يقربنا الناقد الفلسطيني المرموق من رائعة جاك كيرواك «على الطريق» والتي تحولت الى فيلم سينمائي، فالرواية التي تولدت في ظل ظروف قادت للحرب الباردة، وسياق سياسي داخلي تميز بالبارانويا الامريكية من «الخطر الاحمر» والمكارثية ضمن هذا السياق تشكل جيل «البيت»، وضمن هذا المنحى يمكن فهم ذاك الحوار الجمالي بين الروائي والفيلمي.

نساء وخمر وأفيون وحرية في قلب الولاء والخيانة والأنانية

إبراهيم درويش

في فيلم «على الطريق» لحظات تثير التعاطف والحزن خاصة مع النساء اللاتي يعطين الكثير ثم تتحطم آمالهن على الطريق، ماريلو، كاميل، وتيري، نساء ضحايا يشعرن انهن اعطين اكثر مما اخذن ثم هجرهن الرجال الانانيون، خاصة دين مورياتي، بطل الرواية الذي قام بدوره غاريت هيدلان.
مورياتي هو معادل لنيل كاسدي (1926-1968) الذي يعتبر من الملهمين لكاتب الرواية جاك كيرواك (1922 -1969)، احد رموز جيل «البيت» في امريكا فيما بعد الحرب العالمية الثانية. في الطريق او على الطريق تتحطم احلام وتموت امال وتولد اخرى، ويتعلم الابطال عن انفسهم اكثر مما يتعلمون عن الناس، وهذا خلاف لما فعله تشي غيفارا وصديقه البرتو غارنادو اللذان يتعلمان عن طبيعة وحياة قارتهما الامريكية اللاتينية واهلها، والتي تحولت الى الشاشة عام 2004 باخراج البرازيلي وولتر ساليس، وهو نفس المخرج الذي اختاره فرانسيس فورد كوبولا لاخراج رائعة كيرواك «على الطريق»، ذلك ان فورد كوبولا اشترى حقوق الفيلم عام1979 وظل بدون مخرج حتى عام 2008 عندما بدأ ساليس التحضير للفيلم حيث قام برحلة في امريكا تتبع فيها خطى في رحلاته عبر الولايات المتحدة بحثا عن الهام، ولم يعثر إلا على ملامح، فالأماكن تغيرت والوجوه تغيرت. لان رواية «على الطريق» كتبت في عصر ثورة الجاز، والمخدرات والفقر الذي كانت تعيشه امريكا، وتعبر عن جيل كان يبحث عن اجابات عن الاسئلة المتعلقة بمعنى الحياة، وما هي طبيعة الحياة التي نريد.  
رواية تأسيسية
غيرت
رواية «على الطريق» حياة جيل بأكمله ولا زالت من اهم الاعمال المؤثرة بالأدب الناطق بالانكليزية حيث اعتبرت من اهم مئة رواية انكليزية في القرن العشرين، وحتى عام 2007 وهو العام الذي علم نصف قرن على ولادتها ظلت الرواية مؤثرة وذات علاقة بحياة الاجيال الجديدة رغم انها كتبت في زمن اخر. واهم ما يميز الرواية هي انها كتبت من خلال اسلوب تلقائي.  فقد كتب كيرواك لاحقا متحدثا عن خياراته في الكتابة او عما اسماها «ضروريات النثر التلقائي»، كما ان قصة كتابتها تعطي صورة عن اهميتها وتدفق صورها وحركة ابطالها، فقد قال كيرواك انه كتبها في ثلاثة اسابيع وعلى لفافة ورق واحدة بلغ طولها 120 قدما، حيث تدفقت كنهر من الكلمات بدون فواصل، او فقرات او اجزاء مع انها جاءت بعد الطباعة في خمسة فصول، وكانت اصغر من حجمها الاول. في ضوء هذا التراث حاول ساليس نقل التدفق والحياة الحرة، المعربدة التي قادها ابطال الراوية خاصة دين مورياتي، فيما عمل على نقل عالم سال (سلفاتور) براديس معادل كيرواك نفسه والذي قام بدوره سام رايلي. ويبدو الفيلم في المحصلة الاخيرة وفي الحكم المتعجل مجموعة من اللقطات الجنونية، عن الجنس والسياقة المتهورة على الشارع، والاباحية التي يمارسها مورياتي في كل مكان، وتغييره النساء كما يغير ثيابه، وحفلات القصف والرقص في بارات الجاز. وعليه فقد لا يجد فيه المشاهد فكرة مركزية وشخصيات تتطور، خاصة ان كيرواك يرسم في الرواية صورة جيل متعجل لان يكبر وتنضج افكاره. وفي اطار يبدو الفيلم كمجموعة من اللقطات التي يدمن فيها دين مورياتي على ممارسة الجنس مع ماريلو ( كريستين ستيوارت) وتوزعه بينه وبين كاميل ( كريستين داست) ونساء اخريات يقابلهن في الطريق والبارات.  

