تبدو المعركة لحماية التراث الفلسطيني جزء من حماية أحد مكونات الهوية الوطنية الفلسطينية، وهكذا نتعرف من خلال تقديم هذا الكتاب على الدور الذي يمكن أن تقوم به المؤسسات ومراكز الأبحاث من مهمة التوثيق والأرشفة حفاظا على أحد أركان بناء الشخصية الوطنية.

شيفرة التراث الفلسطيني

توفيق أبوشومر

تولي الأممُ والشعوب أهميةً فائقة لجمع التراث الوطني بمختلف فروعه وأقسامه، ومن ثَمَّ توثيقه وحفظه، لا لأن التوثيق والحفظ يعتبر غايةً في حد ذاته ، بل هو وسيلةٌ للتواصل بين الأجيال ، فالتراث الوطني هو أروع وسائل التواصل بين الجيل السالف وأجيال المستقبل، فهو الحلقة التي تربط بين الأجيال وتواصلها الحضاري والثقافي، ويُعزز انتماءها للأرض والوطن، ويُثري الروح المعنوية ويحفزها على الإبداع والتفوق، كما أن للتراث الوطني دورا بارزا في تعزيز مبدأ التعاون لبناء الدول والأمم، بما يضفيه على الأمم من سمات التلاحم والقوة والعزة والمنعة، وهو أيضا من أروع الوسائل لبث روح المؤاخاة والتضامن في الوسط الاجتماعي، بما يحمله من مضامين ثقافية وفنية.

فلو لم يقتفِ العالم آثار فلاسفة الإغريق واليونان، ويتعرفوا على تراثهم المعرفي والفني، كسقراط وأفلاطون وأرسطو، ولو لم يدرسوا التراث العربي الغني بالمعارف والثقافات كابن سينا والفارابي والكِندي وغيرهم، لما استطاعوا أن يبنوا حضارتنا الراهنة، فهي حضارة تراكمية في الدرجة الأولى.

وقد أدركت أقوامُ كثيرة أهمية التراث الوطني في تعزيز روح الجماعة وتقوية أواصر الصلات بين الشعوب والأمم، حتى أن بعض الدول قامت بتشكيل وزارات ومؤسسات كبيرة غايتها جمع التراث الوطني وحفظه وتطويره ودعمه، وواظبت الدول على وضع تشريعات قانونية عديدة تحمي التراث الوطني من الضياع والسرقة والتلف ، فشكلت الجمعيات واللجان لصيانة التراث وحفظه، كما أن دولا سنّت تشريعات لحمايته في وقت الحروب، فشكلت الكتائب والفيالق العسكرية لحماية المنجزات التراثية والفنية من التخريب والتدمير أثناء الحروب، وأدركت دول عديدة بأن جمع تراث الأمم وشراءه ، أو الاستيلاء عليه، هو إحدى الوسائل التي تتيح لهذه الدول فك شيفرة حضارات الدول الأخرى، لذلك فقد قامت دولٌ استعمارية عديدة بسرقة تراث كثير من الدول وإيداع هذا التراث في متاحفها.

وإدراكا من الأمم لأهمية التراث الوطني، فقد خصصت الأمم المتحدة شطرا من مسؤولياتها لحماية هذا التراث في منظمة( اليونسكو) التي أسست عام 1945 وتضم 193 دولة من دول العالم، وقامت المنظمة بوضع التشريعات والقوانين لحماية وصيانة وحفظ التراث، باعتباره إنجازا حضاريا عالميا، كما أنها أرست مجموعة من القوانين التي تحفظ الحقوق الفردية والملكيات الفكرية.

وفي الإطار نفسه أسست الدول العربية إطارا يشبه اليونسكو، وهو المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (إلكسو) غايته جمع التراث الثقافي والفني وحفظه.

