هذا نص مسرحي حفري في الذات الإنسانية، يتلمس تناقضاتها وأحاسيسها في ضوء الحاجة للكتابة وللإبداع. ذات مبدعة تستقصي همومها وهواجسها بحثا عن لحظة اقتناص للفكرة وللمتعة، وحتى في تلك العلاقة الافتراضية الهلامية بين رجل وامرأة، تترصد المسرحية تلك العلاقات المركبة كاشفة خبايا ذواتنا المتشابكة بجرأة لافتة.

بانتظارِ مِهْتَابْ (مَسرحيّة شعرية)

نوزاد جعدان جعدان

الشخصيات:

تميم: قاص وشاعر في نهاية العشرينات من العمر، متوسط القامة، ملابسه رثة مرقّعة، ذقنه طويلة.

مِهْتابْ: شاب في بداية العشرينات من عمرها، طويلة القامة، حسناء القد، على وجهها نمش طفيف (معنى الاسم باللغة التركية خيوط القمر و بالأردية نور القمر).

القواد: رجل أربعيني العمر، قصير القامة، أبرص الوجه، مكتنز ذو كرشٍ كبير.

حفّار القبور: رجل ثلاثيني العمر، طويل القامة، قوي البنيان، على وجهه ندباتْ.

المهرّج: شاب عشريني، متوسط القامة.

القزم

المومس الأولى: امرأة سوداء البشرة.

المومس الثانية: امرأة شقراء.

المومس الثالثة: امرأة سمراء.

المومس الرابعة: امرأة صفراء الوجه ، نحيلة جدا.

المومس الخامسة: امرأة بيضاء البشرة بدينة شعرها أسود.

المومس السادسة: امرأة شعرها أحمر.

المومس السابعة: طويلة القامة، ترتدي نقاباً .

 

الفصل الأول

(غرفة بيضاء الجدران، لا أساس فيها سوى درج حلزوني يؤدي إلى الأعلى في زاوية الغرفة،الإضاءة ضعيفة، صوتُ صنبور الماء يتدفق بشكل خفيف طوال المشهد، وضباب كثيف يحيط بالأجواء، وساعة معطلة معلقة على الحائط تشيرُ للثانية عشر، وشمعدان على الطاولة)

تميم جالس على الأرض تبدو عليه ملامح الإحباط والفشل.

تميم (يناجي نفسه بحسرة): مضى وقت طويل عليك أيها الفاشل ولم تكتب شيئاً، (يتضرع باسطاً يديه للسماء) ألهمني يا إلهي أكاد أجن، فَقَدَ القلم صداقته معي، ماذا أفعل؟ (صمت)

(ينتصب واقفاً ثم يستطرد): آهٍ لو أقصد معبد دلفي ربما استجلبُ ما ستؤول لها حالي، الأفكار تؤرّقني، وأناس يحدثون عقلي المظلم، أريد إخراجهم ولكني لا أستطيع بصقهم، آهٍ يا حالي! يحدثونني يناقشونني، وأنا أمام عذرية الورق لا أستطيع التعري، (يصرخ) لا يريدونها كذلك. لا يريدونها. أريد الانتحار على الورق ولكنهم لن ينشروا لك يا تميم.

(يركع) فشلتَ في كل شيء، في الحبِّ كنتَ مغفلاً ، في الصداقة) ما عاد لك صديق سوى لفافة تبغك وتترككَ حين لا تجد معك النقود، يا كاتبَ الأقدار قلْ لي ما يخبئه القدر لي؟ ماذا فعلتُ لأجني كل هذا الألم؟

(يحك رأسه بيديه) في العمل يريدون منّي الكتابة عن الحب والجمال والسلام، وأنا محاط بالأشواك، لم أرَ سوى الحروب والدماء والفقر المدقع يحاصرني (يكوّر يده ويقف)

لماذا يخافون الانتحار على ضوء الحقيقة والليل ينتحر على ضوء النهار، (يتقدم من خشبة المسرح) وأنتِ يا مهتاب، أين أنتِ الآن؟ كمْ أحتاجكِ لتفتحي شبّاك القمر في غرفتي المظلمة، يا قلبي المسكين متى سترتاح وتأخذ إجازة أو تتقاعد يكفي احتراقاً بين سلاطين الرماد، تعالي ونادميني شجوني و آهاتي، (تنخفض نبرة صوته) لنجلس ونتحدثَ عن الحياة عن الموت والحب والكره وهموم الدنيا تعالي لنتحدث عن الفقر كم أكرهه!

(يتوقف صوتُ صنبور الماء وتُسمع موسيقى نصير شما رحيل القمر التي يحبها تميم، يزداد دخان الغرفة ثم يتلاشى رويدا، ليبقَ منه القليل، تدخل مهتاب وهي تمشي الهوينا لابسة رداءً أسود اللون وجناحان بيضاوان كبيران على ظهرها)

تميم: (بشغف يقترب ليمسك يدها تبتعد عنه) ها أنتِ ذا تطلين من نافذة قلبي، يا حلمي ويا زهر الربيع على قرطاسي! حينَ أراكِ تفقد صفحتي عذريتها بالحب، ادنِ مني طال ليلي.

مهتاب (بابتسامة ملتوية): مرحباً أيها الفاشل!

تميم: أهكذا يتقابل الأحباء! انتظرتُكِ طويلا لا لأسمعَ...

مهتاب (مقاطعة بسخرية من طرف فيها): ماذا تتوقع مني القول، وما زلتَ كعهدك السابقِ تنتظر الأمطار في تموز، لم تحقق شيئاً كنتَ تقول إنك أفضل كاتب وسيأتي وقت وتحقق مبتغاك، وها قد مضت سبعة أعوام وكتاباتك مشردة دون أن تطبع في كتاب، لا تقتات منها حتى في الجرائد والمجلات، الكل تطور إلا أنت، لو كنت ميكانيكي عربات لكان أفضل لك.

تميم (وهو يهز قدمه اليمنى) يريدونها جاهزة تقليدية، لا أستطيع كتابة إلا ما يسكن قلبي.

مهتاب (ساخرة): دخيل قلبك!

تميم: محال أن أكتب عن الهوى فالحب صبية هربت مع ابن الجيران منذ زمن.

مهتاب: أنت تعرف الحب؟ أشك في ذلك، لم تعشه لتكتب عنه.

تميم: ربّما أخطأتُ في اختيار الحبيبة.

(صمت قصير)

تميم بحزم: كيف أكتب عن الحب وكل يوم أرى ألف قصيدة بؤس في عيني طفل ماسح للأحذية، أو طفل من الفقر يتشرد، إنها تنهار، كيف أضعُ ستاراً على مسرح الشمس،

(بإصرار أكبر) كتاباتي كالنبيذ المعتق سيأتي وقتها وتمسي أكثر لذة، سيأتي وقتها سيأ...

مهتاب مقاطعة: رغم كل فشلك، ما زلت مغروراً.

تميم (يقهقه): أعرف ما أكتب، ولا ألبس وشاح غيري، رغم صغر وشاحي أقاوم البرد.

مهتاب (بهدوء) تتفلسف كالعادة.

تميم (بحنان): لماذا تركتني وسافرتِ مع ذلك الغني إلى الخارج كنتُ متيماُ بكِ، رميتِ الشمس على وجهي فبللتِ عيوني مطرا ثم رسمتِ قوس قزح، (بغضب) أنتِ خائنة لو إنكِ أحببتني لكتبتُ أجمل مما أنا عليه الآن، وربما نجحتُ في العمل، جدي كان يقول لي الفاشل في الحب فاشل في عمله.

مهتاب: إذا أنتَ فاشل في كتاباتك.

تميم: لا، الكتابة ليست عملا، ما من كاتب يقتات من شعره ومسرحياته وإن كان كذلك سيموت فقرا كما سبقه الكثيرون، بعض المجلات تعتبر نشر قصة أو شعر فضلا لها على الكاتب، وبعض الكتّاب يرشون لجنة القراءة كي تنشر لهم .

مهتاب: حسنا! تتحجج كالعادة.

تميم: لم تجيبيني؟

مهتاب: أتسألني وتعرف الجواب، كنتَ ستهديني التراب وغيرك الإبريز أغرقني.

تميم (بهدوء) الذهب رفيق الجسم حينا وإن التراب خليل سرمدي.

مهتاب: خيّالي! ستبقى تناطح طواحين الهواء، أقدامك مثبتة على الأرض وروحك هائمة وحالمة ترقد في مكان بعيد .

تميم (بحسرة): إيه! ليتها رقدتْ قرب روحك.

مهتاب: لا أعلم يا تميم، روحك ليست في الجنة ولا هي في النار (تشير بسبابتها) أنت من النوع الذي ينتظر بابا نويل ليطل عليه من المدخنة وما في بيته مدخنة.

تميم (بسخرية): أصبحتِ شاعرة.

مهتاب: أعوذ بالله أصبحُ مشعوذة ولا أصبح شاعرة، كي أتلمظ الأسى طوال حياتي.

(صمت قصير)

تقترب مهتاب وتجلس على الأرض قرب تميم.

مهتاب: لو سألتك يا تميم، ماذا تجد في عيني؟ ماذا ستقول؟

تميم (وهو يحرك يديه): عيناكِ صبحٌ حزينٌ ممطرٌ تحوكُ قصص

أحداقكِ كراتُ شمسٍ تحرقُ الآمال

ما السرّ الكامن وراء أقواس القزح؟

مهتاب (تضحك): وإن رأيتَ غادة حسناء ترتدي ثوباً قصيراً تبدو خلاله كل مفاتنها بين جمال الطبيعة، ماذا ستقول عنها؟

تميم (بانفعال): فتاةٌ على المرجِ تمشي

في يوم شتائي مثلجٍ.. ينحلُ..

ربلتان عاريتان كقطع الجُّبن

إبطان متحدان بالكتف

يشقهما شلالٌ

الليلُ يلبس الربلتين

قطعُ قماشٍ قليلة كالكفن

قطع قماش قليلة أبوها بخيل.

مهتاب (تمسك رأسها بين يديها): وماذا تجد في محبوبة الشعراء البحر؟

تميم: أردتُ البحرَ مرسالَ الجمالِ فأضنانيَّ الملحُ وراءَ

مهتاب : لن تنتهِ من هذا التشرد، أيها الشاعر الزقاقي، ستدمر نفسك.

(يدخل القزم من يمين خشبة المسرح يمشي ويعلق ساخراً: غبي لنْ تتعلم.

(يخرج القزم من الجانب الآخر دون أن يعيره أحد اهتماما).

تميم: هل من أسئلةٍ أخرى، أحببتُ مسابقتكِ.

مهتاب: دائما تأخذ الأمر ببساطة.

تميم: لا يا مهتاب، إذا سقطتُ يوماً من جبل لا آبه بجروحي وإنما استمتع بالسماء التي كشفتْ حجابها فبانتْ نجومها في وجهي.

مهتاب (بغضب): عنيد، أتشاءم من رؤيتك، ومن وجهك الذي يرسم لوحات الأسى.

تميم: لا أستطيع وضع الأقنعة على وجهي، لستُ ممثلا، قناعي يسقط عند صوت أول أغنية، وحياتنا ممتلئة بالأغاني.

مهتاب: إذاً الحزن أغنيتك؟

تميم (منشداً): لأنَّ الحزنَ أغنيتي أقولُ الشعر ألحان

فقدتُ الحرف أفراحا فتُهتُ في أسى الجملِ

شربتُ الدربَ أدخنةً سكرتُ من لظى الغيمِ

وما إنْ هاجتِ الدنيا على بيتيّ إعصار

وقفتُ أشدو أغنيّةً ففي المحنِ يقالُ اللحنُ ويزدادُ إيقاع

بشبّاكٍ توسّدتُ فخيّبَ ظنّيَّ فيهِ

فتحتُ البابَ كي أنجو رذاذُ الغيثِ بلّلني

إلى أملٍ أشد وثاقَ أيّامي فيسكنني هشاشةُ عالمٍ نائي

أطوفُ الدربَ مرسالاً إلى الفرحِ حماماً أبيضاً صافي

يفاجئني غرابٌ أسودٌ قاني

وجدتُ الحبَّ مخيلةً وفي الكتبِ محاها واقعٌ جافي

حبيبٌ ساكنٌ قلبي ولا يدرِ شتاتً أصبحتْ حالي

حضنتُ الحزنَ امرأة فأهدتني مواليدَ من الآلام والمحنِ

مهتاب: أنتَ تقتاتُ الألمَ؟

تميم: أحرقتني الحياةُ ثم رماني الحب على مقلاةِ آهاتٍ خرجتُ فحمةً تشعل نارجيلة الجماهيرِ، نحنُ نقتاتُ الألم.

