يمثل الاستيطان الصهيوني أحد أكثر الأشكال الاستعمارية عدوانية في هذا القرن، هنا تعريف بأحد الكتب المهمة الذي يدرس فيه ومن خلال مدخل بنيوي للقضية الفلسطينية علاقات السلطة وثقافة الحرب والأمن والاحتلال والاستيطان ويدرس اسرائيل كمثال من أمثلة الدول الاستيطانية التي تعمل على اختراع آليات وأساليب للحفاظ على الارض التي صادرتها وفي الوقت نفسه نزع الأرض من السكان الأصليين.

عن عولمة فلسطين وفلسطنة العولمة

إبراهيم درويش

ما معنى أن يموت المتضامنون مع القضية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ما معنى ان يطلق الجيش الاسرائيلي النار على الصحافيين الذين يقومون بتغطية الاحداث في فلسطين، وكيف نفسر تدفق المتضامنين مع الفلسطينيين كل عام بالمئات اما للمساعدة في موسم قطاف الزيتون او التظاهر ضد سياسات مصادرة الاراضي والتضامن مع سكان بلعين؟

لا يمكن ان نفسر هذه النشاطات على انها محاولات لدعم المقاومة الشعبية او ثقافة اللاعنف في وجه الالة العسكرية الاسرائيلية التي لا تتورع عن القتل، والاعتقال فقط بل وعلى انها صورة عن المدى الذي وصلت اليه فلسطين وقضيتها في العالم. توم هيرندال وراشيل كوري وجيمس ميللر شهداء سقطوا وهم على خط النار، وكلهم جاءوا من اجل التضامن مع الفلسطينيين، وهم جزء من جيش كبير من الشباب الذي يحاول تحدي غطرسة اسرائيل اما بركوب الطائرات والوصول الى مطار بن غوريون ليقوم الجيش الاسرائيلي باعتقالهم وترحيلهم في نفس اليوم، وإما بالمشاركة في قوافل الاغاثة وسفن الحرية من اجل كسر الحصار على غزة ليحاول الجيش الاسرائيلي منعهم وإرسال قوات كوماندوز تقتل من تقتل منهم وتعتقل الاخرين وتسجل اسماءهم وتصادر اجهزة الكمبيوتر والكاميرات. فعلى الرغم من كل العقبات والصعوبات التي يتوقعها المتضامنون مع الفلسطينيين إلا انهم يتدفقون اما جوا او برا عبر جسر اللنبي، لم تمنعهم القنابل المسيلة للدموع لدعم اهالي بلعين، ولم يمنعهم القصف من الاحتشاد في المقاطعة لحماية الرئيس الراحل ياسر عرفات ولم ولم..، فهم دائما في حركة، ويعبرون عن تيار او حركة عالمية هي في النهاية نتاج طبيعي لعولمة القضية الفلسطينية التي تظل منذ البداية قضية عالمية اما من ناحية اثارها الدولية او لاستمرار الحرب فيها او لأنها تظل في عين الاعلام او لتاريخية المشكلة، وهنا يجب الانتباه ان نكون حذرين عندما نستخدم مصطلح “صراع” لوصف الوضع الفلسطيني، فهو ليس صراعا فلسطينيا ـ اسرائيليا لان هذا الوصف يعني تماثلا بين المتنازعين، وهو ما يرفضه جون كولينز في كتابه المهم "فلسطين العالمية” الذي يدرس فيه ومن خلال مدخل بنيوي للقضية الفلسطينية علاقات السلطة وثقافة الحرب والأمن والاحتلال والاستيطان ويدرس اسرائيل كمثال من امثلة الدول الاستيطانية التي تعمل على اختراع اليات وأساليب للحفاظ على الارض التي صادرتها وفي الوقت نفسه نزع الارض من السكان الاصليين.

