روايات النساء عن الاقتتال الداخلي: هي النكبة الكبيرة

فيحاء عبدالهادي

جاءت تصريحات قيادات حركة حماس، بمناسبة تخريج أول دفعة من كلية الشرطة، في 14 حزيران 2012، مفاجئة وصادمة، لكل من يتطلَّع إلى إنهاء الانقسام الفلسطيني الفلسطيني، كخطوة ضرورية لتوحيد الشعب، باتجاه تحقيق أهدافه الوطنية.
وجاءت التصريحات فاجعة لكل من عمل بلا كلل أو ملل، ومنذ سنوات، على إنهاء هذا الملف المخزي، إيماناً بأن طريق الوحدة الوطنية، هي الطريق لنيل حرية الشعب بأسره.
وعوضاً عن التأكيد على حرمة الدم الفلسطيني، وإعلان هذا اليوم يوماً لتفعيل المصالحة الوطنية؛ اقترحت قيادة حماس تكريس يوم 14 حزيران، عيداً للشرطة الفلسطينية. وبدلاً من التأكيد على رصّ الصفوف، لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي؛ فتحت معركة ضد العلمانيين الفلسطينيين، ووضعتهم في خندق واحد مع الاحتلال الإسرائيلي.
كان يمكن لحركة فتح، أن تنأى عن الرد الانتقامي، عبر تقديم نموذج يحتذى، على طريق إنهاء الانقسام، وتحقيق آمال الشعب الفلسطيني، كأن تدعو إلى إعلان هذا اليوم، يوماً للاحتفال بتحقيق المصالحة الوطنية بشكل فعلي؛ لكن بعض قياداتها، سرعان ما ردَّت الصاع صاعين، دون الالتفات إلى أثر التراشق الإعلامي، على زعزعة ثقة الشعب بالاتفاق الذي وقعته قيادات فتح وحماس في 20 أيار 2012، بعد سلسلة من الاتفاقات الفاشلة، وعلى ثقتهم بقدرة هذه القيادات على تحديد الأولويات، ووضع الاستراتيجيات، التي تهدف إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وتحقيق الاستقلال الوطني.