مهتاب: ألم تقع في الحب من بعدي؟

تميم: من يفشل في الحب ينجح في العلاقات العابرة.

مهتاب: أرى إنك لم تؤسس بيتاً حتى، فكيف ستتزوج ووضعك المادي في الحضيض.

تميم: سأحيا على الأوراقِ وأموت على الأوراق هو منزلي.

مهتاب: أنتَ لا تعيشُ يا تميم، ما هي أسعد لحظات حياتك؟

تميم : الأحلام وساعات النوم هي أفضلها على الإطلاق أتعلمين حتى ذكرياتي أحلام، في الحلم أشعر أني البطل والمخرج وكاتب القصة.

مهتاب (بصوت واطئ): أتعرف لماذا لم أقع في هواك؟

تميم: همممم لماذا ؟

مهتاب: هوههههو. هناك أسباب كثيرة.

تميم: قولي لي ما الأول؟

مهتاب: بسبب وجهك العابس، تحمل حزن العالم في وجهك الكروي، تنفرك الأجواء الراقصة، وتروقك الأغاني الكلاسيكية الحزينة، أنتَ تقرأ من اليوم الليل، وترتل أغاني الظلام في الصباح.

تميم: أنا القمر الذي سيكشف سفور المدينة.

مهتاب: أبعد شيء أن تكون قمرا ، ثم لا تقاطعني.

تميم: حسناً، قولي موتي الثاني.

مهتاب: صمتك الطويل وتأملك الممل.

تميم: حين يعتري صمتنا وجع الكلام، ونقول للأمواتِ هيا بالقيام، علينا أن نصمت ليعمل العقل ويحمل الورق.

مهتاب: على كل لا أفهم منك شيئاً، أنت مجنون و متمرد دائما في عراك مع كل شيء، حتى في طريقة كتابتك، وهذا سببي الثالث.

تميم (برفض تام): لا. لا. أنا لا أتمرد إلا حين أجد الأخطاء، لا أتقنُّ فن المجاملة، عندما أرى الشمس ساطعة في تموز أفرح لها ولكن حين يظهر القمر في الصباح مع الشمس ألعن ذاك اليوم (صمت قصير يحدق في وجه مهتاب ثم يستطرد) مثلا هذا النمش الذي على وجهك لا أحبه ولستُ قادرا على التغزل به يبدو لي كأوراق الشجر في الخريف متناثرا على الأرض.

مهتاب (بغنج): ستحلمُ بلمسها.

تميم: يكفيني أن أراكِ لأحيا.

مهتاب: سأراك يوماً في مصح عقلي، يا ساكن جحيم دماغك، عشْ كما يحيا بقية الناس، (تتأفف ثم تشير للحائط) لو قلتُ لك هذا جدار لن تكسره برأسك ستستمر بنطحه.

تميم: بوصلتي ترسمها الرياح، والرياحُ لا تربيها العصي ، أتعلمين ما الفرق بيننا؟

مهتاب: ستهرب مرة أخرى .

تميم : لا لكن دعيني أقول لك الفرق الوحيد.

مهتاب: قلْ جوهرتك!

تميم: لو مرّ شحاذ من أمامي أبحر في لجة عينيه، أما أنتِ تتفادين نظرته، حسنا لنوجع لموضوعنا ما هو السبب الثالث ؟

مهتاب: اسمك!

تميم: (باندهاش): ماذا؟

مهتاب: اسمك غريب، ويشعرني بدوار كأنك تضع مركزاً للدائرة وتلف حولها.

تميم: والله هذا الموجود حاليا.

مهتاب: ألا تكفي هذه الأسباب أم أكمل؟

تميم (بحسرة): أكملي يا روحي أكملي.

مهتاب: أنت تائه دائما، ولا تعرفُ ماذا تريد.

تميم: روحي تائهة كقصصي وأشعاري، أنا الفاقد كل شيء وعندما تفقدين كل شيء تجد الروح طريقها، أعيش على رماد الذكريات، أولادي في الشوارع مشردين بدون مأوى أخشى عليهم من أن يسرقهم أحد ما ويدعي أبوّته لهم. (صمت).

مهتاب: إلى متى ستبقى هكذا؟

تميم: إلى أن انتحر على الورق و أقول كل ما يضايق ظلام نفسي، إلى أن أجد يوما وأنا مطمئن لا أحسب ما تحمله جيوبي من نقود، إلى أن لا أجد الحزن الأسود يخيم في عيون الفقراء، إلى أن لا أجد مشردا يمر من أمام المطاعم ككلب ضال يشم ولا يستطيع التذوق، إلى أن أجد وشاح مطر للحقول العارية، سأغني للأمل وأمتص ألم العالم .

مهتاب: تطيلُ الأمور كعادتك،سأكتفي بهذه الأسباب، لأني لو أحصيتها جمعاء، لما انتهتْ.

تميم: لا أظنها تكفي أحرقتُ سنينا في ذكراكِ وأنتِ تبخلين علي ببضع دقائق، كم كنتُ سعيدا لمراقبتك أمام باب مدرستك وأنتِ تلبسين لباس المدرسة و خصلات شعرك تداعبها الرياح .

مهتاب: كنتُ اشمئزُ من نظراتك .

تميم: من يكره نظرات العاشق بدون قلب.

مهتاب: لم يعجبني أسلوبك، كنتَ تبدو خائفا مرتبكا وعندما كانت تتلاقى عينانا كنتَ تخفيها بالنظر إلى الجانب الأخر، أكره ضعف الرجال.

تميم: لا أعلم، كنتُ أخشى من رفضك .

مهتاب: ورفضتكَ بعدها .

تميم (يحدق في الأعلى): اذكر ذاك اليوم، كان يوما داكنا، وكنتُ خائفا مرتبكاً أمام أصدقائك الوقحات.

مهتاب (بسخرية تقهقه): نعم حتى صديقاتي سخرن منك، بدا عليك كأنك في حرب ترتجف وترتعد، لم يعجبني أسلوبك.

تميم: لكني لم أستسلم ولم أيأس ، بُعيد ذاك اليوم كنت ألاحقك أينما تذهبين، مشيتُ قرب شوارع بيتكِ حتى أنها أنستني شوارع بيتي، أخذتِ في قلبي مكانا كما مكانُ (تقاطعه).

مهتاب (مقاطعة متعجبة) كنتَ تعرف بيتي أيضاً.

تميم: طبعا! من أول يوم عشقتك فيه لحقت بكِ فعرفتُ بيتكِ كي لا أضيعك أبدا ولكن يبدو أني كنتُ مخطئا، كنتُ أتأمل فستانكِ المنشور على حبل الغسيل، أحسد الظلام حين يلبسه ليلاً، والشمس حين ترتدينه صباحاً.

مهتاب: أنت حقير!

تميم: لستُ بفصاحة لسانك لأرد عليكِ.

مهتاب: وجبان ولا تمتلك الشجاعة حتى أنك لم تحاول محادثتي مرة أخرى.

تميم: كبريائي لم يسمح لي أن أتقرب منك، كنت ألاحقك من بعيد، حتى لو متُ حسرة.

مهتاب (تضحك) الكبرياء! تتكلم كأنك من عصر أخر.

تميم: هل الكبرياء خطيئة؟

مهتاب: خطيئة يا غبي، أحب أن أرى الشباب يلاحقونني كالكلاب أشعر بنفسي قطة مدللة، أحب رؤية تذلل الرجال، أليستِ الأنثى هي من تَلدُ الرجال والنساء إذا هي الأصل، السماء بساطها يشبه حضن الأنثى يا أبله، لماذا ترى الطائرات والمجرات تغزوها.

تميم: ستتحطمين في مراياكِ، الأرض قمح وغدا بوار يا عزيزتي، الدنيا دولاب.

مهتاب (بسخرية): سخيف ستموت في فلسفتك.

تميم: أنا أنفي الموت لذا أعيش حياتي، عندما نؤمن بأن لا نهاية للحياة سنحيا.

مهتاب (مستغربة): أصبحتَ ملحداً.

تميم: أصبحتُ موقناً بأن نفي الشيء يُحي نقيضه.

مهتاب: روحك كسولة، ولا تتقن سوى الكلام الفارغ .

تميم: عندما يتكاسل الجسم يعمل الأفق وتعمل الروح.

مهتاب: أحيانا اعتقد أن كسلك دفعك حتى لعدم محاولة التحدث معي مرة أخرى وليس جبنك.

تميم: لا أبدا، حاولت أن أتحدث معك بعد أن تخليت عن كبريائي للحظة، فسمعت أنك تزوجتِ وسافرتِ مع زوجك إلى الخارج، صحيح أين زوجكِ الآن؟

مهتاب (بغضب وإصرار): اذهب وألعق جراحكَ لوحدك، يا عنزة تتلمظ آلامها.

تميم: ها أنتِ ذا تهربين .

تقوم مهتاب وهي تهم على الرحيل، تتجه نحو الدرج الحلزوني، يقبض تميم على معصمها، تفلتُ نفسها وتدفعه وتصل للدرجة الرابعة وتميم في الأسفل ينادي.

تميم: لا تتركيني. أعرف أنك كنتِ تتقصين أخباري حين تلتقين بأحد أصدقائي، ارجعي هناك وقت . تصعد مهتاب الدرج لتصل إلى السابعة ويصل تميم إلى الثانية، يزداد الضباب في الغرفة حتى تختفي رؤى الممثلين، تنبعث أوراق ممتلئة بالحبر من فوق كنزول المطر، تتلاشى الإضاءة، وتميم ينشد لها :

كلُّ شيءٍ ينتهي

إلّا هواكِ قديمٌ يبتدي

مِهْتابُ يا مِهْتابْ

في ذكرِ اسمكِ الجميلِ أنتشي

***

تبقينَ في أسرِ الليالي نجمةً غافية

ترمينَ في سجنِ السحابِ غيثَ غيابْ

الصبحُ عرّافُ الجسومِ العارية

لا تجعلي الليلَ صاحباً حذاري

هو القوّاد إذا صابْ

لا تغلقي العينين

وافتحي لهذا الفؤادِ البابْ

***

حبّي لكِ رغمَ الظروفِ القاسية

شوقي لكِ رغم الجروحِ الدامية

أحبّبتكِ

أمسيتِ في قلبي السرابْ

بانتظاركِ أن

مهما طالَ المدى

الزقاقُ مظلمٌ والبدرُ غابْ

كوني لصوتي الصدى

في الهوى

أنا مزارٌ تابْ

مهتابُ آهٍ مهتابْ

***

طريّةُ الجسمِ أنتِ احذري منقارَ الغرابْ

عينا الحياةِ أنتِ كونيْ منَ الأحبابْ

يا حبّاً تائهاً على ستارِ المسّرحْ

ثوبٌ على حبلِ الغسيلِ يعتلي الظلام َ

ثورةُ العتمةِ تأتي

ثورةُ أرملةِ الصباحِ تمرحْ

عوديْ لي فإني بانتظارِكِ مهما جارتِ المرآةُ بكِ

باقٍ هواكِ شابْ

مِهْتَابُ آهٍ مهتابْ

***

نظرةٌ واحدة

قصةٌ جاحدة

نهايةٌ زاهدة

جرحٌ لذيذٌ طابْ

مِهْتَابُ آهٍ مهتابْ

(الإضاءة على وجهه تختفي وموسيقى رحيل القمر تعزف بشكل قوي ثم تتلاشى رويدا).

