في انعتاق هذا الوميض من الانتماء، يشرح الشاعر المغربي روابط شعرية المكان من ديدن وجع وانجراحات وطن ينغرس عميقا في وجدان الشاعر. وكما يليق بذات مسكونة بوجع الآخرين يستدعي النص وجع من رحلوا بعيدا في زحمة النسيان.

مَقامُ الرِّضَى

فتح الله بوعزة

سأنامُ الآنَ كأيِّ فَتى

 أهْملَ ريشَهُ ممدوداً

 إلى آخِرِ شرفةٍ في  الأَقاصِي

أنامُ ـ وَ مِلءَ يَدَيَّ ـ  شوارِدُ

منْ ذهبوا مثنى و فرادى

بِغَيْرِ ضَبابٍ يَحُفُّ جدائلَهُم!

سأنامُ إِلى جانبِ النَّخْلةِ

أوْ قُرْبَ الْبئرِ  الْوحيدةِ في كَفِّ أُمِّي

أنامُ إلى جانبِ الْغَيْماتِ

الَّتي اخْتَبَأَتْ  في لُهاثِ الطَّيْرِ

أنامُ طوالَ النَّشيدِ

لأنِّيَ أَنْهيتُ ـ تقريبا ـ كلَّ أوهامي:

كنسْتُ الأَرْضَ

و غَلَّقْتُ الأَبْوَابَ

و أَخْلَيْتُ كلَّ الممَرّاتِ

 منْ لَغطِ الشُّعَراءِ

و ما أوجَعَ الشُّعَراءَ

و آويْتُ إليَّ حبيبي

شَمَمْتُ رياحينَهُ

و بقايا الثُّغاءِ على أطْرافي

غَمَسْتُ أظافرَهُ في لحْمي

إلى آخِرِ ما في لحْمي منْ زَبِيبٍ

فَامْتَلأتْ رِئَتَايَ بِشَهْقَتِهِ

و انْتَفَضْتُ طَويلاً

كأيِّ سنونو خُيِّرَ بينَ الموْجِ

و بَاقي الأَعالي

فنامَ عَلى كَتِفِي!

آويْتُ إليَّ حَبيبي و أَسْماءَهُ

خَبَّأْتُ شواردَهُ حَيثُ

يَشْتَبكُ الماءُ بالماءِ

و الْياسَمينُ بِكَيْدِ الْغبارِ

أشرتُ إليهِ أَنِ اتْبَعْنِي

فارْتابَ ـ على غَيرِ عادتِه ـ مِنْ شَر ابِي

نَشَّ الظِّلالَ على خَطْوِي

 و أشارَ إليَّ أنِ الْحقْ بي

حيْثُ يتَّصِلُ الضَّوءُ بالضَّوْءِ

و الأَعْتابُ بِنَاصِيةِ المسْتَحِيلِ

هناكَ تنامُ

وَ أَحْرسُ

 فَيْضَكَ

منْ وَجعِي

قُلتُ: لَبَّيْكَ يَا وَطنِي

أنامُ كما تَشْتهي أنْ أموتَ

مَلاَكاً بِنِصْفِ جَناحٍ

أطلقَ شهقتَهُ في الأَقَاصِي

وَ بَيْنَ يديْهِ سنابلُ مَنْ ذهبوا

مَثْنى و فُرادى

بِغَيْرِ رذاذٍ  يَبُلُّ مَسارِبَهُمْ!

                         

 

شاعر من المغرب