْع نبضاتِ قلبي إلى الأمام

وتنشيط دورتي الدمويّةِ المجمَّدة

 

ــ68ــ

من "فرقِ الجهْدِ" بيني وبين نوريتا

تولّدتْ معركةٌ صاعقةٌ

يصعبُ قياسها بالفولتاميتر

بدايتُها هي بابُ المأذونِ الشّرعيّ

ونهايتُها هي البابُ ذاتُه

وما بين صفّارتي البدايةِ والنهايةِ

تمكّن المأذونُ من تدوينِ بياناتي القليلةِ في دفترِهِ

وشرع في تدوينِ بياناتِ نيرمانا اللانهائية

بلا جدوى

 

ــ69ــ

المولودةُ التي عثرتْ عليها نونا

أمام باب الجامعِ الكبيرِ

كانت أجْمَلَ من أن تحملَ اسْمًا واحدًا

 

طلبتْ مني نونا

أن أساعدها في اختيارِ اسمٍ لها

قلتُ لها:

"هي ذاتُ النون،

 وذاتُ الحروفِ كلّها

 أُسَمِّي شهيقَها وزفيرها:

 فلترةً لهواءِ العالَمِ الملوَّثِ

 أسَمّي بكارَتَها:

 (فيتو) ضد ثقب الأوزونِ

 أسَمّي براءَتَها السائلةَ:

 غسيلاً دمويًّا لكلى الأطفالِ في بلادي الفقيرةِ

 أسَمّي كبرياءَها:

 انتصارًا للزنوجِ الأفارقةِ والهنودِ الحمْرِ

 أسَمّي حضورَها:

 إدانةً لوجودي على ظَهْرِ الكوكبِ اللاهثِ،

 وإشادةً بحضورِكِ"

 

ــ70ــ

في حَالَتِها الصُّلْبةِ

تَجْذِبُ نيرمانا إليها كلّ المعادنِ النفيسة

حسدتُ أسناني الذهبيّةَ القليلةَ،

التي انخلعتْ من جذورها طائرةً إليها

غيرَ عابئةٍ بنزيفِ الدّمِ

ولا بالفراغِ الذي تَرَكَتْهُ في فمي المسكينِ

 

في حالتها السّائلةِ

لا تأخذُ نيرمانا شكلَ الإناءِ الذي تَشْغلهُ

لا تتجمّدُ بالبرودةِ

لا تتبخّرُ بالحرارةِ

هي متقلّبةٌ كالأمواجِ

سخيّةٌ كالفيضانِ

قادرةٌ على توليدِ الكهرباءِ

اللازمةِ لإنارةِ مدينةٍ كبرى

وصعقِ الطامعينَ في مناطقها الدافئةِ

 

في حالتها الغازيّةِ

تصاحبُ نيرمانا المكواةَ الملتهبةَ

ينزلقانِ معًا فوق قلبي الذابلِ

ربما لِمَحْوِهِ نهائيًّا

وربما لإحيائهِ من جديدٍ

 

ــ71ــ

بعد صلاةِ الاستسقاءِ مباشرةً

هَبَطَتْ نيرمانا بغزارةٍ

فَصَلَّيْتُ صَلاةَ الغائبِ على نَفْسِي

 

ــ72ــ

نقطةُ ميركروكروم واحدةٌ

على قميصي الأبْيَضِ

كافيةٌ لشفائِهِ من المثاليّةِ

 

نقطةُ قميصٍ واحدةٌ

على جِلْدي

كافيةٌ لشفائِهِ من البدائيّةِ

 

نقطةٌ من "ن"

على حُروفِي

كافيةٌ لشفائها من أن تُقْرَأ وَتُكْتَبَ

 

ــ73ــ

عَلِمْتُ من صديقٍ مقرَّبٍ

أن الشرطةَ تعتزمُ القبضَ على نيرمانا

لا أصدّقُ أن الشّرطة قاسيةٌ إلى هذا الحدِّ

ولا أدري لماذا رحتُ أذيعُ قائمةَ الاتهاماتِ على الملأ

بحماسٍ منقطعِ النظيرِ

 

وجدتُنِي أصيحُ في الناسِ في ميدانٍ عام:

"نيرمانا تَجَسَّسَتْ على ضميري

 لصالح توءمي المفقودِ في الأدغالِ

 منذ سبعةِ آلافِ سنة

 

 نيرمانا أَطْلَقَت الطائراتِ الملوّنةَ

 بعفويةٍ جدًّا، وبدون الإمساك بخيوطها

 فأزعجت أعضاءَ البرلمانِ،

 ورجالَ الأعمالِ،

 والنبلاءَ الْجُدُدَ

 وهم يمرحونَ في شواطئِهم الخاصّةِ

 

 نيرمانا حَطَّمَتْ صالاتِ عروضِ الأزياءِ

 وَحَرَّرَت النساءَ من الكعوبِ العاليةِ والماكياجِ

 فحكمتْ عليهنّ بالموت سلخًا

 بألسنةِ أزواجِهِنَّ الْبُلَهَاءِ

 

 نيرمانا بَصقتْ في وجه حضارةِ التسليعِ

 وَقَبَّلَتْ ابنتي، التي لا تحبُّ الذّهَبَ، بين عينيها

 

 نيرمانا تَنَبَّأَتْ بنهايةِ عصرِ الورقِ

 وكتبتْ ذلك في مذكراتها على ألواحِ الطينِ

 

 نيرمانا خَطَّطتْ لانقلابٍ على النظامِ

 وَرَوَّجَتْ للفوضى في غرف الحبِّ العائليّةِ،

 وفي غرف التشات الافتراضيّةِ

 نيرمانا زرعتْ القمحَ سرًّا

 وصنعَتْ أرغفةَ الخبزِ بدون تصريحٍ

 ووزّعَتْها على المتسوّلين

 وأطفالِ الشوارعِ

 والقططِ الضالّةِ

 

 نيرمانا وضعتْ علاماتٍ بالطباشيرِ

 على قمصانِ تُجّارِ الأسلحةِ

 وَتُجّارِ الأعضاءِ البشريّةِ

 والمتورّطين في قضايا الفسادِ

 

 نيرمانا فَجّرتْ نفسها بحزامٍ ناسفٍ

 في قلبِ سوق النخاسةِ المزدحمةِ بالتجّارِ

 ثم نهضتْ لترقصَ عاريةً للعبيدِ

 على إيقاعاتِ الدفوفِ

 

 نيرمانا ابتكرتْ آلةً

 لفرمِ البيروقراطيّةِ

 وجهازَ إنذارٍ

 للتحذير من عفنِ العقولِ، وغلظةِ الرقابِ

 

 نيرمانا ذابت كقطعةِ السّكّرِ

 في أذانِ الفجرِ

 وفي ترانيم الكنائسِ

 وفي رحيق أزهارِ عبّادِ الشمسِ الحسناءِ"

 

الحقيقةُ التي اطمأنّ إليها الميدانُ العامّ

أن نيرمانا لَمْ تشعرْ يومًا بالندمِ

على أيّ فعلٍ من أفعالِها

في حين يَعْتَصِرُنِي الندمُ

على تعوّدي دَهْسَ ظلالِ الأشجارِ بسيّارتي

 

ــ74ــ

حين عطستْ نونا

خرجتْ من أنفها أنثى بقلادةٍ وذيلٍ

جعلتْ تَلْتَهِمُ حشائشَ صَدْرِي الذابلةَ

وبفأسٍ صغيرةٍ

حَوَّلَتْ قفصي الصدريَّ إلى أنقاضٍ

 

تَمًنَّيْتُ أن تعثرَ على قطعٍ معدنيّةٍ أثريّةٍ

ربما أتمكَّن من بيعها لعصاباتِ التهريبِ

بسعرٍ مناسبٍ

وَتَمَنَّت الأنثى أن تجدَ رصاصةً حيةً

تُطْلِقُها في وجوهِ أعداءِ الوطنِ

نيابةً عني

 

حين عَطسْتُ أنا

تَمَزَّقَ منديلي الورقيُّ من البلغمِ

فَرَّ الجميعُ خوفًا من العدوى المحتملةِ بقوّةٍ

اقتربتْ نونا جدًّا من جهازي التنفسيِّ، وهي تهمسُ:

"يرحَمُكَ اللهُ"

 

ــ75ــ

قَذَفَتْني بالحجارةِ المشتعلةِ في وجْهي

حين أَبْلَغَتْها نجومُ الليلِ أنني أُحِبُّها

 

قلتُ لها بأدبٍ:

"نيرما،

 لستُ مستعدًّا لأن أحبّكِ

 لأنني ببساطةٍ

 لسْتُ مستعدًّا لأن أحبَّ نفسي"

 

ــ76ــ

اسْتَمَعْتُ كثيرًا

لنصائحِ موقعِ "البرمَجَة اللغويّة العصبيّة" (NLP)

أملاً في اكتشافِ كنوزي الداخليّةِ

وإدراكِ النّجاحِ في الحياةِ

من خلالِ تسخيرِ سلطانِ العقْلِ

وتغييرِ اتّجَاهِ خطِّ الزمَنِ

 

بمجرّد إطلاقِ موقعِ "البرمجة النيرماوية" (NP)

في فضاء شبكةِ أعصابي الدماغيّةِ،

تَمَكَّنَتْ خلايا المقاوَمَةِ السّرّيّة

من عَزْلِ سُلْطَانِ العقْلِ

وَبَثِّ موجاتِ الزمنِ في الاتّجاهاتِ كلّها

كما تَمَّ حَجْبُ موقع (NLP)

باعتباره موقعًا "رخيصًا"

لا يقودُ إلى اكتشافِ كنوزٍ

 

ــ77ــ

ببذلةِ محاربٍ قديمٍ

فَقَدَ ذراعَيْهِ في معركة "نورماندي"

تهيَّأْتُ للانطلاقِ نحو سواحلِ نيرمانا

على متْنِ قاربٍ مطاطيٍّ

في أصغَرِ عمليّةِ إنزالٍ بحريٍّ في التاريخِ

 

نيرمانا بالطبع ليستْ مستعمَرَةً بحاجةٍ إلى تحريرٍ

لكنها الخارطةُ الوحيدةُ،

التي تستحقُّ أن أقدّمَ لها أطرافي عن طيبِ خاطر

على طَبَقٍ من ذَهَبٍ

 

ــ78ــ

المرّة الوحيدة في حياتِها

التي استخدمتْ نيرمانا فيها الريموت كونترول

كانتْ لإيقافِ تشغيلي أنا شخصيًّا

ذلك حينما صَوّبْتُ بندقيّةَ الفيديو جيم إلى وجهها

وطلبْتُ منها أن تتحوّلَ إلى فريسةٍ على الشاشةِ

لمدةِ فيمتو ثانية

 

كان المشهدُ رائعًا جدًّا

حيثُ ابتلعَتْ عصاها السحريّةُ هَلْوَساتي

ونَزَّ الدّمُ مني ببطء

فَكَتَبَ على الأرض: "GAME OVER"

في حين انتشر عطرُها الغامضُ "Miracle" في المكان

(كيف سيطر "Miracle" على الأجواء

 رغم أنها أخْبَرَتْنِي

 بأنها استبْدَلتْه بـ"Cabotine" المذهل

 منذ أسبوعين؟!)

 

ــ79ــ

غير مفهومٍ بالمرّةِ

أن أُصبحَ خانةً مضيئةً ضيّقةً في جدولِ أعمالها

ربما لأنها ليس لها جدولُ أعمالٍ

ربما لأنني لستُ مضيئًا بالقدر الكافي

ولا ضيّقًا إلى هذا الحدّ

ربما لأنها سببُ تمرّدي على كلّ الخاناتِ

 

الحقيقةُ التي فهمْتُها وحدي

أن نيتا هي الممحاةُ الفعْليّةُ لجدولِ أعمالي كلّه

بعد أن فَتَحَتْ لي حسابًا جاريًا

في بنكِ الفوضى

 

ــ80ــ

حينما تَحَدَّثتْ نيرمينا

اشتقتُ إلى صمتِها

حينما صمتتْ

اشتقتُ إلى صوتها

 

حينما جاءتْ، ثم اختفتْ

ثم جاءتْ، ثم اختفتْ، ..، ..،

تمنّيتُ أن تُحْذَفَ (ثُمَّ) من الأبجدية

كي أغطسَ في بحر الرمالِ إلى الأبدِ

أو أصعدَ إلى النجوم مجذوبًا من فمي بصنارةٍ

حينما نسيتْ ملابسها الكتَّانيّةَ في غرفتي

تذكّرْتُ على الفور

أن شَعْرِي كان منكوشًا منذ بضعة آلافِ سنة

فَرحْتُ جدًّا ببصماتها التي التصقتْ بِكُمِّ قميصي

هل أردُّها إليها لأنها سقطتْ منها سهوًا،

وأحصل على 10٪ من أناملها وفقًا للقانون؟

أم أُسَلِّمُها للشرطةِ،

كدليلٍ ماديٍّ على أنها هي سارقةُ النوم من ضميري؟

أم أزرعها في إصّيصٍ،

لتصبحَ اللوتساتُ ملكاتٍ وسيداتِ مجتمعٍ؟

أم أهديها إلى قلبي،

ليصيرَ آلةً وتريّةً؟

أم أَتْركُها على كُمِّ القميصِ،

لأختبَرَ قوةَ مسحوقِ الغسيلِ الجديدِ؟

 

ــ81ــ

بصيامِ نيرمانا المستمرِّ

عليَّ أن أجدَ وسيلةً أخرى لغزْوِها

غيرَ أن أصيرَ مِلْحَ طَعَامِهَا

 

ــ82ــ

بِمَنْ أَحْتَمي في هذه الليلةِ الباردةِ؟

القمرُ قريبٌ جدًّا

لكنه فريسةُ الرّحّالةِ والشعراءِ والمرضى النفسيين

 

