تعد محررة (الكلمة) لهذا العدد افتتاحية جريدة تونسية شيقة ظهرت في القرن التاسع عشر، حينما كان التعايش بين الثقافات والديانات في وطننا العربي لايعرف شيئا من تعصبات إلغاء الآخر المقيتة، ولا من ميراث النهب الصهيوني لأرض بلد عربي، ولا من تشنجات التأويلات الوهابية ضيقة الأفق للدين الحنيف.

افتتاحية جريدة «الشمس»

أثير محمد على

ظهرت جريدة "الشمس" في باريس في 22 شباط 1885، وكانت أسبوعية تصدر كل أحد من أيام الأسبوع، وحملت ترويستها التعريف التالي: "جريدة سياسية أدبية". وقام سليم قويطة بإدارتها والإشراف أحياناً على القسم السياسي فيها، أما الياهو ساسون فعمل على تحريرها، وهما من أبناء تونس اليهود.

تكونت الجريدة منذ صدورها من أربع صفحات، وكان يطبع نصفها بحرف عربي، أما النصف الآخر فكان يُطبع بحرف عبري، ولا تختلف الصفحات العبرية والعربية بمحتواها في شيئ. ويرى الفيكونت فيليب دي طرازي في كتابه تاريخ الصحافة العربية (ج2، المطبعة الأدبية، بيروت 1913) أنها أول جريدة من نوعها وشكلها برزت في لسان الناطقين بالضاد. وكان غرضها نشر حوادث المملكة التونسية والدفاع عن مصالح شعبها الوطني، بعد إعلان الحماية الفرنسية عليها. فكان طبعها متقناً إلا أن عبارتها ركيكة وخالية من مسحة البلاغة في الإنشاء.

لقارئ الكلمة نترك افتتاحية العدد الأول من جريدة الشمس:

 

الشمس

الافتتاحية

بسم الله الرحمن الرحيم

ربي افتح لنا فتحاً مبينا

الحمد لله القديم الأزلي الحي الصمد * الواحد الأحد * الذي أكسب الإنسان المعرفة والحكمة * وهداه سبيل الخير والنعمة * المحمود في سائر اللغات * الممجد من جميع الكاينات * الذي أظهر لعباده الطريق النافع * وأبان لهم سبيل الهدى الشافع * حمداً يدم إلى الأبد ما دامت الشمس وضحاها * والارض وسكانها * آميــن *

أما بعد يقول العبد الفقير الفاني سليم قويطة العبراني * لما كانت اللغة العربية نورها ساطع * وسيفها قاطع * ونورها ماطر * وبحرها زاخر * وهي خزانة الفصاحة وأم الفنون الأدبية * وينبوع العلوم الرياضية * كيف لا وقد شهدت لها جميع الأمم * وأرباب الهمم * بأن كافة علومهم منها مأخوذة * وجملة فنونهم من أزهارها مقطوفة * فأما الآن فلقلة الحرص عندنا أخذت لغات الافرنجية بالتقدم والسياق * في ميدان النجاح والسباق.

وكان ذلك لكثرة جهدهم بما يجديهم نفعاً * ويعلو مجدهم رفعاً * بتكثير المطابع * وما يليها من توابع * لاسيما الجرايد المنشورة * التي في جميع الأقطار مشهورة * فهي لعمري السبب الأول بل الأصل الحقيقي الوحيد لتهييج الشوق للعلم والعمل * ليبلغوا بذلك غاية الأمل من ترقي في أهاليهم بالنور المدنية * والمنافع الكلية * وتوسيع العقول والأذهان * بإذاعة المعاريف وإزالة الأهوان.

فأخذتني الغيرة والشفقة لأهل زمني * وأبناء وطني * فقصدت أخدم لهم ما يشفي غليلهم ويروي غيلهم * من النفع العمومي فهداني الله إلى طريق الصواب * ما يليق إلى الأجر والثواب * فشرعت بعونه تعالى بإنشاء جريدة غرة * وصحيفة حرة * تأتي بخير صحيح بكلام عربي * دارج فصيح * فهي صغيرة الحجم * كثيرة النفع * بنوع مقتصر مفيد * على نسق جديد * تحتوي على الأخبار الواقعة * والحوادث النافعة * وجملة فوايد أدبية * وفصاحة عربية * ينتفع بها القارئ * ويستفيد منها الداري، يستغني بالصغير عن ما في الكبير حيث لا يمل من قرأتها ولا يكل بمطالعتها * فنطلب الإخوان ذو العهود * من إسلام ويهود أن سرعوا باحتراك * ويشرعوا للاشتراك ويحمدون سعينا * ويشكروا صنيعنا * ويكون عندهم مقبول * وهو منهم المأمول.