يخصنا الشاعر المغربي المرموق بأحدث قصائده، والتي نقترب خلالها من سحابة هذا الربيع العربي المليء بالأمل والمستقبل. وبإيمان لا متناهي بالغد، وبشاعر يفتح الطريق أمامه حيث كوة الأماني والتغيير.

ابدأْ بفتح باب الانفراد

محمد الميموني

              1 ــ دخان يتلاشى

تـُرى من تحت أي جسرٍ

تجري الآن قُطُـرٌ

انطلقتْ  ذاتَ صباح غائمْ ،

تعـُجُّ عرباتـُها بفورة الأحلام والأمانيِ

 التي استفاضتْ

 حتى كادتْ تسبق القطارَ

وتطير فوق جسر المستحيلْ.

تـُرى في أي نفق ليلِيٍّ تتوارى

تداعياتٌ  سابقتْ أحلامـَها  

وهبّتْ من إغفاءة الشبابْ

خفيفةً وثــّابة.

وما مدى المسافة التي تـُـقصيها اليوم

عن هوامش المهانة

وعن فردوس الوهمِ الافتراضي

وعن زمانها الملغَى

من كل السجلات،

إذْ لمْ تكن

سوى أشباح خارج الزمان ْ

تنتظر القطارَ  

لتطوف بأقدارها

ترفعها جباهَ مِسلاتٍ بشرية منحوتة

بقسوة الإزميل القدري اللامبالي.

 

هل مدتْ  أجنحتـَها الأسيرة

على مدى فضاء وهواء

وسماء لا محدودة ،

أم زاغت عرباتها عن سكة الآمالِ

وتلاشت في دخان القاطرات

المتناثر الشريد،

 

تـُراهم يأسفون الآن

إذ لم يتباطئوا قليلا

عن مواعد القطارْ

صباحَ ذاك اليوم المتوتر الموعودْ.

 

        2 ــ سحاب يتكاثف

ابْدأ بفتح باب الانفراد

واستأنسْ بطريقكَ

الذي يقود حتما نحو الظلّ،

سِـرْ راضياً

فما بعد العواصف التي قطعتها

سوى العواصفْ

تعلّم من حماقة الطيورِ

ومغامرات الريحْ

لا تكترث بملتقى طريقٍ

أو تقاطع مسالك

وسرْ كما يسير النهر صانعا طريقه.

ستسلسُ  الطريقُ بعد حينْ  

وتحمل الرياحُ ما تلاشى من غبارها.

لا تحفلْ بمعاكسات الريح ْ

ستنزل الأمطار ُ

وتعيد للطريق مفرداتها

وتزرع الزهورَ في حواشيها

وتغسل الصخور  وتطهر المروجْ

ولا معنى للموت إلا المحو والنشور.

 

ثبـّتْ متونَ الحلم في المجهول

فكل ما تراه  الآن  حلمٌ  متعاقبْ

 أوهام وألوان وألغازٌ مستعارة  

سينزل الستارُ ذات يومٍ

وتنسحب الظلال.

وتسفر الضياء عن عيون مندهشة محتارة

مبهورة باليقظة التي حلتْ

بلا مقدمات وأشراط،

ومعها سؤال متجدد قديم.

 

       3 ـــ تختلف الأوتار وتأتلف الألحان

ليتني  أعلو صُـعدا

حتى تطفح عينايَ

بألوان  الأطيافْ

ثم أُمعِن تحليقا

حتى أسمع خفْـقات شراعِ النسرِ

تراوغ أمواج  الريحِ

في خفة عصفورٍ

ودراية ملاحٍ راسخْ

ما زال يقلّب أشرعتهْ

ويقود سفينتهُ 

منذ زمان الطوفانِ

ويصر على أن ينتهيَ الإبحارُ

إلى  جبل الجودي,

*      *      *

ليتني أصغي

لنواقيس الزمن الدائبْ،

أستشعرُ من إيقاعاتها

دبدبةَ الغبْراء اليقظى

وتمايلَ ميزان الأرجوحةِ

ما بين اللُّجج  الكبرى.

 

ليت هاتان العينانْ 

وهما ماء لزِجٌ مالحْ،

 تكتشفان المنفذَ 

والتيار السالكْ

ومفاتيح الأرجاءِ

وآثارَ الزمن الهاربِ

حدْساً

دُون رطانةِ  واعظْ،

وترى من شرفة معنيٍّ يقظانْ

عبثَ  الأوقاتِ

سواسيةً

بالغِـر الغافلِ

 والحَذِر الماكرْ،

*    *    *

ليت هاتان الكفانِ

تقيسانِ

بمساطرَ هندسة أخرى

ما بين  حُباحب أطياف  الذكرى

وتآويل النسيانْ،               

وتجسُّ بإيحاء لامحْ

شريانَ الناقوس النابض.

 *      *      *

أيرى هذا الحرف  الرامزََ

ما تحجبه الأحجامُ عن الرؤيا ،      

أيرى ما حول الجذوةِ من حلقات

تنضم  وتنداحُ

لتصونَ شرارتها الأولى 

رغم الليل العاصفِ

والأحداث المتلاحقة الأنفاسْ

  *         *       *    

 ليت لي ضوء آخَر

يكشف سر النشوى

في جذبة أوراق الشجر الخاشع ْ

تلمع من  قمة صفصافة

في عز البرق وعاصفة الليل،

ضوءٌ يعرف من أين  يـَرى

ويُريني  الشعلةَ باهرةً

في عين الريحِ

و إن لم تمسسها نار.

ضوءٌ قد يبصره طفلٌ حدَثٌ لاهٍ

من زاوية، تلتبس على الفرحة والحزن،

ضوء يبدو ويغيب  بلا  جهةٍ

ثمِلاً

لا يشغله عن كأسه منبهر خاسئ،

ويغيب عن المغتـر بمجد فرادته

وتوحده بالظل وبالجسد الزائلْ.

   *          *          *

ليتني  أنصرف عن المرآة

وأرى خارج أبعاد زجاجتها

وجهَ نقيضي

يبحث حقا

وبلا خوف

عن صوت مخالِفهِ

ويعيره إصغاءً  محضاً

ويرافقه حذو الخطوة،

قد تـتآخا  الخطواتْ

في كأداء النكدِ

وتحوِّلها سهلا سلسا أخضر.

    *       *       *          

كمْ تختلف الأوَتـَارُ

وتـنسجم الألحانْ. 

 

يونيو 2011

 

شاعر من المغرب