المعاطفُ كثيرةٌ جدًّا

لكنني أخشى أن تفترسَنِي

 

نيرفانا حاضرةٌ في الدورةِ الدَّمويّةِ.. جدًّا جدًّا

لكنها أنبلُ من أنْ تُذيبَ دهونًا بيضاءَ

استقرَّتْ بِلُطْفٍ تحت جِلْدِي منذ سنواتٍ

 

ــ83ــ

لبكائها عند شروق الشمسِ

احتمالاتٌ بشريّةٌ متعددةٌ:

·        أن شيطانًا حبسها في الحمّامِ،

  فَشَغَلَها عن صلاةِ الفجرِ

·        أنها نادمةٌ على عدم النوم في حضْني

·        أن ضرسَ العقلِ باغَتَها، وشقَّ طريقه في اللثة

·        أنها أُجْبِرَتْ على الاعتراف بجاذبيّة الأرض، 

  والتصالحِ مع نيوتن الأحمق

·        أنها تركتْ رقبتَها الطويلةَ لأربعةِ رجالٍ،

  فأصابوها بالفطريّات بعد أن عبثوا بها

·        أنها لا تمتلك نقودًا كافيةً

  لشراءِ "باروكةٍ" جديدةٍ،

  في الحفل التنكريِّ ليلة "رأس السنة"

·        أنها أطلقتْ رصاصةَ الرحمةِ

  على قصة حبِّها رقم (3)

·        أنها خاصَمَتْ "قوس قزح"،

  فلسَعَها البَرْقُ في أذنيها

 

لبكائي أنا في التوقيتِ نفسِهِ

تفسيرٌ واحدٌ مؤكّدٌ

هو أن كلَّ الاحتمالاتِ السابقة

(الخاصّة ببكاءِ نيرمانا)

هي احتمالاتٌ خاطئةٌ

 

ــ84ــ

مَنْ أكثرُ وفاءً:

المشيّعون الذين حضروا جنازتي

أم الذين تغيّبوا

بحجّةِ عدم استطاعتهم تَحَمُّلَ الموقفِ المؤثّر؟

 

نيرفا لَمْ تكن غائبةً عن الجنازةِ

ولم تكن أيضًا حاضرةً

كانتْ لها جنازةٌ أخرى تسير ببطءٍ

داخل شراييني الضّيّقة

رغم ذلك،

شَيَّعَتْها شعوبُ الأرضِ كلها

 

في اليوم التالي،

أكدتْ وكالاتُ الأنباءِ

أن نيرفا حيّةٌ، وأنني حيٌّ،

وأن المشيّعين هم الذين اختنقوا داخلَ شراييني

 

ــ85ــ

لَمْ يفرحْ كوبُ الشّايِ

حينما وقعتْ فيه بالصّدفةِ البحتةِ

عشرون فراشةً جميلةً

كان يتمنّى أن تقصده ذبابةٌ سوداءُ

لتموتَ فيه بإرادتها

 

فَرْحَتِي لَمْ تكنْ تضاهيها فرحةٌ

حينما صَوَّبَتْ نيرمانا قُبْلَتَها الهوائيَّةَ بدقًّةٍ

في لساني

واستجابتْ لرغبتي في التشات المرئيّ معها،

مرتديةً قميصَ نومٍ جديدًا أمام الكاميرا

 

ظلتْ مفاتيحُ الكونِ كلها في قبضة يدي سبعين ليلةً

إلى أن أَخْبَرَتْنِي نيرمانا

أن قبلاتها الهوائيةَ الغزيرةَ

أوقعت سبعَ طائراتٍ مدنيّةٍ من شدّة النشْوةِ

ومروحيّةً تحمل جنودًا

وأن قميصَ نومِها الجديدَ

حَقَقَّ أفضلَ مشاهدةٍ وأعلى نسبةِ تصويتٍ

في برامجِ ومسابقاتِ السهرةِ

عندئذٍ، هنّأْتُ نيرمانا بلقب "سيّدة العصور"

وألقيتُ المفاتيحَ الصدئةَ بهدوءٍ

في قاع البحيرة النائمةِ

 

ــ86ــ

في اليوم العالميِّ لمنع الانتحار (10 من سبتمبر)

امتنعتُ تمامًا عن التفكيرِ في نيرفانا

 

بعد أربعِ وعشرينَ ساعةً

أَخْبَرَنِي الطبيبُ

بأنّ عقلي يُعَانِي من "سُوءِ التَّغْذية"

 

ــ87ــ

شوكولاتةُ ناريمانا المحشوّةُ بالبندقِ والرغبة..

ضحكاتُها الشهيّةُ كقلب جوزةِ الهندِ..

دموعُها الأحْلى من ماءِ الورد..

طُرُقُها السريعةُ.. شوارعُها الضيّقَةُ..

منحنياتُها.. ميادينُها.. كباريها.. أنفاقُها

"لِبَانَتُهَا" التي لا تفنى بالمضغ..

يَقَظَتُها التي تشتعلُ حتى في سويعاتِ النومِ..،

.. تحالفتْ جميعها من أجلِ انتشالي من الفريزر

 

لَمْ أرفعْ يدي لأمْسِكَ بالْخطّافِ

القادمِ من السّماءِ الحانيةِ

ذلك أنني أدركُ جيدًا

أن اللحومَ المحفوظةَ تفسدُ في درجةِ الحرارةِ العاديةِ

داخل الغرفةِ

أو عند تعرّضِها لأشعّة الشمسِ الذهبيّةِ

حتى إذا كان الذبحُ حلالاً لا يخالفُ الشريعةَ

 

لَمْ تكن عندي أيضًا رغبةٌ جادةٌ

في أن أوضَعَ في الحلّة البريستو

قبل أن يشعر أحفادي بجوعٍ حقيقيٍّ

 

 88

خطيئةُ نيرمانا الكبرى

أنها ترى خطيئتِي بوضوحٍ

 

وخطيئتِي الكبرى

أنني لا أرى لديها أيةَ خطيئةٍ

 

 89

هل أخشى على لُعْبَتِي الهشّةِ من الانكسارِ

مثلَ أيِّ طفلٍ يلهو؟

أم أنني أخشى انكساري أنا

كلعبةٍ في يدِ طفلٍ مجنونٍ؟

 

تيتا،

مَنْ فينا الدُّمْيةُ.. ومن الخيوطُ؟

مَن الخيوطُ.. ومن الأصابعُ؟

من المحرِّكُ.. ومن الطاقةُ؟

مَنْ فينا أنا.. وَمَنْ أنتِ؟

 

 90

أَحْسَنَ جَسَدي استقبالَ السّعالِ الديكيّ

وتسوّسِ الأسنانِ

وفطريّاتِ القدمينِ،

ذلك لأنني ضمنْتُ الحصولَ

على ثلاث روشتاتٍ دفعة واحدة

هي كافيةٌ جدًّا لإثباتِ أنني حيٌّ

أمام هيئة المحكمةِ

 

بعد منتصفِ الليلِ

همسْتُ لطبيبي الخاصّ في أذنهِ:

"كلما شعرْتُ بأنني شُفيتُ من نيرمانا،

 كرهْتُ الدواءَ

 واشتقْتُ جدًّا إلى المرضِ النشطِ"

 

 91

بالأمس،

تهيَّأْتُ للعبِ الكوتشينةِ مع زوجتي

صَفَّفْنا على المنضدةِ 52 ورقةً وجوكريْنِ

لا تُشبهُ أيةُ ورقةٍ من الأوراقِ وجهَ نيرميتا

ظَهْرُ الأوراقِ المتكرّرُ هو الذي يشبهُ ظهْري

بعد أن نظّم كلٌّ منّا أوراقَه أمامه

واستعدّ للعبِ

ظهرتْ نيرميتا المرحةُ فجأة

سَحَبَت الأوراقَ كلها بخفّةٍ بالغةٍ

"فنّطَتْها" و"نَعْكَشَتْها" في زمنٍ قياسيٍّ

 

عندما فكّرْنا في اللعبِ مرةً أخرى

لم نجد الأوراقَ

لكن وجدْنا نيرميتا وقد تحوّلتْ إلى "نطّاطةٍ"

عندئذٍ، تمكّنا من اللهْوِ فوقها سويًّا

 

 92

هل حقًّا كلامُ نيرما ذو الألفِ لونٍ،

خالٍ من الأصباغِ الصناعيّةِ، ومُكسباتِ الطعْمِ،

والسكّرِ الإضافِيِّ، والموادِّ الحافظةِ؟

 

وهل حقًّا كلامي،

عديمُ اللونِ والطعْمِ والرائحة؟

 

 93

الفتياتُ العارياتُ

في الإعلاناتِ الضوئيّةِ المتحرّكةِ

قذفْنَ سيّاراتِ المدينةِ المزدحمةِ

بالقبلاتِ المغلّفةِ آليًّا

وَزَّعْنَ قوائمَ أسعارِ السلعِ على المارّةِ

بأكفٍّ منزوعةِ البصماتِ، كاملةِ الدسمِ

 

عندما قالت المصادرُ الرسميّةُ:

"نوريتا عملتْ فتاةَ إعلاناتٍ"

 تيقّنتُ على الفورِ

أن الإعلانَ الوحيدَ الذي صمَّمَتْهُ ولعبتْ بطولَتَهُ

هو إعلانُها عن نفسها

لحظة تدشينِ حَمْلَتِها الكبرى

لتحريرِ الأرضِ من مافيا الإعلاناتِ

 

 94

تزعمُ الصورُ الْمُلْتَقَطَةُ من الأرضِ

للفضاءِ الخارجيِّ

أن نونا جاءتْ من بلوتو

 

تزعمُ الصورُ الْمُلْتَقَطَةُ من بلوتو للأرضِ

أن نونا طلعتْ من البيضةِ الحيّةِ

التي سرقْتُها من عند جيرانِي الميّتينَ

ولوّنْتُها بريشتي الخصْبةِ

في عيد "شمِّ النسيمِ"

 

 95

كلما دعوتُ نيرمانا إلى مائدتي

تَرَكَتْنِي لتذهبَ إلى ضيوفِها

 

كلما قَرَّرْتُ تَرْكَها لضيوفِها

تَرَكَتْهمْ لتسأَلَنِي عن ضيوفي

 

الذي يشغلني جدًّا

هو صَحْنُ الحساءِ

الذي يتمنّى أن نشربَ منه سويًّا

كي لا يبردَ بعد ذلك أبدًا

 

 96

أنا + نيرما = أنا

(مع أن نيرما صفر بالتأكيد)

 

أنا – نيرما = صفر

(مع أن "أنا" نيرما بالتأكيد)

 

أنا × نيرما = أنا ÷ نيرما

(مع أن نيرما ±1 بالتأكيد)

 

الرياضياتُ التقليديّةُ

بحاجةٍ إلى إعادةِ نظرٍ

بعد ظهورِ قوانين نيرما الخاصّة

لتقديرِ القيمِ النسبيّةِ، والقيمِ الْمُطْلَقَةِ

 

 97

البخارُ الكثيفُ،

الذي خرج من القمقمِ

بدا للوهلةِ الأولى مثل عفريتٍ ضخمٍ

 

لَمْ يكنْ مخيفًا على الإطلاقِ

ربما لأنه ذكّرني بمستقبلي الْمُشْرِق

(على مسافةِ سبعينَ سنةً ضوئيّةً من ساعةِ الصِّفْرِ)

حين أخرجُ من الفانوسِ السّحريّ

ضاحكًا للنساء والأطفالِ

حاملاً الهدايا للجميعِ،

حتى لبابا نويل نفسه

 

الهديةُ التي سوف أرسلها إلى نورينا بالـ"DHL"

على صندوقِ بريدها السّرّيِّ

(فوق سطح القمرِ)

هي موبايل متطوّر جدًّا

كي تستطيعَ استقبالَ موسيقايَ الجديدةِ

عبر البلوتوث

 

سوف أرسلُ إليها أيضًا فصوصَ مُخّي

لتلمّعها بالجلانس

كي تبدو شفّافةً كالكريستال

 

سوف أطلبُ منها كذلك (من بابِ العشمِ الزائدِ)

أن ترشّنِي ببودرة العفاريتِ عبر الأثيرِ

كلما أجْبَرَنِي الطقسُ الخانقُ على الاستحمامِ

بالماءِ وصابونِ الكبريتِ

 

 98

على السّلّمِ الكهربائيّ

صعدتُ إلى أعلى ببطءٍ

بدون فقدانِ أيِّ سعراتٍ حراريّةٍ

على السّلّمِ العاديّ

هبطتْ نيرمانا

بسرعةِ سقوطِ صخرةٍ من أعلى الجبلِ

 

بعد 12 شهرًا من صعودي وهبوطها

وصلتُ إلى سحابةٍ بيضاءَ في السّماء الصّافيةِ

ووصلتْ نيرمانا أيضًا إلى السّحابةِ نفسها

 

الغريب أن نيرمانا طلبتْ مني لحظة لقائنا

أن تهبطَ هي على سلّمي الكهربائيّ

بعد إعادةِ تشغيلهِ عكسيًّا

 

وافقتُ على الفور

مشترطًا عليها أن تسمحَ لي بالصعودِ إلى أعلى

فوق درجاتِ سلّمها العاديِّ

 

 99

الصّلْصَالُ البُنِّيُّ،

الذي كان ساخنًا في يدي

جَمَّدَتْهُ قذائفُ الحربِ،

الحربِ النفسيّةِ التي مورستْ ضدي بعنفٍ

بعد أن علم الجميعُ أنني طباخٌ ماهرٌ

قادرٌ على استخدام موادّ غذائيةٍ منتهيةِ الصلاحيةِ

بدون أن يدري أحدٌ

 

كنتُ أتمنَّى الاحتفاظَ بأسرارِ المهنةِ

إلى أن أتمكّنَ من قَلْيِ الضلع الأخير من ضلوع نيرما

في الزيت الْمُهَدْرَجِ

وتوزيعهِ على الجياع المصطفّين أمام المساجدِ

على اعتبار أنني شخصٌ محترمٌ حَسَنُ السُّمعةِ

 

