يخصنا الشاعر العراقي المرموق المغترب في استراليا بنص شعري جديد يحاول من خلاله تقعيد محاورته الدائمة بين الشعر والحرف كي نتلمس سر الحياة، وهذه المرة من خلال استدعاء محكية يتزاوج فيه الميثولوجي بأيقونة بالغة الدلالة حيث نتلمس من خلالها هذا الكيان المتشظي اليوم بالمفارقات.

الغراب والحمامة

أديب كمال الدين

1.

حين طارَ الغرابُ ولم يرجعْ

صرخَ الناسُ وسط سفينة نوح مرعوبين.

وحدي – وقد كنتُ طفلاً صغيراً-

رأيتُ جناحَ الغراب،

أعني رأيتُ سوادَ الجناح،

فرميتُ الغرابَ بحجر.

هل أصبتُه؟

لا أدري.

هل أصبتُ منه مَقْتَلاً؟

لا أدري.

لماذا  كنتُ وحدي الذي رأى

سوادَ الغراب

ولم يره الناس؟

لا أدري.

 

2.

حين عادت الحمامةُ بغصنِ الزيتون

صرخَ الناسُ وسط السفينةِ فرحين.

لكنَّ الغراب سرعان ما عاد

ليصيحَ بي بصوتٍ أجشّ:

أيّهذا الشقيّ لِمَ رميتني بالحجر؟

اقترب الغرابُ مني

وضربني على عيني

فظهرت الحروفُ على جبيني

عنيفةً، مليئةً بالغموضِ والأسرار.

ثُمَّ نقرَ جمجمتي

فانبثقَ الدمُ عنيفاً كشلال.

 

3.

نزلَ الناسُ من السفينةِ فرحين مسرورين،

يتقدّمهم نوح الوقور

وهو يتأمّلُ في هولِ ما قد جرى.

حاولتُ أنْ أوقفَ

شلالَ الدمِ الذي غطّى رأسي ووجهي.

فاقتربت الحمامةُ منّي

ووضعتْ على رأسي حفنةَ رماد:

حفنةً صغيرة،

مليئةً بالغموضِ والأسرار.

 

4.

هكذا أنا على هذه الحال

منذ ألف ألف عام:

الغرابُ ينقرُ جمجمتي

فينبثقُ الدمُ عنيفاً كشلال.

والحمامةُ تضعُ فوق جمجمتي،

دون جدوى،

حفنةَ رماد!

 

شاعر من العراق

أستراليا 2012

www.adeebk.com