بسخرية مرة لاذعة يرسم الشاعر الفلسطيني بورتريه خاص لذات غير متكلفة لا تحمل "نياشين" ولا تذكرنا بفتوحاتها الخارقة. ذات انعكاس طبيعي لهذه البساطة الوهمية التي تجعلنا نصدق أنها أبلغ صورة لذواتنا المركبة..

افتضاح رجل عادي

هاني حجّــاج

في يوم عادي ومكان له لون الحياة وترتيب طبيعي،

 بلا أفراح أو مراثي،

 جئت العالم بوجود غير ثرائي أو طليعي.

 لو كنت جميلاً بما يكفي

 لما انشغلت بتعب الأقليات وأوجاع النساء وبقايا اليوم،

لو كنت موهوباً في التنكر لدفنت خشونة يدي في الغضب

وألنت تنهيدي الحزين في حنين التذكر،

 وما أظهر اللهب أصل الذهب

لو أني ولدت في فلسطين،

 كنت فتحت باب الأسباب

في عين العين وهراء الراء وانكفاء الفاء

وما كان مصيري فلس وطين

كنت سأبدو صاحب قضية

وسيرون مفتاحي الصدئ مدية فضية،

وكان النقاد سيجدون بلا جهد

في شعري ألف معنى يجمعنا،

سيفتشون فيها عن مبررات تسليمي أفخم وسام،

سيرون فيها شظايا العظايا ومتاحف السلاحف

ومناقشة للنكسة بأروع تحليل وأبدع تعليل

وسوف تكون حبيبتي هي (البلاد)،

وشبقي الانتفاضة،

ونزواتي ستغدو التفسير الأثير لكل بني آدم خطاء

وسيكون تقصيري إعجاز إيجاز بليغ،

وإطنابي الممل من آيات العطاء

سيصبح الملل طلل والجمود صمود،

وكسل الانتظار مقاومة للحصار

سوف تصير نكاتي القبيحة إدانة لرجال الأمن والطغيان

ولكنت الآن من أبطال المعتقل

سوف تبدو بلادتي منتهى العمق

حتى وأنا أبحث عن شيء آكله

أو أتثاءب من عناء الضجر

لو أني ولدت في نار الشرق الأوسط

لظفرت بالتفهم والعطف وبحق اللجوء إلى عاصمة نظيفة،

بروكسل ، بودابست، باريس،

وهناك كنت سأحصل على معطف للمطر،

ونلت حقي في الاحترام،

ولأصبح لون شعري الأسود المكرر أداة غواية

مع صمتي الجاهل باللغة وهدوئي الساتر لتحضُّري المريض.

كانت ستقع في غرامي لوليتا شقراء ترتدي بيريه

وتنورة أقصر من صبري وحذاء مخملي عالي الكعب والرقبة

وتقرأ كلاسيكيات ضخمة لا أفهمها

لكني أناقشها بوعي كامل وحماس،

حتى لو لم تعد هناك بين فتياتهم من تمارس هذا الكليشية

فسأجد واحدة حتماً،

لأني لا أعرف سواه ولم أبحث عن غيره

سأداري جوعي بالوقار الأريب،

لن أذكر شيئاً عن غيرتنا على الحريم في موطني الأصلي

حتى لا أفقد فُرصي معها،

حتى إذا مللت العناد أغويتها بإصراري على غوايتها،

سأفض بكارتها لأنهم قالوا في بلدي ألا عذارى هناك،

سأغسل فاحشتي بالتفلسف وبالكتابة الغامضة

في دوريات ثقيلة الظل تستقبل مساهمات من أشخاص عاديون مثلي

ويدفعون مكافآت معقولة عن النشر لحشر مسافات بين الإعلانات

ستكون مهنتي الكتابة ومهمتي القراءة المكثفة

والمعاناة في سرقة العبارات وتلفيق النصوص

سوف أهرب من نهاية عمر عادية

وسأفتعل ثورة على لا شيء

وابن سفاح من امرأة لم أمسها

وسوف أؤجّل لحظة وفاتي

حتى يستجد انقلاب طارئ يلفت النظر في نعيي.