العزاءُ الوحيدُ،

الذي شفى غليلي بقدرٍ مقبولٍ

أن التي أذاعتْ على الملأ أنني عُمْلَةٌ زائفةٌ

هي نفسها التي أدرك الآدميون والسِّباعُ الضاريةُ

أن ضلوعها النّيّئةَ

غير خاضعةٍ للمواصفات القياسيّة للأغذيةِ

وفقًا لنشرة عام 2007 بعد الميلاد

 

 100

الخيمةُ التي استضافتْ نيرما

بعد هبوطها بالباراشوت من المذنّب المنفجر

مشدودةٌ بحبال اللغاتِ الميّتةِ


الأوتادُ التي تمنعُ طيرانَها في الهواء

مثل أية خيمةٍ جوفاء

هي عظامي المسنونةُ،

التي لا تنالُ منها عواملُ التعريةِ


الأرضُ التي انغرست فيها الأوتادُ بدفءٍ وشراهةٍ

هي الترجمةُ الحرفيّةُ لما نطقتْ به نيرما

منذ آلاف السنين

ولم تفعل منه شيئًا حتى الآن

 

 101

أخْبَرَتْنِي نيرما

أنها تخشى الأسئلةَ الخبيثةَ

عن بقعةِ الفراولةِ التي أصابتْ فستانَها الأبيضَ

في منطقةٍ محرجةٍ

وأنها لهذا السبب (التافه جدًّا من وجهةِ نظري)

قرّرت الانسحابَ من ضلوعي إلى الأبدِ

خشيةَ أن يكونَ قلبي حبّةَ فراولة

 

قلتُ لها بسخرية:

"لستُ أنا الفضيحةَ بطبيعةِ الحالِ

الفضيحةُ هي وجهةُ نظرِكِ الحادّةُ

التي ظننتِ أنكِ قطعْتِ بها رقبةَ الفضيحةِ"

 

 102

سألَتْنِي نيرما عن طقوسِ العشقِ المتداوَلَةِ

في كوكبي الترابيِّ الذي أَشْهَرَ إفلاسَهُ

قلتُ لها:

"هي ضرائبُ خاصةٌ جدًّا

يحسبها المرءُ بدقّةٍ متناهيةٍ

إذ تجبُ عليه 25 قُبلةً لصاحبتِهِ

عن كل ساعةٍ قضاها في سريرٍ آخرَ غير سريرها"

 

قالتْ لي بلهجةٍ ترابيّةٍ ناريّةٍ هوائيّةٍ مائيّةٍ

من داخلِ ناموسيّتِها الْمُحْكَمَةِ

بعد أن أحْدَثَتْ بها فتحةً كبيرةً

بحجْمِ ما تمزّقَ من حيائِها وحيائِي:

"لكَ عندي إذن 750 قُبلةً

 إجمالي مستحقّاتِكَ من عواطفي الملتهبةِ

  على مدار 30 يومًا"

 

 103

لَمْ تكن هناك حاجةٌ

إلى طبولٍ ولا نفيرٍ

كي تعلنَ القواتُ الغازيةُ الحربَ

على بَلْدتِي الْمُسَالِمَةِ

التي لا تزالُ غنيّةً بالأحجارِ الكريمةِ

ومصادرِ الطاقةِ المتنوّعةِ

والقلوبِ التي لا تعرفُ الصّدأ

 

مبرراتُ الحملةِ العسكريّةِ ملهاويّةٌ جدًّا

أقلّها إضحاكًا:

الرغبةُ في تقليمِ أظافرِ الرجالِ .. كلّ الرجالِ

في بلدتي الْمُسالِمَةِ

كي يصيروا أكثرَ رقّةً عند ملاعبةِ نسائهم

وكي لا يخدشوا أنفسَهمْ وهم يستحمّون كلَّ صباحٍ

بالماءِ غير النظيفِ، والكولونيا الرخيصةِ

 

تفاصيلُ الجريمةِ مأساويّةٌ جدًّا

أقلُّها دناءةً:

إذابةُ مئاتِ الأطفالِ في حمضِ الكبريتيكِ

ثم الاعتذار بأدبٍ جمٍّ

عن هذه الأخطاءِ الفنيّةِ والمعمليّةِ

(غير المقصودةِ بطبيعةِ الحالِ!)

 

انفضّ الجميعُ من حولي

خوفًا من المذابحِ المتكرّرةِ

أثاثُ الشقّةِ فرَّ هاربًا،

والملابسُ،

والأحذيةُ

 

رفضتْ وسادتي المنتفخةُ التخلّي عني

التصقتْ بصدري العاري كخفّاشٍ ضالّ

ربما لأنها ليس لديها حلٌّ بديلٌ

أو لأنها تريدُ تسجيلَ موقفٍ بطولِيٍّ

في اللحظاتِ الأخيرةِ من عُمْرِها

 

لا أدري لماذا شَكَكْتُ فيها

وقرّرتُ معرفةَ السببِ الحقيقيِّ لانتفاخِها

هل تراها حقنتْ نفسَها بجرعاتٍ كبيرةٍ

من ضوءِ الأباجورةِ البنفسجيّةِ الراحلةِ؟

أم أنها محشوّةٌ بالبارودِ،

بهدفِ تفجيرِ نفسِها، وتفجيري في أيةِ لحظةٍ؟

 

هذا الاحتمالُ الأخيرُ

جعلني أخشى شقّها بالسّكّينِ

كما أن السّكّينَ في حقيقة الأمرِ لَمْ تعد معي!

 

عَلِمْتُ من الإنترنت،

التي لا تزالُ فائقةَ السّرعةِ

في نقاطِ الخدمةِ الْمَجَّانِيّةِ

القريبةِ من المراحيضِ العموميّةِ،

أن نيرما تصدّرتْ قائمةَ الدولِ المستقبِلةِ للاجئين

من كلّ الجنسيّاتِ بلا استثناءٍ

 

لَمْ أتصوَّرْ نفسي أبدًا لاجئًا سياسيًّا

أكره السياسةَ جدًّا

أكرهُ أيضًا فكرةَ اللجوءِ نفسها

في المراهقةِ، لَمْ أطلبْ أبدًا حقَّ اللجوءِ العاطفيّ

إلى أيةِ أنثى

ربما بعد اغتيالي أو استشهادِي

أطلبُ حقَّ اللجوءِ إلى التاريخِ

لإثباتِ أن دمي المحفوظَ في الثلاجةِ

صالِحٌ دائمًا للزراعةِ

في عروقِ بَلْدتِي الْمُسَالِمَةِ

وأن حِمْضِي النوويَّ يحمل إلى الأبدِ

الخريطةَ الوراثيّةَ للرجال غير الْمُسالِمين

 

قرأتُ كذلك في صفحاتِ الويب

بِلَهجَاتٍ كثيرةٍ لا يفهمها حزبُ الأغلبيّةِ

عن النيرانِ الصديقةِ،

التي تصيدُ الآدميّين المخدوعينَ

مثلما يصيدُ لهبُ الشمعةِ الفراشاتِ

 

الأمر الذي جعلني أتفاءلُ

بمقدار ثلاث بوصاتٍ

وأتمسّكُ بحقّي المشروعِ في التنفّسِ

تحت ستارِ الأدخنةِ

أنني استطعتُ إبرامَ صفقةٍ إلكترونيّةٍ

لشراءِ مجموعةٍ من القذائف النيرماويّةِ

المحظورةِ دوليًّا

ربما أستخدمها للقضاء على جيوشِ النملِ في أطرافي

وتشتيتِ خلايا جهازي المناعي

كي أرفع الرايةَ البيضاءَ بنفْسٍ راضيةٍ

وربما أَتَمَكّنُ من إلقاءِ هذه القذائفِ

من أعلى الجبلِ

فوق معسكراتِ جنودِ التحالفِ

لتمارسَ دورها الفعّالَ

في تدمير العقولِ البشريّةِ

 

ومضاتُ التفاؤلِ الخافتةُ

أَطْفَأَتْها هذه الأسئلةُ الخاملةُ:

·        ماذا لو أصابتْ إحدى الشظايا النيرماويّة رأسي بالخطأ؟

·        هل أتمكّنُ من مواصلةِ المقاوَمةِ بعقلٍ مُدَمَّرٍ؟

·        هل سينسحبُ الغزاةُ العقلاءُ من بلدتي، بمجرد تدمير عقولهم بالقذائف؟

·        وإذا كانوا أصلاً مجانين، ماذا ستدمِّرُ القذائفُ النيرماويّةُ؟

 

 104

ما سرُّ غضبِ نيرمانا

عندما أزلتُ أعشابَ صدري الصفراءَ

بالمحراثِ الآلِيِّ؟

 

وما سرُّ سعادتِها

عندما غرسْتُ قصبتي الهوائيّةَ الْمُسَوِّسةَ

في تربتها المحروثةِ يدويًّا؟

 

 105

الميكروسكوبُ الذي أمعنَ في النظرِ

إلى إحدى خلايا نيرما

لَمْ يتمكّنْ من قراءتها تشريحيًّا

وأصيبَ بدوارٍ مفاجئٍ

 

أَخْبَرَتْنِي الخليّةُ الحيّةُ بعد ذلك

أنها تحكي عن نفسها بطلاقةٍ

لمن ينظرُ إليها بالعين المجرّدةِ

 

بمجرّد أن خَلَعْتُ نظّارتي الطّبّيّةَ

بدأت "نيرمزادُ" الحديثَ الْمُباحَ

وعندئذٍ

أدرَكَنِي الدُّوارُ المفاجئُ ذاتُهُ

قبل أن يُدركَ "نيرمزادَ" الصَّبَاحُ

 

 106

في التامبولا الأخيرةِ

التي أقيمتْ في ذكرى التحرّرِ من الاستعمارِ

لَمْ أحصلْ على أيةِ جائزةٍ

رغم موافقتي على دفعِ رشوةٍ كبيرةٍ

للقائمين على السّحْبِ

واستحواذي على أكثر من ألف بطاقةٍ

لتعظيمِ فرصتي في الفوزِ بجائزةٍ قيّمةٍ

 

المسئولون عن الحفل

أخبروني بأن جهةً أمنيّةً عليا

هي التي تدخّلتْ في آخرِ لحظةٍ

للحيلولةِ دون فوزي بأيةِ جائزةٍ

بعد تسرّب خَبَر

"احتلال نيرمانا جهازي العصبيَّ المركزيَّ"

 

الشعورُ بالظّلمِ يكادُ يقْتُلُنِي

فجميعُ المحتفلينَ بالتحرّرِ،

والقائمين على الحفلِ،

ورجالِ الأمن..،

باعوا أجهزتهم العصبية المركزيّة واللامركزيّة

لجهاتٍ أجنبيّةٍ

منذ زمنٍ بعيدٍ، وقبضوا الثمنَ

لذلك لَمْ تجد نيرمانا أرضًا طيّبَةً غيري

يمكن احتلالها دون مقاوَمَةٍ، وبلا مقابلٍ

 

الشرطُ الوحيدُ،

الذي وافقتْ نيرمانا عليه

قبل أن تحتلَّني بلُطْفٍ..،

هو أن تتعهّدَ بالبقاءِ لأطول فترةٍ ممكنةٍ

لأضمنَ أن تتحوّلَ أرضي الطيّبةُ إلى سماءٍ

 

 107

تجنُّبًا للخطورةِ المحتملةِ

وافقتْ نيرمانا ـ مضطرّةً ـ قبل فواتِ الأوانِ

على تركيب منظِّمٍ عالي الجودةِ في فوّهتها

كي لا يأخذ البوتاجازُ الشَّرِهُ

من غازها المندفعِ بعفويّةٍ

أكثرَ من حصّته المقرّرةِ

اللازمةِ لإشعالِ عيونه السّتِ

والفرنِ المخبوءِ في أعماقِهِ

 

أدركْتُ أنا بعد فواتِ الأوانِ

أن الانفجارَ الرائعَ الذي أبحثُ عنه بقوّةٍ

يتطلّبُ نزعَ المنظِّمِ من عضوي التناسليّ

وعدم الاكتفاءِ بإشعالِ عيونِ حبيبتي

والفرنِ المخبوءِ في أعماقها

 

 108

كَأيّ لِصٍّ مُحْتَرفٍ

اعتادَ تسلّقَ الْحِبَالِ

والسطْوَ على الوحداتِ السكنيّة الراقيةِ،

صعدتُ بخفّةٍ على السلّمِ الموسيقيّ

مرتديًا "قفاز الأمانِ"،

الذي "اشْتَغَلَتْه" نيرميتا لأجلي

أو "اشْتَغَلَتْنِي" لأجله،

في محاولةٍ رائدةٍ مني

لسرقةِ لحنٍ عبقريٍّ نفيسٍ

من رأس مؤلّفٍ شهيرٍ

أو اصطيادِ طائرٍ مغرّدٍ

من فصيلةٍ نادرةٍ

لحبسِهِ في قفصي الصدريّ

أو زراعةِ فصوصٍ ثمينةٍ منه

في حنجرتي المتهالكةِ

 

بعد عدة درجاتٍ على السّلّمِ المنتظمِ

"ني" .. "ري" .. "مي" .. "تا"

عثرْتُ على صندوق مجوهراتٍ ضخمٍ

مرصّعٍ بالصدفِ

ثقوبه الضيّقةُ أوضحتْ

أن بداخله ما أتمنّاهُ بالضبطِ

رَقَصَ قلبي طربًا

على إيقاعِ المفاجأةِ المدهشةِ

 

رغم هذا النجاح اللافتِ

باءت محاولتي الرائدةُ بالفشلِ

حيث عجزت المفاتيحُ الألفُ التي حَمَلْتُها معي

عن فتحِ الصندوقِ

كان ضروريًّا

أن تَمْنَحَنِي نيرميتا من البدايةِ

"مفتاحَ صول"