أية ضربة للوحدة الوطنية! أية أيام سوداء!
* * * * *
لا عجب أن بعض النساء قد وصفن الاقتتال الداخلي الفلسطيني بأكبر نكبة، حين أدلين بشهاداتهن عن النكبة، إلى المركز العربي للمعلومات الشعبية، وحين رأين في اقتتال الإخوة نكبة تضاف إلى النكبات المتوالية التي عشنها، منذ النكبة الأولى العام 1948.
وصف بعض النساء الاقتتال الداخلي، بين "فتح"، و"حماس"، بالنكبة، والنكبة الكبيرة، ووصفها البعض بالمأساة، والبعض بالمصيبة.
"والله أكبر نكبة، هذي النكبة الكبيرة". "بنسميه أكبر نكبة انتكبناها من يوم ما هاجرنا". وتختلف واحدة من الراويات بشأن تسمية الاقتتال الداخلي بالنكبة: "لا هذا ضِد بَعضهم. ولا نكبة ولا مصيبة، هدول همّه بِدهم يصيروا رؤساء".
تصف "حمدة أبو نحلة"، - المهجَّرة من بيت نتيف/ الخليل إلى عمان - أحداث الاقتتال الداخلي في غزة، بالنكبة الكبيرة:
"اطلّعي على غزة (وهي تبكي) مش نكبة؟ والله نكبة يا خالتي (وهي تبكي بحرقة أكتر)، عجايب على ها الفلسطينية! عجايب! يكفيكِ شرها، والله أكبر نكبة (وتشدد) هاذي النكبة الكبيرة".
وتُطلق الراوية "سارة القيق"، - المهجَّرة من عراق سويدان، إلى غزة/ جباليا - صفة النكبة؛ على الحياة المُرَّة، التي يعانيها الفلسطينييون، بسبب الاقتتال الداخلي. مؤكِّدة أنها أكبر نكبة انتكبها الشعب الفلسطيني:
"هادي النكبة، وهادي الحياة اللي إحنا لحقناها أمرّ من العلقم (تنهدت). الحين، كان مشاكلنا مع عدو، الانتفاضة هادي مشاكلنا في بعضنا، اللي بِتْخَرَّف في كلمة؛ بيجوا يطخّوه، اللي يحكي له كلمتين ثلاثة؛ بيجوا يحبسوه. والله قبل بقينا اليهود نقنعهم: ما فش عندي، مش أنا؛ يروحوا، أما الحين تلقي في البيت ثلاثة: واحد فتحاوي وواحد حمساوي وواحد جبهاوي، ومتحيِّر انت في أي طريقة تمشي؟! هادا بنسميه أكبر نكبة انتكبناها من يوم ما هاجرنا".
وتصف "آمنة المصري"، - المهجَّرة من قريتها الطنطورة إلى سورية - ما يحدث من قتال بين الإخوة في لبنان، ثم في فلسطين بالنكبات المتتالية:
"كله نكبات علينا والله. إحنا لو مش هناك، مش بنعرف بغزة العمايل؟! واللي بنسمعه كله بيأثر علينا".
ونتفهم موقف النساء، حين يفسِّرن سبب حنقهن على الاقتتال الداخلي.
تعبِّر "ريا هنية"، - المهجِّرة من قرية أبو شوشة/ الرملة، إلى رام الله - عن حنقها على الاقتتال الداخلي، الذي يخدم العدو الإسرائيلي، ويضعف قدرة الشعب الفلسطيني على المجابهة، بقولها:
"أخبار غزة؟ بنبسط اليهود، يقتلوا عشرة، ولا في بعضهم يقتلوا واحد؛ لأنه اليهود عدوي، شو بدي أتأمل من عدوي؟! بس لمَّن من أخوي، وابن ديني، وابن تنظيمي، ويصيروا يقتلوا في بعض؟! هذا صعب! أنا رأيي غلط في شعبنا، غباء فيه، اللي بده كرسي فش يتنازل عنه، يذبحوا بعضهم علشان الكراسي؟! برضه مقاتلة حماس وفتح مع بعض من حظ إسرائيل. بقول لك: شعب حاطط في بعض، وخلينا نتفرج عليه".
وتعتبر "عايشة زغاريت"، - المهجَّرة من عراق المنشية/ غزة، إلى مخيم العرّوب/ الخليل - أن الاقتتال الداخلي، هو أكبر من النكبة الأولى، "وازود وازفت بالنسبة إلي"، وتصفه بأنه "قلة عقل وخراب ديار". وتوضح رأيها، حول استفادة العدو استفادة عظمى من الاقتتال بين الإخوة، مبيِّنة خيبة أملها في الفصائل الفلسطينية، وفي الحرب التي لا معنى لها بين الأشقاء: "حرب فاظية".
أما "فاطمة الخواجا"، - المهجَّرة من سلمة/يافا إلى مخيم عسكر - فلا تعتبر أن هناك نكبة؛ لأن هذا الاقتتال بين الإخوة، وليس مع الأعداء. وتعزو سبب الاقتتال إلى طمع على مناصب وسلطة سياسية:
"ولا نكبة ولا مصيبة، هدول بِدهم يصيروا رؤساء، لا هذول متنازلين ولا هذول متنازلين. يعني مثل الديوك واقفين لبعضهم، لليوم لَمّا يشوفوا واحد حماس باخذوه بحطّوه بالسجن إذا حاكي كلمة هيك والاّ هيك، وإذا بشوفوا واحد فتحاوي بِطخّوه على طول، عمرها ما صارت!".
* * * * *
تصف "سامية خوري"، من القدس، حزنها العميق على ما آل إليه الوضع الفلسطيني، وتؤكِّد إيمانها بمبدأ الدولة العلمانية، التي يعيش فيها الناس بالتساوي، وبحق الشعب باختيار ممثليه، وتعتبر أن الاقتتال الداخلي هو مصيبة، لا يجب السكوت عنها:
"محزن، محزن جداً. فيه آية عنا بالإنجيل: "نفسي حزينة حتى الموت"، هيك كان شعوري لما صار الاقتتال الداخلي. مش قادرة أستوعب إنه مش قادرين نتحاور مع بعضنا، وبنفس الوقت عم نتحاور مع اسرائيل!
طول عمرنا نحنا الشعب الفلسطيني بنقول: بدنا دولة علمانية، اللي كل الأفراد يعيشوا فيها بالتساوي. لا يجوز أن نهمِّش نتائج الانتخابات، هذا بخلق ردة فعل. بالعكس لازم نقّرِّب وجهات النظر، ونشوف المعادلة الأفضل للشعب الفلسطيني".