(ستارة)

 

الفصل الثاني

(غرفة بدون نوافذ، يتفرع منها بابان في الشمال والغرب، مجموعة صفحات ممدة على الأرض، صورة شخصية لإدغار آلان بو ولوحات لفان جوخن وبول جوجان، مرآة، علب حبوب وأدوية على الطاولة بقربها كأس ماء نصف ممتلئ ومجموعة أقلام موزعة بشكل عشوائي وأوراق موزعة، ومنفضة فيها الكثير من أعقاب السجائر وسريرٌ في زاوية الغرفة، ساعة معطلة معلقة على الحائط تشير للثانية عشرة)

تميم نائم على الكرسي ورأسه على الطاولة، يستيقظ بشكل مفاجئ على صوت منبه الساعة التي تشير للثانية عشرة صباحاً.

تميم (بتذمر): أينَ أنتِ يا مهتاب، بانتظاركِ أنا، آهٍ أيها الحلم تخونني مرة أخرى كم تكذب العين علينا، تبّاً!

إلى متى ستبقين أميرة أحلامي وسجينة أفكاري يا محال حياتي (يتأفف) ماذا أكتب الآن، (يحكّ رأسه) لا شيء في عقلي المسكين، حتى في الكتابة أتدهور، ما عاد لحياتك مغزى يا تميم، الحرفة الوحيدة التي تتقنها تخونك الآن، أيُّ كوان يعتريني.

(ينهض ويمشي) سأكتب دعوة للتخلف (يفكر) فلا والله ما كان التخلف فضيلة ولكن لولا الطائرات لما أمطرتِ الحروب ولولا السيارات لما قُتل مئات الأشخاص، ولولا وسائل النقل لأدركنا تراث بلدنا جيدا، ولولا البيوت الإسمنتية لجلسنا تحت الخيام ننشد جمال الطبيعة ولولا السينما لشعرنا بحرارة المسرح

(صمت)

لا يريدونها كذلك يا تميم، توقّف!

عن ماذا أكتبُ يا تميم (يبحث عن قلمه) أينَ أنتَ يا قلمي الرصاص؟ كنتَ تنقذني دائما، أين أنت من لا اكتب إلا بكِ، تعال وأنقذني، عن ماذا أكتب يا أرضي العطشى غيثٌ يا إلهامي ، كنْ عشتار وأمطرني، فقد خانتني حبيبتي ورمت علي قوس قزح، سأضغط عليك اليوم وأصيبك بإسهال يرضيهم.

(يمسح الطاولة بيديه باحثا، يراه في زاوية الطاولة وحين يريد إمساكه تضربُ يده به فيسقط ويتدحرج على الأرض، يقرفص تميم ليتناول القلم، يمسك قلمه، فيُسمع صوت خطوات أقدام قادمة يرفع رأسه).

(يدخل القواد وفلّاته السبع، القوّاد يتقدمهم بمشيته الطاووسية والفتيات السبع مشكلات رتلين والسابعة تمشي خلفهن لوحدها).

تميم (يرفع رأسه مذعوراً): مممممممن أنتم؟

القوّاد (بتحية نبيلة): أنتَ استدعيتنا يا سيدي، وهنَّ وردات بستاني، انظر وانتقي كل واحدة بألف دينار والثلاثة بألفين وخمسمائة دينار، حسم خاص لأنك زبون أخر النهار، تعال يا حباب.

(يتراجع تميم إلى الوراء و يرفع سبابته في وجهه): انظرْ! لا أحب المزاح، كيف دخلت لبيتي، البابُ موّصد.

القوّاد (ضاحكا): أسهل طريقة لدينا فتح الأبواب ولكن إغلاقه صعب.

تميم: ما فيّ يكفيني، اخرجْ من بيتي ولا تطحن رأسي.

القوّاد: لمَ أنت عصبي؟ اهدأ (يربت على صدر تميم ثم يشير إلى فتياته) انظرْ إلى فلّاتي السبع، أنا القوّاد المشهور وهن فلاتي السبع المطيعات المؤدبات.

تميم: حسناً ! أستاذ قوّاد ماذا تريد مني؟

القوّاد : قلتُ لك أنتَ استدعيتني، ثم أني أستاذ لا يحب أن يكرر الدرس أفهمت!

تميم: ولماذا هنّ سبع؟

القوّاد: لأن لهنّ سبع أرواح.

تميم (باندهاش) وكيف ذلك؟ هل والدتهن قطة؟

القوّاد: إنهن يمتن في اليوم مئة مرة، وما زلن أحياء، وحوش ضارية، يتحملن كل الآلام وكل أعباء عملنا، ثم أني لا أطعمهم لأيام مع ذلك لا يتذمرن، يقبلون بكل شيء.

تميم: أنت بخيل!

القوّاد: لا وإنما لأحافظ على رشاقة أجسامهن،(يشير إلى المومس الخامسة) وهذه السمينة الوحيدة، أغدق عليها الأموال الباهظة، أطعمها البرغل كل يوم كي تسمن، مرة نطبخ لها برغلا مع البندورة ومرة مع البقدونس وأخرى مع العدس وبعده مع الفلفل ومرة مع الدبس وأخرى مع اللبن ويوم الجمعة نتوقف لنعيد البرنامج الأسبوعي، فالكثير من الزبن يفضلون البدينات كي يشعرن بالراحة بين كتل اللحم الكبيرة، هي بقرتنا الحلوب أيام الأزمات الاقتصادية، وأيام ارتفاع أسعار الوقود، انظر كم أنا بستاني ماهر(يشير إلى فتياته) نوّعت الحديقة بكافة أنواع الأزهار.

تميم: أنتَ بستاني الخراب!

القوّاد (منبهاً بيده): لا تقاطعني رجاء.

تميم: مللتُ منك أستاذ قوّاد.

القوّاد: أف، أنت الممل، انظرْ لهاتي الفتيات كل واحدة لها لون مميز، وأنت تتكلم لي عن الممل أي غبي أنت.

تميم : أريد أن أسألك لماذا اخترتها سوداء (مشيرا للمومس الأولى).

القوّاد (يقلده ساخرا): أريد أن أسألك لماذا اخترتها سوداء، (يضحك) أهذا الذي أثار فضولك فقط؟ يا لك من غبي!

تميم: أنت الغبي!

(يمسك القوّاد بيد السوداء ويقبل يدها).

القوّاد: حسنا سأشرح لك ، هذه السوداء تفيء بظلها محبي غطاء الليل وظلال الشجر، وللمكبوتين ومن يحبون التغيير، يضيع السود في ظلالها و يسطع البيض في سوادها.

تميم: وهذه الشقراء (مشيرا للمومس الثانية).

(يترك القوّاد يد السوداء ويسحب الشقراء من يدها).

القوّاد: تنير الدرب لمن يحب الحياة ويتفاءل بها، إنها للشعراء والكتّاب ملهمة.

تميم: لمْ تلهمني!

القوّاد: ينقصك دم، يا فقير الدم.

تميم : والسمراء (مشيرا للمومس الثالثة).

القوّاد: هذه (يسحبها من فستانها) انظر لرشاقتها، هي لمحبي رقص التانغو والشعر الطويل المتدلي على الكتفين، ومن يمارس العادة السرية كثيرا.

تميم: ها ! يبدو عليك فيلسوف جنس.

القوّاد : أفكر بكتابة كتاب مذكراتي قبل رحيلي، شريطة أن ينشر بُعد رحيلي.

تميم: وهذه الصفراء؟ (مشيرا للمومس الرابعة).

القوّاد: هذه للنحيلين ومن يحتارون بقياس سروالهم، والمعقدين من الحياة.

تميم (بصوت هامس): هذه طلبي. والبيضاء (يشير للمومس الخامسة) ما تحليلك دكتور قوّاد؟

القوّاد (بفخر): هذه كما قال نزار قباني بيضاء زغبوبة بالطيب مربوعة بالشحم مكبوبة.

تميم (يقاطعه): قصدك كما قال امرؤ القيس بيضاء رعبوبة بالطيب مشبوبة بالشحم مكروبة .

القوّاد (باشمئزاز): لا فرق. في النهاية المعنى في قلبي، هي طلب رجال الأعمال، من السود ومن يعانون عقدة النقص من بشرتهم الداكنة، وطلب السحاقيات.

تميم: وهذه الحمراء، ماذا تستنتج منها؟

القوّاد: هي للمنفعلين والمرضى العصبيين ومن يعانون القذف المبكر.

تميم: تعجبني تحليلاتك بروفيسور قوّاد.

القوّاد: الكل يقول لي ذلك والدي دائما كان يقول لي ستكون ذا شأن كبير في المستقبل.

تميم: طبعا ! أنت ذو شأن كبير جدا، تقود جيلا إلى...

القوّاد: إلى الراحة.

تميم: وهذه التي لا يرنو إلا عيناه (مشيرا إلى المومس السابعة) أشعر أني أعرفها، عيناها ليستا غريبتين عنّي، تفتحُ أبواب الشجون في سجني المغلق، (يقترب منها تختبئ وراء صديقاتها بحيث لا تبدو له).

القوّاد (يستشيط غضباً): ابتعد عنها! لا تقربها هي جهنم، شاحبة بدون لون كالماء، بدون إحساس كالثلج لا تستمر، فأل نحس على الجميع، لعنها عاشقها فأمست نحساً على كل من ينام معها.

تميم: أصبحنا اثنين فأنا منحوس وملعون أيضا.

القوّاد : ليلطف الله بنا هذا المساء.

تميم: أريد أن أكلمها.

القوّاد : دعك منها.

تميم: صحيح أستاذ قوّاد لماذا لم تختر عملا أخر؟ ألم تجد عملا شريفاً تقتات منه؟ آسف للإحراج (يقهقه).

القوّاد (بغضب جامعاً يديه بين أطراف جبته خلف ظهره): اعتذارك غير مقبول، ثم ماذا تعمل أنت لتسألني؟

تميم: أنا قاص وشاعر.

القوّاد (ضاحكا بصوت عال): يعني شحاذ وقوّاد أحلام، الله يرزقك وجّعتَ قلبي الذي لا يعرف الألم، ثمّ العمل ليس عيبا، على الأقل أنا أمارس عملا عضليا. أما أنت كالنساء تجلس وراء الطاولة كأنك تغسل الأطباق.

تميم: أنا أغسل القلوب، (يتوقف قليلا ويستطرد بحسرة) أصبحنا نكتة القوّادين. إنها تنهار.

القوّاد: يجب أن أتصدق عليك .

تميم: فعلا أنا أقتات الألم، استحق الصدقة.

القوّاد: حسناً، سأتصدق عليك بفتاة تقضي ساعة معها مجانا ولتجازيني السماء لقاء ذلك.

تميم: فقط لم أعرف أنك بخيل لهذه الدرجة.

القوّاد: ماذا تريد إذاً؟

تميم: أريد الفتيات السبع جميعا.

القوّاد: يا شقي! لن تتحمل اسألْ مجربا، ثم فتياتي خجولات لا يقبلن سوية.

تميم: أريدهن واحدة واحدة.

القوّاد : أنت مجنون!

تميم: أحيانا يحمل كلام المجانين الكثير من الحقائق والصواب.

القوّاد : والله صحيح، أذكر أن صديقا مجنونا قال لي مرة علينا أن نفتح المواخير على مصراعيها كي تعمل العقول.

تميم: فعلا كان مجنونا.

القوّاد : مثلك (يقهقه).

تميم: هل تسمح لي بالانفراد بالسابعة وتذهب أنت والأخريات إلى المطبخ لتتناولوا بعض الطعام.

القوّاد: إذا كان في الأمر طعام، فهي لك، ولكن لا تثقل عليهن، فغدا لديهن عمل كثير.

تميم: كما تريد، ولكن سأعطيك إياهن بالتسلسل، أكره مخالفة النظام، لا يجب أن نخطئ في أيام الأسبوع.

(يتجهز القوّاد وفتياته للذهاب إلى المطبخ).

القوّاد: ولكن هل هناك طعام شهي في برادك، أرى منظرك متسولا.

تميم: ستجد ما تريد فأنا أجلب الطعام ولا أتناوله، أكسر روتيني بالتسوق .