بنية عميقة وسطحية
ويقرأ الكاتب المعنى الاستيطاني في بنيته العميقة والسطحية، ويعتقد ان الدولة الاستيطانية لا يمكنها اخفاء وجودها وبالتالي “آلية القمع” حسب ولتر بنجامين تعني استمرارا للحرب، فالحرب دائمة وأبدية في هذا الإطار ومعنى “ظهورية” الدولة الاستيطانية انها لن تكون قادرة على اخفاء المؤسسات التي تعمل على مواصلة وجودها، وفي الاطار ذاته دفع السكان الاصليين الى الرحيل او تجريدهم من أرضهم وفي محاولته لرسم التسييق البنيوي لفلسطين العالمية يقرأ تحول الدولة الاستيطانية من دول قامت على معنى “الضحية” الى دول استعمارية بما تعنيه من اضطهاد وقمع للسكان الأصليين ويشير ايضا الى المفهوم الاستعماري الذي يقوم على اسطورة “الارض الخالية” اي الصحراء المقفرة التي تحتاج التي تعمير ورواد لتحويلها الى جنات يانعة، مع ان فلسطين لم تكن ارضا بهذا المعنى. وفي الوقت الذي يشير فيه الى الدافعية الابادية في المعنى الاستعماري إلا انه يشير الى معضلة الصهيونية فيما بعد الدولة وعلاقتها بالأخيرة. 

تجليات ثقافة ما بعد الاستعمار
ويقرأ الكاتب في هذا الاتجاه اساليب المقاومة للاستعمار والتخلص من أثاره التي يشير اليها كما تتمظهر في دراسات ما بعد الاستعمار وهي أربعة النموذج الماركسي القائم على التخلص من الرأسمالية، ونموذج العنف ـ اي تفكيك الظاهرة من خلال تحليل الابعاد العنيفة فيها وعلاقتها بين المستعمر والمستعمر بفتح العين وهو نموذج فرانز فانون، والأسلوب الاخر هو اسلوب فوكو في تحليل البنيات المعرفية وعلاقات السلطة وأخيرا ادوارد سعيد في رؤيته الثقافية، والأخير اي سعيد، يرى فيه كولينز رمزا من رموز عولمة فلسطين. يعتقد الكاتب ان دراسة البنى التحتية في القضية الفلسطينية مهمة لتقديم ملامح الرؤية الاستعمارية للصهيونية التي كانت نتاجا للثقافة الرأسمالية، كما انها مدخل اهم من السردية التاريخية التي تعتمد التاريخ في تأكيد الحق في امتلاك الارض. فالرؤية التاريخية عادة ما تحرف الباحث عن قراءة الاسس العميقة للوضع الاستيطاني بما يحمله من بنيات اقتصادية واستبعادية لسكان البلاد الأصليين كما حدث في امريكا واستراليا وجنوب افريقيا، والهوية الاقتصادية تعني الهوية المسلوبة من الارض التي طبق فيها المستوطنون مشروعهم من خلال دفع السكان الاصليين اما للتجمع في “محتشدات” كما حدث مع السكان الأصليين او المخيمات ـ الفلسطينيين او بيوت الصفيح في جنوب افريقيا. ويشير الى الكيفية التي اصبح فيها الفلسطينيون جزءا من “الصراع” والجواب لأنهم سكان البلاد الاصليين. يعترف الكاتب ان مفهوم الكولونيالية له علاقة اليوم في قراءة “فلسطين المعولمة” لان بنيته التحتية تشير الى بنية دائمة وهي في الوقت نفسه بنية قابلة للتغيير بناء على الظروف الممكنة.