ويعتبر التراث الشعبي أحد أبرز الوثائق التاريخية التي تبرز الصلات بين المجتمعات في العالم، فهو حلقة الوصل ، بين كثير من الشعوب والأمم والأجناس، وهو أيضا إلى جانب ذلك أهم وسائل الإعلام للتعريف بالشعوب والأوطان ، فما يزال تأثير كتب التراث واضحا في علاقات الشعوب مع بعضها ، ويبرز ذلك جليا في المرجع العربي التراثي الرائع (ألف ليلة وليلة) الذي تُرجم إلى معظم لغات العالم وأثَّر في فنون كثير من البلدان والدول، ودخل في حكاياتها وتفاصيل حياتها ، وفي آدابها وتراثها الشعبي، وكان الكتاب محفزا لكثير من الباحثين والمستشرقين ليدرسوا تراثنا العربي، متأثرين بما حمله هذا الكتاب من قصص ومضامين فنية راقية ورائعة .

ويعتبر التراث الشفوي أحد أبرز مكونات التراث في الأمم، وهو يمتاز عن بقية فروع التراث بأنه إنتاج جمعي محبوب، لأنه يتسم بالسهولة، سهولة الحفظ، وسهولة النشر والتوزيع ، وهو يعتمد على الإيقاع، إيقاع الأغاني والأمثال، كما أنه ينشر البهجة في المجتمع، ويساعد الناس على أداء أعمالهم بسهولة ويسر، ويخفف في الوقت نفسه من الأمراض النفسية، كالقهر والألم والإحساس بالعجز والإحباط.

كما أن التراث الشفوي، المتمثل في الأغاني والأمثال الشعبية والقصص والحكايات، يمتاز عن أقسام التراث الأخرى بسهولة انتقاله ونشره بين الناس، لما له من سحرٍ وجاذبية أخَّاذة تأسر القلوب وتمتع النفوس، مهما تباينت اللغات وتعددت اللهجات، فهو لغة عالمية يفهمها الجميع.

 وهو أيضا أكثر فنون التراث قابلية للتطويع للبيئات المختلفة ، وهو يتيح لناقليه أيضا فرصة إثبات أنفسهم من خلال نسج نظائر على شاكلة تلك الفنون الشعبية ، وهذا يجعله من أكثر فنون التراث انتشارا بين الأجيال،كما أن هذا التراث الفني والموسيقي يُعزِّز الروابط الاجتماعية وطنيا ، ويوثق علاقات الدول مع بعضها عالميا.

ويجب أن نؤكد في البداية على أن التراث الفلسطيني ظل طوال قرون عرضة للضياع والنهب والتخريب، بحكم الحروب والمنازعات الطويلة ، فلا يخلو عام من أعوام التاريخ الفلسطيني من الأحداث المأساوية الجسيمة ، التي أدت إلى ضياع التراث الفلسطيني ، ففلسطين ظلت بؤرة صراعٍ وثورات ، وهي كما هو معروف مركز الأديان السماوية الثلاثة، وتعاقبت على خريطتها السياسية أقوام وجنسيات شتى بحكم قدسيتها للأديان، وكذلك بحكم موقعها الجغرافي المتوسط بين قارتي إفريقية وآسية.

وظل التراث الشفوي الفلسطيني، المتمثل في الأغاني والأمثال الشعبية والقصص والحكايات، هو الأكثر عرضة للضياع ، وذلك لأن فلسطين خلال تاريخها الطويل، لم تحظَ بمراكز بحثية أو مؤسسات كبيرة لجمع التراث، وهذا بالطبع نتيجة عدم وجود كيان سياسي ودولة مستقلة ذات سيادة مما أعاق حفظه، وتحويله من تراث شفوي محفوظ في الصدور، إلى تراثٍ محفوظٍ وموثّق توثيقا علميا، فقد ظلت جهود البحث محصورة في نطاق الجهود الشخصية، أو جهود بعض المراكز الخاصة.

 وإذا أضفنا إلى ما سبق محاولات المحتلين سرقة التراث الفلسطيني لغرض نسبته للمحتلين، فإننا نكون قد اهتدينا إلى أهمية توجيه الجهود لجمع التراث الفلسطيني وتوثيقه!