القوّاد أحسنت! يا رجل كان يجب أن تخبرني لحظة مجيئي.

تميم: وها أنا أقولها.

(ينادي القوّاد فتياته الست).

القوّاد: تعالوا يا فلّاتي إلى المطبخ فاليوم مأدبة كاتب شهية (ثم ينظر إلى تميم).

القوّاد: هل ستكتب قصصا عنهن.

تميم: ربما.

القوّاد: لدي شرط أخير.

تميم: تأمر وتدلل يا أستاذ قوّاد.

القوّاد: إن كتبت قصة عن إحداهن، أريدك أن تجعلني بطل المسرحية، كروميو أو كعنترة .

تميم: أنت بطل بالفطرة وهذا الزمان يناسبك تماما.

القوّاد: (ينظر للمومس الأولى) هيّا يا سودائي تجهزي. تجهزي ولا تحرقيه، فإنه موقد سهلُ الإشعالِ.

(يغادر القوّاد مصطحباً الفتيات الستة إلى المطبخ وتبقى المومس الأولى.

(يقترب تميم من المومس الأولى).

المومس الأولى: لا تخجل تعال.

تميم: مرحبا أيتها الجميلة.

المومس الأولى: ادخل بالموضوع مباشرة، لا أحب المقدمات، أي الأوضاع تحب.

تميم: لا. لا. (يتلعثم).

المومس الأولى (بثقة) لا تتلبّك، كلكم هكذا في البداية خرّاف وديعة ثم تصبحون وحوشاً.

تميم: لا أريد فقط أن أسألك سؤالا.

المومس الأولى: (تضحك) أنت أول شخص أراه هكذا.

تميم: ألم تجدي غير هذا العمل.

المومس الأولى: وما شأنك بي، أأنت أخي أم زوجي، جسدي وأنا حرّة.

تميم: الله يهب لنا الجسد لنحافظ عليه، وجسدك جميل لا تجعليه مزيلة للعابرين.

المومس الأولى: هيّا انتهي من عملك بسرعة مللتُ منك.

تميم: أجيبيني وسأعتقك فورا .

المومس الأولى: ماذا تتوقع من امرأة مات زوجها وليس لها معيل سواه، ولم ترث منه سوى ثلاثة أطفال يحتاجون الطعام والشراب والسكن، وأنا ليس لدي حرفة أعمل بها أو شهادة مدرسيّة أتوظف منها، فمِنْ أين اقتات برأيك؟

تميم: خادمة مثلا أو بالعمل في مطعم.

المومس الأولى: عندما كان زوجي حيّاً لم أك أغسل الأطباق، بل هو كان يغسلها، أتريدني أن أغسل ثياب الناس (تولول كأرملة مات زوجها لتوّه).

تميم: اهدئي لم أرتكب جرماً.

المومس الأولى: أنت تتكلم كلاما غبيا.

(يدخل القزم من يمين خشبة المسرح يمشي ويعلق ساخراً): غبي لنْ تتعلم.

(يخرج القزم من الجانب الآخر دون أن يعيره أحد اهتماما).

تميم: حسنا أنا غبي انضمي إلى رفاقك.

المومس الأولى: إلى اللقاء أيها الفاشل.

صوتُ القوّاد من المطبخ: (ضاحكاً) اسمعُ صوتك يا خطير، استمتع كما استمتع الآن ببرادك.

تميم: إنها لا تستجيب لي.

صوتُ القوّاد من المطبخ: كنْ قاسياً معها يا غبي، كنْ رجلا يا بسكويت.

تميم: سأرسلها لك. أريد أخرى.

صوتُ القوّاد من المطبخ: ستحطم رقما قياسيا بسرعة الإنهاء (يضحك كخنزير).

تميم: أرسلها بسرعة.

صوتُ القوّاد من المطبخ: يا شقرائي تعالي. على غصني أشرقي. باللهِ عليكِ أسرعي.

لتجففي أرضَ البلل.

(تغادر المومس الأولى وهي تنظر لتميم بازدراء).

تدخل المومس الثانية وهي تتغنجُ، يقترب منها تميم ويجلسان على السرير.

المومس الثانية: آه أيها الرومانسي لم تخلع لباسك بعد، تعجبني.

تميم: يا لجمالك الفاتن، ألم تجدي غير هذا العمل؟

المومس الثانية (بصوت ناعم) ما الذي دفعك لهذا العلم؟

تميم: لا أعلم أسأل نفسي كل يوم، ربما الحياة.

المومس الثانية: وأنا كذلك.

تميم: ولكني بإرادتي اخترتُ ما أنا عليه.

المومس الثانية: وأنا بإرادتي انضممتُ إلى ماخور القوّاد.

(صوت القوّاد من المطبخ وهو يضحك عالياً)

تميم: وكيف ذلك؟

المومس الثانية: أراد أهلي تزويجي لشخص لا أحبه، هربتُ من القرية إلى المدينة، وفي المدينة انتظرتُ حبيبي.

تميم (مقاطعاً) ولم يأتِ، صح؟

المومس الثانية: لو جاء لما رأيتني هنا.

تميم: وبعدها.

المومس الثانية: سمعتُ أنه سافر كبقية الشبان إلى أوروبا بسبب الرفاهية التي نعيشها في بلدانا (تضحك وتضرب صدرها) وأنا انتقمتُ منه بالانضمام إلى ماخور.

تميم: كنتِ تستطيعين الانتقام منه بالزواج من شخص أخر .

المومس الثانية: أنتَ أبله، من ذا البطل الذي يتزوج من فتاة هربت من قريتها، من يتجرئ ستجلب له المشاكل وخاصة إن كانت جميلة، هذا الزمن زمان القبح.

تميم: وكيف وصلتِ لهذه النتيجة؟

المومس الثانية : القبيحات الآن مرغوبات، ومطلوبات كالكنتاكي، لأن معظم الرجال لا يثقون بأنفسهم فيخافون الزواج من جميلة كي لا تخونهم.

تميم: تبدين غير نادمة.

المومس الثانية: انتهى الحديث. قل لي، أتريدني أن أخلع لباسي؟

تميم : انصرفي.

(يدخل القزم من يمين خشبة المسرح يمشي ويعلق ساخراً): غبي لنْ تتعلم.

(يخرج القزم من الجانب الآخر دون أن يعيره أحد اهتماما).

(تنصرف الشقراء وهي مستاءة).

صوت القوّاد من المطبخ: إياك أن تضايقها مرة أخرى، هي ثمينة عندي جدا.

تميم: ما قيمتها عندك؟

صوت القوّاد من المطبخ: بقيمة حذائي الذي اشتريته من إيطاليا.

تميم: واضح أنها ثمينة جدا، لماذا لم تتزوجها إذاً؟

صوت القوّاد من المطبخ: أتزوج وأنا أتمتع كل يوم ثم بعد زمن ستصبح عجوزا، ولن تروق لي.

تميم: وأنت ستهرم أيضا.

صوت القوّاد من المطبخ: الرجل لا يصبح عجوزا، ألا تعلم؟ دائم الخضرة.

تميم: أيعني الزواج لك السرير فقط!

صوت القوّاد من المطبخ (والطعام يملأ فمه): وماذا غير السرير يا معقّد؟ ستندمُ على أيام حياتك التي قضيتها وأنت تضاجع الأوراق، في اتحاد الجسدين ذروة السعادة.

تميم: بالنسبة لك.

صوت القوّاد من المطبخ: صه! أريد أن أكمل طعامي.

تميم: إذاً أرسل لي الحمراء.

صوت القوّاد من المطبخ: لا تخطئ بالعد حذاري من يخطئ بالعد يضيع، الآن السمراء.

تميم: حسنا السمراء.

صوت القوّاد من المطبخ: يا سمرائي ويا أجمل آهاتي، اقتربي وقولي لهذا الرائي كيفَ أصبحتِ لي فدائي.

(تدخل السمراء والحياء بادٍ على وجهها)

تميم: عجيب أمركِ تخجلين وأنتِ ...

المومس الثالثة: نعم وأنا مومس، صح؟ لمَ لم تقلها.

تميم: ربّما أنتِ نموذج اخترعه القوّاد ليجلب المزيد من الزبن.

المومس الثالثة: أنا خجلة الآن لأن علي تعرية روحي وليس جسدي.

تميم: تبدين خطيئة القدر.

المومس الثالثة : دائما نتحجج بالأقدار مع أن الأسباب جليّة.

تميم: كلامك جميل.

المومس الثالثة : الحياة تعلمك واقعية الكلام كما تعلمك الكتب زهد الكلام.

تميم: وكيفَ وصلتِ إلى هن

(يدخل القزم من يمين خشبة المسرح يمشي ويعلق ساخراً):غبي لنْ تتعلم.

(يخرج القزم من الجانب الآخر دون أن يعيره أحد اهتماما).

المومس الثالثة : بسبب والدي (صمت) عقد زواجي على أحد أصدقائه الأغنياء في الغربة، وسافرنا واستقرينا على الرغم من ضجري منه في البداية ولكني قلتُ الأقدار حكمت علي فارضِ بنصيبك، ثم بدأ يمارس بي مهنة البغاء، هربتُ من عنده ورجعت لكن والدي أقسم إن رآني سيذبحني بعد أن سرب زوجي إشاعات بأني أخونه، انضممتُ إلى هذا النفق المظلم وهذا الماخور التعس، إلى أن أجد ضوءاً.

صوتُ القوّاد من المطبخ: أنا ضوءكِ حياتي.

المومس الثالثة: أنتَ بهو النفق المظلم ووالدي بوابته.

(يدخل القوّاد مسرعاً من المطبخ ويصفع السمراء على وجهها صارخاً: صحيح أنكم تتمادون إن احترمكم الإنسان، تباً لكن.

تميم: لماذا صفعتها؟ قالتِ الحقيقة.

القوّاد : ألا تعرف ثمن الحقيقة إلى الآن يا مثقف، ثم سأقطع هذه المهزلة .

تميم/ لا رجاء دعني أكمل معهن.

القواد : حسنا يا قوّاد المسرح (يقهقه)، والآن دور مَن يا ترى؟

تميم: إنه دور الصفراء.

القوّاد: أحسنت يا بطل ، القوّاد الناجح شاطرٌ في الرياضيات لا تنسَ.

تميم : حاضر أستاذ قوّاد.

(يشير القوّاد إلى السمراء برأسه لترحل، فتغادر السمراء).

القوّاد مناديا: يا صفرائي يا زهرة عباد الشمسِ، شمسكِ هنا فافرشي وجهكِ.

(تدخل الصفراء رافعة رأسها مزهوة أما تميم فيمسح وجهه من العرق الغزير الذي ينساب منه).

المومس الرابعة: نعم يا سيدي القوّاد.

القوّاد: هذا الكلب يريد أن يسألك عن قصتكِ.

تميم: حاشى الكلاب أن تكون كلبا يا شيطان.

القوّاد: اصمت! وإلا توّقفت.

المومس الرابعة: ما الذي يدفعك لسماع قصتي.

تميم (يهز كتفيه): ربما الفضول.

المومس الرابعة : كما كان فضول حبيبي.

تميم: أيضا سمع قصتك .

المومس الرابعة: ليته فعلها، أراد رؤيتي عارية .

تميم: وهل رآكِ؟

المومس الرابعة: طبعاً إذاً لمَ أنا هنا.

تميم: وبعدها.

المومس الرابعة: حققتُ طلبه فأفقدني عذريتي في لحظة شيطانية،(يضحك القواد) وهدّدني بالصور التي صوّرني إياها لو أفشيت أمره لسوف ينشرها في الشبكة العنكبوتية.

القوّاد: أرأيت فائدة التكنولوجيا في عصرنا .

تميم: ولماذا لم يتزوج بكِ.

المومس الرابعة: قال لي إني وافقتُ على النوم معه قبل الزواج، فإذاً لستُ شريكة مثالية وسأخونه مستقبلا، هربتُ من المنزل وقررتُ الانتحار، رميتُ نفسي إلى البحر كي يقتلني فأنقذني ابن ح...لال.، فأكملتُ مشواري بالانضمام إلى ماخور هذا القوّاد.