اندو واكسو ودرومو
ويقول في هذا السياق ان الظاهرة الاستعمارية العالمية يمكن تأطيرها من خلال ثلاثة اشكال ما يطلق عليه المظهر الخارجي للاستعمار وهو الخارجي “اكسو كولونيالزم” والذي يعمل على المستوى الجيو- سياسي، اما الاخر فهو الاليات الداخلية الذي يؤشر للدافعية الاستعمارية “اندو كولونيالزم” وأخيرا المنطقية التكنولوجية التي تسرع عمليات الاستعمار والتي يسميها “درومو كولونيالزم”، وهذه الاشكال متداخلة، ويظل البعد الخارجي هو المظهر الاقتصادي ـ الاجتماعي لا يختلف عن شكل الحرب الحقيقية، اما الداخلي فهو معني بالآليات الاقتصادية الهادفة لإيجاد طرق جديدة لانتزاع وإعادة توزيع الثروة وهذا بعد خطير لأنه يساعد على فهم بنية الاستعمار الخارجي والطريقة التي تحولت فيها اشكال الحرب وبطريقة اخرى كيف تغيرت المجتمعات البشرية. ويقول ان هذا المظهر يعمل على مستوى عسكرة المجتمعات الاستيطانية وتعزيز الوعي الاجتماعي لديها عبر المزج التدريجي بين العلوم والتكنولوجيا والمعلومات والاقتصاد. ويقول ان استمرار البعد الداخلي للاستعمار او المخفي يمكن ان يفسر استمرارية الحرب، التي اطلق عليها الباحث روس غلوفر “الحرب على....” ويؤشر الى الطريقة التي يتم فيها استهداف النسيج الاقتصادي للمجتمعات الفقيرة . ويشير في السياق ذاته الى انه على الرغم من التداخل بين البنى الداخلية والخارجية إلا انه يمكن الفصل بينهما عبر عدد من المحاور- من مثل المتعلقة بالفضاء حيث يعمل شكل الاستعمار الخارجي على مستوى الكفاح من اجل دمج اراض بعيدة عادة ما تكون “فارغة” كما في خارطة مارلو “في قلب الظلمات” لجوزيف كونراد. مما ينتج عنه كفاح يائس حول المناطق المكتظة بالسكان من مثل “الغيتوهات” المناطق الصناعية المتداعية المحتشدة، كما هو الوضع اليوم في غزة، اما المحور الثاني فيتخذ شكلا عسكريا في “حروب العصر” التي تتخذ مسارحها في اماكن بعيدة، وتعتمد على السفن الحربية والمدافع والمطاوي من اجل تسهيل عمليات السيطرة على الاماكن البعيدة. 

تفريغ وإحلال
وفي العادة فإن ما ينتج عن الاستعمار بشكليه الداخلي والخارجي هو تشريد اناس من مناطق جغرافية سواء على المستوى الفردي او الجماعي، ويتم هذا التشريد الى مناطق جغرافية جديدة، مكتظة عادة بالسكان، بالإكراه او الاختيارـ وبالعنف او من خلال سياسات افراغ الريف من سكانه ودفعهم الى المناطق الحضرية. وعند انتهاء المظهر الخارجي للاستعمار من مهمته تبدأ مرحلة الاستعمار الداخلي والتي تقوم على احلال السكان الاصليين بمستوطنين، بحماية الدولة، وبطريقة تدريجية رفع الحماية مع تموضعهم في المكان والفضاء الجديد، حيث تؤدي عملية الاحلال الى انتاج عدة اشكال من الاصولية بما فيها “الاصولية الاقتصادية”. ومن هنا فإن شكلي الاستعمار يعملان على مستوى التفريغ من السكان وإعادة ملء الجغرافيا إحلال فمجرد وصول مستوطنين الى الجغرافيا المفرغة بالقوة يستدعي قراءة المنطق الذي تعمل من خلاله، والكاتب هنا يرى ان هناك تحولا في التعامل مع وضعية الدولة الاستيطانية وتعريفها، فبعيدا عن العوامل والعلاقات المشتركة بين الدول الاستيطانية ـ يمكننا ان نفهم معنى “العلاقة الخاصة” بين امريكا وإسرائيل فإن الادبيات التي حاولت دراسة منطق الاستيطان قد تطورت في العقود الاخيرة وطورت افكارا حديثة، وعليه فالاستيطان وان اتبع الاشكال القديمة من الاستعمار إلا ان هناك اتفاقا على انها ظاهرة حديثة متعلقة بتشكيل الدولة الحديثة من خلال “العنصرة” اي العنصرية ـ رأس المال والتراكم عبر هجرات مستمرة او الابادة. وعليه فإن الاستيطان هو نتاج الشكل الخارجي للاستعمار وقد يكون جزءا من المشروع الإمبريالي وهناك مدخل اخر يرى ان الاستيطان مرتبط بالسيادة على مناطق جغرافية متخيلة تتم السيطرة عليها بالاكتشاف ثم ضمها عبر مفهوم الحق الالهي. ويشير الى دراسة هامة كتبها باتريك وولف ان الرغبة التي تقف وراء كل مشروع استيطاني هي اقامة مجتمع “جديد” اي “تدمير وإحلال”، ومن هنا فعنصر العنف مهم في تحقيق هذا الهدف، لكن وولف يقول ان الدافع الرئيسي وراء العمليات الاستيطانية الاستعمارية ليس مدفوعا بالسيادة على الارض فقط بل بالتبرير للعملية اي ما اسماه “منطق المحو” بالدرجة الأولى فهذا الدافع حسب وولف يمثل الرد الاساسي للمستوطنين لواقع التواجد المنظم للسكان على الارض. وبناء عليه فالمشاريع الاستيطانية قبل وبعد تشكيل الدولة تعمل على تطبيق آليات من الاستبعاد او العبودية او الترحيل القسري، مشيرا الى “طريق الدموع” الذي ساره ابناء قبائل التشيكوري الاصليين في امريكا، والنكبة الفلسطينية، اضافة لأسلوب العزل امريكا الشمالية واستراليا وجنوب افريقيا (الباندوستان) وهناك اسلوب اخر وهو التذويب عبر الدمج الاجباري “الانتهاكات في المدارس الداخلية” التي ادت لولادة الجيل المسروق” من ابناء البلاد الاصليين او قد يلجأ المستوطنون للقتل الجماعي. وما يهم في هذه الاساليب ان منطق المحو يعمل على حرمان المستعمرين بفتح العين من الهوية الوطنية وحقهم في امتلاك الارض وشرعية المقاومة من اجل الحصول على حقوقهم. كما ان منطق المحو يعمل جنبا الى جنب مع سياسة التوسع والعنف السياسي المرتبطة عادة بالجبهات المتحركة، فالمشروع الاستيطاني ير فض ان يلتزم بمناطق جغرافية محددة ولكن على انه مشروع متحرك، وكوسيلة دائمة لتبرير الحروب والغزوات، وهذا يفسر عدم تحديد اسرائيل لحدودها، حيث يعمل المشروع ضمن المناطق الرمادية او “عدالة الجبهات المتحركة” يضاف اليه ما اطلق جاكسون تيرنر المؤرخ الامريكي “اطروحة الجبهة المتحركة” والتي تعني “منطق الاقتصارية”، فمن جهة فإن المشاريع الاستيطانية مرتبطة معا من خلال مفهوم “الشعب المختار” مما يربطها بالمصير المشرك.

