هذا النص الفجائعي للشاعر المصري يعيد كتابة تاريخ قريب لازالت آثاره منقوشة بشرف على أرصفة المدن وفي فضاءات ساحات التحرير، دم الشهداء الذي لازال يخط أفق مستقبل أوطان تتحرر من الاستعباد والاستبداد والطغيان.

وتحت جلدي دم

أشرف العناني

دم  على السجادة ..

دم  على الأريكة..

دم حول فنجان القهوة المحاط بغضب لم أفهم  له سببا..

دم   بعد عراك ٍ صباحي لمراهقين فرغا من فصل طويل ٍ من الضحك 

ثم  - و بجدية -  يختلفان على صديقه..

 

دم   بعد ممازحة بدأت لطيفة ..

دم  في حفلة  العرس التي انتهت  قبل موعدها بكارثة ٍ إلا الربع..

 

دم   في الكتاب..

دم   في لوعة  المؤرخ  الذي ظهر  أمام  المذيعة  دون أسنان  ٍ

يمكنها إخافة لحم  ساقيها، وهو يحكي بحنان ٍ له ما يبرره

عن حروب  لم تعد  تؤذي ..

 

دم على أطراف سحابة ٍ لم يسعفها البرق لتمطر..

دم  على طريق ٍ طيني بلا لوحات معدنية  تنبه المسافرين لانحناءاته

الخطرة، وترشد الشمس لجهات ٍ محرومة ٍ من الحب ّ والطحين  ..

 

دم   في البال 

تحت قدم  قاطع  طريق ٍ يعاني من البطالة  ,

دم  على حجر ٍ ..

دم  على رأس  جبل..

 

دم   رخيص..

دم   لطيف..

دم   فاره..

دم   طاهر..

دم   شريف..

 

دم   الشاة ..

دم   الحمامة..

دم  الذبيحة   المعلقة  والمختومة  ببراءة  زرقاء  في المسلخ ..

دم   في الجحر بعد وجبة  جنس  تظل مجانية ً

لكنها موجعه  ..

دم  لامرأة ٍ لم يعد أسفل  بطنها يعادل - وفي غرفة سقفها على وشك السقوط-

 ألف  جنيه ٍ ووجبة   شواء و مزّه ..

دم الذئب  بعد خدعة ليست بيضاء  تماما ً..

دم  على سرير  العرس..

 

دم  في المنافي ..

دم في حقول  المشقة  ..

دم  في الليالي الباردة  و الوحيدة  ..

دم  في غرفة التعذيب  حيث  كل ساعة ٍ لها رأس عصب 

دم على حائط  السجن  ..

دم  خلف أبواب  المباول  العامة ..

دم  في السراء  والضراء..

دم   في الخفاء..

دم   في العلن ..

 

دم  حار

دم  بارد  

دم  من فصيلة يصعب توفيرها للتداول..

دم في حافر  الأسطورة  ..

دم في أنبوب  المختبر  ..

وتحت جلدي دم .

 

دم  في الغائط  ..

دم  في فم السياسي  الموشك  على الأفول

دم  خلف قفا الناشط  الصغير  الذي يدّرب نفسه

 ليال ٍ كاملة ٍ  أمام  المرآة  لابتكار   طريقة جديدة وملهمة ٍ  لتهريب  تاريخه..

دم  في فم  الواعظ  وهو يصرخ  في الناس  ويعض ّ لسانه

 فيأكل الميكروفون  نصف  قلبه  ..

دم   في غرفة   العمليات   بينما يتذكر  الجرّاح   فجأة وهو يرتّق  الشريان

أن زوجته أدمنت – بعد نوبات  غيابه – غرف  الشات  وقضم  أظافر  يدها ..

 

دم  الثوار  وهم يتداولون  كلمات جادة ٍ عن الخبز  والحرية  والرغبة الحارة في غسل جلودهم من الماضي برائحته الكريهة

دم   الشهداء  وهم يتذكرون فجأة ً أن أبوابا ً فسيحة ً تصلهم بسماء

لا حدود لزرقتها..

دم   في التحرير

دم   في صنعاء  

دم   في بنغازي

دم   في دوار اللؤلؤة ..

 

دم  كي لا نخجل من ذكر أننا من هذه البلاد:

نحب أطفالنا ونسائنا

نحب  الشوارع  و البيوت  والجيران والحقول

ورمل  الصحراء

نحب المدن  والقرى والنجوع

نحب النجوم  التي عادت لموضعها هناك في سماء ٍ

لم نعد  نتوجس  من رفع   رؤوسنا إليها

نحب السهر  وإطلاق  النكات

والكلام   في السياسة   ..

 

دم   كي نكتشف أن لنا  كلمات كانت تقريبا ً بلا معني

لها الآن  مكانها في الروح

ولنا في بلادنا أنهار ستجرى 

وأشجار ستتعلم أن تمشي

وشوارع ستحترف الطيران..

 

دم  كي تستعيد  الطيور  قدرتها على تحريك  الليل

ومناداة الشمس  باسمها

 

دم  كي نتخلى عن أسمائنا المستعارة

نرميها خلف ظهورنا

دم   كي يعرف التاريخ   أننا هنا

نطارد  الليل  والجراد  والسنوات   الكبيسة

نطحن الماضي بضروسنا

ثم نبصقه  في المزابل  ..

 

دم  لتلدنا أرحام  أمهاتنا  من جديد ٍ

فتفتح عيوننا على جغرافيا جديدة

بسماء ٍ  جديدة  ٍ

جبال ٍ  جديدة ٍ

سهول  ٍ جديدة ٍ

هضاب ٍ  جديدة ٍ

وديان  ٍ جديدة  ٍ

رمال  ٍ جديدة ٍ

وحصى ً جديد  ٍ ..

 

دم  جديد  في مجراه  تحت  جلودنا

هكذا وبحركة الأمل المباغت نفتح  أزرار قمصاننا لهواء  ٍ جديد  ٍ

نشق شهقة الحياة 

و نحب الريح أكثر ..

 

 

(بدأت كتابة النص في أول يناير وأتممت كتابته في 20 فبراير 2011 )

شاعر من مصر

مصر - شمال سيناء - الشيخ زويد