كما لأية مهنة أخلاقيات ومعيارية قيمية، يرى الباحث أن الشيئ نفسه ينطبق على الشبكة العنكبوتية. يتناول الممارسات الواجبة عند استخدام الشبكة، كما ويعالج قضية احترام الملكية الفكرية، فيعرفها ويبحث في تفاصيلها ومسألة حقوق المؤلف، وخصائص جرائم النت.

أخلاقيات التعامل مع الإنترنت

السيد نجم

بعد شيوع استخدام الشبكة المعلوماتية، وانتشارها على طول الكرة الأرضية وعرضها، يبدو أنه من الضروري أن نبحث في مجال أخلاقيات العمل عليها واستخدامها. مثلها في ذلك مثل دراسة أخلاقيات مهنة الطب (مثلاً). ترى ما هي تلك الأخلاقيات الواجب مراعاتها مع استخدام الشبكة؟ وكيف تطبق؟ إذا كانت الأخلاقيات هي حقل يدرس أسئلة القيم، بما يشير إلى الحكم على فعل الإنسان: هل هو سيء أو حسن؟ بالتالي فإن المعايير والقواعد التي تبنى عليها تلك الأحكام هي موضوع "الأخلاقيات المبتغاة". (د. ادوارد جهرينجر- متخصص في علم أخلاقيات المعلوماتية). أي هي تلك القيم والمفاهيم المتعلقة بالمستخدم، وليست متعلقة بالتقنية (الشبكة)، وأشار صاحب التعريف أن المشاكل الموجودة قابلة للزيادة، ومع ذلك فكل تقنية فيها جوانبها السلبية، كما السيارة التي نستخدمها في الخير، يمكن أن تصبح وسيلة للشر.

لقد كان لظهور "الإنترنت" تأثير يشبه الثورة في مجال الاتصالات وتبادل المعلومات، حتى استنبتت مصطلحات شارحة لهذه الحالة، وواصفة للعالم مثل أن العالم أصبح قرية صغيرة، العالم = القرية الكونية الصغيرة. ونظراً لزيادة المعارف خلال العقود الأخيرة، حيث أفادت دراسة إحصائية عن منظمة اليونسكو أن المعارف الإنسانية التي يتلقاها إنسان اليوم يوميا (900) تسعمائة معلومة، بينما كانت (22) اثنين وعشرين. هذا بالإضافة إلى سرعة نشر المعلومة بالسرعات الهائلة. هذا مع الوضع في الاعتبار أن الإنترنت لها طبيعة مختلفة عن كل الفضائيات المعروفة، وهو ما يمكن الإشارة إلى بعضها:

- الخصوصية التي يتمتع بها مستخدم خدمة الإنترنت، فله جهازه الخاص وحده، وله بريده الخاص، وكلمات السر التي تتعلق به وحده. وبالتالي عدم القدرة على الرقابة.

- الإنترنت وسيلة ذات اتجاهين، على العكس من الوسائل الأخرى، مثل التليفزيون. وبالتالي يمكن استخدامها في الخدمات التفاعلية مثل المحادثة، وهو غير المتاح لغيرها.

- قدرة الشبكة على الوصول إلى عالم الممنوعات والدخول إلى عالم الأسرة وخصوصياتها.

- في حالة حجب المواقع المسيئة فلا تستطيع منع المواد المرسلة بالبريد الإلكتروني.

وقد قسمت أخلاقيات استخدام الإنترنت إلى نوعين:

الأول: أخلاقيات استخدام الإنترنت بين المستخدم ونفسه. وهي ترتكن إلى الوازع الديني والأخلاقي العام لمراقبة الذات، حتى يمكن تجاوز تلك النوعية من المشاكل. مثل (احترام الذات، عدم تعريض الذات للأخطار، عدم النظر إلى المحرمات وكل ما لا فائدة من ورائه، عدم إضاعة الوقت عند استخدام الشبكة، عدم الإضرار بالجسم وإعطائه الراحة الواجبة.. الخ).