تميم: ألم تجدي مكانا أخر.

المومس الرابعة: هذا المكان الأكثر أمانا، لأني هنا ولدتُ من جديد، غيّرتُ شكلي من قرويّة إلى مدنيّة وغيرتُ اسمي أيضاً.

(صمت قصير)

تستطرد : هل أشبعتُ فضولك أم تريد رؤيتي عارية.

(يخفض تميم نظره إلى الأرض كمتهم ويتصبب عرقاً).

تميم (باشمئزاز): لا يكفي (يمسك شعره وينادي بصوت عالٍ) يا كاتب الأقدار إلى أي حال وصلنا. الرحمة!

القوّاد (ساخرا): ما بكَ كامرأة حامل تصرخ؟ هل جاءك المخاض؟ أم حان وقت أدويتك يا مجنون؟

(يدخل القزم من يمين خشبة المسرح يمشي ويعلق ساخراً): غبي لنْ تتعلم.

(يخرج القزم من الجانب الآخر دون أن يعيره أحد اهتماما).

تميم: لن تفهم علي.

القوّاد: أفهمك جيدا يا صديقي.

تميم (بحساسية عالية): صحيح.

القوّاد: نعم. أنت مجنون (وينظر للمومس الخامسة) وأنتِ انصرفي.

(تغادر المومس الخامسة إلى المطبخ ، وينكش القواد تميم بلطف على كتفه ثم يهمس).

القوّاد:هل أخذت أدويتك؟

تميم: أنا لستُ مريضاً لآخذ أدويتي، أنت المريض.

القوّاد: إذا سأنصرف الآن (يهم بالخروج فيمنعه تميم).

تميم: لا. توقّف سآخذ الدواء.

(يتناول تميم حبة ويشرب من كأس الماء فيبقى ربع الكوب ممتلئا).

تميم: ها والآن نادي لها .

القوّاد: يا ملاكي الأبيض. يا كرة الثلج على الجسد العاري. لن تسترها. عارية هي. تعالي وألبسيني هنيهة وذوبي.

(تدخل المومس الخامسة وهي تقضم تفاحة، وتمشي بخطى ثقيلة وبأنفاس لاهثة، يتقدم نحوها تميم).

تميم: وأنتِ يا أغنية الثلج؟ ما الذي جعل الثلج كفناً سرمديا؟

المومس الخامسة (وهي تتلمظ التفاحة) أفهم من كلامك أنك تريد معرفة قصتي.

تميم: وكيف فهمتِ ذلك.

المومس الخامسة: لا حديث لدينا سوى عن الناس (تصمت قليلا ثم تستطرد بنبرة منخفضة) وكل واحدة من اللواتي قابلتهن الآن تحدثت عن غبائك.

تميم: ها! عن غبائي. جميل.

(يدخل القزم من يمين خشبة المسرح يمشي ويعلق ساخرا): غبي لنْ تتعلم.

(يخرج القزم من الجانب الآخر دون أن يعيره أحد اهتماما).

المومس الخامسة: سمعتُ منهن أنك كاتب.

تميم : أبعدها الله عن طريقكِ.

المومس الخامسة: كنتُ أتمنى في صغري أن أصبح كاتبة كفرجينا وولف.

تميم: جميل.

المومس الخامسة (مقاطعة): وكيف يكون جميلا وكل ما تلاه قبيحٌ، عندما نكون صغاراً نبدأ بالبناء وحينما نكبر نبدأ بالهدم.

تميم: وكيف ذلك؟ ما بدايته جميل ينتهي بالجمال، كالشمس في بدايتها غادة وتزداد رونقاً في نهايتها.

المومس الخامسة: أنتَ بائع أوهام كما كان قبلك الكتّاب والشعراء.

تميم: يبدو عليكِ مثقفة جيدة، إلى أي صف درستِ؟

المومس الخامسة: لم أكمل الجامعة وصلت إلى السنة الثانية، فأنا من عائلة متخلفةـ تؤمن بالفتاة التي تقبع في البيت وتنتظر نصيبها.

تميم: وهل أرغموكِ على ترك دراستكِ؟

المومس الخامسة: حتى وصولي للثالث الثانوي كنتُ أدرس بالسر في المطبخ، ومرة شعر أخي بذلك فحرق كتبي وضربني، ولم أستسلم انتهز فرصة خروجه للعمل لأذهب للمدرسة ولكن بعد وفاة أمي التي كانت سندي، لم يعد هناك أحد يدافع عنّي، وبقيتُ أتغيبُ عن جامعتي، إلى أن اعترتني فكرة بالهرب من البيت.

تميم : فكرة متهورة.

المومس الخامسة (تقضم لقمة من التفاحة): لم أملك خيارا آخر، وصدقتُ القصص الرومانسية التي كنتُ أقرأها بأني سأصدف شاباً وسيماً أو رجلا شهما وينقذني من هذه الحياة ، بقيتُ في الشوارع تائهة أخشى من كل صوت من صوت القطط والكلاب والإنسان، بقيت جائعة من كل شيء، وأخيرا صادفتُ شابا.

تميم: عجيب، حبكتي القصصية تقول لي لم يكن شاباً جيدا وإلا لما انتهيتِ هكذا.

المومس الخامسة: يبدو عليكَ واقعيا نوعا ما، بالضبط صادفتُ رجلا قبيحاً تفوح منه رائحة العرق الكريهة وكأنه يحمل عطر الخطايا، اغتصبني وأنا لا استطيع إخبار الشرطة كي لا يعرف أخي أني هنا فانضممتُ إلى جامعة القوّاد للفواحش.

تميم: لا يبدو عليكِ التأثر وخاصة أنتِ بهذا الوزن.

المومس الخامسة (ضاحكة): أفرغُ شحنات غضبي بالطعام.

القوّاد : ألقطُها دائما في المطبخ ليلا، تجلس القرفصاء أمام الثلاجة وهي تأكل، ستسمع صوت فمها حتى لو كنتَ في الصين، يا رجل نجلب لها أطنان خبز كل يوم، ستخرب بيتي هذه الدّبة.

المومس الخامسة (تقضم أخر لقمة من التفاحة وتحمل البقايا بيديها): هذا نموذج فريد للبخل .

القوّاد: انصرفي وتدحرجي إلى المطبخ هناك طعام لذيذ في ثلاجة هذا المجنون.

تميم: لنْ تفهمها.

القوّاد (ساخرا): يبدو عليك تفهم كل شيء.

تميم : ما عداك. لم أفهمك.

القوّاد: سيأتي وقت وتفهمني ولكن سيغادر قطارك حينها.

المومس الخامسة: (تشير لبقايا التفاحة التي بيدها): هل عندكَ سلة للمهملات؟ أريد رمي هذه.

القوّاد: ارمها في الأرض ألا ترين بيته كماخور مكدس بالفوضى.

(تنصرف المومس الخامسة وترمي بقايا تفاحتها على الأرض).

القوّاد: سأغادر الآن، عندي عمل هناك شخص أخر استدعاني وعلي تغيير لباسي.

تميم: لا أرجوك لم يبقَ سوى اثنتين دعني أراهما ثم لا تريني وجهك.

القوّاد (مناديا): حمراءُ يا نسج الدماءِ. يا باب الجرائمِ. تعالي وأسدلي كالكفن علي. فإني في ظلام القبر وحدي.

(تدخل المومس السادسة وهي تضحك بسخرية وتحرك وركها يمنة وشمالا، وتميم يتصبب عرقا فاتحا أزرار قميصه العلوية راكعا على الأرض).

المومس السادسة: ماذا تريدُ يا هيامي؟

القوّاد: يا حبيبتي ! هذا المجنون المرتبك يريدك بعض الوقت .

المومس السادسة: هنا! وأمامك.

القوّاد: سأستمتع بمشاهدتكِ. أريد أن أرى نتيجة دروسي.

المومس السادسة (مدعية الخجل): نعم يا أستاذي ستخجلني.

القوّاد : ليسلم خجلكِ.

المومس السادسة: تعالَ يا مرتبك. سأجعلك ترتعش.

(يتقدم تميم ماسحاً عرقه بكمّ قميصه، تحاول المومس السادسة تقبيله فيبتعدُ عنها).

المومس السادسة : فاشل.

(يدخل القزم من يمين خشبة المسرح يمشي ويعلق ساخراً): غبي لنْ تتعلم.

(يخرج القزم من الجانب الآخر دون أن يعيره أحد اهتماما).

(صمت)

تميم: أريد أنْ أسألك سؤالا واحد فقط؟

المومس السادسة: بسؤالٍ ترتجف ماذا لو...؟

تميم: فقط أريد سماع قصتك ولا شيء آخر.

المومس السادسة: إذاً اضربني ضربة خفيفة على دبري وسأجيبك.

تميم: اطلبي ذلك من قوّاد هو محترف في ذلك.

القوّاد (هازئاً): تعودتْ على ضرباتي. لم تعد تنفع.

المومس السادسة (تومئ بابتسامة خفيفة) أريد رؤية ضربات الشعراء كيف هي!

القوّاد ضاحكا: ستكون ضعيفة حتما فأيديهم ناعمة من كثر إمساكهم بالقلم ليل نهار.

تميم : أتريد رؤية ضرباتي (يرفع يده بوجه القوّاد فيبتعد منه) ضربة قلمنا أيها المتخلف هي دواء وجرح.

القوّاد (بادٍ عليه الملل): إبه كم أنت معقد، لا تبتسم ودائماً تأخذ الأمور بجدية.

المومس السادسة: هيّا خلصني أتريد هنا أم في غرفة أخرى.

تميم: أريد سؤالك فقط كيف وصلتِ لهذا القواد؟

المومس السادسة: يبدو عليكَ أنك تعاني الضعف الجنسي (تقهقه ويضحك القوّاد بأعلى صوته).

القوّاد: شككتُ في ذلك من البداية لا يبدو عليه رجلاً.

تميم (بابتسامة ساخرة): وكيف استنتجتِ ذلك يا أخصائية علم النفس؟

المومس السادسة: لأنك لا تنثار كما كان زوجي لا ينثار.

تميم: أكان زوجك ضعيفاً.

المومس السادسة: زوّجني والدي لشريكه في المعمل وكان رجلاً سبعينياً، ولم يملك القدرة الجنسية فلم أشعر بأنوثتي.

(القوّاد جالس على الكرسي نصف نائم)

تميم: وطلقكِ ثم قدمتِ لهذا المكان، صح؟

المومس السادسة: لا يا فاشل، مازلتُ زوجته، هو في عمله أغلب الأوقات وأنا أعمل في طلبات خاصة حسب الزبون الذي يعجبني.

تميم: ولماذا لا يطلقك؟ وتتزوجي شابا وسيما وخاصة أنتِ جميلة ومن عائلة غنية.

المومس السادسة: سيخسر والدي شريكه وحلم حياته المعمل، ومن ثم أحب التنويع.

تميم: ولمْ تجربي أن تخونيه مع بعض المعارف.

المومس السادسة: معظم معارف زوجي من الشباب يدرسون في الخارج أو يعملون هناك بحثاً عن الحرية كما يدّعون، والحارة التي نقطن فيها معظمها مطلقات وأرامل، وشبابها صدقوا أكاذيب أوربا بفرص العمل أو بحثا عن فتاة أحلامهم متذرعين بفشلهم في الحصول على فتاتهم في البلاد.

تميم: وهل وجدتِ ضآلتكِ ؟

المومس السادسة: أنا سعيدة لآخر درجة، جربتُ كل الأنواع.

تميم: والكتّاب والشعراء.

المومس السادسة (ضاحكة): يأتون بين الفينة والأخرى حين يعتري وجههم ألم غريب، ويحملون قلمهم معهم، فحين نكون على السرير نكون ثلاثة أنا وهو وقلم بالمنتصف.

تميم: أنتِ شبقة جدا.

المومس السادسة: وأنتَ شبقٌ بنظرتك تلك يا واد يا تقيل ويبدو عليك مدمناً للمخدرات من السواد الذي يكحل عينيك.