ولجمعِ التراث الوطني الفلسطيني وتوثيقه أهميةٌ بالغة وذلك للأسباب التالية:

-       التراث الشعبي سجلّ حافل بالعادات والتقاليد التي كانت سائدة في كل العصور، في البيئات الجغرافية الفلسطينية المختلفة، ففيه تسجيل لطبيعة الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

-       التراث الشعبي أحد أهم وسائل النضال لنيل الحقوق، وبخاصة في عالم اليوم.لأنه يثبت الانتماء الجغرافي والعرقي، فلم يعد النضال نضالا عسكريا حربيا، وفق اعتبارات القرون الماضية، يعتمد السلاح والقوة والقتل كوسيلة وحيدة لاسترجاع الحقوق، فقد أصبح التراث لوحة جينية،  تُبرز في ثناياها خصائص الفلسطينيين في المجال النفسي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي، لأن التراث الشعبي يصقل مجموع العادات والتقاليد وهو يؤثر أيضا في السلوك والوجوه والملامح.

-       هو أيضا رسالة للتواصل الحضاري بين الفلسطينيين وغيرهم من الأجناس الأخرى في العالم القديم والحديث، وهو إثباتٌ للامتزاج بين الحضارات خلال التاريخ الطويل، مما يساعد على إحلال السلم الاجتماعي بين مختلف الأجناس والأعراق.

ومن أبرز خصائص الفنون الشعبية الفلسطينية:

-       أنه تراث مشترك بين الفلسطينيين وإخوتهم العرب، وهو ما يثبت بأن للجغرافيا واللغة والعِرق أثرَه في تكوين الجينات التراثية، ويظهر ذلك بجلاء في كل أقسام التراث، وبخاصة في التراث الشفوي، وأبرز مكوناته الأغاني والأمثال الشعبية والقصص والحكايات.

وظلَّ المهجرون الفلسطينيون في مخيمات اللجوء في الدول العربية أوفياء لتراثهم الفلسطيني، وتأثر هذا التراث في المهاجر العربية بالبيئات التي يعيش فيها اللاجئون في نمط اللغة المحكية ، وفي الألحان والموسيقى.

- تتسم الفنون الشعبية الفلسطينية بمسحة من الألم والحزن، وباتساع مساحة أغاني الندب والبكائيات ، وهذا يعود بالطبع إلى سلسلة المآسي التي تعرض لها وطننا فلسطين خلال تاريخه الطويل، وإلى العدد الكبير من الشهداء والمفقودين، ممن تركوا أسرهم تعيش البؤس والفقر والتهجير.

- يخصص الفلسطينيون جزءا كبيرا من تراثهم الشفوي لوصف الأرض والحنين إليها، والتغني بإنتاجها وجمال طبيعتها في الأغاني والأمثال، وهم يتغنون بالثراء والغنى الذي يعود لخصوبة الأرض التي تنتج أجود الثمار، كما أن مساحة الحنين للوطن تشغل حيزا كبيرا في تراثنا الفلسطيني، بحكم التهجير والشتات.

- ومن أبرز خصائص هذا التراث أيضا أنه تعرض للسرقة والتزييف، على يد المحتل الذي ظلَّ يسعى لطمس هذا التراث، أو نسبته إليه، لغرض استعماري، يهدف لإقصاء الفلسطينيين عن أرضهم وتراثهم، فلم يكتف المحتلون باحتلال الأرض وطرد أهلها ، بل عمدوا لسرقة الأغاني والرقصات، وحتى الأكلات الشعبية الفلسطينية المشهورة .

- تظهر الأغنية الشعبية النضالية بصورة بارزة في الأغاني والمواويل، ويظهر ذلك جليا في مدح الرجال بقوتهم وجبروتهم، وحملهم السلاح لمواجهة أعداء الوطن، وحتى في الرقصات الشعبية التي تعتمد القوة، ويظهر ذلك واضحا في رقصة الدبكة وهي الرقصة الأكثر شعبية وانتشارا، وفي رقصة السامر والدِّحيِّه.

 ومن السهل أن يلاحظ المتابع لهذه الفنون، أنها تشبه عرضا عسكريا، يُبرز القوة والمنعة والتحدي، لغرض حماية الوطن والعرض والشرف.