الثاني: أخلاقيات استخدام الشبكة بين الشخص المستخدم وغيره. سواء مع الجهاز "الآلة" أو مع أناس آخرين. وهو القسم الذي يمكن أن تسن له القوانين، إلا أنه يبقى المحور الأساسي لتطبيق هذه القوانين هو الوازع الشخصي.

مثال ذلك "احترام الملكية الفكرية للغير" مثل وضع المصدر للمعلومة والصورة وغيرة في إطار الاستخدام وتوثيقه بذلك. عدم سرقة أو نسخ أعمال الغير كالأعمال الإبداعية أو البرامج والخطط وغير ذلك. ففي مجال البرامج يقترح "عادل الطلحي" في دراسة له إلى العمل على استخدام المصادر المفتوحة أو المشتركة وهو ما يشجع المتخصصين أو الهواة لإنتاج ما يناسبه من البرمجيات.

كما أن الحفاظ على الأسرار والخصوصيات بنشرها أو الاطلاع عليها مثلما يمارسه البعض بما يعرف hacking، وقد يصل الأمر إلى تخريب مصادر تلك المصادر المعلوماتية cracking.

وفى ضوء تلك الصورة العامة، كانت كل الاتجاهات القانونية والأخلاقية نحو دراسة ما يمكن تفعيلة، لتزكية الايجابي على الشبكة، وتجاوز السلبي.

حقوق المؤلف في بيئة النشر الإلكتروني

يبدو أنه مع سهولة النسخ وقلة التكلفة وتزايد مستخدمي الشبكة فائقة السرعة، بدت مشكلة السطو على حقوق المؤلف من الأمور السهلة، وهو آثار السؤال حول كيفية حقوقه.

*التعريف: "حقوق الملكية الفكرية"

"هي تلك الحقوق التي ترد على كل عمل ابداعي مبتكر أنتجه العقل البشري في مجال الآداب والفنون والعلوم والصناعة والتجارة، وهي حقوق استئثار لمالكها الاستئثار بها قبل الغير مدة من الزمن، لقاء الجهد الابداعي والمبتكر الذي مكنه من التوصل إلى هذا الحق" (د. غالب شنيكات).

وقد عرفت حقوق الملكية الفكرية لنشاط العقل البشري منذ القدم، إلا أن الدور الذي تلعبه التقنيات الجديدة تضيف أهمية متزايدة لها، وهى على قسمين:

الأول: حق الملكية الصناعية والتجارية. تلك التي تشتمل على الاختراعات، الرسوم والنماذج والمنتجات الصناعية، العلامات التجارية والصناعية والخدمية. (يؤجل تناولها بالبحث).

الثاني: حقوق الملكية الأدبية والفنية، وهي المتعلقة بحقوق الإنتاج الذهني في مجالات الفن والأدب والعلوم تلك التي تتصرف إلى الأداء الفني والأعمال الجماعية والبث الاذاعي.

وهي المشتملة على "الرواية – القصة – الشعر – المسرحية – الصحف - قواعد البيانات – الأفلام – الموسيقى - اللوحات الزيتية – الصور – المنحوتات - مصنفات الهندسة المعمارية – الخرائط - الرسوم التقنية.

كما ينسب إليها: حقوق الممثلين والموسيقيين في الأداء، وحقوق منتجي التسجيلات الصوتية والأقراص المدمجة.

*من المؤلف؟ هو الشخص الذي أبدع المؤلف وحده، وقد يكون شخصا معنويا أو طبيعيا.. وقد يشترك أشخاص في التأليف.

* ما هي حقوق الملكية؟ هي حقوق معنوية ومادية.

الحقوق المعنوية هي الحق في انتساب المصنف إليه، في تقرير نشر المصنف، في إجراء أي تعديل على مصنفه، في دفع أي اعتداء على مصنفه، في سحب مصنفه.