 

 109

في الدَّوْرَةِ الأوليمبيّةِ الْمُقْبلةِ

ربما أحصلُ على ميداليةٍ ذهبيّةٍ

في لُعْبَةِ الْحُبِّ

بعد أن تدرّبْتُ جيّدًا

على تخطّي جميعِ المتسابقين في الماراثون

من أجلِ احتضانِ نيرمانا الطيّبةِ أوّلاً

 

أمرٌ غير طيّبٍ حقًّا

أن أقفَ مبتسمًا على منصّةِ التتويجِ الثلاثيّةِ

بين فهديْنِ آخريْنِ

أعرفُ أنهما تمكّنا من احتضانِها بعدي

 

لو قُدِّرَ لي إعادةُ صياغةِ لائحةِ المسابقةِ

لأوصيتُ بالتهامِ نيرمانا بدلاً من احتضانها

لأضمنَ ألا يجدَ فهدٌ بعدي عَظْمَةً من عظامِها

 

 110

عند عبورِها الجسرَ الرخاميَّ العتيقَ

من ميدانِ الحريّةِ إلى متحفِ الشمعِ

قررتْ نيرمانا - على غير المعتادِ -

احترامَ إشاراتِ المرورِ بحذافيرِها

 

بمجرّد ظهور لافتة "أقصى حمولةٍ مليونُ إنسان"

أعفَيْتُها على الفورِ من مطبّاتِ الْحَرَجِ

حيث تَخَلّصْتُ في الحالِ من نفسي المكتظّةِ بالسّكّانِ

لتعبرَ نيرمانا بسلامٍ

حاملةً على متنها مئات الآلافِ

من الأوفياءِ غير المشاغبين

الجاهزين للعرضِ أمام زوّارِ المتحفِ

 

 111

بعد أن ضَغَطَتْ نيرفانا على مفتاح "Delete"

لِمَحْوِ اسْمي من قائمةِ الذينَ توقظهم كلّ صباحٍ

صِرْتُ لا أستيقظُ أبدًا في الصباحِ

(نيرفانا الآن – كما أتصوّرُ –

 توقظُ الصباحَ نفسه كلّ صباحٍ)

 

بعد أن توقّفتْ نيرفانا عن الغِنَاءِ لي كلّ مساءٍ

صرْتُ لا أستيقظُ أبدًا في المساءِ

(نيرفانا الآن – كما أتصوّرُ –

 توقظُ المساءَ بشدْوِها كلّ مساءٍ)

 

بعد أن ترحلَ نيرفانا خلف الغيومِ

ستبدأ – كما أتصوّرُ – غيبوبةُ الصباحِ والمساءِ

وربما أفيقُ أنا من غيبوبتي

 

 112

طوال أيامِ عيدِ الفِطْرِ

لَمْ يتمكّنْ أحدٌ من إطالةِ عُمْرِهِ بِلعَابِ نيرفانا

وفقًا لوصفاتِ العلاجِ الخارقةِ

في كتب الطبّ البديلِ

 

الكائنُ الوحيدُ

الذي زاد عمرهُ بمقدار 72 ساعةً

هو شهرُ الصّيامِ

 

 113

في يوم اليتيمِ

تمنّيتُ لو أحلُّ محلَّ الجنينِ الداهيةِ

المختبئ بحرْصٍ في بطن نيرمانا

كي لا يَجْذبَهُ مغنطيسُ الزمانِ

وكي لا يدركَ أحدٌ

أنه هو العفريتُ الماكرُ،

الذي يطلقُ الصواريخَ الناريّةَ في فضاءاتِ المكانِ

مرةً بهدف اللهْوِ

ومراتٍ بهدف الاحتجاجِ الإيجابيّ

على ما تفعله الطبيعةُ بالإنسانِ

 

هل حقًّا نيرمانا مسئولةٌ عن إرضاعِ الأهِلَّةِ السلبيّةِ

إلى أن تصبحَ أقمارًا مكتملةً؟

وهل حقًّا تتآكلُ البدورُ بعد فطامِها التعسّفيِّ

إلى أن تغرقَ في بحر النسيان؟

 

 114

"لَمْ يكن الدُّلفينُ الصغيرُ

 يريدُ أيَّ شيءٍ من الفتاةِ الشّقيّةِ

 سوى أن يُنقذَها من أمواجِ البحرِ العاصفِ

 الملوّثِ بمخلَّفاتِ البشرِ

 المحقونِ بمكايدِ الغوّاصاتِ ونفاياتِها الخبيثةِ

عند وصولهما معًا إلى شاطئِ النجاةِ

 المزدحمِ بالطحالبِ اللزجةِ والصخورِ الملساءِ

 غادرت الفتاةُ ظهْرَ الدُّلْفينِ بمرحٍ

 أهدتْهُ سبعَ بالوناتٍ بألوانِ الطيفِ،

 ومصّاصةً حمراءَ بلونِ الرغبةِ

 ارتسمتْ على فمها ابتسامةٌ بريئةٌ

 وهي تقول (Bye) برقّةٍ وأدبٍ

 لمعتْ عيناها من غير دموعٍ

 

 لَمْ يدر الدّلفينُ لماذا قرَّرَ بعد ذلك

 أن يأخذ دروسًا خصوصيّةً في الأنانيةِ

 وأن يتحوّل تدريجيًّا

 من طَوْقِ إنقاذٍ كاوتشوكيٍّ منتفخٍ

 إلى جزيرةٍ عملاقةٍ

 تتسعُ لإقامةِ عرائس البحرِ

 التي تفقدُ اتّزانَها في المياهِ"

 

لَم أدرِ أنا بدوري

لماذا قرَّرْتُ أن أحكي هذه القصّةَ لتيتا

مع أنها محصّنةٌ ضد فقدانِ الاتّزانِ

في البحر والبرِّ والجوِّ

كما أنني لستُ أبدًا الدُّلْفين!

 

 115

التماثيلُ التي عَبَدَها الوثنيّونَ

حطّمها الصالحون بقوّةٍ

وتمرَّغَتْ في التّرابِ

 

هل الذي منعني من نَحْتِ تمثال نونا

هو إشفاقي من أن يعبدَهُ أحدٌ

أم إشفاقي من أن يُحَطِّمَهُ أحدٌ؟

 

 116

لستُ بحاجةٍ إلى أعضائي

لذلكَ أعلنْتُ في الصحفِ

عن رغبتي في التبرّعِ بها كلّها

 

المدهش أنني اكتشفتُ أنها غير مطلوبةٍ من أحدٍ

أو ربما لا يوجدُ أحدٌ يُحسنُ قراءةَ الصحفِ

 

نيرفانا بحاجةٍ إلى أعضائها كلّها

وأنا أيضًا بحاجةٍ إلى أعضائها كلّها

لذلك أعلنَتْ في الصحفِ

أن أعضاءها مسجّلةٌ باسْمِها

ولا توجدُ أيةُ رغبةٍ في نقل ملكيّتها

 

المدهش أنني اكتشفتُ

أن نيرفانا ليست لديها زائدةٌ دوديّةٌ

يمكن أن تتخلّصَ منها ذات يومٍ

كما أنها لا تقصّ شَعْرَها أبدًا بالمقصّ

ولا تقطع بالقصّافةِ قلامة ظفر

 

 117

البشرُ كلّهم أَدْرَكوا

أن نيرمانا محميّةٌ طبيعيّةٌ

ممنوعٌ لَمْسُ نباتاتها وحيواناتها النادرة

ممنوعٌ كذلك الاقترابُ والتصويرُ

 

وحدي، أمسكْتُ بندقيّةَ الصيدِ

وانطلقْتُ أطاردُ اليماماتِ البيضاءَ في سمائها

كلما أطلقتُ طلقةً

سقطتْ ريشةٌ واحدةٌ – كالقذيفةِ – فوق رأسي

 

الوليمةُ التي منّيتُ ذاتي الْجَوْعَى بها

تحوّلتْ أمام عينيَّ إلى مذبحةٍ

أنا ضحاياها كلّهم

ثم هبطت اليماماتُ في المساءِ

لتلتقطَ بقايايَ بمناقيرها

 

 118

3 أقراص فقط من دواء "نيرمالين" الطبيعيّ

كانت كافيةً جدًّا

لأجد 3 سنوات من حياتي الكابوسيّةِ قد مرّت بسلامٍ

بدون أن أدري شيئًا عنها

 

رغم تعدّد الاحتمالاتِ

فإن الأمرَ المؤكَّدَ بنسبة 100٪

أن هذه الأقراص لَمْ تكنْ أبدًا أقراصًا مُنَوِّمَةً

 

 119

لرغبتي في الالتصاقِ التامِّ بنيرمانا

لَمْ أكتفِ بالتحلُّلِ من ثيابي

لكنني تخلَّصْتُ كذلك من جِلْدي كلّه

 

لَمْ تتمدّدْ نيرمانا، ولَمْ تنكمشْ

عندما شاهدتْ كرةَ اللحمِ المشتعلةَ

موجّهةً إلى مرماها

لكنها تمكّنت ببراعةٍ

من بناء حائطِ الصدِّ بيننا

رصّت الحجارةَ كلّها،

إلا حجرًا واحدًا لَم تضعْه في موضِعِهِ

 

إلى الآن، لَمْ تُخْبِرْني نيرمانا

أية وسيلةٍ من الوسيلتيْنِ تفضّلُ لإعدامي:

أن أكتفيَ بالنظرِ إليها

من الثقْبِ الضّيّقِ في الجدارِ

أم أضع أنا الحجرَ الأخيرَ بيدي

ليكتملَ الجدارُ العازلُ بيننا،

ويستريح كلانا من الآخرِ نهائيًّا؟

 

 120

بصعوبةٍ بالغةٍ

استطعتُ رسْمَ صورةٍ

تشبهُ ملامحَ نيرمانا

مثلما رَأَيْتُها لحظةَ ظهورِها على الأرضِ

 

جَعَلْتُها خلفيّةً

لشاشةِ كمبيوتري الشخصيّ

 

كلَّ صباحٍ، أعيدُ تشغيلَ الجهازِ

فتكبر ملامحُ الصورةِ بمقدارِ يومٍ

 

بعد 10 سنواتٍ

ستكبر ملامحُ الصورةِ بالتأكيد،

بمقدار 10 سنواتٍ

 

بعد نصف قرنٍ

ربما تموتُ الصورةُ

بينما تظلُّ نيرمانا إلى الأبدِ

محتفظةً بملامحِها

التي رأيتُها لحظةَ ظهورِها على الأرضِ

 

 121

تحت شجرةٍ عجوزٍ

في حديقةِ الحيواناتِ الأليفةِ والوحشيّةِ

رقدْتُ مقتولاً من التعبِ

بعد يومٍ حارّ جافّ

بلا هواءٍ ولا ابتساماتٍ

 

في حقيبتي دائمًا "كريم" مرطّب للبشرة

لكنني لَمْ أستعْملْهُ في هذه الليلةِ

لإحساسي بأن رُوحي هي التي تُعاني من التشقُّقِ

حفرْتُ بأظافري حفرةً كبيرةً بجوارِ الشجرةِ

كي أدفن فيها قطعتيْنِ من عمودي الفقريّ

وحفنتيْنِ من ذكرياتِ الصِّبا

وأحلامِ منتصفِ العمرِ

 

فَجَعَنِي هذا العددُ الكبيرُ من الديدانِ النّهِمَةِ

أَجْبَرَتْنِي جذورُ الشجرةِ المتشابكةُ على احترامِها

 

تمنّيْتُ في تلك اللحظة أمنيتيْنِ:

- أن تتشابكَ غددي الليمفاويةُ وغدد نيرفانا

   فوق الأرضِ وتحتها

- أن تنصهرَ غددُ نيرفانا كقطْعةِ زُبْدٍ

   لأعالجَ بها شقوقَ رُوحي

 

 122

المساكينُ الذين يُضاربونَ في البورصةِ

لا يدركون أنهم جميعًا خاسرون

ذلك أن نيرفا

قرّرتْ نسفَ المعاملاتِ الاقتصاديّةِ كلّها بالديناميت

وإلغاءَ جميعِ العملاتِ القديمةِ

لتكونَ هي وحدها

الورقةَ النفيسةَ المتداوَلَةَ بين البشرِ

فإما أن يدركوا قيمتها جيّدًا

وإما أن يدركوا جيّدًا

أنهم بدونها لا قيمة لهم

 

 123

شَعْرَةٌ مضيئةٌ في ذيلي

تَجْعلُنِي ألتفتُ كثيرًا إلى الوراء

 

ذاتَ مساءٍ

طلبْتُ من نوريتا إطفاءها

كي لا أصطدمَ بأحدٍ أو شيءٍ أثناء سَيْرِي النمطيِّ

 

رفضتْ نوريتا أن تتحوَّلَ إلى غازٍ خاملٍ

أو زجاجةِ ماءٍ

 

الأمر الذي اعْتَبَرْتُهُ "دُشًّا باردًا" حقًّا

أن نوريتا أشعلت الجهاتِ الأصليّةَ الأربعَ

والجهاتِ الفرعيّةَ كلّها

 

توقّفْتُ تمامًا عن الحركةِ الميكانيكيّةِ

متفرّغًا لمراقبةِ ذيلي

ودراسةِ آخر أنباءِ الاشتعالاتِ حولي

دراسةً متعمّقةً جدًّا

تليقُ بعمالقةِ الجغرافيا

وملوكِ المسالكِ الوعْرةِ

 

 124

قالت لي نيرمانا:

"أنتَ لا تستطيعُ مَحْوَ امرأةٍ إلا بامرأةٍ"

 

قلتُ لها:

"هذا صحيحٌ،

 وصحيحٌ أيضًا أنني أستطيعُ مَحْوَكِ بلساني"

 

قالت لي:

"هذا صحيحٌ،

 وصحيحٌ أيضًا أنكَ ليس لديكَ لسانٌ"

 

 125

لَمْ ييأس المزارعونَ البسطاءُ

من التفتيشِ بفؤوسهم الصغيرةِ

عن حطامِ سحابةٍ مرمريّةٍ أُعجوبةٍ

قيل إنها سقطتْ فجأةً من السماءِ السابعةِ

ليس على هيئةِ المطر الْمُحَمَّلِ بالخيراتِ والأتربةِ

ولا على هيئةِ شظايايَ الْمُسْتَعِرَةِ كالحممِ البركانيّةِ

 

وَحْدِي،

توصّلتُ إلى تفسيرٍ مذهلٍ لاختفاءِ السحابةِ

هو أن نيرفانا قد التقطَتْ حطامَها

من الأرض السابعةِ

وأهْدَتْهُ – سرًّا – للسماءِ السابعةِ

في عيد ميلادها

 

 126

"دعوةُ الإفطارِ

 التي أَرْسَلَتْهَا نيرما على عنوان منزلي

 مختومةً بقُبلةٍ ورديّةٍ

 لبَّيْتُها بحرارةٍ

 رغم أنني لَمْ أكن معتادًا بدءَ يومي بالإفطار

 

 الغداءُ الساخنُ اللذيذُ

 الذي أَطْعَمَتْنيِ إيّاهُ بيديها في فمي

 (والله بيديها في فمي)

 أغراني بإجراءِ عملياتٍ جراحيّةٍ متكرّرةٍ

 لتوسيع المعدة

 

 العشاءُ الذي تفنَّنْتُ في إعدادهِ لنيرما

 - بعد أن صِرْتُ لا أستطيع تذوّقَ الحياةِ بدونها -

 اعتذرتْ عنه بلهجةٍ جارحةٍ

 وببساطةٍ قالتْ إنها طوال عمرها

  لَمْ تأكل إلا بمفردها!