ولعل أبرز سمات هذا الكتاب أن الجهود المبذولة فيه تدخل في إطار جمع التراث الفلسطيني لغرض حفظه من الضياع، وبخاصة أن أعداد الجيل الحافظ لهذا التراث تتناقص باستمرار، ولا يقتصر الهدف والغاية في مركز معلومات وإعلام المرأة على جمع التراث فقط ، بل يتعداه إلى إحياء التراث وإيصاله للجيل الجديد عبر الوسائط التكنولوجية الحديثة، فقد أُسِّس المركز على استراتيجية وطنية ، وهي تأسيس قواعد بيانات، تشمل المعلومات والإحصاءات المتعلقة بالمرأة، في كل جوانب حياتها، وهو بهذا يعد من أهم مركز البحث والتوثيق. ومن هنا فإن مركز معلومات وإعلام المرأة بنشره هذا الكتاب، ينطلق من هدف وطني خالص، وهو حفظ التراث ونشره، وهو يدخل في إطار مجموعة من الجهود اضطلع بها المركز، منذ تأسيسه ، فقام بتوسيع دائرة نشاطه ليشمل معظم قطاعات المجتمع الفلسطيني بأسره من خلال برامج تثقيفية، مع التركيز على المرأة.

فنظّم دورات تدريبية، واستطلاعات للرأي واستبانات علمية ، وأرشيفا تسجيليا للرواد والرائدات ولأسماء الشهيدات والأسيرات، كما أن مكتبة المركز المتاحة للجميع توفر المراجع للباحثين والدارسين في قطاع غزة ، بالإضافة إلى ذلك فإن هناك توأمة بين المركز والقطاع الأكاديمي الفلسطيني ، يتمثل في مجموعة من الأنشطة والدورات التدريبية، وإقامة المعارض الفنية والتراثية. وتبرز بوضوح أيضا علاقة المركز الوثيقة بمنظمات المجتمع المدني المتعددة الأغراض والاتجاهات. وأسهم المركز أيضا في توثيق رموز العمل الوطني والسياسي، فقد أنجز المركز فيلمين وثائقيين حصريين عن زعيمين وطنيين ، الأول هو أحد أبرز الرموز السياسيين في التاريخ الفلسطيني المعاصر المرحوم د. حيدر عبد الشافي، والثاني عن المناضلة الاجتماعية رائدة العمل النسوي الفلسطيني يسرى البربري.

وهو في إطار هذا التوجه سيتولى توزيع هذا التراث الشفوي من الأغاني التراثية الفلسطينية التي جُمعت في هذا الكتاب، وسيقوم بنشرها بين الشباب على وجه الخصوص بعد أن يحول الأغاني التي يشتمل عليها الكتاب إلى أشرطة كمبيوترية ملائمة للعصر، لغرض تسهيل التواصل بين الأجيال الفلسطينية ، وتعزيز الروح الجمعية، والحث على أهمية الروابط الاجتماعية، وعلى أهمية العمل، وهذا النشر يؤدي دورا مهما آخر يتمثل في تخفيف شحنات التوتر النفسي والعصبي عند الأجيال الفلسطينية.  ومن يتصفح الكتاب سوف يجد أن الأغاني كانت تتوافق والطقوس السائدة في القرى والمدن الفلسطينية في معظمها ، وأن الاختلاف يقع فقط في بعض المفردات والألفاظ ، أو في طريقة التلحين والغناء، وسوف يلاحظ أيضا بأن تسجيل الأغاني وتوثيقها جرى وفق المنهج الوصفي بدقة، مع مقارنة الأغاني بنظيراتها الموجودة في المراجع والكتب المتاحة للباحثين، وقد قضى الباحثون وقتا طويلا في عملية التسجيل والتحليل والمقارنة، ومن ثم إعادة تلحين الأغنيات وتسجيلها على إسطوانات كمبيوترية.