بداية الرحلة
وأصل رحلة او قرار سال برادايس الرحلة وترك نيويورك هو البحث عن الحرية، وعن نساء،واستعادة الكتابة والقدرة عليها، حيث يقوم باستخدام الحافلات العامة والتوصيلات هيتش هاكينغ على الطرق العامة والمشي على الاقدام. وقد بدأ رحلته وليس في جيبه سوى خمسين دولارا، اضطر بعد نفاده للعمل في حرف مؤقتة، كجامع قطن في الحقول، وعتال، وحارس ليلي في معسكر للتجار البحارة. الرؤية بتفكك الفيلم هي ما رآها العديد من النقاد، لكن في النظرة الاعمق، تظهر ان ساليس عمل على نقل روح الرواية وهموم ابطالها من خلال الخصام والوئام، واعني بهذا ان اجمل اللحظات في الفيلم هي تلك التي يسائل فيها الابطال عن معنى الرحلة والتشرد في الطرقات والاخلاص للاصدقاء. وكما سيظهر الفيلم فسال، وماريلو ، وكاميل، الابطال المحوريين القريبين من مورياتي يكتشفون شيئا فشيئا عدم اخلاصه وانانيته. وتبدأ رحلة الاكتشاف عندما تقول ماريلو لسال ان مورياتي سيتركه كما تركها معه متعجلا لرؤية كاميل التي تصبح زوجته، وعندها تقرر ماريلو العودة الى دينفر والانضمام الى صديقها القديم الذي يعمل بحارا. وتكتشف كاميل خيانة وعدم مسؤولية دين مورياتي عندما يتركها وهي الحامل في طفلها الثاني ويذهب ويسهر مع سال في البارات ويستمعون للجاز ويرقصون على انغامه حتى الصباح حيث تطرده سال من البيت، ويصبح مشردا وهائما على وجهه وسال. في داخل ازمة دين مورياتي كما يصورها ساليس ويؤكد عليها سال مأساة الطفل الذي فقد والده ويحاول البحث عنه دون جدوى، دين الصغير يعرف انه لن يعثر على دين الكبير لكنه يرحل لاكتشاف اثار الاب. ومع تفهم سال لخلاعات وقصور صديقه الا ان اللحظة القاصمة تأتي عندما يذهبان الى المكسيك، حيث يجربان كل شيء ، النساء والخمر والماروانا، والناس والطريق، ولان الخيانة تجري في عروق دين، يقوم بترك صاحبه المريض بالاسهال الحاد ليسافر الى زوجاته ومغامراته. يعود بعدها مورياتي الى نيويورك تاركا الزوجة مرة اخرى ويتعرف على امرأة جديدة تحمل منه مرتين، والمشهد المؤثرعندما يأتي مورياتي الى سال الذي كان يحضر مع زوجته وصديقه ريمي للذهاب الى حفلة لديوك ايلنيغتون ويرفض ريمي اعطاءه توصيلة، حيث تتأثر زوجة سال والاخير نفسه، لكنه يقول لها ان دين سيتفهم الامر، مع ان سال يشعر بالتأثر والحزن، حيث يترك دين والدموع في عينيه، وحيدا في شارع وليل نيويورك. عندما يتذكر سال تلك الليلة يشعر انه لم يتحرر من حب او تأثير دين مورياتي، فقد ظل الاخير ملهما له والرجل الذي حاول ان يكونه، ومع ذلك يبدو سال كما تؤكد صورة ساليس بالرجل المتعقل، والحكيم المستمع الذي يكتب دائما افكاره ويومياته، وهي ما اسست للرواية المهمة هذه.  

