كرنفال من "الوجوه" في مركز رؤى32 للفنون

وجوه (Faces)  تظاهرة فنية أخرى يطلقها جاليري رؤى32 للفنون  إبتداء من يوم الاثنين 23 كانون الثاني/ يناير الماضي، وتستمر حتى نهاية شباط القادم.  فبعد سلسلة من المعارض والتظاهرات الجماعية التي أطلقها مركز رؤى للفنون منذ تأسيسه، وآخرها "أعياد ملونة"، وقبلها معارض جماعية عدة تحتفي بفنون المدينة (الفن الحضري) والفنانين الشباب، تأتي هذه الاحتفالية بفن البورترية من خلال جمع 25 فناناً من الأردن والعالم العربي وأوروبا في معرض جماعي إستثنائي، يتبارون من خلاله في قراءة تضاريس الوجه الانساني، حيث يقدم كل منهم مطالعته الخاصة للوجوه التي يرسمها أو يتعامل معها بتقنيات ومواد وأسلوبيات مختلفة.

يشارك في المعرض من الأردن كل من الفنانين عدنان يحيى، عمار خماش، بدر محاسنة، فؤاد ميمي، محمد العامري، محمد نصر الله وهاني الحوراني، ومن الدول العربية الأخرى: بلاسم محمد، سيروان باران، وسن الكعبي وجميعهم من العراق، خالد المز، عمر الأخرس، سهيل بدور من سورية، عياد النمر من مصر، تغريد البقشي من السعودية. بقية الفنانين والفنانات من أوروبا، هم: إيريك فورموي (النرويج)، مونيك فان ستين )هولندا)، كونراد روسيت، غيم تيو، هارتز، سيرجيو لونا من اسبانيا، ستيفان فيلافان، ديدي ديامة (فرنسا)، لانتامو (ايطاليا)، وأخيراً سيزار بيوجو من كولومبيا ومقيم حالياً في أوروبا.

هذا، وتتنوع مشاركات الفنانين والفنانات من حيث عدد القطع المعروضة لهم، وكذلك من حيث أحجامها والمواد المستخدمة في انتاجها، فضلاً عن التنوع الشديد في الأساليب، مما يجعل من معرض "وجوه" نزهة حافلة بالمفاجآت والتوقفات أمام ثراء الموضوع، الذي تتلقفه أصابع الفنانين والفنانات، انطلاقاً من رؤاهم وخلفياتهم الثقافية والفنية الشديدة التنوع.

يذكر أن موضوع الوجوه، أو البورترية، من الموضوعات التي شكلت مصدر الهام الفنانين عبر العصور التاريخية المختلفة، ومع ذلك لم يستنزف اهتمام الفنانين حتى اليوم، بل وإزداد إقبالهم على تناوله في السنوات الأخيرة، رغم صعوبته وحاجة كل منهم للتفرد في التعامل معه.

وقد كان لبعض الفنانين المشاركين في المعرض رؤيتهم الخاصة حول الوجه:-

الفنان الاردني محمد العامري قال :

حين يعتلي الوجه قمة الجسد يعني أن له الأهمية الكبرى في تسيد المشهد ، نعرف الأشخاص من إشكال وجوههم ، ونصفهم من ملامحهم ، الوجه خزان الحواس فهو القناع المتبدل في المواقف والعواطف والسرور والغضب،  فيقاس الجمال في الدرجة الأولى من جمال الوجه وانسجام مقاطعه واذكر هنا قول المتنبي :

إذا شئت أن تلقى المحاسن كلها ففـي.......وجـه مـن تـهوى جـمـيع المحاسن

 انها مجموعة من الحالات الإنسانية التي تتبادل مواقعها عبر التعبير في الوجه وصولا الى الحيلة والمكر والدهاء والبهاء والتخفي ، أي ما يسمى القناع الذي يتقمصه الوجه للوصول الى هدف ما . فلم يزل الوجه ركيزة من ركائز الفن المسرحي والفن التشكيلي والسينما  .

إن الوجوه هي حالات  استقطبت الرسامين عبر التاريخ عبر رصدها بشكل تسجيلي  او القبض على حالاتها الداخلية الاقرب الى ما تخفيه النفس ، الانفعالات الماكرة والساذجة وإشكال القوة والعنف في الوجه ، فهو المحيا الذي يطالعك في الجسد ليعبر عن طبيعة حامله ، هو مفتاح للروح ومادة للتقارب والتنافر في آن.  فمنها نستطيع قراءة الشخص ، نستطيع قراءة النفس ،الوجه الحاد، الوجه الأملس، الوجه الصخري، الوجه القاسي، الوجه الماكر، الوجه الأبله، الوجه البارد والرؤوم، الوجه المنبسط، الوجه المنقبض، الوجه العابس  المتكدر .. الوجه الضحوك.  انها الفراسة في اصطياد حالة النفس ، الوجه حياة كاملة، كتاب لا ينتهي .