تميم: يا غبية، هذا السواد من ظلام دماغي.

المومس السادسة: أشفقتُ عليك.

تميم: أشفقي على نفسكِ.

المومس السادسة: أنتَ جدّي زيادة عن اللزوم.

تميم: أفضلُ من أن أكون ساقطاً زيادة عن اللزوم.

المومس السادسة ستندم على شبابكَ الضائع.

تميم: سأندم طوال حياتي لو نمتُ معك ليلة وسكنتْني خطيئتكِ.

المومس السادسة: أأبدو لك سهلة المنال!

تميم: قوّادك يعشقُ النقود.

القوّاد (جاحظاً عينيه): كأنه قد ذُكر اسمي.

تميم: بالخير طبعا بالخير.

القوّاد: حضرة الأستاذ قوّاد لو سمحت.

تميم: أتشكُ في عدم ذكر اسمكَ بالخير.

المومس السادسة: لا طبعا فقد زرعتُ الخير دوماً.

تميم : الأمر وضّاح.

المومس السادسة: اضربني على دبري سأنصرف الآن فقدتُ أملي فيك.

القوّاد: أنا سأضربكِ يا حبّي، أعشق هذا العمل.

(يلطمها القوّاد على دبرها فتهمُّ بالمغادرة ، ويمشي تميم والقوّاد باتجاه الجماهير)

تميم: بقيتْ واحدة على ما أعتقد أستاذ قوّاد.

القواد: يكفي الآن، غلبني النعاس.

تميم: مازال الوقت مبكرا (ينظر للساعة مازالت الثانية عشرة ثم يستطرد) وأنتَ ابن الليل.

القوّاد: سأذهب لشرب كأس ماء، أفضل طريقة للحصول على كرش كبير شرب الماء إبان الأكل، أنصحك بذلك أنت نحيل والكرش دليل الرجولة.

تميم: لا تغيّر الموضوع دعني أراها، فقد انتظرتها طويلا وما ليلتي هذه إلا لأجلها، (يتناول تميم كأس الماء المملوء ربعه و يعطيه للقوّاد) هذا كأس ماء أشرب منه.

القوّاد: رغم أني أقرف منك لكني أشربه، (يشرب رشفة صغيرة ويتوقف) خذه رائحة الكأس لا تروقني (ينادي) يا فلّاتي السبع تعالوا سنرحل.

(تتجمع الفتيات السبع ويلوّحن لتميم ما عدا السابعة)

تميم (مناديا السابعة): اقتربي منّي ، عيناكِ المغلقتان كضريح، ليستا غريبتين عني، إنّها تفتح شجون الهوى.

القوّاد: اخرس وابتعد عنها يا أفشل زبون صادفته!(تلويح الفتيات مستمر ما عدا السابعة)

تميم (مناديا السابعة): يا مسرحاً عبثيا اِكشفي الغطاء، هذا الحجاب يقتلني، حلّي لغزي وافتحي الستارة.

يتوقف تميم أمامهم مانعاً إياهم من الرحيل صارخا: لن أدعها ترحل.

(يلكمه القوّاد بقوة فيسقط تميم على الأرض، ويغادرون الغرفة فيسقط من السابعة شالها، يقف بصعوبة على قدميه بعد أن فقد توازنه ويمسك بالشال ويشمُّ رائحته)

تميم (بحسرة): إنها رائحتها، ليست غريبة عني، يا عبير جسدها يا عطر الغيث على الأرض الحرّى (يجهش بالبكاء) إلى متى سأبقى انتظركِ، يا حلمي الأوحد، متى سيغطي جناحكَ شجوننا يا جبريل(عليه السلام)، ثمّ يغمى على تميم).

(ستارة)

 

الفصلُ الثالث

(غرفة بدون نوافذ، يتفرع منها بابان في الشمال والغرب، مجموعة صفحات ممدة على الطاولة، صورة شخصية لإدغار آلا بو و لوحات لفان جوخن وبول جوجان ممدة وممزقة على الأرض، مرآة، علب حبوب وأدوية مرمية على الأرض بقربها كأس ماء فارغ ، ومنفضة فيها الكثير من أعقاب السجائر وسريرٌ في زاوية الغرفة، ساعة معطلة معلقة على الحائط تشير للثانية عشرة)

(تميم ممدد على الأرض، يقف على قدميه ويجلس على الكرسي خلف الطاولة)

تميم: تبّاً لك أيها القوّاد، لكمتني بعنف ،بدل ان تنقذني رميتني في نار أعمق من الجحيم الذي أسكنه.

(يحكُ رأسه قليلا وصدره ثم يمشي في الغرفة جيئة وذهابا، يقف أمام المرآة)

تميم (يلامس وجهه متحسرا): لقد تغيرتَ كثيرا.

صوت رجل خارجي: لمْ أتغير.

(ينظر تميم حوله مذعوراً، يفتش تحت الطاولة وفي أجزاء الغرفة لا  يرى أحدا).

تميم (بخوف): منْ أنت؟

صوت رجل خارجي (ضاحكاً): أنا (يعلو ضحكه أكثر) أنت.

تميم: ما هذا المسرحية السخيفة، أين تختفي؟ (بتوسل) لماذا تضحك؟

صوت رجل خارجي: أنا أمامك ، ومعك و لك وأضحك منّي.

تميم: لا أراك.

صوت رجل خارجي: قد أصابك العمى لنْ ترى العالم.

تميم: أرى كل شيء إلا أنت.

صوت رجل خارجي: أنتَ ترى ما تريد رؤيته.

تميم: كيف؟ (يشير لأثاث المنزل) هذا كرسي وهذه مرآة (يحضن أوراقه) وهذه حياتي.

صوت رجل خارجي: إذاً ما زلتَ أعمى ونسيتني أيضا، أتذكرُ عندما كنت تخشى مقابلة الناس كنتَ ترسلني بدلا عنك ولا تتذكرني في اقتسام الغنائم.

تميم: لمْ أتذكرك.

صوت رجل خارجي: عندما كنتَ تجبنُ وتخاف مما تعمله، ترميني بدلا عنك فيشتمني البعض، وربما أحبني البعض ولكن أتعلم مقدار الألم الذي سببته لي.

تميم: لا تتذاكى، أنا لا أرسل أحدا بدلا عني.

صوت رجل خارجي: مصرٌ على النكران، حسنا أتذكر يوم أحرقت بيتنا الذي يأوينا من أجل حبيبتك لا أذكر اسمها يبدو أنك عديّتني وأصابني فقد ذاكرة.

تميم (بغضب): أها! أحرقته لأنه ذكرى سيئة لي ويذكرني بضعفي لمهتاب.

صوت رجل خارجي (بحزن): من أجل خرقاء.

تميم: لا تقل عنها خرقاء إنها قلبي.

صوت رجل خارجي: لو كانتْ قلبك لعملتَ المستحيل للوصول إليها.

تميم: فعلتُ ما أستطيع ولكنها لم تشأ رؤيتي.

صوت رجل خارجي: لا تنفع الحجج يا بني.

تميم: ليستْ حججاً ولكنها لم تهواني.

صوت رجل خارجي: وما أدراك؟ أأنتَ عرّاف؟

تميم: ردّتني وقالت لي أتمنى لك التوفيق في حياتك.

صوت رجل خارجي: ولمْ تحاول مرة أخرى.

تميم: كبريائي .

صوت رجل خارجي: كبرياء، دائما نسمّي ضعفنا تسميات مختلفة فنقتلها.

تميم: وماذا أسميه؟

صوت رجل خارجي: سمّه جبنا خجلا حياء عدم ثقة بالنفس ولكنها ليستْ كبرياء.

تميم: ربّما، فمن ينشأ في بيت قوّامه المشاكل وأعمدته الهدوء الذي يسبق العاصفة، ينشأ خائفاً من كل شيء، إن نشأت في بيت كذاك البيت لنْ تنجح في حياتك.

صوت رجل خارجي: مرّة أخرى تتحجج، وتسمي فشلك في عملك وحياتك بالظروف.

تميم: لا يا صديقي وإنما لم أعش طفولتي، منذ صغري ووالدي يناقشني في مشاكل الحياة وقوت الغد، وارتفاع أسعار المازوت وانقطاع الكهرباء وأزمة الشرق الأوسط، كان يعاملني كأني بعمره.

صوت رجل خارجي: وهذا يزرع الخوف بالعكس، يعطيك الحكمة.

تميم: الهمس مشكلة أخرى، في بيتنا نخشى الهدوء دوما، لأنه يسبب المشاكل دوما، والأجواء السوداوية في المنزل كانت تؤرقني فكنتُ أسمع الموسيقى حينما كنتُ أدرس وهذا الأمر كان حجة لوالدي في فشلي في الثانوية العامة عاما.

صوت رجل خارجي: لكنّك تغيّرتَ بعدها.

تميم: بعد فشلي في الحياة ونجاحي في المدرسة تغيّرتُ متأخراً، فقدتُ طفولتي ومراهقتي.

صوت رجل خارجي: سكنَتْكَ مراهقة متأخرة.

تميم: نعم هي بالضبط، ولكن الحب أيضا غيّرني، عشقتُ الشوارع بسببها، كان البيت ينفرني فسكنت شوارع بيتها وهناك في الشارع شعرتُ بنبض الحياة وبقلوب المساكين، وجمال لحظات عشق الحبيبة، أجمل لحظة حين تراها فقط، كان والدي يُدرَّس في نفس مدرستها حين أراه اختبئ وحين أراها أنتشي، عندما تصاحب أولاد الشارع وتتسكع على الأرصفة ترى سفور المدينة، تمرّدتُ على الأخطاء وعرفتُ كيف تُقال كلمة لا هذا خطأ!

(صمت)

تميم: كفاكَ حديثاً عن هذا الموضوع باللهِ يكفي.

صوت رجل خارجي: ها أنتَ تهربُ مرة أخرى.

تميم: أهربُ حين أرى الحل محال.

صوت رجل خارجي: نحن من يجعل الأمور مستحيلة أو مقدورا عليها.

تميم: إذاً احضرْ لي مهتاب، أنا بانتظارها إذا كنتَ لا تعرفُ المستحيل.

صوت رجل خارجي (ضاحكاً): أترى من كل هذا الحديث لا تتذكر سواها مهتاب مهتاب.

تميم: هي نهرُ السماء الذي سيمطر بذور قلبي.

صوت رجل خارجي: أنتَ لا تعيش في هذا العالم.

تميم: ربما عندما أكتب تحلق روحي عاليا، وبين الحلم والحلم لا أجد الحقيقة، أنفي الوجود وأنفي الموت وأحي الحلم، تهيم روحي في عالم أخر.

صوت رجل خارجي: ما زلتَ في هذيانكِ تبحر، ولا تجد من وجه العالم إلا القبح.

تميم: أريد رؤية وجهك يا جبان إلى الآن تخشى مقابلتي.

صوت رجل خارجي: إن رأيت وجهي ستخاف فهو محترق مشوه.

تميم: وكيف احترق.

صوت رجل خارجي: أيسأل القاتل ضحيته كيف متَّ، أنسيتَ يوم أحرقت بيتنا كنتُ في البيت.

تميم: كنتُ مجنوناً حينها.

صوت رجل خارجي: يا ترى كم من المجانين سنتحمل.

تميم (ينظر لزاوية الغرفة ويفكر): أذكر وجهك كان وجه أنثى.

صوت رجل خارجي: واسمي أيضا ولكن قلبي وقلمي رجل.

تميم: أردتُ العيش يا صديقي فسميتك باسم أنثى.

صوت رجل خارجي: أناني.

تميم: هم ينشرون للنساء الجميلات مباشرة حتى لو كانت مراهقة شعرية، أو خواطر قصصية.

صوت رجل خارجي: ومنْ تلك التي ألصقتَ وجهها على وجهي.

تميم: ممثلة غير معروفة، وجدتُ صورها في جريدة رومانية، والأغبياء صدقوا ذلك.

صوت رجل خارجي (يقهقه): كم من الرسائل جاءتني على بريدي الإلكتروني يطلبون موعدا مني، لو يروني في الواقع لأصبح نصفهم في مصح عقلي والأخر في المقبرة.