قبل الاخراج
يحتوي الفيلم على اضاءات بصرية عالية حيث ينقل صورة امريكا المتعددة المناخات، صقيع، ومطر وشمس حارقة، وفيها ينقل شوارعها التي تتمدد كالثعابين في قلب الجبال والوديان، وينقل حب سال للطريق الذي تأكله عجلات سيارة مورياتي، حيث يتغنى سال بالطريق الاسفلتي المشقق بين الاسود والابيض. نشعر ان هناك علاقة شخصية بين المخرج والرواية وابطالها التي يقول انها عن اشخاص يحاولون الدخول او اختراق مجتمع يرونه عصيا على الاختراق. فهي عن اشخاص تتصادم حياتهم بالمجتمع. ولم يقم ساليس بتصوير الفيلم في الحال بل اجرى تحضيرات له، كما قلنا الرحلة وتتبع اثار سال برادايس ودين مورياتي في الطريق الذي ترسمه الرواية، وهو ما ادى الى فيلم وثائقي «البحث عن الطريق» كما وقابل كل من عرف جيل «البيت» او بحث فيه، ويقول انه قابل جون نجل نيل كاسادي الذي يشكل محور الرواية وحديثهم معه عن حياة والده الذي استمر ساعات طويلة. وقال انه قام بالرحلة هذه كي يفهم تعقيدات النثر المغروس في الجاز ويفهم المناخ السياسي والاجتماعي لهذه الفترة. وعمل ساليس مع كاتب النص خوسيه ريفيرا، وقضى اضافة لذلك ستة اشهر للقراءة عن كيرواك. والنص الاخير الذي قام عليه الفيلم الحالي جاء بعد عشرين مسودة ولم يعتمد كثيرا على النص المطبوع عام 1957 بل على النص الاصلي المعروضة لفافته الان في المكتبة البريطانية- وهو النص الذي كتب فيه كيرواك الاسماء الحقيقية للابطال قبل ان يحذفها في معركته لنشر الرواية التي استمرت سنين. والقارىء للرواية يشعر ان النص حذف او تجاوز الكثير من احداث الرحلة، خاصة في علاقته مع تيري «اليسا براغا» المكسيكية الهاربة من عنف زوجها في سابينال وكانت مسافرة الى سان فرانسيسكو، فقبل ان يلتقي بشقيقها ريكي، وعودتهما الى بلدتهما كانا قد امضيا رحلة طويلة من العلاقة الغرامية، ومن البحث عن عمل، حيث ينتهي واياها في سابينال ويودعها مواصلا رحلته على امل ان تراه في نيويورك وكان يعرف كما يقول كيرواك انها لن تصل ابدا الى المدينة. ولكن سالس لا ينسى بقية اعضاء جيل «البيت» الذين صورهم كيرواك في الرواية، حيث يظهر اولد بول ويليام بواروز (فيغو مورتنسين)، وكارلو ماركس الين غينسبرغ {توم ستيريج}. ومن المهم الملاحظة ان سالس حرص قبل التصوير ان يعيش الممثلون حياة ابطال الرواية حيث اقام معسكرا «للبيتنيك» لفهم حياة هذا الجيل، لقراءة الادب المتعلق به، وشارك فيه كاتب سيرة جيرالد نيكوسيا، وعرض لهم افلاما من الموجة الجديدة في فرنسا، خاصة جين لوك غودارد. وقد صور الفيلم في اكثر من موقع موزعا بين مونتريال وكيوبيك حيث يعود كيرواك في اصوله لها- الى دنفر كلورادو وكلاغاري البرتا، ونيو اوليانز وسان فرانسيسكو والمكسيك واريزونا وغيرها.

السياق
بعد كل هذا لا بد من الحديث قليلا عن اصول الرواية وفكرتها التي قلنا انها ولدت من رحلات كيرواك عبر امريكا مع صديقه دين مورياتي، فقد قرر السفر بحثا عن الهام حيث كان يعاني من ازمة نفسية ومن عقدة في الكتابة. والرواية الحقيقية اتمها كيرواك في رحلة ماراثونية في نيسان (ابريل) عام 1951 لكنها كما اشرنا سابقا خضعت لتعديلات واعادة كتابة وحذف لأسباب قانونية وأخرى لإرضاء الناشرين الذين رفضوا تبينها قبل ان تتولى دار فايكينغ نشرها. ولابد لمن يريد قراءة الرواية فهم السياق التاريخي لها، فقد جاءت بعد الحرب العالمية الثانية والاحتلال الامريكي لليابان. في الفيلم يظهر سال وهو يقرأ صحيفة تشير الى ان الحاكم العسكري الامريكي ماك ارثر في اليابان منع التقبيل في الشوارع. والاهم من ذلك فالرواية ولدت في رحم الظروف التي قادت للحرب الباردة، وولادة عقيدة ترومان، وسياسة الاحتواء، خاصة بعد الانقلابات اليسارية الطابع في اليونان وتركيا وايران. كل هذا ادى بأمريكا لمواجهة خطر الاتحاد السوفييتي بدعم الدول التي ترفض تدخله في شؤونها وتقوية التأثير الامريكي من خلال خطة مارشال لاعمار اوروبا فيما بعد الحرب العالمية الثانية. ويضاف الى هذا البارانويا الامريكية من «الخطر الاحمر» والمكارثية التي ادت لملاحقة الاف الفنانين والكتاب ووضعهم على القائمة السوداء. ضمن هذا السياق يمكن فهم جيل «البيت» وموضعته اجتماعيا وادبيا، فهو تعبير عن تناقضات السياسة وصراعاتها واثرها المجتمعي كما انها حركة تعبر عن هموم جيل كان يبحث عن معنى الولاء ومعنى كل شيء، بل تعبر كما في حالة كيرواك عن البحث عن معنى الدين، اذ ان الدين لا ينفصل عن رواية على الطريق، فهو يبحث عن الله ويجده مع صديقه، ولكن بعد تحطيم الرؤية الدينية التي تدعو دائما للالتزام بالقيم العامة والمتعارف عليها للدين. وما يدعونا لقول هذا ان كيرواك ولد في عائلة كاثوليكية ملتزمة.

