خليفة وقاسم حداد يعلنان الحب في مواجهة القوى الظلامية "ربيع الثقافة" في البحرين

رسالة الخليج

غيث سالم

هبت ريح الإسلامويين العاتية على "ربيع الثقافة" عشية العرض الافتتاحي للمهرجان، وهو عرض "مجنون ليلى"، المسرحية الموسيقية الشعرية الراقصة، المأخوذة عن ديوان شعري وضعه الشاعر البحريني قاسم حداد في العام 1996 (بمشاركة الفنان التشكيلي العراقي ضياء العزواي) ويحمل العنوان نفسه، ترجمه بصوته وعوده وموسيقاه في استعادة بصرية مشهدية غنائية أخاذة، لا تقل إبداعية عن المنتج الشعري، الفنان والموسيقار اللبناني مارسيل خليفة. شمل العرض أغنيات لأميمة خليل ويولا كرياموس، اللتين قدمتا وصلات فردية وثلاثية مع خليفة، مع إلقاء حداد أبيات شعرية في موازاة لوحات "كوريغرافية" تعبيرية قدمها قرابة ثلاثين راقصاً وراقصاً، في إعادة تمثيل لحكاية الحب التاريخية، التي ألهمت العشاق على مدى القرون، وشكلت أساساً لإبداعات إنسانية محتفى بها عالمياً. وما كان نسمة ليلية عليلة لوّنها الشعر إذ انجدلت الكلمات الحييّة في الموسيقى المنسدلة بشغف وبوح الجسد الخافت، استنهضت نوستالجيا عذابات الحب وسقم الروح العطشى للوصل على مر الأزمان، تحولت إلى ريح عاتية عصفت بالمهرجان، وذلك حين شن رجال الدين هجوماً ضارياً على عمل خليفة - حداد والمهرجان ككل، ضمن حملة "طالبانية" مسعورة شهدت في البحرين في السنوات الأخيرة تغلغلاً متزايداً في مؤسسات الدولة السياسية والثقافية والأكاديمية والاجتماعية، مستغلين، لسخرية القدر المرة، الأجواء الديمقراطية في البلاد وقبة البرلمان التي صادروها للتضييق على الحريات العامة وتجريد البحرين من مكتسباتها التاريخية، وسلبها إرثها الثقافي الأميز في المنطقة بوصفها حاضنة للتراث والحداثة جبناً إلى جنب في تناغم معرفي وإنساني لطالما كان نموذجاً يُحتذى به من قبل دول الجوار.
هاهي الحياة تدبّ على منابر الخطباء في المساجد! الشيخ عيسى قاسم، عرّاب جمعية الوفاق الوطني الإسلامية المعارضة والذي يعد أبرز شخصية شيعية في البحرين، أعلنها في خطبته لصلاة الجمعة بأن "ربيع الثقافة دعوة صريحة للغواية باسم الحب على المسرح المكشوف في تحدٍّ سافر لدين هذا البلد وحرماته وقيمه وأحكامه وطبيعته وذوقه وحيائه وطهره وعفافه." من طرفه، وكي لا تفلت اللعبة السياسية من أيدي السنة، خرج الشيخ على مطر، وهو سنّي، على مصليه في خطبة الجمعة ليقول: "علينا بمحاربة أماكن الفساد والرذيلة، الاستغلال السيئ للمرأة، وتجسيدها كما في الإعلانات وبعض المجلات، وما حصل في ربيع الثقافة من عرض مسرحية فيها لقطات تثير الغرائز وتشجع على ارتكاب الفاحشة." كما هاجم النائب في البرلمان عن الإخوان المسلمين خالد محمد المهرجان واصفاً إياه بـ"ربيع السخافة"، مطالباً وزير الإعلام بفتح تحقيق عاجل "بما يضمن عدم تكرار تقديم هذا النوع من العروض!" لتكتمل فصول المهزلة بتصويت البرلمان على اقتراح تقدمت به كتلة "الأصالة" السلفية، وصادقت عليه الكتل الإسلامية السنية والشيعية في المجلس، على تشكيل لجنة تحقيق حول مهرجان "ربيع الثقافة"، وخصوصاً في بعض مشاهد العرض الافتتاحي لثنائية مارسيل - حداد، وهو تحقيق يتوقع أن تستمر فصوله لأسابيع، وربما شهور، قادمة.
لكن البحرين، هذا البلد الذي سارت الثقافة فيه جنباً إلى جنب مع قيام دولة المؤسسات والمجتمع المدني، ضمن نسيج متناغم قوامه الحرية والاختلاف البنّاء أكبر من يسطو عليها حفنة ظلاميين من دعاة العفة الزائفة، ممن نصبوا أنفسهم قيمين على شرف الأمة، المتسترين وراء قيم الإسلامُ منها براء لتمرير أجندة سياسية تهدف إلى شلّ البلد سياسياًَ وفكرياً وثقافياً! إن البحرين أكبر من هؤلاء، والبحرين، في النهاية، ليست هؤلاء، وإن طرحوا أنفسهم ممثلين للشعب. فلقد تداعت العديد من القوى السياسية والثقافية للدفاع لا عن المهرجان فحسب وإنما عن مكتسبات تاريخية أوّلها، كما أن آخرها، حرية المعتقد والفكر والرأي. ففي بيان بعنوان "دفاعاً عن الثقافة والإبداع" وقعته 53 جمعية أهلية وسياسية ومهنية ونسائية ونشر في الصحف البحرينية، تم التنديد بما وصف محاولات بعض القوى السياسية في مجلس النواب خنق مناخ الحريات والإبداع في البحرين، عن طريق فرض نفسها وصية على خيارات المواطنين. وجاء في البيان: "نعرب عن مساندتنا ودعمنا القوي للمبدعيْن الكبيرين (أي مارسيل خليفة وقاسم حداد) المشهود لهما بالنتاج الرفيع في الحقلين الأدبي والفني والدور الريادي في مجالات النهضة والتنوير والدفاع عن حقوق الإنسان، ولكل مبدع يقف في وجه التعسف الفكري على أرض البحرين ذات التاريخ الطويل في التنوير والتسامح والتعددية الثقافية والتقاليد العريقة."