الصلة النسبية
ويشير كولينز الى ان استمرار الحديث عن الاقتصارية او الشعب المختار يعني دائما الربط بينهما بصلة قرابة او نسب، كما تحدث هيرمان ميلفيل عن الامريكيين في عام 1850 بأنهم “المتميزون، الشعب المختار، بنو اسرائيل زماننا”، ولهذا لم يكن مصادفة ان يطلب توماس جيفرسون ان يوضع على ختم الولايات صورة “ ابناء اسرائيل يقودهم عمود النور”، وربما كان هذا ما يدور في ذهن الاقلية البيضاء ـ الافريكان عندما اقامت نصب فورتيكر قرب مدينة بريتوريا. يضيف الكاتب هنا الى ملامح المشروع الاستعماري الثلاثة او منطقها، منطق رابع وهو الإنكار وهذا المنطق يجري عميقا في المشاريع هذه والتي تقوم على “انكار حدوث شيء او عدم صحة ما يقال”. يعتقد كولينز ان المفاهيم الجديدة والتطور الكبير في حقل دراسات الاستيطان الاستعماري فإن الحقل الاكاديمي لعب دورا مهما في مساعدة المشاريع هذه من خلال قبول وجهة نظرها، وليس اوضح من هذا من الحالة الفلسطينية التي قدمت على انها “صراع” .