تميم: أرأيتَ ذكائي.

صوت رجل خارجي: ولكنكَ توقّفتَ حتى أني مللتُ من العيش ولم يعد يذكرني أحد.

تميم: كان يلزمني نقود حينها، وحصلتُ عليها.

صوت رجل خارجي: ولكن ما زال يلزمك النقود.

تميم: لنْ أشرّد بقية أولادي سأجد لهم مسكناً ولقباً يحمل اسمي، حتى لو أصبحتُ متسولا لن أتنازل، أخطأتُ مرة في حياتي ولن أعيدها.

(صمت)

تميم: يا فلان أين أنتَ ما لك صامتٌ.

صوت رجل خارجي: لا تقلْ عنّي فلانْ. إنّني في الاسم أبكي.

تميم: اظهر لي ربما نسكن بيتاً مرة أخرى.

صوت رجل خارجي: أنت أناني لذا سأرحل.

تميم: لو كنتُ أنانياً لما وجدتني في هذا الوضع.

صوت رجل خارجي: إلى اللقاء يا أنا وداعا.

تميم: توّقف. قفْ.

(يبحث تميم عنه في زوايا الغرفة ويذهب للمطبخ ويُسمع صوت سقوط الأطباق والملاعق، ثم يقف أمام المرآة)

تميم (ضاحكاً بصوتٍ عالٍ): سأجدك هنا أعرف أين تختبئ أيها المخادع.

(يمسك المرآة ويرميها أرضاً، فيُسمع صوت الرجل الخارجي صارخاً، يبدأ عالياً ثم ينخفض تدريجياً حتّى يتلاشى، وتميم يضحك بصوت مرتفع).

(صمت)

صوتُ خطواتٍ قادمة بقوة، تنقطعُ الكهرباء، وتميم يصرخ: منْ أنت؟ من هناك؟

(ما من صوت يجيب إلا الصدى)

تميم: ما كان ينقصني في هذه الليلة اللعينة انقطاع الكهرباء، أي شؤم يحيط بي؟

(يشعل تميم عود ثقاب ويبحث عن الشمعدان، يراه وينير الشمعة، فيظهر أمامه مباشرة مهرج صامت لا يتحرك، في هذه اللحظة تعود الكهرباء، يرتعد تميم خوفاً ويرتعبُ المهرج مبتعدا عنه)

تميم (بذعر): ماذا تريد منّي بالله عليك؟

(يصمت المهرج ولا يتحرك)

يستطرد: من أنت؟

(يجهش المهرج بالبكاء ويضع يده على صدره)

تميم: لا تبكي! لا احتمل رؤية بكاء أحد، أتريدُ أن تسرقني اذهب ولكن البراد خاوٍ فالقوّاد اللعين وفلّاته لم يبقوا في برادي شيئا.

(يستمر المهرج بالبكاء)

تميم: حسناً! ما من نقود في جيبي أنا افتقدها دائما، (يضع يديه في جيوبه ويخرجها للخارج في إشارة على إفلاسه إلا من قطع معدنية صغيرة) هذا كل ما أملكه، خذها كلها إن أردت، لم أكتب شيئاً من أيام فكيف لي بالنقود، ثم أنهم لن ينشرون لي .

(المهرج مازال يبكي بدون صوت)

تميم: توقّف، لا تبكي رجاء (يحضن تميم المهرج ثم يقوم ببعض الحركات البهلوانية له ويلعب بتفاصيل وجهه ويقوم بحركات تهريجية، أما المهرج فمقرفص في زاوية الغرفة واضعاً رأسه بين يديه)

تميم: يبدو إني حتى في التهريج فاشل، والله حيّرتني ماذا تريد مني، أرى الكثيرين دخلوا بيتي وكأنه أمسى ماخوراً.

(يرفع المهرج رأسه ويحدق في عيني تميم متوسلاً، ويخرج من كنزته شكلا أحمراً كبيراً زجاجيا على شكل قلب ويمد يديه ليعطيه القلب، ينظر إليه تميم باستغراب، ويأخذ القلب)

تميم (معلقاً بسخرية): هذا لا أملكه، فكيف لي بإعطائك شيئا لا املكه الآن، أنا مثلك.

(يدخل القوّاد بشكل مفاجئ، المهرج جالس في زاوية الغرفة بدون حرّاك وتميم وراء الطاولة مندهش مما يحصل معه)

القوّاد: تباً لك استدعيتني مرة أخرى وأضعت علي فرصة اقتناص البدناء الخارجين من نادي اللياقة البدنية، وجيوبهم تعزف بالنقود.

تميم: أنا لم أطليك ثم كيف دخلت إلى هنا والأبواب موصدة.

القوّاد: كل الأبواب لدي مفتاحها، ماذا أرى هنا؟ المهرج الأحمق.

(ينظر القوّاد للمهرج والمهرج ينظر إليه بازدراء).

القوّاد: ألهذا طلبتني كي ألتقي بهذه الشخصية التاريخية، وأضعتَ علي النقود.

تميم: هل كل ما تعرفه النقود؟

القوّاد: النقود مفتاح السعادة، بها لا تحرم نفسك من شيء وتشتهيك كل النساء بغض النظر عن قبحك أو جمالك، تزور بها كل البلدان وأهم شيء تفرض احترامك عند الجميع ما عدا بعض الأغبياء مثلك.

تميم: هل تعرف المهرج؟

القوّاد: اثنان لا أنساهما أبدا، مهرج أحمق وكاتب فاشل .

تميم: صه! كيف تعرفت عليه؟ ودربكما مختلف هو يعطي الحياة وأنت تأخذ الحياة.

(ينظر المهرج إلى القوّاد بعينين ذابلتين).

القوّاد:نحن الاثنان نقدم السعادة لجمهور يبحث عن الفرح.

تميم: لم تجبني.

القوّاد: كان يلاحق أختي من مكان إلى أخر، يتعقبها كما تتعقب عيون الصعاليك أثداء النساء، كم ضربته بهذه الأيدي والأرجل.

تميم (ساخراً): الحمد لله انك لم تضربه بخلفيتك أو كرشك، فأنت ثلاجة لو سقطت فوقه لقتلته (يهمس مع نفسه) كم مسكينة زوجته.

القوّاد: الكرش رجولة.

تميم: ولماذا ضربته ربما أرادها زوجة؟

القوّاد: أأنت أبله أم تدعي ذلك، (ينقش صدره) أختُ القوّاد تتزوج مهرجا (ايمبوسيبل) لا أعلم كيف يطلب بنتاً من عائلة محترمة.

تميم: وماذا ينقص المهرج أليس إنساناً؟

القوّاد: المهرج خُلق ليُضحك لا ليضحك، ومن ثم إنه فقير معدوم.

تميم: أسبابك غير مقنعة، لستَ مُقنعاً باهرا على الرغم من أنك قوّاد.

القوّاد: كان سيهديها التراب وغيره الإبريز أغرقها ثم هذا (يشير للمهرج) يحترق ليضحك الناس تماماً مثلك يا تافه.

تميم: لم تقنعني يا أستاذ قوّاد.

القوّاد: تباً لك إنْ اقتنعت وإن لم تقتنع، انظر إليه لا يتفوّه بكلمة واحدة حتى عندما كنتُ أضربه، لم أفهم منه هل هو جبان أم شجاع، عاشق أم معرّبد، لم أفهم منه شيئاً.

تميم: أفضل من مسدس يرشُ رشاً يا إذاعة القوّاد.

القوّاد: أنا كلامي كله مفيد، فقد صاهرتُ شخصاً من أغنياء البلدة، علّمني أن أتحدث طويلا وإن نجحتَ في إنشاء جمل لا معنى لها ستستطيع إمتاع الجميع وإقناعهم.

تميم: مثل ماذا؟

القوّاد: إذا ارتفع سعر المازوت وكان المازوت ثمينا ثمينا وما عندنا سيارات سيتشكل المطر.

تميم: وهل كان صهرك زوج أختك حبيبة المهرج؟

القوّاد (وهو يصفع كرشه): ليس لي سواها، بعد وفاة أمي وأبي، قلْ الله يرحمهم.

تميم: الله يرحمهم.

القوّاد: عشتْ، صرتُ مسئولا عن أختي وعن مستقبلها بما أني أكبر منها بعشرين عاماً، عقدتُ قرانها على ذاك الشخص الغني ثم سافرتْ للخارج ولكن بعد فترة طلّقها، فعيّنتُها عندي سكرتيرة .

تميم: توقّعتُ أن تكون قوّادة مثلك، خلصه الله من مكيدته (يشير للمهرج والمهرج يحدق بعيون منفطرة).

القوّاد: زوّجه من أمك إذن.

تميم: اخرس وإلا حطمتُ أنفك َيا صاحب الكرش الكبير.

القوّاد: يا أمي! أرعبْتني. سأتبوّلُ في سروالي.

تميم: أفضل من تبوّلكَ في قلوب المساكين.

القوّاد (ضاحكاً): أتلذذ بالقلوب المكسورة.

تميم: بادٍ عليك، إنك موقد يحرق القلوب.

القوّاد: وكيف عرفتَ إني موقد، وجهي أحمرٌ بالفطرة وخدودي كالرّمان حمراء، لذلك تحبني النساء، ليس مثلك أصفر كالليمون.

تميم: تشبه تورخبيو في حفلة التيس.

القوّاد: منْ؟ أكان قوّاداً مثلي.

تميم: للأسف كان جزّارا ولم يصل لرتبتك.

القوّاد: انظر لعينيك أراكَ عاشقاً محطّماً فاشلاً، أليس لديك حبيبة؟

تميم: وما شأنك أنت؟

القوّاد: كنتُ سأنصحك ربما أقودك للصواب.

تميم (مستهزئاً) : أنت تقودني للصواب.

القوّاد: وما بي أنا! أنا خبير نساء، أقبلهن في اليوم مئة مرة ثم أرميهن تحت قدمي وأدوس عليهن بحذائي.

تميم: تشبيه سخيف.

القوّاد: ستبقى تحترق في حبّكَ.

تميم: سأنتظرها.

القوّاد: ما اسمها؟

تميم: لو سميّتها ستهان على لسانك.

القوّاد: تخشى أن اعرفها أو ربما اسمها قبيح.

تميم: كانتْ بسيطة كالماء، جميلة كالنهر

قويّة صحراء، رقيقةً كالقمر

القوّاد: يبدو عليها مومس مخضرمة لأنها حصلت على لبّكَ.

تميم: إنْ تفوّهت بكلمة سوء عنها سأقتلك.

القوّاد: أنتَ ستقتلني (يضحك) أنسيتَ كيف لكمتك؟

تميم: لن تصدّق، لا تختبر غضبي.

القوّاد: لا. أريد تجربته.

(يقتربُ منه تميم ويقترب القواد منه حتى يتقابل رأسيهما ويلتصق أنفيهما ببعض)

(القوّاد وتميم واقفان قبالة بعضهما، يدخل حفّار القبور ويطعن القوّاد من ظهره، يرديه قتيلا، يسقط القوّاد فيظهر وجه حفّار القبور بوجه تميم، يبتعد عنه مذعوراً، ويبحثُ عن شيء ليدافع عن نفسه، والمهرج يحدق بعيون خائفة).

تميم (بغضب حاملاً قلمه بيده): ماذا فعلتَ أيها الأحمق؟

حفّار القبور: الأحمق أنت يا أبي، أنت كل الشر قد استدعيتني ولبيتُ نداءك.

تميم (مستغرباً): أنا أبوك، أأنتَ مجنون! أنت تكبرني عمرا.

حفّار القبور: تنجبُنا ثم تنسانا.

تميم: من أنت؟ صدّقني لا أعرفك.

حفّار القبور: قد نسيتني.

تميم: لماذا قتلتَ القوّاد، هو ميّتٌ بالفطرة.

حفّار القبور: هو سبب شقائي.

(صمت)

(يتقدم حفّار القبور ويقترب من تميم المتجمد في مكانه والقابض على قلمه ليدافع به عن نفسه، والمهرج متقوقع في زاوية الغرفة يشاهد ما يحصل)

حفّار القبور: أنت لا تعلم كم من الوقت مضى وأنا أبحث عنه، هو سبب فنائي.