جيل غاضب ومبتهج
وعليه فجيل البيت الذي يشابه في حياته ورفضه للمجتمع وقيمه يشبه الجيل الغاضب في بريطانيا، ولكنه جيل كما يرى كيرواك ليس «مهزوما» او مضروبا على رأسه كما تشي الكلمة، فهو ليس جيلا ضائعا كجيل العشرينات من القرن الماضي، انه جيل البهجة سعيد مبتهج. جيل كما يقول كيرواك طري، ندي، يعبر عن عري- نضارة - في التفكير والروح. او كما يقول «بالمختصر فهو جيل يشعر انه دفع نحو جدار نفسه». ولا بد من التأكيد ان على الطريق ليست الاولى التي تواجه الذات والصراع وتحاول فهم روح امريكا في هذه الفترة، فجي دي سالينغر حاول نفس الامر في « الصائد في حقل الشوفان» (1951) الذي يرفض بطله هولدين كولفيلد صرامة العالم، وقيم طبقته التي ينتمي اليها- المتوسطة. وهناك ايضا الرواية الشهيرة «بيتون بليس» لغريس ميتاليوس، وسلون ويلسون «الرجل بالبدلة الرمادية» وكلها ترصد التحولات في المجتمع الامريكي وتراجع الثقافة الامريكية ورفض الابطال للمألوف والمتعارف عليه. ورواية كيرواك لا تحيد عن هذا الخط بخلاف انها محاولة للبحث عن روح الابطال وروح امريكا بالممارسة والسفر والاكتشاف، ومقابلة انواع من الناس المختلفين واكتشاف النفس من خلال فقر الاخرين لا التعاطف معهم، حيث يقبل سال دائما بشروط الحياة التي يجبر عليها لانه يعرف انها مؤقتة وسينساها عندما يواصل رحلته، ومع ذلك لا تخلو الرواية من نظرات ثاقبة وتعليقات على الخطاب السياسي في ذلك الحين، من مثل السخرية من شعارات ترومان الداعية لتخفيض الانفاق. وملاحظته ان في داخل كل امريكي «لصا» عندما تعلم السرقة من صديقه ريمي، وعدم فهم الامريكي للعلاقات العاطفية، فالبنسبة له الجنس عملية الية تتم بدون مقدمات، وملاحظاته على حياة اللاتينيين والهنود الاصليين ومهرجاناتهم، ومعنى المؤجل في حياة المكسيكيين مانانا- اي «غدا» كل واشرب ولا تهتم باليوم التالي. وهناك ملاحظة مهمة وهي ان رواية كيرواك ونثره مغروس في نثر وتجربة ارينست هيمنغواي حيث يشير الى رواياته من مثل «الشمس تشرق ايضا» و «تلال افريقيا الخضراء». تعبر الرواية في فصولها الخمسة عن احتفال بالحياة والحرية التي تكتشف على الطريقة والتحرر من قيود الحياة والاقبال عليها والنهم منها بدون الالتفات الى نتائجها وهذه هي حالة مورياتي الذي يلقاه سال في نيويورك ثم يلتقي به مرة اخرى في دنفر، حيث كان سال قد بدأ رحلته الاولى لسان فرانسيسكو. في هذه الرحلة يلتقي سال دين وكارلو ماركس اصدقاءهما، ثم يذهب الى صديقه ريمي حيث يقضي معه وصديقته اني لي ويعمل كحارس. يترك صديقه ويمضي في رحلته حيث يلتقي مع تيري ويذهبان الى بيركسفيلد ومنها الى سابينال. على العموم يقدم كيرواك في الفصل الاول معظم ابطاله ويركز على شخصية سال- كيرواك نفسه ويصوره بشاب متعقل يحن للحرية المطلقة. في الفصل الثاني اي الرحلة الثانية عام 1948 حيث يلتقي سال مع دين الذي يأتي الى تيسمنت التي ذهب اليها سال للاحتفال بعيد الميلاد مع شقيقته حيث يحضر مورياتي ويخرب عليه الحفلة. يعودان بعدها الى نيويورك ويلتقيان بكارلو ماركس ويقضيان الوقت في الرقص والقصف. وفي هذا الجزء من الرواية يشير كيرواك الى مشكلة دين مورياتي وعدم قدرته على الالتزام وتحمل مسؤولياته تجاه المشاكل التي يضع نفسه فيها. في الجزء الثالث من الرواية يعود سال الى دنفر حيث كان يشعر بالملل والوحدة ويتركها الى سان فرانسيسكو لمقابلة دين الذي كان يعيش مع كاميل، والتي تطرده مع صديقه سال، وفي هذه المرحلة يبدأ يكتشف سال طبيعة صديقه الانانية، فهو من جهة يشعر بالولاء لصديقه ويحرص عليه لكنه لا يرى الشعور نفسه عند دين. في عام 1950 يعود سال للطريق مرة اخرى حيث كان دين يعمل في هذه الفترة في مرآب سيارات ويعيش مع صديقته انز.