فلسطين والمشروع الاستيطاني الاستعماري
يقدم كولينز الظروف التاريخية التي ولد فيها الاستيطان اليهودي في فلسطين، فأول مستوطنة 1882 بتاح هتكفا بنيت في عز تغول المشروع الاستعماري الغربي وشهدت هذه الفترة انتاجا هائلا في الأسلحة ولكن اهم عامل هو الجهود الاثنو- قومية التي لعبها الاوروبيون من اجل خلق كل الظروف لتعقيد عملية اندماج اليهود في المجتمعات الأوروبية وليس كما ناقش بعضهم بعدم امكانية حدوث هذا، ومع كل هذا فإن المشروع الاستيطاني جاء الى فلسطين وهو يحمل فكرة انه مالك الارض الحقيقي، وهو ما ادى الى انتاج هيكلية من “العنصرة” مما جعل الفلسطينيين هدفا للقمع والتمييز مع انهم سكان البلاد الاصليون. ويقول ان اهم دور لعبته الصهونية بالنسبة لليهود الاوروبيين انها عملت على جمعهم حول ايديولوجية حولتهم من اقلية “ضحية” الى اقلية استعمارية، فمن خلال عمليات من تشكيل حركة عمالية، وإقامة الكبيوتزات وحمايتها وتحويل المستوطنين الى عمال زراعيين، تحولت الاقلية الاستعمارية بعد النكبة الى غالبية. ويشير الى ان قراءة الظروف التاريخية لنشوء الصهيونية وتمددها في فلسطين فالقارئ يخرج بنتيجة انها عبارة عن خلطة من القومية الرومانسية الاوروبية في القرن التاسع عشر، وصمام امان للمشروع الصهيوني وأخيرا مشروع استعماري استيطاني. وقام المشروع الصهيوني وفي ظل العداء للسامية بقيادة وتحقيق الشكل الخارجي للاستعمار في فلسطين. وما تبع النكبة هو تحول الفلسطيني الى لاجئ بلا وطن او مكان، حيث تحول الوطن الى ذاكرة وأمل بالعودة، ووجد الفلسطيني نفسه رهن الظروف الدولية وإيمانه بتحقيق العدالة لكن امريكا التي كانت منشغلة بسحق الشيوعية تركت الفلسطيني لاجئا وتحت رعاية الامم المتحدة- اونروا. ويشير الى رواية غسان كنفاني “رجال في الشمس” والموت في الصحراء في الطريق للكويت انها تمثل تعبيرا عن “الحلم المؤجل” كما في قصيدة لانغستون هيوز عن وضع الامريكيين السود عام 1950. ومن هنا فالنكبة الفلسطينية وان حولت الفلسطيينيين الى لاجئين يكافحون من اجل العيش ويتقاتلون بين بعضهم من اجل النجاة كما في قصة كنفاني “الصغير يعود الى المخيم”، إلا انها كانت مرتبطة بالوضع العالمي، فوضعية اللاجئ تشير الى ان الفلسطيني الذي خرج من ارضه اصبح غير قادر على كتابة القصة، فيما اعاد اليهودي كتابتها بعد خروجه من حالة المعرض للإبادة واقام دولة، لكنه وان تخلص من وضع المستضعف فانه وضع نفسه في وضع جديد وهو العيش في دولة ثكنة عسكرية كل سكانها جنود ويعيشون في حرب دائمة. 

حركة التضامن العالمي 
يخدم الاطار النظري لمفهوم الاستعمار ومحاوره والاستيطان الاستعماري لقراءة ملامح اخرى متعلقه به وهي “الامنوية” اي الهوس بالآمن مشيرا الى ان تقرير غولدستون مثلا وردت فيه كلمة امن اكثر من 400 مرة، كما ان الامن متواجد في اسماء كل المؤسسات العسكرية والمدنية، وهذا الهوس الامنوي يعني محاولات لتسريع عمليات الاستيطان وإدامة الاحتلال الامنوية وتسريع الاستيطان والاحتلال- هي ملامح ثلاثة يقرأ من خلالها فكرة الاستعمار ويحاول الكاتب من خلالها موضعة فلسطين في اطار الاستعمار العالمي. وخلال كل هذا يقرأ الكاتب ويحلل حركة التضامن العالمي مع الفلسطينيين التي توسعت في العقود الاخيرة ومع ان استشهاد راشيل كوري وهيرندال اظهرا المخاطر التي يعمل من خلالها المتضامنون مع فلسطين الا ان مقتلهما ادى الى ولادة جيل من الشباب العالمي المستعد للمخاطرة بدون خوف لاظهار تضامنهم مع الفلسطينيين على الرغم من محاولات المؤيدين لاسرائيل تصويرهم بالسذاجة، ويقول ان حركات المقاطعة للمنتجات الاسرائيلية والأكاديميين تشمل يهودا من أمريكا وإضافة للأصوات الجديدة في اسرائيل اصوات من اجل السلام، مشيرا الى ان هذه “التضامنات” الدولية والاسرائيلية تعمل من داخل تقاليد قديمة لعميرة هاس- الكاتبة المعلقة في “هآرتس”- ومن هنا فمن اجل مواصلة التضامن الدولي والمحلي مع فلسطين او فلسطين المعولمة فتجب حماية هذه الاصوات وتوسيعها. 