ولا يحق لأي طرف الاستغلال المادي للمصنف إلا بإذن كتابي، مثل: استنساخ المصنف، ترجمة المصنف، التأجير التجاري للمصنف، توزيع المصنف، النقل إلى الجمهور في وسائل الإعلام.

وبالتالي فالمصنف المحمي قانوناً: هو كل عمل مبتكر أدبي أو فني أو علمي أيا كان نوعه أو طريقة التعبير عنه أو أهميته أو الغرض منه.

إلا أن للحماية القانونية شروطها، وهى: أن تتوافر في المصنف صفة الابتكار، تنصب الحماية على التعبير على أفكار المؤلف، لا على الأفكار المجردة، تنصب على المصنفات المحددة بطبيعتها، سواء طبيعة أدبية أو فنية أو علمية، وأخيراً تنصب الحماية على المصنف بعد ظهوره.

فيما تشمل الحماية المصنفات التي يكون مظهر التعبير عنها الكتابة أو الصوت أو الرسم أو التصوير أو الحركة: "الكتب، المحاضرات والخطب والمواعظ، المسرحيات بأنواعها، الأعمال الموسيقية، أعمال الرسم والتصوير والنحت، الرسوم التوضيحية والخرائط وغيرها.

*حق المؤلف في بيئة النشر الإلكتروني:

مع شيوع النشر الإلكتروني، أثير السؤال حول كيفية حماية المؤلف على الصورة التقنية الجديدة.

فقد أكدت اتفاقية حق المؤلف في المادة8 منها حماية المصنفات الرقمية التي تنشر عبر شبكة الإنترنت: "يتمتع مؤلفو المصنفات الأدبية والفنية بالحق الاستئثاري في التصريح بنقل مصنفاتهم إلى الجمهور بأي طريقة سلكية أو لاسلكية، بما في ذلك إتاحة مصنفاتهم للجمهور بحيث يكون في استطاعة أي شخص من الجمهور الاطلاع على تلك المصنفات من مكان وفى وقت يختارهما أي فرد من الجمهور نفسه..."

فيما تتميز البيئة الرقمية بالتالي: حرية المستخدمين لشبكة الإنترنت، الطبيعة العالمية للشبكة، سهولة الاستنساخ مع صعوبة ضبط أشكال الاحتيال. وهو ما ينتج بسببه صعوبات قد تواجه المؤلف مثل صعوبة منع أو إيقاف النشر للمصنف، صعوبة حصول المؤلف على الحق المادي، تعدد واختلاف جهات الاختصاص القضائي، صعوبة ملاحقة المعتدين.

كل هذا في إطار أن النشر الإلكتروني، هو إتاحة نقل وتبادل المعلومات/ المصنفات على شبكة الإنترنت، مما قد يبدو معه هروب المصنف من مؤلفه.

بينما النسخ الإلكتروني هو الشكل المادي للمصنف بعمل نسخ منه بأية وسيلة معروفة مثل الأقراص أو غيرها.

وعلى ما سبق، يمكن أن يتم النشر الإلكتروني دون إذن منه، بينما النسخ لا يجوز إلا بإذن من المؤلف صاحب الحق الأصيل.

يقترح "د. غالب شنيكات" في دراسة له طرق الحماية التالية:

أولا: الحماية القانونية، تعتمد على التحذير قبل الاستخدام، والمعاقبة بعد إساءة هذا الاستخدام.

ثانيا: الحماية التقنية، بوضع تقنية تعيق إساءة الاستخدام من خلال مفاتيح الكترونية أو كلمات سر.. الخ.

جرائم الإنترنت

أمام الحرية المتاحة في العالم الافتراضي عموما والنشر الإلكتروني، نشط البعض ممن يجيدون التعامل مع التقنيات الجديدة، بمستوى عال ورفيع، ومارسوا أفعالهم غير المشروعة، منها المنافي للقانون والأخلاق والدين، وربما للطبيعة البشرية السوية.. ونشطت الجريمة على الإنترنت.