ومن أبرز سمات أغاني الكتاب:

- أنها تبرز الطابع الديني في بدايات الفرح، وهذا يشير إلى أن الفلسطينيين كانوا يتفاءلون ببداية الأغنيات بالصلاة على النبي ومدحه والتغني بشجرة الزيتون التي تعتبر شجرة مقدسة جريا على التقاليد العربية السائدة مثل :
على دلعونا على دلعونا
صلوا عنبي ياحاضرونا
زيتون بلادي أجمل مايكونا
" صلوا على النبي والعريس طالع
 صلوا على النبي يللي في الشارع"
- تُبرز الأغاني الواردة في الكتاب أهمَ ميزات المجتمع الفلسطيني ، وهي التعددية، تعددية الأديان والأعراق والأجناس، وعدم وجود أي لون من التفرقة العنصرية في هذا المجتمع، فقد كان المغنون يتغنون بالمرأة السوداء كما يتغنون بالبيضاء، وكانت أغاني الغزل في المرأة (السمرة) أكثر من أغاني (البيضة) وفي الأغنية التالية تتشكل الراية الوطنية المتمثلة في الحطة والعقال من اللونين الأبيض والأسود:
يا طير يا طاير
السمرة والبيضة صارن ضراير
البيضة تقول أنا الحطة يا عزِّي يا عِزِّي
والسمرة تقول أنا العقال واجي من فوقك وأعوم
-       إبراز مظاهر القوة والمنعة لعائلة العريس، وهو مظهر يشترك فيه الفلسطينيون مع إخوتهم العرب، وهو يتمثل في اعتبار الأفراح كعرض عسكري يرمي لإظهار القوة والمنعة للمحتفلين بالفرح، وقدرتهم على حماية (العروس) التي أصبحت (عِرضهم) تتمتع بحمايتهم ورعايتهم، لذا فإنهم يحملون السلاح ويطلقون النار احتفالا بالفرح،ويمدحون العريس وعائلته بالرجولة باعتباره قائدا وله جيش، ويمدحون العروس بنسبها وجمالها:
" للقائد ملوا الجرَّة
 والعساكر تستنى برَّة"
" ناسبنا رجال وأخذنا الأصيلة
ناسبنا رجال وأخذنا المزيونة"
- المباهاة بالغنى والثراء للعروسين، وهو أيضا يُظهر لأهل العروس بأن عائلة العريس قادرة على الإنفاق على العروس لتحيا حياة هنيئة، وهذا كان واضحا في معظم أغاني الفرح:
"ذهب رشاد لَبِسها
يا ميمتي يامه ذهب رشاد"

- امتداح الحياة في الوطن، واعتبار التشبث بالأرض والبيت أهم مميزات الشعب الفلسطيني ، ويتبع ذلك بالطبع رفض الاغتراب من الوطن:
يا ظريف الطول وقِّف تاقولك
رايح عالغربة وبلادك أحسلك"
- ولم يقتصر الغناء الفلسطيني على الموضوعات المألوفة السابقة ، بل تعداها ليطال النقدُ كثيرا من العادات السائدة في بلادنا، وأبرزها زواج الرجل بامرأتين:
عشيكي ملبس
 دايما مفلس جوز الثنتين"
 " عشيكي قضامة
جوز الندامة جوز الثنتين"
" عشيكي فستق
 عمرو ما بيصدق جوز الثنتين"