 (واللهِ قالت هكذا ببساطةٍ)

 

في الصباح

 تهيّأتُ لإطلاق رصاصةِ الرحمةِ على نفسي

 بالاتّفاق مع طبيبي الخاصِّ

 (الطيّب والمخلص جدًّا)

 لكن نيرما كان لها رأيٌ آخرُ

 حيث استطاعتْ إقناعَ الطبيبِ

 (الطيّب والمخلص جدًّا)

 بأن الموتَ ببطءٍ هو الحل الأنسبُ

 لِمُمِلٍّ مِثْلي

 يعشقُ مضغَ ذكرياتِهِ إلى آخر نَفَس"

 

عجيبٌ جدًّا أنني سَجّلْتُ هذه الخزعبلاتِ في يوميّاتي

مع أنني أدركُ جيّدًا

أن نيرما لَمْ تدْعُنِي أبدًا للإفطارِ معها

ولَمْ تطعمْنِي أبدًا بيديْها في فمي

ولَمْ أدْعُها أبدًا للعشاءِ معي

كما أن طبيبي الخاصّ

ليس طيّبًا ولا مخلصاً إلى هذه الدرجة!

 

 127

حينما ارتدتْ ميتا الشهيّةُ أحجارَها الكريمةَ

وألقتْ حَجَرًا غيرَ كريمٍ في ماءِ البحيرةِ الراكدِ،

شعرْتُ بالغثيان المؤقّتِ

وتساءلتُ بحسْرةٍ:

"هل أنا المقذوفُ أم المقذوفُ فيه؟"

 

 128

بذيلِ الحصانِ المقطوعِ

فشلْتُ في هشِّ جيوشِ الذّبابِ

الملتصقةِ بجثّةِ فخْذي

 

شكرْتُ نيرمانا كثيرًا

عندما ناوَلَتْنِي مضربًا بلاستيكيًّا مرنًا

يمكن بواسطِتِهِ قتلُ أكثر من ذبابةٍ بضربةٍ واحدةٍ

 

المدهشُ للغايةِ

أن المضربَ آلَمَنِي جدًّا

عند تكرارِ الضربِ به على فخذي الميّتِ

في حين لَمْ تمتْ ذبابةٌ واحدةٌ

 

الأكثرُ إدهاشًا

أنني حين ضربْتُ به فخذَ نيرمانا مرّةً واحدةً

- على سبيل العتاب -

آلَمَت الضرْبةُ فخْذي أنا أيضًا

أكثر من أيةِ ضربةٍ أخرى

وفي الوقتِ نفسهِ

قَتَلَت الذبابَ كلّه

 

 129

الهيستيريا التي أصابَتْني

عند اقترابِ نيرمانا مني

ليس لها دواءٌ سوى اقترابِها أكثر

 

جِلْدي الذي تغيّر لونُهُ فجأةً

من الأسْوَدِ إلى الأبْيضِ

بعد ظهورِ نيرمانا جزئيًّا

سيصير عديمَ اللونِ تمامًا

بعد ظهورِها أكثر

 

فيروسُ نيرمانا النّشِطُ

الذي عطّلَ "نظامَ التشغيلِ"

في مُعدّاتي الإلكترونيّة كلّها

ليس هناكَ أملٌ في تدميرِهِ

إلا بإصابته بفيروساتٍ نيرمانيّةٍ أخرى نشطةٍ

 

 130

لا أدّعي أنني أتخلّصُ من قاذوراتي كلّها

بالاستحمامِ بالماءِ السّاخنِ والصابونِ

لكنني بعد كلّ استحمامٍ

أشعرُ بأن رُوحي أخفُّ وزنًا

وبأن أناملي بلا بصماتٍ

 

لا أغادرُ المكانَ أبدًا

قبل أن أمسحَ بخارَ الماءِ الْمُتَكَثِّفَ فوق مرآةِ الحمّامِ

وعندما أنظرُ إلى المرآةِ

أجدُ وجهَ نيرمانا في أقصى درجاتِ نحافتِهِ

وهو يبتسمُ لي ابتسامةً تعني الكثير

 

 131

في آخرِ ليالي الحربِ القذرةِ

بدأ القصفُ الجوّيُّ هادئًا

ثم اشتدَّ فجأةً

الجيرانُ كلّهم

في شارعنا المزدحمِ

فرّوا إلى الخنادقِ الجماعيّةِ

بمجرّد استماعِهم لصفّارةِ الإنذارِ

 

أطفأْتُ أنوارَ المنزلِ بسرْعَةٍ

تسلّلْتُ وحدي من السلالِمِ الخلفيّةِ

قاصدًا خندقًا انفراديًّا

بَنَتْهُ نيرمانا خصيصًا لأجلي

في غفْلةٍ من عيونِ الغزاةِ البرابرةِ

 

مرّتْ ساعتانِ بسلامٍ

شعرْتُ خلالهما بأنني طائرٌ في قفصِ الحريّةِ

لَمْ أعلمْ ماذا حدث بالضبطِ بعد ذلك

لكن الأمر شبه المؤّكد

أن الصاروخَ الذكيّ

اخترقَ الخندقَ من فتحة التهويةِ

وَحَوَّلني إلى بقعةٍ حمراءَ على حائطِ المقاوَمةِ

مع أن قذيفةً صغيرةً مسيلةً للدموعِ

- أو حتى مسيلة للّعَابِ –

كانت كافيةً جدًّا

لإغراقي في بحرٍ عميقٍ

شديدِ الملوحةِ والوحشيّةِ

 

 132

ثورةٌ مؤّكدةٌ سوف يقومُ بها الجياعُ

عندما ألتهمُ نيرمانا

ولا يتبقّى منها شيءٌ

 

ثورةٌ مؤكّدةٌ سوف تقومُ بها السِّباعُ

عندما تلتهمُنِي نيرمانا

ولا يتبقّى مني شيءٌ

 

 133

على جوادٍ واحدٍ

تَوَسَّمْتُ فيه الأصالةَ

(أنا ومجموعة الأصدقاء المقرّبين)

راهنتُ في السّباقِ، وراهنَ الأصدقاءُ

بدون أن نُخْبِرَ أحدًا

 

على نفسها راهنتْ ناريمانا في السّباق

بدون أن تُخْبِرَ أحدًا بأنها قادرةٌ على التنكُّرِ

وإيهامِ الجميعِ بأنها حصانٌ

 

قطعتْ ناريمانا المضمارَ في زمنٍ قياسيٍّ  

في حين سقطَ الجوادُ الذي راهنْتُ عليه

(أنا ومجموعة الأصدقاء المقرّبين)

عند أول منعطفٍ خطرٍ

معترفًا لنا بأنه شخصيًّا قد راهنَ على ناريمانا

بدون أن يُخْبِرَ أحدًا بأنه قادرٌ على التنكّرِ

وإيهامِ الجميعِ بأنه إنسانٌ

 

 134

أثناء عرض الحلقةِ الأولى من مسلسلِ الرّعْبِ

على شاشة قناة "Earth" المشفّرةِ

صرختْ نيرما

 

أثناء عرض الحلقةِ العاشرةِ

صرخْتُ أنا

 

بعد عرض الحلقةِ الأخيرةِ

تلاشَى الناسُ جميعًا

وبقيتُ أنا ونيرما وحدنا على سطح الأرض

ليبدأ مسلسلُ رعبٍ جديد غير مشفّرٍ

لن تتحمّل الأرْضُ منه مشهدًا واحدًا

 

 135

ممنوعٌ أنا من البقوليّات (كلّها)

كي لا تهزمني أنيميا الفولِ

وفقرُ الدمِ

 

ممنوعٌ أنا من نونا (وحدها)

كي لا تقتلني أنيميا العِشْقِ

ونزيفُ الدمِ

 

 136

قلتُ لِنونا برقّةٍ:

"ازرعي لي نصْبًا تذكاريًّا

 كي أقصده – أنا – بعد غيابي

 

 ازرعي لنفسكِ نصْبًا تذكاريًّا

 كي أقصده أنا أيضًا

 بعد غيابي

 وغيابِكِ

 وغيابِ نصْبِي التذكاريِّّ"

 

ردّتْ نونا بعُنْفٍ:

"ازرعْ أنتَ سكوتَكَ الرأسيَّ الْمُدَبَّبَ

 في دِلْتايَ الخصبةِ المستويةِ

 المليئةِ بالكلامِ الأخْضَرِ"

 

 137

غير عاديٍّ

أن يقفَ رجلٌ غير عاديٍّ مثلي

في طابورٍ طويلٍ

أمام منفذِ بيع الْخُبْزِ

 

وقفْتُ في الطابورِ أكثر من ساعتيْنِ

وعندما وصلْتُ إلى البائعِ

أَعْطَيْتُهُ الوعاءَ الخاصَّ الذي حَبَسْتُ فيه نيرمانا

(بمجرّد أن خرجَتْ من الميكروويف الجديد بمنزلي)

 

قلتُ له بحماسٍ:

"أعطِ كلّ واحدٍ من الشعْبِ (بالمجّان)

 هذا الرغيفَ الشهيَّ الطريَّ

 القابلَ للتجدّدِ دائمًا"

 

 138

صَبَغَتْنِي الأيامُ بمعاييرها الازدواجيّةِ

فَوَجَدتُنِي أتمسّكُ بالكتابةِ بالريشةِ

وأصرُّ على رفضِ التزوّج بأجنبيّةٍ

(بهدفِ حمايةِ التماسكِ الاجتماعيِّ)

 

في الوقت نفسه،

وقّعْتُ اتفاقيّةَ "الجات" بقلمٍ مستورَدٍ

ورضيتُ بأن أصبحَ عضوًا في شركةٍ متعدّدةِ الجنسيّاتِ

تسبّبَتْ في انهيارِ مجتمعاتٍ بأكمَلِها

 

نون أَغْرَتْنِي بالتعاونِ معها

لإنشاء ("نونا" محدودةِ المسئوليّةِ)

قلتُ لها:

"أنا أكْبَرُ من أن أكونَ أَلِفًا زائدةً

 في نهايةِ اسْمِكِ التجاريّ"

 

 139

ينصحُ الأطباءُ بالعلاج بالوهمِ

لِمَحْوِ آلامِ 30٪ من المرضى

 

في حالتي أنا

لن يفيد العلاجُ بالوهْمِ

لتخليصي من نيرما

لأنها ببساطةٍ الوَجَعُ الحقيقيُّ

الذي جعل الأطباء يؤكّدون

أنني – وحدي - 70٪ من المرضى!

 

 140

"اللهُ أكبرُ"

أقولها كلَّ عيدِ أضحى

وأبدأ في ذبْحِ الشّاةِ نفسها

 

"كلّ عامٍ وأنتَ أنتَ"

تقولها نيرمانا دائمًا في رأْسِ السّنة

وتبدأ في إزالة طبقةٍ من طلاءِ جِلْدي وأظافري،

ليس بالْمُذيبِ الْعُضْويِّ الخطيرِ "الأسيتون"

 141

قالتْ لي نيتا

قبل أن تَهْجَعَ في خَيمَتي ذات ليلةٍ:

"أنا ضيفَتُكَ المؤقَّتةُ، فَأَحْسِنْ مَثْوَايَ"

 

المسكينةُ،

لا تدري أنني ضَيْفُها الدائمُ،

الذي لا ماءَ له سوى بُخَارِ مائها

 

 142

يؤكّدُ علماءُ الزراعةِ، وخبراءُ الأرصادِ

أن نيرفا فاكهةٌ صيفيّةٌ

أشهدُ أنا

أنها زَانَتْ صوبَتِي المنزليّةَ الخاصّةَ

بألوانِها المبهجَةِ

في عِزِّ الشتاءِ

 

 143

قبولي أن أكونَ خيولَ النصرِ في فتوحاتِ نيرما

أغْرَاها بطلبِ تَحْويلي إلى قطعِ شطرنج

(الْمَلِكُ ليسَ من بينها!)

