إطلالة جديدة على الشعر السوداني من خلال نص شعري محمل برؤية فجائعية، تعيدنا الى هول الحرب وعذاباتها، بتفاصيل تلتقطها عين الشاعر السوداني كي تصبغ عليها جزءا من صورها القاسية.

دارفور: الحروب بطعم الدم وليس الفاكهة

عادل بدر على

(1)
لاتحرق الوطن

فى الخيمة امرآتان
وطفلة مبتورة الخطوة
والفتيات اللواتى
شرد منهن الحب
وأحلام البنات
وغادرهن فيض الدم بغتة
وهُن قانعات ان دماء الحياة
لاتنساب والموتُ مُعلن
أغنيتهن ان ماذهب لن يعود
فهنالك دموع الامهات
هى الحقيقة وليس سؤ الظن
فالاباء يموتون وهم يقاومون سقوط الجدار
ويتوسلون للنار ان لاتلتهم منزل القش
أن لاتحرق الوطن
والأطفال يموتون فى بطن الامهات
بالجوع والوهن
وبالقنابل وتحت اقدم الراكضين
والسماء كفن


(2)
نجاة
احتضنهم ساعة
بكى على قدم أمه ساعة
فقدوه فى ليلة الهجوم
صلوا عليه غائبا
وفى النهار وجدوه
بلهفة سالوه:
كيف نجوت؟
(إسماعين معاك)*1
لكن الصغير
وبما تبقى من براءة الاطفال
سالهم عن شجرة البرتقال
فضحك كل من بالجوار
فقد قٌهر الرجال
فكيف تصمد اشجار البرتقال؟
إن الحروب بطعم الدم وليس الفاكهة


(3)
لون
أمسك بعلبة الالوان
يبحث عن الازرق
رآه فلم يري مايريد
وقف واللون امام المرآة
ليس لونه!
سال أمه: لماذا إذاً عندما فتشونا
قالوا أنهم يبحثون عن الزٌرقة
جبان هذا الذي اصدر اوامر التفتيش
عن لون وليس عن احد
جبان هذا المفتون بالالوان
هذا الذى يعشق بادمان جداول الدم الاحمر


(4)
حكاية
على ضوء متهالك تلعب به الرياح
كانت الجدة تتوسل للصباح
ان يختصر الآمها علها ترتاح

من هذا الصغير
الذى يستوطن صدرها
كل مادخل على ذاكرته الليل
فاتحا تلك الجراح
قالت له: كان جدك رجلا عظيما
كانت رائحة الحليب تغمر دارنا
وكانت خلاخيل*2 المراح*3
ترن كل مغرب فى اذاننا
وكان صوت جدك
يعطرالقرية بالتلاوة
ويدعو للصلاة والفلاح
تصمت العجوز فتنهار عليها الاسئلة
فأنف الطفل المزكوم بالاغاثات والبسترة
لم تعرف رائحة الحليب
واذانه لم تحفظ سوى صوت الخلاخيل المجنزرة...
ومع أول غارةَ فى الصباح غابت العجوز
سال الصغير عن الجدة :
فقالوا ذهبت لإحضار الحليب
وإمامة الصلاة فالشيخ قال انها تجوز
فالإفتاء فى إمامة النساء
اسهل من الافتاء فى الدماء
وإزهاق النفوس
فللسلطان نِفوذ
فتمتم الصغير
ببعض السباب
خالعا الحِجاب والتعاويذ والرموز
قبل ان يلُوذ بمجموعة الايتام
علهُ يحوذ ببعض الاهتمام
فبعد اخر الاحضان سيطول المساء
ويطول..

 

*شاعر وصحفي سوداني

 

1-(إسماعين) بلهجة الدارفوريين السودانيين تعني(إسماعيل) الاسم العربي المعروف.

2-(الخلاخيل) هي جمع خلخال وهو من ادوات الزينة

3- (المراح )باللهجات السودانية يعني قطيع الماشية