تميم: أنت قاتل بالفطرة قتلته بكل دماء باردة.

حفّار القبور: ماذا تتوقع من شخص قلبه مكسور وعاني طوال حياته، ان يصبح طبيباً، سيصبح مثلي ولكن شحناتي الإجرامية غير مكبوتة.

تميم: وكيف كان سبب شقائك؟

حفّار القبور: كانتْ جارتي وأمل حياتي.

تميم: هل تزوّجها وأخذها منك؟

حفّار القبور: لا هي أخته، تدلّهتُ بها (تسقط المديةُ من يده ويجلس على الأرض) ركضتُ وراءها أيام الإعدادية والثانوية ولم تكن تنظر لي ولا تعيرني أهمية، كنتُ أحيا حين أراها تخرج بلباسها المدرسي الجميل، لكنّي قبيح الشكل ولم أتمّ دراستي ، وفوق ذلك كله فقير.

تميم: ليس الشكل مهما إنما المعدن ولكن يبدو معدنك سيء أيضا.

حفّار القبور: أنت تقول ذلك، ولكن هناك أشياء تدفعنا إلى التضحية بكل شيء لنقضي على الغل الذي بداخلنا، ثم النساء يا صديقي يهتممن بالشكل كثيرا، فقد كانت تقرف مني .

تميم: وهل هذا سبب كافٍ لتقتل أخاها؟

حفّار القبور: لا تستبق الأمور هناك وقت طويل لك للتأمل ووقت قصير لموتك، سأشرح لك القصة قبل قتلك لا تخف.

تميم (مذعورا): ولماذا ستقتلني؟ ماذا فعلتُ لك؟

حفّار القبور: أنتَ شاهدتَ شيئاً لا يجب رؤيته.

تميم (بخوف واستسلام): توكّلتُ على الله، أكمل.

حفّار القبور: قرباناً مطيعاً أريدك كذلك، ربّاني والدي أن للحياة وجهاً واحداً هو الموت في النهاية، وكان يناقشني في مواضيع سوداء وكأني بعمره، وكلما كنتُ أتكلم في جماعة كان ينقدني، ويكسر من هامتي، حينما كنت أدرس محرزا المرتبة الثانية على المدرسة لم يكن يشجعني بل يقول لي ابن فلان أحرز علامات أكثر منك، كرهتُ المدرسة وكرهت جدرانها وسئمت الحياة، فورثتُ مهنة حفر القبور عن والدي ووالدي عن جدي، كنتُ أبيع الموت وأحفر الشجون، أترى كم من المؤلم أن نشتري الحزن أو أن يبيعك أحدهم الحزن وأنت مجبر على الشراء.

تميم: وما علاقة قتلك للقوّاد بذلك؟

حفّار القبور: لا تتعجل الأمور كلها مرتبطة يبعضها كمعادلات الهندسة الفراغية.

(ينتبه حفّار القبور إلى وجود المهرج، ينظر إليه فيبتسم المهرج).

حفّار القبور: ماذا يفعل هذا هنا؟

تميم: لا أعرف ولا يتكلم حتّى!

(يتقدم حفّار القبور نحو المهرج بخطى واثقة، ويرفع مديته ويطعن المهرج الذي يظل مبتسماً، يعدو تميم خلف طاولته ويتجهز للدفاع عن نفسه.

تميم (بنبرة باكية): ماذا فعلت؟ وما ذنبه هذا أيضا، سأقتلك.

حفّار القبور: سيأتي دروك يا أبي.

تميم: لا تقل عني أبي، تقودني للجنون.

حفّار القبور: لو لم تكن مجنوناً لما استدعيتني.

تميم: نادم والله إن كنتُ استدعيتك.

حفّار القبور: وماذا يفيد الندم؟

تميم: قتلتَ القوّاد ومن ثم المهرج لم أفهم شيئا، تجاوزتُ الربع قرن من عمري ولم أشهد على جريمة واحدة أما اليوم فأنا أشهد على جريمتين، الرحمة.

حفّار القبور: سأكمل لك فقد سمعتُ عن فضولك .

تميم: وكيف سمعتَ عن فضولي؟

حفّار القبور: في أخر مرة زرتُ فيها ماخوراً.

تميم: هل قتلتَ أحدا في الماخور أيضا؟

حفّار القبور: لم أتوقع أن يصل فضولك لهذه الدرجة.

تميم: ليس فضولا وإنما إحصاء جرائم.

حفّار القبور: لن يفيدك بشيء ما دمتَ الأخير، لن تأخذ المرتبة الأولى سأقتلك وتُنسى.

تميم (بخوف وعدم ثقة): سأقتلك أنا.

حفّار القبور: سنرى.

تميم: وماذا حصل لحبيبتك هل قتلها القوّاد لذا قتلته.

حفّار القبور: ليته قتلها لكان أفضل لي، لقد باعها وزوّجها الخسيس لرجل غني مغترب، ثم ماذا تتوقع فعل بها؟

تميم (يحك أرنبة أنفه): طلّقها لأنها لم تحبه.

حفّار القبور: لا بل مارس فعل البغاء بها، فهربتْ منه لتركن في أحضان أخيها القوّاد الذي لم يكن أفضل من صهره فمارس بها عمله، ألا يستحق الموت هكذا شخص.

تميم: يستحق ولكن ليس نحن من يعاقب، إنه تمرد على إرادة الله.

حفّار القبور: علينا إيقاف الظالم ليصبح عبرة للآخرين ولتتولد الحكم.

تميم: وقتلتَ المهرج لأن قتل أخته أيضاً.

حفّار القبور: لم ينفعك ذكاؤك يا أبتي، هذا المهرج أسديتُ له خدمة بقتله، قلبه كبير جدا والعالم أمسى ضيقاً كثقب إبرة.

تميم: أنت مجنون، تقتل شخصاً وتحسن صنعاً وتريد إقناعي.

حفّار القبور: أحيانا الموت رحمة للشخص.

تميم: تتكلم كالفلاسفة.

حفّار القبور: الموتُ يعلمنا الفلسفة، والمقابر باجتماعها الفريد تشبه المدينة الأفلاطونية، صوتُ نباح الكلاب ليلاً هناك يشير إلى رؤية وجوه الأحباء الغائبين، عندما تُطبع صورة أخر لقطة للإنسان في مسرحية الحياة في مخيلتك، وعندما تراه دمية بين ذراعيك، ترى سخف العالم.

تميم: بلى!

حفّار القبور: هذا المهرج أيضا كان يحب مهتاب.

تميم (بعينين جاحظتين وبأذان مصغية): مَن؟

حفّار القبور: أخت القواد كان اسمها مهتاب.

تميم (بحب): كنت أحب فتاة اسمها مهتاب أيضاً وعيناها المغلقة كضريح تتربع في مخيلتي.

حفّار القبور: كانت أجمل قبر رأيته، سأفتح قبرها وأحرقها كي لا تبقَ ذكراها تدفنني.

تميم: هل قتلتها أيضاً؟

حفّار القبور: كلما كنتُ ألاحقها كنتُ أراه في طريقي يلاحقها أيضاً.

تميم: هذا المهرج.

حفّار القبور: نعم، كنتُ أتألم لمنظره، وهو يتسكع أمام شوارع بيتها ويبكي ثم أراه يعتلي خشبة المسرح ويُضحك الجمهور ويضحك رغم روحه الجريحة، أتعلم؟

تميم: طبعا لا لم تقلْ لي بعد، ماذا؟

حفّار القبور: إذا سقط مهرج عن الحبل الذي يمشي عليه بالدراجة، ووقع على خشبة المسرح ثم مات، هل سيبكي الجمهور أم يضحك ويعتبروها فكاهة من المهرج حتى في الموت.

تميم: سيضحكون، موت المهرج حتى أمسى نكتة، سيعتبرون موته تهريجا، أعتقد ذلك.

حفّار القبور: لا تعتقد بل هي كذلك، في ليلة شتائية كانت مهتاب تغادر المدرسة إلى البيت فسقط شالها على الأرض ضربتها الرياح فلم تشعر بها، ركضتُ لأمسك به وآخذه فربما يبقى لي شيء من ذكراها، سبقني المهرج وأخذه وبدأ يشتمه ويضعه حول عنقه ليُفرح الجمهور مؤمنا بأنه يعطيه القوة، كنتُ أصدفه في الشوارع يتسكع وهذا الشال ملازم عنقه.

تميم: لم أفهم إلى الآن لماذا قتلته؟

حفّار القبور: لم أتوقع أنك غبي، قتلته شفقة عليه.

تميم: كاذب! لا أصدق ذلك، كل ما يناضل الإنسان في سبيله ملتصق بمصلحته.

حفّار القبور: أحسنتَ! لأنه شهد على شيء لا يجب أن يراه احد.

تميم: وماذا شهد؟

حفّار القبور: كما شهدتَ أنت.

تميم: وهل ستقتلني أيضا؟

حفّار القبور: بالطبع يا أبي.

تميم: تقول لي أبي وتريد قتلي أي غشاش أنت.

حفّار القبور: أنت سبب شقائي أيضا.

تميم: ربما أقتلك أنا.

حفّار القبور: إن قتلتني ستريحني، ما من شيء أخسره أو أعيش من أجله.

تميم: لهذه الدرجة كنتَ مخلصاً في حبك.

حفّار القبور: كانتْ الدليل أن لي قلبا ينبض.

(يقبض تميم على رأسه بين ذراعيه ويتوجع)

تميم: ما الذي يحصل؟ كيف لي أن أحيا؟

حفّار القبور: لا تستعجلْ! نهايتك على يدي.

تميم: ستريحني من أجار القبر وستجد لي قبراً مجانياً.

حفّار القبور: بالطبع يا أبي.

تميم: وإن قتلتك أنا.

حفّار القبور: سأجد لنفسي قبرا مخلّدا على دفاترك.

تميم: قد أرحتني من قصة القبر، حين أدخل المستشفيات أعرف أن الحياة غالية ولكن الموت أغلى.

(يقف حفّار القبور مقابل تميم على خط مستقيم واحد بمواجهة بعضهما)

تميم: يبدو أن الساعة الأخيرة لإحدانا حانتْ.

حفّار القبور: غربلْ خطاياك!

تميم: أفكر بها وأبحث عنها ولا أجدها.

حفّار القبور: لستَ منزها عن الخطايا.

تميم: عندما أتوقف عند النافذة وأحدّق إلى الجبال العالية والسماء البعيدة، وينعكس وجهي من شبّاك بلوري غليظ القلب، أفكر في عدّ خطاياي ربّما هي لحظة موت من نوع أخر.

حفّار القبور: لا يهم، سأكون ديمقراطياً معك ففي لحظاتنا الأخيرة نعلنُ الحرية والإعتاق، اطلبْ أمنية أخيرة.

تميم: اطلبْ أنت أمنيتك الأخيرة لأني قاتلك لا محالة.

حفّار القبور: سأداريكِ لأبرهن ديمقراطيتي، أن تأتي مهتاب لأخر مرة وتلفّني بكفن عينيها وتسكنني قبر قلبها.

تميم: أن تأتي مهتاب وتسكن قلب دفاتري وتلوّن أقلامي بلون عينيها.

تميم وحفّار القبور سويّة: ستظل أمنيتي مهما حييّت، بانتظارها أنا.

(يقترب حفّار القبور من تميم وهو يصرخ: سأقتلك.

(يبتعد تميم عن الكرسي ويصطدم بالطاولة فتسقط الأوراق والأقلام على الأرض وتتدحرج، وهو يصرخ): أنا من سيقتلك.

(يعلو صوتا ثم يتوقف صوت الاثنين. يتلاشى الصوت تدريجيا مع تلاشي الإضاءة ويخيم السواد عندما يصل تميم وحفّار القبور مقابل بعضهما، يُسمع صوتُ دقاتٍ الساعة تدق بقوة).

 

(ستارة)

 

شاعر من سورية

wanton133@hotmail.com