 

لو وافقْتُ على ذلك،

لأغْرَيْتُ نيرما بتحويلي إلى رُقْعَةٍ

ذاتِ أربعةٍ وستّين مربَّعًا

تلهثُ فوقها البيادقُ

خوفًا من الموتِ

وأملاً في أن تَتَرَقَّى

 

 144

أَخْبَرَتْنِي نيرما

بأنها عرفتْ رجالاً بعددِ شَعْرِ رأسها

ولأنني أصْلعُ تمامًا

أخبرْتُها بأنني عرفْتُ نساءً

بعددِ شَعْرِ رؤوسِ الرجال الذين عَرَفَتْهُمْ!

 

قالتْ لي إنها فَهمَتْنِي تمامًا

بعد خبْرتها الطويلةِ،

لأنني رَجُلٌ

 

قلتُ لها إنني لَمْ أَفْهَمْها،

رغم خِبْرَتي الطويلة،

لأنها ليست امرأةً

 

 145

صَافَحَتْنِي نيرمانا بحرارةٍ

بعد إلقائي محاضرةً عن "النظام العالميِّ الجديدِ"

 

سألتْنِي بتلقائيّةٍ:

"لماذا تحتفظُ بكفّيْكَ كاملتينِ إلى الآن،

 مع أن ثروتَكَ كلها مركّزةٌ في عُقْلَةِ إصبعٍ واحدةٍ؟"

 

أجبْتُهَا دون مواربةٍ:

"أدركُ بالضبط منطقةَ الثراءِ في خنْصَري اليُمْنَى

 لكنني أفضّلُ الإبقاءَ على خطوطِ الفقرِ كلها

 في كفّيَّ الطينيّتينِ،

 لأوزِّعَهَا على الطامعين الملتفّين حولي

 الذين يظنّون

 أنهم – وحدهم - حماةُ العدالةِ الاجتماعيّةِ"

 

 146

الإجازاتُ الاعتياديّةُ

الإجازاتُ العارضةُ والْمَرَضِيّةُ

العطلاتُ الرسميّةُ المتعددةُ

لا تعني كلّها لي أيَّ شيءٍ

 

في جميع أيامِ السّنةِ بدونِ استثناءٍ

أمارسُ عملي الحقيقيَّ الشاقَّ

أدوِّنُ توقيعَ الحضورِ كلّ صباحٍ

في دفاترِ السيِّدَةِ نون

ولا "أنصرفُ" أبدًا في المساءِ

 

 147

سَأَلَتْنِي نيرمانا عن رأسِ مالي

قلتُ لها: أنتِ

 

سألْتُها عن رأسِ مالِها

قالتْ: مالِي ليسَ له رأسٌ

 

 148

باختياري رئيسًا للجنةِ الإفتاءِ

تكونُ نيرما بمأمنٍ من حدِّ السيْفِ

رغم اعترافِها بقتْلِي

ووجود شهودٍ –أنا منهم- على توفُّرِ النيّةِ والقصدِ

 

 149

يَتَمَنَّى قلبي

المنطوِي على نيرمانا

لو يكونُ جِلْدِي

ليموتَ فور تعرُّضِهِ لما لا يتحمَّلُ

ثم يظهر قلبٌ جديدٌ

 

أَتَمَنَّى أنا

أن تُجَدِّدَ نيرمانا عباءَتَها

مرةً واحدةً

لأجل أن أستريحَ أنا

مرةً واحدةً

من عناءِ تجديدِ ما أرتدي

 

 150

ظهورُ وجهِ نيرمانا

على لوحةِ الإعلاناتِ الضوئيّةِ

في قلبِ المدينةِ

هل هو دليلٌ على نَزْعِ فتيلِ السّلَعِ الاستهلاكيّةِ،

أم دليلٌ على أن نيرمانا

هي الجيشُ الفسْفوريُّ الجديدُ

القادرُ على غزوِ احتياجاتِ البشرِ؟

 

ظهورُ وَجْهِي الْمُنطفئ

بَالْقُرْبِ من لوحةِ الإعلاناتِ الضوئيّةِ

هو دليلٌ دامِغٌ

على أنني الجيشُ الخاسرُ مرّتينِ:

-        في معركةِ الحصولِ على سِلْعَةٍ استهلاكيَّةٍ

-        وفي معركَةِ الحصولِ

  على قطعةٍ غير مطهوَّةٍ من نيرمانا

 

 151

أحضرُ عادةً مسابقاتِ الجمالِ

للتأكُّدِ من أن الذي أبحثُ عنه ليس موجودًا

 

أحضرُ عروضَ الأزياءِ

للتأكُّد من أن العُرْيَ التامَّ لا يزالُ أفضلَ

 

أحضرُ جولاتِ المصارعةِ

للتأكّدِ من أنني الألَمُ الذي يفوق احتمالَ البشرِ

 

أحضرُ المناسباتِ العائليّةَ

للتأكد من أن هناك أيامًا

بطعمِ فصولِ السّنةِ الأربعةِ

 

أَحْضُرُ حَفْلاتِ توقيعِ نيرما كُتُبَها الجديدةَ

للتأكّدِ من أنني كتابُها القديمُ جدًّا!

 

 152

الفرقُ بين الخيطِ الأبْيَضِ

والخيطِ الأسْوَدِ

يُعَادِلُ تمامًا المسافةَ بين عيني اليُمنى

(التي تدركُ الفرقَ

  بين الخيطِ الأبيضِ والخيطِ الأسودِ)

وعيني اليُسرى

(التي لا تدركُ الفرقَ

  بين الخيط الأبيضِ والخيطِ الأسودِ)

 

كيف لَمْ تدركْ نيرمانا المسافةَ بيني وبيني؟

وكيف لَمْ أدركْ أنا

أنها لَمْ تدرك المسافةَ بيني وبيني؟

 

 153

قبل أن يتآكلَ الوقتُ تمامًا

بفعلِ الصَّدَأ

نشرْتُهُ بالمنشارِ الآلِيِّ

عند خطّ المنتصَفِ

نصفٌ لنيرمانا بإرادتي أنا

ونصفٌ لها أيضًا .. بإرادَتِها هي

 

أما أنا،

فقد صارَ لَقَبِي "الملدوغ" .. إلى الأبدِ

بإرادةِ عقاربِ ساعةِ الحائطِ،

تلك التي استمدّتْ إيقاعَها المنتظمَ من نبضاتي

 

السؤالُ الذي يدورُ في حَلْقِي

عكس اتجاه عقاربِ الساعةِ:

"كيف يبقى الإنسانُ في موضِعهِ،

ويتمّ نَفْيُهُ خارجَ الزمنِ؟"

 

 154

لاستحالةِ "تأمينِ البديلِ"

لَمْ يوافقْ الحاكمُ الرسميُّ

على منحِ نيرمانا إجازَةً قصيرةً جدًّا

تستريحُ خلالها من الْحُكْمِ الفِعْلِيِّ

 

 155

بإلقائي حَجَرَ النرْدِ ستةَ ملايين مرّة

ظَهَرَ كلُّ رقمٍ حوالي مليون مرة

وظهرتْ نيرمانا ستّةَ ملايين مرة

لأنها – ببساطةٍ - الأعدادُ الطبيعيّةُ كلّها

(وغيرُ الطبيعيّةِ)،

باستثناءِ "الصِّفْرِ"،

الذي هو أنا بدونها

 156

الشائعةُ التي قالت إنني سيتمّ توزيعي في الدّعْمِ

لَمْ تُثِرْ انتباهَ نيرمانا

فلا هي تستحقُّ الدَّعْمَ كالغوغَاءِ

ولا أنا بضاعَةٌ شعبيّةٌ إلى هذه الدّرَجَةِ

 

 157

جميعُ شركاتِ التأمينِ على الحياةِ

ترفضُ التعاملَ معي

لثبوتِ أنني غير طبيعيٍّ بالمرةِ

 

كلمةُ السّرِّ بالطبع هي نونا

والفرقُ بين مُنَوَّمٍ مَغْنطيسيًّا مِثْلي

وبين المنَوَّمين سريريًّا بالمستشفياتِ

أن معاناتهم تنتهي بتفوّقِ الطبِّ على المرض

في حين ستنتهي معاناتي

باستسلامِ الطبِّ تمامًا للمرضِ

وَرَفْعِهِ الرايةَ البيضاءَ (كَفَنِي المؤَجَّل)

 

 158

التعرّضُ لهزِّ الشِّبَاكِ خَمْسَ مرّاتٍ

في شَوْطٍ واحدٍ

لَمْ يدفعْنِي إلى انتقادِ حراسةِ الْمَرْمَى

اللومُ كلّه وَجَّهْتُهُ إلى الشّباكِ ذاتها

التي اهتزّتْ بصدْقٍ أَحْمَق

مع كلِّ تسديدةٍ من تسديداتِ نيرما

 

 159

الخوفُ من انقراضِي

- حيثُ لا يوجدُ وتدٌ إلا أنا -

دَفَعَنِي إلى تزوّجِ أرنبةٍ

 

كان سهلاً عليَّ الانغراسُ فيها مرارًا

- في "البوكس" وليس في المعملِ -

وإنجابِ العشراتِ في عامٍ واحدٍ

من خَمْسِ ولاداتٍ أو أكثر

حيث يرجعُ الرَّحِمُ إلى طبيعتهِ

بعد ستِّ ساعاتٍ من الولادةِ

 

الخوفُ من انقراضِ نيرمانا

-        حيثُ لا توجدُ وسيلةٌ

  لخلعِ الأوتادِ من الأرحامِ إلا هيَ -

دَفَعَنِي إلى نَيْلِ الدكتوراه في الهندسةِ الوراثيّةِ

أملاً في استنساخها في معملي

شجّعني على ذلك جدًّا

أنني بارعٌ في تأليفِ قصصِ الخيالِ العلميِّ

للأطفالِ السوبر،

الذين لا يشبهون الأرانبَ

 

 160

في الانتخاباتِ الرئاسيّةِ الأخيرةِ

حرصْتُ على الذّهابِ مبكّرًا

إلى صناديقِ الاقتراعِ

 

وضعْتُ علامة (صح) أمام "الفوضى"،

تلك المرشّحة الجديرة بالاحترامِ

ليس فقط لأنها تُشبهُ نيرمانا

لكن لكونها الأصلحَ لقيادةِ دولتنا المفكَّكَةِ

 

 161

أنا للطَّبْلَةِ:

"أضْربُكِ بنظامٍ

 والنتيجةُ فنٌّ"

 

نيرما لي:

"أضربُكَ بعشوائيّةٍ

 والنتيجةُ أيضًا فنٌّ"

 

أنا لأنا:

"هناكَ إذن طُرُقٌ للحسابِ

-        وتصفيةِ الحسابِ - 

 أكثرُ إبداعًا من جدْوَلِ الضّرْبِ"

 

 162

لَمْ تشْغَلْنِي أمطارُ الشارعِ الغزيرةُ

عن حبيبتي التي كانتْ تسيرُ معي

تحت مظلّةٍ واحدةٍ

 

الصورُ التليفزيونيّةُ المتتاليةُ،

التي أَمْطَرَها طَبَقُ استقبالِ الفضائيّاتِ

فوق رأسي مباشرةً

أَغْرَقَتْنِي تمامًا في بحورِ الْعُزْلَةِ

 

في عُزلَتِي، لَمْ أنْتبهْ لجرسِ الهاتفِ،

الذي غازَلَنِي عدةَ مراتٍ،

الأمر الذي أغضَبَ حبيبتي

فرفضتْ أن تسير معي في الشارعِ في اليوم التالي

تحت مظلّةٍ واحدةٍ

 

لَمْ أشعرْ كذلك بالإرهابيِّ الذي اقتحمَ الشقّةَ

وَخَبَّأَ في الدولابِ قنبلةً

قابلةً للتفجيرِ عن بُعْدٍ

بالريموت كونترول

 

لَمْ ألاحظْ أن صورةَ نيرمانا بِجَيْبِ معْطَفِي

قد طالَها ماءُ النارِ

وَأَحْدَثَ بها تلفيّاتٍ خطيرةً

 

 163

غيرُ مفهومٍ سببُ هذا الاهتمامِ البالغِ

من أصحابِ النّزعاتِ الرّجعيّةِ

بتحقيقِ "التّزاوُجِ الثّقافيّ"

بين الخيطِ الرفيعِ، والإبْرَةِ ذاتِ الثّقْبِ الضّيّقِ

مع أن الحياكَةَ صارتْ مهنةً مُهْتَرِئَةً

في المرحلةِ الْمُقْبِلَةِ على الأقلِّ

حيثُ تَهَيَّأَ البشرُ لوقفةٍ طويلةٍ

في طابورِ الانسلاخِ من الْجِلْدِ

وَتَهَيَّأْتُ أنا ونيرمانا

لدخولِ زنزانةِ التّعرّي والتعذيبِ معًا

بتهمةِ الانشقاقِ عن الطّابورِ

 

 164

نفخةٌ واحدةٌ ـ مجهولةُ المصدرِ ـ في 35 شمعةً

كانتْ كافيةً لإطفائها كلّها

وإشعال فتيلِ سنةٍ جديدةٍ من عمري

ستنفجرُ ـ دونَ صوتٍ ـ بعد 12 شهرًا بالضبطِ

مُقَسِّمَةً التورتةَ إلى أشلاءٍ

بعددِ الحضورِ،

الذين سيعْرِفُونني، ولا أعرفهم

 

أتَمنَّى أن تحضرَ نيرمانا معهم،

لتخبرَني بأنهم أهلي وأصدقائي الأوفياءُ

ولتؤكد لي ـ ببساطةٍ ـ أنني صاحبُ النّفْخَةِ الْمُعْجِزَةِ

التي أَطْفَأت الشّموعَ،

وأشعلتْ فتيلَ السَّنَةِ المنفجرةِ

 

 165

اصْطَدَمْتُ بالْجِدَارِ بقوّةٍ

شهقَتْ نيرمانا وقالتْ:

"قلبي معكَ،

 الصّدْمَةُ التاليةُ لِعَدُوِّكَ إن شاء اللهُ"

 

يبدو أن دعاءَها قد اسْتُجيبَ بسرْعَةٍ

حيثُ اصْطَدَمْتُ بالجدارِ مرّةً أخرى

 

 166

في عوالِمَ افتراضيّةٍ

ينخرطُ آلافُ الصِّغارِ والكبارِ في مواجهات (N-Game)

النتيجةُ لا تعني أحدًا،

السّعادةُ هي الْحَلْوَى التي يأكلُها الجميعُ

مع ضرباتِ لَوْحَةِ المفاتيحِ

 

وحدي،

في عالَمٍ حقيقيٍّ بالغِ المرارةِ،

يُلاحقُنِي رجالُ النينجا،

والروبوتاتُ،

والقُوَى الخارقةُ

كلّهم مُتحالفونَ ضد رأسي، والنتيجةُ تعنيهم جدًّا

يَهْزِمُونَنِي  في اليومِ الواحدِ ألفَ مرّةٍ

تلك هي مواجهاتُ (N-Game) في النُّسْخَةِ المعدَّلَةِ

التي خَصَّتْنِي بها السيّدة "N"

 

 167

إشارةٌ حمراءُ من عيني

وَعَدَتْنِي بالخطرِ

فَلَمْ أعبُر المرآةَ

 

إشارةٌ حمراءُ من فَمَها الكريزِ

أَغرَتْنِي بالعبورِ

 

نيرما:

"مَن الذي دَهَسَنِي؟

 وهل حَقًّا لسانُكِ أسْرَعُ من الصّوْتِ؟!"