ويدخل في إطار الموضوعات الطريفة التي اشتملت عليها الأغاني الفلسطينية موضوع آخر طريف ، وهو نقد الحماواتورغبة العروسين في تكوين أسرة جديدة في بيت جديد ، غير بيت العائلة:
" حماتي يا نينة لو قلنا نسهر.... تسهر ويانا...
وإن جينا نخرج ... تعمل عيانة"
"أنا وامك ما نقعد ياللا وياللي
أنا وعمتك ما بقعد ياللا وياللي
أنا وحدي أحلى ياللا وياللي
وتُبرز الآغاني الواردة في الكتاب قدرة المرأة الفلسطينية على اتخاذ القرارن وبخاصة في زواجهان وانها ترفض أن تخضع لإملاءات الأهل، عندما يقررون تزويج بناتهم بالعجائز والأنذال.
ما بوخذك يا نذل
لو كسروا إيدي
وإن كان الجيزة غصب
والأهل بتكيدي
لدب حالي في البحر
للسمك في المية
عدله يا مويل الهوا
عدلا ياموليه
- وفي إطار طرائف الأغاني ، فإن الكتاب لم يغفل جمع بعض الأغاني المُشوِّقة التي تثير الضحك لطرافتها، ولنقدها الساخر للكذّابين، كما في هذه المبارزة اللحنية في السامر:
" والله ما كذب ولا لي في الكذب نِيِّه
 متين قاطرة جَمَل في قاع قنيِّه"
" إمبارح العصر شفت العجب يا ناسِ
 برغوث حامل جمل ومثاقلي برصاصِ"
" بقدر ألم البحر وأدوس عليه باللوح
 خلي غنم صاحبي ترعى البراري سوح"
"يا ناس عندي ذهب موزون بالكيلة
 أرسلت حِمل جمل مصروف للعيلة"
ويكون الرد في النهاية من طرف آخر، وهو أيضا ردٌ طريف وساخر ومبدع يشتمل على فن التعبير باستخدام التشبيه:
" كذاب يا ناس ما عندو ولا سحتوت
حتى فراخهم من قلِّة العلف بتموت"
- ولم يُغفل فريق جمع الأغاني التابع لمركز معلومات وإعلام المرأة من تسجيل لون آخر من ألوان التراث الشعبي ، والذي يمتاز به التراث الشعبي الفلسطيني ، وهو

(المهاهاة) وهو لون من الأغاني تؤديه امرأة بصوت عال،وبنغمة واحدة تمدح فيها أهل الفرح ، وقد تخصص المهاهاة لمدح كل من يشارك في الفرح من النساء والرجال، وبخاصة الذين يقدمون الهدايا للعروسين، وتشارك الحاضرات المرأة التي تغني ، وتكون نهاية المهاهاة، بإطلاق الزغاريد كنهاية لوصلة المهاهاه التي تبدأ دائما بكلمة (يوي):
" يوي صلاة النبي على عروستنا
يوي زي القمر ضاوي حارتنا
يوي واحنا مزيونات والزين عادتنا"
وفي الخاتمة، إننا بحاجة إلى استثمار تكنولوجيا العصر الحديث في التوثيق، من قبل مؤسسات وطنية كبيرة ومراكز أبحاث ودراسات ، ويجب أن تتولى الجامعات مهمة البحث والتوثيق والأرشفة، على شاكلة ما قام به المركز من تسجيل الأغاني المكتوبة بالحروف، ثم تحويل الحروف المكتوبة إلى نغمات مسموعة على إسطوانات (سي دي). كما أننا بحاجة إلى رعاية الفنانين الفلسطينيين ممن يختصون بالتراث الشعبي ودعمهم ماديا، لنجعلهم قادرين على الاستفادة من تراثنا الثري وإعادة توزيعه موسيقيا ليُلائم أغاني العصر، وذلك لغرض التواصل بين الأجيال. كذا فإن مزج البرامج التعليمية الفلسطينية بلقطات من الفلكلور الفلسطيني يعد ركنا رئيسا من أركان بناء الشخصية الوطنية.

ونحن كذلك بحاجة إلى تعزيز وتطوير الفرق الفنية الفلكلورية ودعمها، واعتبار الفرق الفنية جزءا مهما من تراثنا الفلسطيني، وهو مسؤولية الجميع ، وليس اجتهادا شخصيا والعمل على تشكيل فرق فنية تراثية جديدة، متخصصة في مجالات التراث المختلفة .

ولا يجب أن نغفل أهمية نشر التراث الفلسطيني وتوزيعه إعلاميا في كل وسائل الإعلام، فهو لغة الألفية الثالثة، ألفية تكنلوجيا وسائط الإعلام، فحفظ تراثنا ونشره هو أروع السبل لترسيخ هويتنا في أرضنا.

 

كاتب من فلسطين