في لحظة انعتاق تحمل أكثر من دلالة، من شاعر يمني يعيش في أرض الثورة مصر، يعاود حنينه من ملح الأرض الأصيلة، التي أنبتت وطنا حرا وكثيرا من حيوات تناضل من أجل الحياة، كي يسأل من جديد: كيف يبدأ هذا الإنسان حين تناديه رمال وطنه؟ وكيف يستعيد وطنه التي سلبته منه الفاجعة؟

بدوي.. يخرج من شرايين الرمل

أحمد محسن العمودي

تباريح غيث مُمَوْسَقٍ خالطت قِبلتنا

ركزت ضِلْعاً.. سماءه مُسْبَلة

تتفصَّد بشوق ذاكرتنا،

ونحن إذ نتآلف في السجود

صدورنا مجروفة بتسبيح النعوش.

 

فديتُكَ صُبّها...

قانيّ الحشد بعثها

مُدْغَمَة بِأصلاب الرجالْ

من حناجر النار تَحُفُّ مطيتي،

صبها..

وعنِّف بإبريق جذوتك مجاري الريحْ

وادِرْ دفَّةَ الرؤوس لخيمة الفَلَق،

هُزّ النخب في خيلاء بني عمي

يطيب السُكر لمسرى عمائمهم

وتناضح الأرواح بسدرة المعراج.

 

صبها...

معتَّقة الصبحِ

يمانية الثملِ

إذا ما استفاق الرأس لها

أينع في الكأس زخم حكمتهِ

يستَنْزِعُ من شَرَفِ فخذ الخرائط له وطن.

 

صبها...

فقوافل الرحيل..

نافِرة في البلادِ

تَتَنشَّقُ في رئة الدجى الإشراقْ،

في كل شبر من طيِّها

نساء جُفيت حواسها بالغيابْ

هي محاجر يقتات طلعها السرابْ

معلَّقة بِرَفَّةِ هدهد قد يعود!

 

صبها..

وهَوْدِجْ بلونها الليالي

القوم في ضنك لفراسة نخلةٍ

وحادٍ يسْتنطِقُ الأثر،

لِئَلا تموت سِيَرُ المغني

وتنْفَضّ عروق الشمس عن مقامات البيد.

 

لنا في نُطف هذا الرمل وشمٌ

ومهد يُضاحك لعب الأطفال،

بنثار عافيته نكتحل على حين عصفٍ

ونَغْمِس في رمساءه قِطع العمر أسرابا،

لقمر الوادي.. نُقيم طقوس أرومتنا

نُبْرِقُ ناراً تَنْدَّحُ بدم البخور والزعفرانْ

نتقصى آخر هزيع لـ(ذي يزنْ)

نزداد صبابة..، فزدها هيلاً..

(قهوة مُرَّة.. يُنَرْجِسُ البدويّ بها إيمانهُ)

ويرْشُف ألف شهقة.

 

بَوَادِي القلب معروشة بجذع سهيلْ

(أيها الناس: عُلِّمْنَا مَطَالِعَ الشمس)

بباب خروج محملنا..

تزيَّنت مركب ومرسى

ضُرِبَ موعد لا نُخلفهْ

فلهذه الأقدام عِشق الرسم على المفازات

وتلك جبال تتهيَّؤ لِدَلال خُطانا.

 

هامش:

* "لم نَخْبُر سوى العنقاء وهذي البلاد، وحين اشتدَّ الحال... كان كلما سقط فينا رجل.. قامت ببطن الوادي نخلة، وكلما جرى سيل.. أخذنا منه رشفة كي نحيا في مُسَامَرة النخل بليلتنا، ونحن نعلم إنما نُسَامِرُ أنفسنا!".

(موجز يوميات بدوي لا يموت)

 

شاعر يماني، مقيم بمصر