عملية في الجو
واختم هذه المقالة بما حدث اخيرا في 15 نيسان (ابريل) عندما منعت اسرائيل المتضامنين مع الفلسطينيين من الوصول للمناطق الفلسطينية، ففي مقال مطول كتبه ديفيد شولمان في “نيويورك ريفيو اوف بوكس” تحت عنوان “اسرائيل في خطر” وهو وان اشار في النهاية الى وجود “اسرائيلتين” الاولى في داخل الخط الاخضر وتلك في مناطق المستوطنين مع ان الاولى ليست مستبعدة من عمليات الاقتصار وحرمان الفلسطينيين من هويتهم، إلا ان ما يهم هو بداية المقال، حيث يقول انه كان في ذلك اليوم على متن الخطوط الايطالية عائدا من روما الى تل أبيب وقبل هبوط الطائرة بأربعين دقيقة، اعلن قبطان الطائرة انه تلقى تعليمات مفادها ان اسرائيل اتخذت اجراءات امنية مشددة، حيث شددت على مجالها الجوي، كرد على تهديد امني غير عادي، وانه يجب على كل المسافرين حالة وصولهم المطار الامتناع عن استخدام الكاميرات، وعلى المسافرين اتباع تعليمات الامن. ويقول ان اول ما فكر به هو ضرب ايران حيث قرر بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة تنفيذ تهديداته بتدمير المنشآت النووية الإيرانية ولكنه قال لنفسه ان هجوما من هذا مستبعد في الوقت الحالي بناء على ما قرأه من اخبار وتحليلات، وعاد وتساءل ماذا يحدث اذا. بعد خروجهم من الطائرة وعبورهم الجوازات شاهد المسافرون قوات حرس الحدود المتواجدين في كل مكان وهم يعتقلون متظاهرين واجبروهم على ركوب حافلات عسكرية. وعليه تبين في النهاية ان الخطر القادم من الجو والتحضيرات العسكرية لها علاقة بوصول مجموعة من المتظاهرين، في طريقهم الى منطقة بيت لحم للمشاركة في الاحتجاجات ضد انتهاكات الجيش الاسرائيلي للفلسطينيين. وفي ذلك اليوم اعلن الناطق الرسمي للحكومة عن احباط تهديد امني خطير على إسرائيل لكن فخر الحكومة ورضاها عن نفسها، غطى عليهما قيام نائب قائد الفرقة العسكرية المرابطة في وادي الاردن شالوم ازنر عندما صور وهو يضرب بعقب بندقيته بدون اي داع متظاهرا دانماركيا، وهو الحادث الذي اظهر الوجه الحقيقي للاحتلال. ويعلق شولمان انه شاهد حوادث من هذا في الشيخ جراح وراس العامود وسلوان في القدس. لاحقا قال ازنر الذي عزل من منصبه انه لم يكن “من المهنية استخدام البندقية في حضرة الكاميرات”، مما يعني انه لو لم توجد عدسات تصوير لقام بعمل افظع من هذا.. يقول شولمان ان ازنر سينقل الى موقع أخر وينسى الجيش فعلته..

في النهاية لا بد من الاشارة الى هذه الملاحظة التي اكد عليها كولينز في قراءته لوضع التخلص من اثار الاستعمار وهي ما لاحظه بول فيرليو عام 1978 “في هذه اللحظة من التاريخية فالقضية الفلسطينية تأخذ شكل الاشياء التي ستأتي...” وهو ما يحدث الان.


Global Palestine
John Collins
Hurst And Company
London- 2011

 

ناقد فلسطيني من أسرة القدس العربي