 

 168

اسْتَعْدَدْتُ جيّدًا

بجوعٍ "استباقيٍّ"،

للحصارِ الذي سيتمُّ فَرْضُهُ على بلادي

(شأْنها شأن غَيْرِها من البُؤَرِ المستهْدَفَةِ)

اسْتَعْدَدْتُ كذلك،

بإجراءاتٍ طبيّةٍ خطيرةٍ

(لا تليقُ بنحيفٍ مِثْلي)

مثل تصغيرِ حَجْمِ الْمعدةِ، وَتَجاوُزِ الأمْعاءِ

 

الحصارُ الذي سَتَفْرِضُهُ نيرما 

على مياهي الإقليميّةِ

لا يمكن الاستعدادُ له بأحمالٍ تدريبيّةٍ خاصّةٍ

(باستثناءِ الموتِ الإكلينيكيِّ)

 169

لاعتقادي أن نيرمانا ستكونُ مُطْرِبَةَ الكونِ

اجتهدتُ في تأليفِ وتلحينِِ أغنيةٍ لها

عندما سَمِعَتْهَا نيرمانا

لم تتحمّسْ لها

ليس فقط لأنها باللغةِ الإنجليزيّةِ،

التي لا تُظهر قدراتِ صوتِها كما ينبغي

لكن أيضًا لأن معانيها لَمْ تُعْجِبْهَا

 

نَصَحَتْنِي نيرمانا بأن  أكتبَ بلغةٍ أخرى

وبأن أغيّرَ الكلماتِ من:

"لقد بَلَغَنِي أن كلَّ الأزمنةِ رديئةٌ"

إلى:

"علينا نسيان .. كلّ الأزمان

 أحلى زمان .. هو الإنسان"

 

أَعْجَبَنِي المطلعُ بالفعلِِ،

لكن عدم تمكّني من أيةِ لغةٍ أخرى (غير الإنجليزيّةِ)

حال دون استكمالي الأغنيةَ

وهكذا تنازلْتُ بصفةٍ مؤقّتةٍ

عن حُلْمِ الشُّهْرَةِ والثراءِ

 

 170

رغمَ الهزيمةِ من نفسي

جَمَعْتُ 15 نقطةً

بالفوزِ في خَمْسِ مبارياتٍ

في دوري أبطالِ القارّاتِ السّتِّ

 

نيرمانا خارج المنافَسَةِ الرسميّةِ

رغم ذلك،

جَمَعَتْ 21 نقطةً كاملَةً

بالفوزِ على المتنافسينَ الستّةِ

وبتفوُّقِها على نفسِها

 

 171

بينما أنا محنّطٌ في التابوتِ

والمشيِّعونَ حولي يكتبون مرثياتِهِمْ بالحبرِ السّرّيِّ

في مناديلِ الوداعِ غير المزركَشَةِ

هَمَسَتْ ناريمانا في أذني:

"تَكَلَّمْ وابتسِمْ وإلا خاصمتُكَ!"

هنا نَبتَ لسانٌ خشبيٌّ للتابوتِ نفسِهِ

وصارَ وجهُهُ هكذا

أما أنا،

فلم أستطع النطْقَ

إلا بأربعِ كلماتٍ فقط أمام الجميع:

"أنا فعلاً لستُ هنا"

 

 172

الفيزيائيُّ "أوم"

أثْبَتَ لي ببسَاطَةٍ

أنني أقْصَرُ رَجُلٍ في الكونِ

حيث تتناسبُ مقاومةُ موصِّلِ كهرباءِ نيرفانا البشريِِّ

تناسبًا طرديًّا مع طولِهِ

وأنا ليستْ لي مقاوَمَةٌ تُذْكَرُ

 

 173

امرأةٌ عجوزٌ تبيعُ الخبْزَ

طَلَبَتْ مقابلتي لأمرٍ مهمٍّ

في مقرِّ عملي العامِّ التطوّعيِّ

 

هَيَّأْتُ نفسي للاستماعِ لمشكلةٍ تتعلّقُ بها

لكنني فوجئتُ بأن المشكلةَ تتعلّقُ بخبْزِها البائسِ،

حيث أصيبَ بفقدانِ شهيّةٍ على نحوٍ مفاجئٍ

وانطَفَأَ حماسُهُ للتفتّتِ في الأفْوَاهِ الجائِعَةِ

بعد أن حَصَدَتْ نيرمانا لَقَبَ "سيّدة المائدةِ"

في بطولةِ العمالقةِ الأخيرةِ،

التي أقيمتْ في أكبرِ دارٍ للأيتامِ في الشرقِ الأوسطِ

 

نَصَحْتُ المرأةَ العجوزَ

بأن تُطَيِّبَ خاطرَ خُبْزِها

وأن تساعِدَهُ في التخلّصِ من هويّتهِ

كسلعَةٍ تُباعُ وتُشْتَرَى

كي يَحْصِدَ مزيدًا من الكؤوسِ والألقابِ

 

 174

الرسالةُ الأقْصَرُ في التاريخِ

كانتْ من موبايلي إلى موبايل نيرميتا

كتبتُ لها: (؟!)

المدهش أنها انْدَهَشَتْ من إطالتي غير المبرّرةِ

وَطَلَبَتْ مني أن أبحثَ عن: (.)

كي أوقِفَ بها فيضانَ تجاوزاتي

 

 175

في مطلعِ كلِّ شهرٍ

أتبرّعُ بزجاجةِ دمٍ

لصالحِ "الهلالِ الأحمرِ"

 

في مطلعِ كلِّ عامٍ

أبيعُ قطعةَ أرضٍ من ممتلكاتي

من أجل تمويلِ رحلتي الطويلةِ

للبحث عن صورةِ نيرمانا،

التي سقطتْ من قبضةِ يدي ذات يومٍ

في مكانٍ ما

 

الذي أفكّرُ فيه الآنَ بجدّيّةٍ

هو مصيرُ مَرْضَى "الهلاِلِ الأحمرِ"

بعد أن يفقدَ دمي قدرَتَهُ على التجدّدِ

ومصيري أنا

بعد أن أبيعَ أرضي كلّها..

إلى آخرِ شِبْرٍ أقفُ عليهِ

وأبيع أيضًا أعضائي كلّها

للمستشفياتِ الاستثماريّةِ

 

وقتها، سأشعرُ بأنني مقامرٌ أحمقُ

وربما أكرهُ صورةَ نيرمانا المفقودة

لأنها لَمْ تبذلْ أيّ جهدٍ حقيقيٍّ

في سبيلِ الاقترابِِ من قبضةِ يدي

 

 176

القاربُ الصغيرُ،

الذي تهيّأ للنجاةِ من الطُّوفانِ

لَمْ يتّسعْ لزوجينِ

من كلّ الفصائلِ البشريّةِ والحيوانيّةِ والنباتيّةِ

 

في لحظاتٍ قليلةٍ امتلأت المقاعدُ

لَمْ يتبقّ سوى مقعدٍ واحدٍ فقط

اقترحْتُ على نيرمانا بخبثٍ

أن أختبئَ أنا بداخلها

أو تختبئَ هي بداخلي

كي نفوز بالمقعد الخالي معًا

النهايةُ الْمُفجِعَةُ جدًّا

أن نيرمانا فضّلتْ مواجهةَ الطوفانِ بدوني

في حين رفضتُ أنا ركوبَ القاربِ بدونها

ولا أدركُ فعلاً ماذا حدث بعد ذلك

ولا أين أنا الآن

 

 177

قبل أن يضعَ الطائرُ الأسطوريُّ

بيضَتَهُ الْمُسَمّاةَ "كوكب الأرض"

كانتْ نيرميتا سماءً مفتوحةً متقلِّبةَ الطقسِ

وكنتُ عصفورًا مُحَلِّقًا في طبقاتها

بجناحيْنِ صغيرينِ وذيلٍ، وبلا منقارٍ

 

عندما صارت السماءُ قفصًا زجاجيًّا عملاقًا

ثابتَ الحرارةِ عند درجة 37° مئوية

فرَّ العصفورُ في الحالِ

ليغوصَ في طبقاتِ الأرضِ

باحثًا ـ بمنقارِهِ ـ في وحداتِ الصخورِ الرّسوبيّةِ

عن حفريّاتٍ نيرميتيّةٍ

تنتمي إلى أحد العصورِ الجيولوجيّةِ

 

 178

اعتذرَ لي رجالُ البوليسِ

بعد أن فتّشوا شقّتي ومكتبي وجراجَ سيّارتي

بحثًا عن نيرمانا

ولَمْ يجدوا أيَّ أثرٍ لها

 

طلبوا مني أن أتعاونَ معهم ليقبضوا عليها

وأن أخبرهم على الفورِ في حالةِ اتصالِها بي

 

ضحكْتُ من قلبي وأنا أقولُ لهم:

"بل أنا الذي أطلبُ منكم

 أن تتعاونوا معي كي أقبضَ عليها

 وأن تُخْبِروني على الفورِ في حالةِ اتصالّها بكم!

 نيرمانا إن كانت قد خالفتْ بعضَ بنودِ قانونِكم

 فإنها قد غرستْ في رأسي كلَّ بنودِ قانونِها

 قبل أن تختفيَ بأيامٍ قليلةٍ"

 

 179

عندما سقطتْ نيرمانا ـ بالخطأ ـ

في أحدِ أكوام القمحِ

وتعرّضتْ للطّحْنِ ـ بالخطأ ـ

مع القمح المسكين

في طاحونة الكائناتِ الحيّة

القريبةِ من بيتي..،

كانَ سهلاً عليَّ التقاطها في دقائقَ قليلةٍ

بِنَخْلِ أطنان الدقيقِ كلها

بِمُنْخُلِ ذاكرتي ذي الثقوبِ الواسعة

 

عندما أذابت نيرمانا نفسها بغرابةٍ شديدةٍ

في علبةِ عصير الفواكهِ المشكّلةِ

الموضوعةِ فوق مائدتي منذ شهرين

فشلتْ مصفاةُ ذاكرتي في التقاطها

رغم أن ثقوبَها ضيّقةٌ جدًّا

 

 180

اختلطتْ ضحكاتُ نيرما العذبةُ جدًّا

بدموعها المالحةِ جدًّا

في قاعةِ محكمةِ الأحوالِ الشخصيّةِ

 

اختلطَ قلبي بلساني

عندما دعاني القاضي لسماعِ أقوالي

في قضيّةِ الطلاقِ المرفوعة من السيدة نيرما

قلتُ له:

"دوم .. دوم .. دوم .. دوم .. دوم .. دوم"

 

اختلطتْ علامَاتُ التعجّبِ بعلاماتِ الاستفهامِ

على وَجْهِ القاضي

عندما تَفَحَّصَ ملفَّ القضيّةِ

ضربَ كفًّا بكفٍّ وهو يأكلُ نيرما بنظره

ثم قال بهدوءٍ

(مستعيرًا باروكَةَ قاضي البلاج عبد الحليم حافظ):

"تؤجّل القضيّةُ إلى يناير الماضي

 لإعطاءِ المدَّعِيَةِ مهلةً كافيةً

 لاستبعادِ شهادةِ الوفاةِ الرسميّةِ

 الصادرةِ باسْمِها منذ أيامٍ قليلةٍ"

 

 181

عندما تكونُ الحقيقةُ غبيّةً

يتعلّقُ الإنسانُ بِحَبْلِ الغباءِ

كي لا يصدّقَها

 

لذلك،

عندما وزّعتْ نيرمانا أشلاءها

على جميع دول العالَمِ

تعلّقْتُ بأسطورةِ إيزيس وأوزيريس

وما زلتُ أنتظرُ يومًا

أُلَمْلِمُ فيه أجزاءَ فاتنتي المبعثَرَة

وأركّبُ جَسَدَها من جديدٍ

 

 182

هل أنيابي حسّاسةٌ

لدرجة أنها تتآكلُ

عند مداعبَتِها

بالمعجونِ والفرشاةِ؟

 

هل شَفَتَايَ حسّاستانِ

لدرجة أنهما معرّضتانِ للتشقّقِ

في حالة مباغتَتِهما

بقبلاتٍ كاملةِ الدسمِ

أو دَهْنِهِما بزبدةِ الكاكاوِ؟

 