اما الفنان الاردني عدنان يحي فقد كان له هذا الرأي في الوجه:

قد يتساوى الفكر مع الشكل واللون في أحلى صوره ، ضمن منطق احتمال وتجانس وجودية الانسان في اعظم جزء منه ، وهو البورتريت ....في محبة الحياة ، ضمن محصلات انسانية في اطار تطابق تام .

البورتريت ، وثيقة للابد ، به معان كثيره في ضوء علم المعرفه الانسانيه..  وفي زمن العولمه ، يمكن لنا ان نستخرج - رغم أنفها - الهموم الانسانيه . لتصبح الوجوه ليست مجرد تضاريس ملونه ، بل استجابه للترابط بين الوجداني والوجودي .  وارى ان الوجوه تصبح اقل بؤسا يوم تكف هذه العولمه عن استفزازها وتشويهها ، ويوم يقل اعتداؤها على الانسان .  لهذا ارى أن كل فنان يتكأ على الوجوه في محاولة الوصول للتعبير عن الاخرين من خلال ذاته ...ليبقى .

اما الفنان الاردني فؤاد ميمي فقال:

الفن والابداع شيء خاص بالفنان وتأتي اعمال الفنان من خلال تفاعله مع الحياة والانسان وليس بعيداً عنهما، لذا تبقى الطبيعة والانسان الملهم الاساسي للفنان والهروب نحوهما ليس انحرافاً بقدر ما هو اتجاه نحو اساس متين على مستوى اللون والشكل والخط والقيم الفنية على اختلاف انواعها.

انا اعشق الطبيعة والانسان والوجوه المعبرة واعبر من خلالها عن مشاعري واحاسيسي واذكر هنا الفنان فان كوخ الذي كان يعبر عن الطبيعة والناس باحاسيس ومشاعر مليئة بالانقغال العاطفي والعصبية والحزن والرفض الى غير ذلك .

الفنان العراقي بلاسم محمد كتب عن سيمياء الوجوه

من منا لايفكر شيوعا في تلك الملامح الكونية التي نسميها وجوه ..؟ انها عناوين الناس ووتميزهم ومسمياتهم ..وكأنها  تقول مالايقال من المسكوت عنه والمضمر والدفين .. نقول: وجوه حزينه  ، حادة ، صاخبة ، فرحة ، بريئة ، ...نحن نقرا في ثنايا صفاتها مثلما في الوانها .. سمراء وبيضاء وصفراء وسوداء ...انها تقع .على ذلك الخيط الواهي من القراءة في تمثلات لايمكن معها الا ان نكون على عتبة الدخول الى هذا العالم السيميائي العظيم ...وما الرسم الا احد وسائل القراءة  التي تعي بعض هذه الحدود الاولية التي لاحدود لها.

الفنانة السعودية تغريد البقشي فقد قالت عن الوجه:

الوجه هو مراة الروح تجتمع فيه كل ما بداخل هذا الانسان من مشاعر واحاسيس ، فمهما علا الصمت تلك الملامح الا ان عاصفة التعبير الذي يكتنفها كفيلة بان تكون ابلغ من اي حرف .. وان الوجوه البشرية تشبه البصمات فلو كبرت بصمات مائة شخص وعرضت لرآها الزائر العجل الغير متأني ، متشابهة ومتكررة ، غير أن المتفحص والدارس والمتأمل يدرك أن خطوطها تكون جزرا تختلف اختلافا كبيرا ، وكل بصمة تعد متفردة كل التفرد ولا تطابقها أي واحدة أخرى في العالم .

الفنان السوري سهيل بدور فقد كانت له وجهة نظر في الوجه فقال :

لعلي كنت ابحث عن الجانب المتميز في الوجه. بعيدا عن تعميماته التي تحدده طبيعته البشريه. من هنا اعتدمت البحث المرجاني اي من الداخل للخارج .بمعنى وددت ان اخرج الحاله اكثر من تسجيلها من هنا اقوم بتحليلها بنسيج لوني ونفسي اخر. ولان الفن يشترط تحقيق الاهتمام الجمالي من اجل عنصر التشويق. كنت ابحث في الوجه البشري عن التنويع فيه وتقديمه كخلاصه لتوسيع مجال الاهتمام فيه اكثر. ولان العين تمل من المعالجات البسيطه  من هنا بحثت في توسيع مجال الرؤيه. من اجل اكتشاف خصائص جديده قابلة للامتاع رغم بعد هذا الوجه بالشكل عن مقايس التشريح. ولان الوجه البشري من الاشياء المعتاده لنا كبشر وكي ابعد الشعور بعدم المبالات. حاولت اضافة مجالات جديده للاكتشاف في الوجه كحالة انسانية . من هنا كنت ابحث ايضا عن اطالة زمن تجربة المتذوق او المتأمل امام هذا الوجه الذي تعمدت التحريف الدافيء فيه.