يستعير الشاعر العراقي طائرا سيزيفيا لقصيدته كي يعيد تشكيل سؤال الوجود وماهيته، ومن خلاله يبحث عن ذلك الصفاء الكامل والذي يظل حلما أبعد كما الحرية.

السَّوْذَق

جواد كاظم غلوم

أنا هو الشاردُ في القممْ

صيّرني الإلهُ كائناً

أجولُ في الفضاءِ

باحثاً عن الرِّممْ

لعقتُ ناراً

وتجمّرتُ مراراً في الحِممْ

خيّرني الإلهُ أنْ أكونَ مارجا من نار

أو طينة ً تضجُّ بالأسرارْ

لكنني فضّلتُ أنْ أكونَ هيكلا

مشرّداً ؛ أعيشُ في شَممْ

**********

ومِن علوٍّ شاهقٍ بعيدْ

ناديتُه

قلتُ لهُ : يا خالقي العظيمْ

أنا ابنُكَ المطيعْ

هبْ لي جناحينِ كبيرينِ

لكي أجولْ

ارشُّ في الآفاقِ طيبا

انثرُ الرحيقَ والعبير

من أولِ الأرضِ إلى آخرِها

البعيدةِ المنال

ألملمُ الزيفَ وأغسلُ الأدرانْ

وسط أديمِنا الغارقِ بالأحزان

أجابني :

يا أيّها المخلوق

يكفيكَ ما أعطيت

وهبتُكَ العيونَ تبصرُ البعيدْ

والشاردَ الغائبَ والخفي

ملّكتكَ الفؤادَ كالصوانْ

فرشتُ هذهِ الأرض مهاداً

يرتمي بحضنها الحنانْ

ريّضتُ في فضائك السماءَ

كي تطيرْ

رسّختُ في قلبك كبرياءً طافحا

بالعزّ والاباء

منحْتكَ الجنّةَ عرضُها البحارْ

تخومُها الجبالُ

والسهولُ

والوديانْ

نثرتُ في أعاليك من المَنِّ

من السلوى

بما يفيض

شققْتُ في سهولك " الكوثرَ"

تسقي في ربوعك النماءَ والنقاءْ

زرعْتُ في واديك نخلاً مترعاً

ما أن تهزهُ

يسقط حباتٍ جَنيّاتٍ

كشهْدٍ مالهُ نظيرْ

**********

هلمَّ يا مخلوقيَ الكبير

فانوسك السحريّ قد أصابه الصدأْ

خذهُ إلى مكبٍّ لنفاياتٍ  من الخطأْ

إياك أنْ يلحظَهُ الحسّادُ

أو يسرقهُ الملأْ

تعالَ كي اهمسَ في أذْنيكْ

أدعيةَ الخلاصِ والنجاة

تسمعُ من جلالتي

ترتيلةً من السماءِ

وابتهالا من ملائكٍ أطهار

**********

دعْني أسمّعْكَ كلاماُ

غايةً في السّر

هناك في السماءِ

زمرةٌ من الشياطين ِ

تعكّرُ الأجواءْ

ترجمُ بهجةَ النجومِ بالخرابْ

تعرقلُ الخطى ...

وتنسلُّ بعيدا مثلما السرابْ

إياك أن تغفلَ عنها

أيها السوذقُ(*) يا مخلوقيَ الشريدْ

طاعونُها الماردُ يمتدُّ إليكْ

يسري بأوصالك حيثما تكونْ

عليك أن تجذَّ رأسَها المليءَ بالسمومْ

عليك أن تبترَ نسلَها المثقل بالزقّوم

عليك أن ترجمها من حجر السجيل

بفأسك الثقيل

***********

هذي وصايايَ إليكْ

ياأيّها الصاهلُ في الفضاء

وعندما يحينُ موتُك الموعودْ

عليك أن تجمعَ كلَّ ما لديكَ

من شقاءْ

من فيضِ كبرياءْ

من قَحَطِ الأرضِ

ومن تجهّمِ الظلماءْ

من صبر أيّوبَ على البلاءْ

تلمّ ما عندك من عناءْ

وترتمي في عشّك المهجور في العلياء

تموتُ وضّاءً كما العيونِ

في مواسمِ البكاءْ

كما النحيبِ في أزقّةِ السماء

 

السوذق : من أنبل الصقور وأقواها. حينما يشيخُ ويهرم يستجمع كل قواه الخائرة وبعناء شديد

يطير إلى قمة الجبال ويسقط في عشه في الأعالي ويموت منتحرا

 

شاعر من العراق