هل ظِلّي حسّاسٌ

لدرجة أنه يرتجفُ باستمرارٍ

خوفًا من طعْنةِ الغدْرِ (التي لا يستحقّها)

عندما أغادرُ الأضواءَ كلّها

بإرادتي الحرّةِ

مفضّلاً الانزواءَ في نفقٍ مُظلِمٍ؟

 

هل راحتايَ حسّاستانِ

لدرجة أن كلّ واحدةٍ تتفادى إيلامَ الأخرى

عند تصفيقي لنيرمانا

وهي تمسحُ دموعي ومخاطي الموبوءَ بمنديلها؟

 

هل نيرمانا حسّاسةٌ

لدرجة أنها عانت كثيرًا أنفلونزا البشر

وماتت بضعَ مراتٍ بأنفلونزا الطيورِ

بدون أن يكون لديها جهاز تنفّسي؟

 

 183

لا أباركُ ما تفعلهُ مروحةُ السّقْفِ

ربما لأنها تدورُ حول نفسها بطريقةٍ مضحكةٍ

ربما لأنها رضيت البقاءَ معلّقةً بين السماء والأرضِ

ربما لأنها تقسّم هواءَ الغرفةِ بالعدْلِ

على الجالسين تحتها كلّهم

 

نورينا،

التي أطلّت من سقفِ المجهول

وغاصت في قاع المجهولِ

بطريقةٍ غيرِ مضحكةٍ،

منحتْ كلّ فردٍ تطلَّعَ إليها

100٪ من إجمالي قَبَسِهَا

من غير أن ينتقصَ أحدٌ من نصيبِ غيره شيئًا

 

 184

كنتُ  أراها؟

ربما،

لكنها لَمْ تكنْ تراني

 

لَمْ أكنْ أراها؟

ربما،

لكنها كانتْ تراني

 

نيرمانا،

أَبْحِري إلى جزيرةِ المفاوضاتِ

بجناحَي الفِينيقِ الْمُنْتَفِضِ

سوف أُبْحِرُ بطائرتي الشراعيّةِ الخاصّةِ، ذاتِ المحرِّكِ

ربما يتولّدُ حَلٌّ واقعيٌّ

لهذه الدائرةِ الكهربائيّةِ المفتوحةِ بيننا،

التي لا تنغلقُ أبدًا من تلقاءِ ذاتِها

 

 185

ستّ نقاطِ تفتيشٍ

اجْتَزْتُها كلّها بسلامٍ

مع أن بطاقةَ الرقمِ القوميّ لَمْ تكن في حَوْزَتي

وجواز سفري كان منتهي الصلاحيّة

 

نقطة التفتيش السابعة والأخيرة

التي أدركْتُها بعد أن صارت نيرمانا في حَوْزَتي

تعرّضتُ فيها للاستجوابِ اللاإنسانيّ

وذقْتُ ألوانًا من الضربِ المبرّح

وخرجْتُ منها عاريًا تمامًا

حتى من "الصّحّةِ"

 

إلى اللحظةِ الراهنةِ وأنا أفتّشُ عن نيرمانا

تحت جِلْدِي مباشرةً

(حيثُ خَبَّأْتُها قبل الوصولِ إلى نقطةِ التفتيشِ)

هل تراها خرجتْ مع حبّاتِ العَرَقِ

عند اشتدادِ الضرْبِ،

أم أنها ذابتْ في دمي

فالْتَهَمَتْها خلايايَ المناعيّةُ؟!

 

 186

لإشعالِ مشاعري التقليديّةِ

نحو نسائي التقليديّاتِ

خَصَّصْتُ وقودي الأحفوريَّ كلّه

غير مكترثٍ بنضوبِهِ المتوقَّعِ

بعد قرنٍ أو قرنينِ من الزمانِ

 

طاقتي المتجدّدةُ النظيفةُ

وطاقتي النوويّةُ

خَصَّصْتُها كلّها لتدفئةِ رُوحي القطْبيّةِ

لتتمكّن من مواصلةِ الحياةِ

بعد اختفاءِ نيرمانا المؤقّتِ

أو نضوبِها إلى الأبدِ

 

 187

وطئتْ ناريمانا الصخْرَ

فَرَقَّ لها

 

وطئتْ ناريمانا الماءَ

فَتَصَخَّرَ

 

مَشَتْ ناريمانا حافيةً على طِينِ الأرضِ

فقامتْ قيامةُ البشرِ

وقامتْ قيامتُها هي

في حين بقيتُ أنا وَحْدِي بَيْن بَيْن

لا من البشرِ

ولا من فصيلةِ ناريمانا

 

 188

على كفّةِ ميزانٍ

جلسْتُ قبل ظهورِ نيرمانا

 

على الكفّةِ الأخرى

جلسْتُ بعد اختفائها

 

المدهشُ أن الكفّتيْنِ تعادَلَتَا تمامًا،

الأمر الذي أكّد لي

أن حياتي الفعليّةَ كلّها

كانت خارج إطار الزمانِ

 

 189

مثل أمَّةٍ نسيتْ خلودَها

نسيَ العصْرُ نيرفانا

 

مثل أمٍّ نسيت ولادةَ جنينِها

في الشهْرِ التاسعِ

نَسِيَتْنِي نيرفانا

 

 190

لستُ قوةً عُظْمى

وليس من حقّي استخدامُ الفيتو

للدفاعِ عن مصالحي، ومصالحِ حلفائي

لكنني رغم ذلك،

صاحِبُ أشْهَرِ احتجَاجَيْنِِ في تاريخِ البشريَّةِ:

في يوم ميلادي

احْتَجَجْتُ على النمطيّةِ بعدمِ البكاءِ

لدرجةِ أنهم ظنّوني ميّتًا،

وفي يوم رحيل نيرمانا

احْتَجَجْتُ على النمطيّةِ بالبكاء

لدرجةِ أنهم ظنّوني حيًّا

 

 191

قديمًا لَمْ أصدِّقْ أبي

حينَ أخْبَرَني بأن ساعَتَهُ اليدويّةَ

تعملُ بدون بطّاريّةٍ

وبدون أيّ مصدرٍ واضحٍ للطاقةِ

 

الآن،

لا يصدّقُ أبي

أنني أعملُ بدون نيرفانا

 

 192

مُؤلِمَةٌ جدًّا

ذكرياتُ اليمامِ

في القريةِ الصغيرةِ،

التي يقصدُها عشراتُ الصّيّادينَ كلَّ صباحٍ

من البلدانِ المجاورةِ

 

مُؤْلِمَةٍ جدًّا

ذكرياتُ المرأةِ البانادولِ

مع الرجلِ الصّداعِ

 

مُؤْلِمَةٌ جدًّا

ذكرياتُ الشّرنقةِ

مع دودةِ القزِّ،

التي لا تثْبتُ على حالِها

 

الأكثرُ إيلامًا من ذكرياتي مع نيرما

أنها ليستْ لديها ذكرياتٌ تؤلِمُها

 

 193

النّدَمُ يَعْتَصِرُنِي

لأنني لَمْ أبعثْ أبدًا إلى نيرفا أيةَ هديّة

لو اتّجَهَتْ عجلاتُ الأيّامِ إلى الوراءِ

بمعْنَى أدقّ:

لو طِرْتُ أنا مرةً أخرى خارج الزمانِ والمكانِ،

لأرْسَلْتُ إلى نيرفا باقَةَ وَرْدٍ

وَلَكَتَبْتُ على الكارتِ الصغيرِ:

"الهديةُ الأجْمَلُ،

 التي يخجلُ بابا نويل من نفسهِ،

 لأنه لا يقدرُ على مكافَأةِ أحدٍ بها،

 هي إطلالتُكِ"

 

 194

فَشلت القوّاتُ متعدّدةُ الجنسيّاتِ

في تأمينِ مناطقِ النّزاعِ بيني وبيني

على ثلاثِ جزرٍ صغيرةٍ

غنيّةٍ بالغازِ الطبيعيِّ

اللازمِ لإشعالِ نفسٍ  منطفئةٍ

 

القوّةُ الْعُظْمى مُصِرَّةٌ على تسميةِ واحدٍ مني حاكمًا

والآخرِ منشَقًّا

والمدهشُ أنها تدعمُ الطّرفيْنِ بالسلاحِ

(الحاكمُ: هو أنا قبل ظهور نيرمانا

 المنشقُّ: هو أنا بعد غيابِ نيرمانا)

 

نيرمانا غيرُ منحازةٍ إلى أيٍّ من طَرَفَي الصّراعِ

لكنها مُشْفِقَةٌ على الغازِ الطبيعيِّ،

الذي سيفْنَى بلا شكٍّ

بمجرّد أن يبدأَ الحاكمُ أو المنشقُّ في استنشاقِهِ

 

 195

مَنْ فيهما المرآةُ:

البحيرةُ التي عكستْ وَجْهَ السماءِ،

أم السماءُ التي عكستْ وجهَ البحيرةِ؟

على أيةِ حالٍ،

لستُ بحاجةٍ إلى مرايا محدّبةٍ ولا مقعّرةٍ،

ولا حتى مستويةٍ،

أرى فيها وَجْهِي "الطبيعيَّ"

الذي غرقَ في الأحزانِ

بعد ما تردّدَ عن غرقِ نونا

في ظروفٍ "غيرِ طبيعيّةٍ"

 

الرمالُ الصفراءُ ترجمةٌ ركيكةٌ

لكارثةِ إفْلاسِي المفاجئِ

القواقعُ حافظةٌ أمينةٌ لنقودي القليلةِ

الكافيةِ لشراءِ احتياجاتي 

من "سكّرِ النباتِ"

ومن "غَزلِ البناتِ"

 

مع كلِّ موجةٍ تأتي من المجهولِ

تنتابُنِي رغبةٌ مجنونةٌ

في أن أنطحَ الصّخورَ برأسي

لعلّ دمي يسيلُ

فتصير الصّخورُ أقلَّ قسوةً

أو لعلّ الصخورَ تنزُّ دمًا

فأتيقّن أنني أقسى من الحجارةِ

 

"النونُ" الذي الْتَقَمَ نونا

سيردُّها إلى الشاطئِ

في ليلةٍ قمراءَ..،

هكذا رأيتُ فيما يرى النائمُ!

 

لا أتيقّنُ: هل يحقُّ لي الظنّ

- مجرد الظّنّ -

أنني صاحبُ رُؤْيا؟!

 

الذي أتيقّنُهُ حقًّا:

أن هذا الْحُلْمَ يَغْزونِي عادةً في الليالي الحارّة جدًّا

المشبعةِ بالرطوبةِ

حيث أبيتُ في برْكةِ ماءٍ

ويغزوني كذلك،

حينما أنامُ تحت المطرِ

 

 196

الأهَمُّ لماكينةٍ ميّتَةٍ

من الكهرباءِ وبرنامج التشغيلِ:

أن تصبحَ قادرةً على الْحَشْرَجِةِ وقتما تشاءُ

 

بظهور نيرمانا

تَحَوَّلَتْ لغتي من "الصِّفْرِ الوَاحِدِ"

إلى "الصِّفْرِ والواحدِ"

على الرغم من ذلك،

صِرْتُ لا أقْبَلُ أن أُوْصَفَ بالآلةِ

ربما لأن أهمّ "تعليماتِ" نيرمانا،

التي أحرصُ على اتّباعِها:

ألا أحْرِصَ على اتّباعِ أيِّ تعليماتٍ!

 

باختفاءِ نيرمانا

تَحَوَّلَتْ لُغَتِي إلى "الواحِدِ الوَاحِدِ"

الذي هو هي بطبيعَةِ الحالِ

 

 197

الاستماعُ لكلامِ نيرما

انتهى بصمتي التامِّ

 

الاستماعُ لصمتِها

هل سينتهي بصيامي عن الصمتِ والكلامِ؟!

 

التعرّضُ لنافورةِ نيرما

انتهى بأسفكسيا الغرقِ 

التعرّض لبقايا عطر نيرما

هل سينتهي بأسفكسيا الغرقِ في الذكرياتِ؟

 

 198

بين "الفِعْلِ" و"ردِّ الفِعْلِ"

لا شيءَ إلا "حرف العَطْفِ"

الْمُسَالِم جدًّا، بل السّلْبِيّ

 

"بيني" و"بيني"

لا شيءَ إلا "نون"

ليس باعتبارها حرفَ عَطْفٍ

لكنْ باعتبارِها أداةَ توكيدِي وَنَفْيِي

في الآنِ ذاتِهِ!

 

 199

آثارُ أحذيةٍ على الرمالِ

تؤكّدُ أن الجنودَ مَرُّوا من هنا

في طريقِهِمْ إلى الحدودِ والأسلاكِ الشائكةِ

ربما لتأمينِها بأسلحَةِ الماضي

وربما لإزالتِها تمامًا

بأسلحةِ المستقْبَلِ

 

رمالُ نيرمانا وغبارُِها الذّرّيُّ،

فوق جِلْدِي وَجِلْدِ حذائي،

تؤكّدُ أنها اخْتَرَقَتْ حدودي وأسلاكي الشّائكةَ

عابرةً من مكانٍ ما

إلى مكانٍ ما

 

 200

الجلبابُ الأخيرُ،

الذي نَزَعْتُهُ عن حبيبتي الْمُسَمّاةِ "نتيجة الحائطِ"

أصابَنِي بِأُمِّ الْهزائمِ

حيثُ ذَكّرنِي بـ365 يومًا من الفشلِ

حاوَلْتُ خلالها اصطيادَ نيرمانا العاريةِ

 

شاعر من مصر

 

(*) ظهرت القوانينُ الأساسيّةُ للروبوتاتِ للمرة الأولى في عام 1942، في إحدى روايات الخيال العلمي للأديب الروسي الأمريكي الأصل إسحاق عظيموف، وتدعم هذه القوانين وجود الروبوتات بشرط إطاعتها أوامر البشر، والالتزام بعدم إيذائهم.

 

sharifjournal@hotmail.com