اسهال وفراق
يسافر سال في هذه المرة الى واشنطن، اشلاند وسينسيناتي وسانت لويس وينتهي الى دنفر، ومنها يقرر الذهاب جنوبا للمكسيك حيث ينضم اليه في الرحلة دين الذي اشترى سيارة. في هذه الرحلة يكتشف سال الطبيعة الانانية والقاسية لدين الذي يتركه يرتجف ويتعرق من الاسهال ويرجع الى امريكا. ويكتب سال قائلا «عندما تحسنت اكتشف اي جرذ كان، ولكنني فهمت الطبيعة المستحيلة لحياته، كيف تركني هناك، مريض كي يواصل حياته مع اهوائه وزوجاته». في هذه اللحظة يشعر انه لا مجال للمضي معا في الطريق مع صديق كهذا. مع كل هذا يظل دين حاضرا في حياة سال ولا يتركه، حيث يبدأ الكتابة عندما يشاهد نصف صورة كانا قد اخذاها معا مع نسخة من راوية لبراوست، حيث يعرف سال ان دين في المدينة. في تلك اللحظة يعرف سال ان الرحلة وصلت لنهايتها وعندما يقوم بلصق الصورة يبدأ بالكتابة وينهي روايته «افكر بدين مورياتي، افكر حتى بدين مورياتي الكبير، الاب الذي لم نعثر عليه ابدا... افكر بدين مورياتي» مما يعني ان سال الذي يرى بدين رمزا للتحرر والحياة اللاهية التي لا تلقي بالا لشيء لم يتحرر من الطريق. في النهاية تحقق حلم كيرواك في تحول روايته الى فيلم. ففي عام 1957 كتب كيرواك رسالة من صفحة واحدة الى الممثل المعروف مارلون براندو مقترحا فيها ان يقوم بلعب دور مورياتي فيما يلعب كيرواك دور سال.

وفي الرسالة اقترح تصوير الفيلم عبر وضع كاميرا واحدة في مقدمة سيارة تسير ليلا نهارا تقطع الطريق بدون توقف وفيها دين وصديقه سال يتحدثان. ولم يتلق كيرواك من براندوا ابدا، وبعد ذلك عرضت شركة وورنر بروذرز شراء حقوق الكتاب بثمن 110 الاف دولار. ولكن فورد كوبولا اشترى حقوق الكتاب عام 1979 ومنذ ذلك الوقت وهو يحاول كتابة نص بالتعاون مع عدد من كبار كتاب السيناريو، وفي عام 1995 حاول تصوير الفيلم واقنع الين غينسبرغ ولم ينجح المشروع. وأخيرا وبعد 55 عاما يتحقق الحلم.

 

ناقد فلسطيني من أسرة "القدس العربي"