هذا السلوك الاجرامي، والذي يمثل نمطا جديدا من الجرائم: التحويل الإلكتروني غير القانوني أو غير المشروع للأموال، سرقة المعلومات، تدمير المواقع، التجسس، الجنس وترويج الأفكار الهدامة، وغيرها. هذا السلوك دعا أهمية دراسة "الجريمة على الإنترنت.

*ما هي جريمة الإنترنت؟

هي كل الجرائم التي ترتكب بالاستخدام غير المشروع أو الاحتيالي للشبكات المعلوماتية، والتي تضم.. المساس بنظم المعلومات، الاعتداء على الحياة الخاصة، إرسال بريد الكتروني سيء، الاحتيال باستخدام بطاقة الائتمان، العنصرية ورواج أفكارها، غسل الأموال، المواقع الجنسية وغيرها.

أي أن جريمة الإنترنت هي "مجموعة من الأفعال والأعمال غير القانونية التي تتم عبر الشبكة، أو تبث عبر محتوياتها"

*خصائص جريمة الإنترنت

تتميز تلك الجريمة بالآتي: الكمبيوتر أو الحاسوب هو الأداة التي يرتكب من خلالها الجريمة، ترتكب الجريمة من خلال شبكة الإنترنت المجرم شخص صاحب مهارة متميزة في مجال الحاسوب، وهى جريمة عابرة للحدود، ينتج عنها إما ضرر معنوي أو ضرر مادي، هي جريمة لا تترك لها أثر، كما أن اختلاف المواقيت بين القارات والبلدان والمكان مما يتيح ارتكاب الجريمة عن بعد.

وجريمة الإنترنت على عدة صور.. الجرائم الأخلاقية مثل نشر الفيروسات، سرق المعلومات، الاختراقات غير المبررة، تعطيل الأجهزة، انتحال الشخصيات، المضايقة بالملاحقة، التغرير والاستدراج، نشر الإباحية، النصب والاحتيال، وربما الاعتداء على الأموال وعلى أمن الدولة.

* ولأهمية دراسة جريمة الإنترنت، أعدت بعض الجهات دراسات حول المجرم عبر الإنترنت. هو مجرم متخصص وعلى معرفة جادة في مهارات التقنية الرقمية، غالبا ما يعود إلى ارتكاب الجريمة، وهو مجرم غير عنيف وعلى قدر لافت من الذكاء والعلم.

كما تلاحظ أن من مجرمي الإنترنت صغار السن من النوابغ، أما الأكثر خطورة فهم الكبار المترفيو الذين ويسببون أضرارا متعمدة لأغراض مادية.

وقد يعد من مجرمي الإنترنت، ذلك عن طريق النشر، بأن ينشر ما قد يسيء إلى أمن الدولة التي ينتمي إليها.

*ومع ذلك تبقى جريمة الإنترنت ذات ملامح خاصة ومنها: صعوبة الإثبات (مثل تدمير الفيروس الذي استخدمه في تدمير أحد المواقع)، وهناك "الإنكار" في حالة التثبت بوجود موقع ما غير اخلاقى باسم ما ولا يوجد ما يوقن بأن هذا الموقع ينتسب له حتى مع وجود اسمه، ثم هناك صعوبة إثبات الاعتداء على الملكية الفكرية (عموما) لصعوبة إثبات الملكية أصلا.. ثم هناك صعوبة ملاحقة الجاني، نظرا للبعد المكاني المحتمل، إما لأن المرتكب استخدم اسما مستعارا، أو أن الجريمة ارتكبت من مكان بعيد.. بالإضافة إلى صعوبات في الإجراءات الجنائية.

 

Ab_negm@yahoo.com