تستخدم الباحثة السورية في هذه الدراسة التحليلية لعتبات أربع روايات نسائية سعودية منهج الباحث الفرنسي الشهير جيرار جينيت في الكشف عن العلاقات الثرية بين عتبات النص وما يستمه من استهلالات وعناوين لتعزيز شبكة المعنى فيه، وخلق بنية هذا المعنى التي تناظر في تشابكاتها وتعقدها بنية النص ذاته.

العتبات النصية في الرواية النسائية السعودية

تخصيب الرؤية

بهيجة مصري إدلبي

ملامسة:
إذا كان مفهوم النص في عرف السرديات والنظريات النقدية الحديثة مفهوم غير قار، ومازال قائما في منطقة لا تستجيب إلى معنى ثابت، أو مفهوم يقرُّ فيه هذا المصطلح الإشكالي، فلاشك إن التأويلات التي تتجه لسبر غوره هي الأخرى ستتخذ أشكالا متفاوتة وتنحو باتجاهات مختلفة لمقاربته والحفر في معطياته ونصيته، ولعل هذه التأويلات التي تستجيب لإغراءات النص إنما تفتح أبوابا شاسعة لمزيد من الإغراءات في البحث والغور إلى الأعماق المخفية لهذا المفهوم السردي. فعندما اكتنه الدرس النقدي الحديث مطاوي العتبات النصية، وما تحمله أو تضمره من فتوحات ومفاتح، تساعد النص على الحضور، وتساعد الناقد على الكشف، كان في مضمراته ـ أي الدرس النقدي ـ أن يكتنه البنيات التي يجعلها النص مرامي له، كي تستجلي أسراره. وهنا جاء الدرس بالبحث في العتبات النصية، لينتقل بالمصطلح النقدي، والممارسة النقدية، نقلة تفكيكية، تستبطن النص وتكشف ما ينطوي عليه من أسرار ثاوية في مضمراته.

ولم تكن الشعريات لدى جيرار جينيت ـ فيما يخص العتبات النصية ـ مجرد إجراءات شكلية، تبحث في التشكيل الجمالي الشكلي، وإنما هي إشارات، تنهض من العمق الجمالي لهذا التشكيل، الذي ينحو باتجاه تخصيب وتخطيب تلك العتبات، وبالتالي التعاطي معها كخطاب نصي له تأويلاته المنفصلة، والمتصلة بالنص/ المتن، لتشكل القراءة حالة تخصيب لتلك الإشارات المحيطة، للكشف عن العلائق بينها وبين المتن النصي، الذي كان من قبل الشاغل الوحيد للحراك النقدي، والمدارس النقدية، والبحوث التي تتجه إلى التحليل النصي للخطاب الروائي، والخطاب الإبداعي بشكل عام.

فقد «قام جينيت بتوسيع دائرة الشعريات، وتنويعه لمداخلها بتخصيصه كتابه (عتبات) لأحد المواضيع المعقدة للشعريات المعاصرة وهو المناص، كمصطلح ما يزال يشهد حركية تداولية وتواصلية في المؤسسة النقدية العالمية للعلاقة التي ينسجها بما يحيط بالنص وما يدور بفلكه من نصوص مصاحبة وموازية وبفاعلية جمهوره المتلقي له»(1) ولعله بهذا التوجه أراد أن يوسع «من منطقة هذا الحفر والتأويل إلى مناطق حافة ومتاخمة للنص، لأنه رأى بأن النص/ الكتاب قلما يظهر عاريا من مصاحبات لفظية أو أيقونية تعمل على إنتاج معناه ودلالته كاسم الكاتب والعناوين والإهداء... وبمساءلته لهذه المنطقة المحيطة بالنص والدائرة بفلكه استطاع أن يضع مصطلح المناص أي ذلك النص الموازي لنصه الأصلي.»(2) ولا نريد الدخول في معترك النظريات والأسس النظرية لهذه المصاحبات أو الموازيات النصية، لأنها أصبحت في معطيات الدرس النقدي النظري من المسلمات التي لايمكن الاستغناء عنها في محاولة التحليل النصي وفي محاورة النص الإبداعي ضمن معطياته النصية.

 وإن ما يهمنا في هذا المقام هو البحث في بعض المناصات التأليفية التي تخص المؤلف وتتصل اتصالا وثيقا برؤاه، وبالتالي برؤى النص الإبداعي الذي أنتجه، وسيتركز بحثنا في المناصات حول المناص الأكبر وهو العنوان الموازي للمتن بحمولته التخيلية، وكثافته الدلالية، ومن ثم نتوقف عند المناص الإهدائي الذي يشير من قريب أو بعيد إلى بؤرة إشارية إضافية كعتبة للدخول في إغوائية النص وإشاراته سواء وجد بشكل مصرح به/ مباشر أو لم يوجد حيث غيابه عن النص أي الإهداء يشكل فراغا دلاليا تأويليا تستجيب له القراءة النقدية، فالروايات التي يغيب عنها الإهداء تضمر خلف هذا الغياب فراغا دلاليا أشبه بالإهداء الذي لا يشير إلى جهة وإنما إلى فكرة تؤكد رؤى المؤلف.

بعدها نتوقف عند المناصات الداخلية المتصلة بتقنيات التوزيع السردي للمتن، وماتحمل من دلالات وإحالات وإشارات متصلة بالبنية الفنية للمتن فبعضها يكون على شكل عناوين تضغط النص في كبسولات سردية متوزعة على مساحة المتن لتشكل برؤاها المختلفة المتن النصي، كما في رواية (عيون قذرة)(3) لقماشة العليان و(طوق الحمام)(4) لرجاء عالم، حيث تحمل هذه العناوين حمولاتها التي تستمد أحيانا من حمولة العنوان وأحيانا تستمد من المضمون النصي في الفصل الذي تخصصه، وبعض الروايات تقتصر بالتقسيم الرقمي حيث تشير إلى فصول متتالية للبنى السردية، يكف عنها البياض النصي في آخر كل فصل وفي بداية فصل آخر، كما في رواية (عيون الثعالب)(5) لليلى الأحيدب وبعضها يستخدم التقنيتين (العناوين والأرقام) والتقسيمات المختلفة كما في رواية (جاهلية)(6) لليلى الجهني. وهذه الروايات الأربع هي التي سيتركز عليها بحثنا في الرواية النسائية السعودية، من خلال محاور مختلفة متصلة بالبناء الفني، وهذا هو المحور الأول الذي نتوقف فيه عند العتبات النصية لتكون هذه العتبات بمثابة العتبات إلى البحث النقدي، للكشف عن مسارات النص الروائي، وأسراره والكشف عن خفاياه وبناه الفنية.

العنوان:
إن دراستنا للعنوان تتأسس على الكيفية التي ينفتح فيها العنوان على المتن النصي، وعلى الرؤى التي يكثفها المتن في بؤرة العنونة، وبالتالي يأخذ العنوان لدينا حالة نصية لها امتداداتها ولها تأويلاتها التي نقارب من خلالها المتن كما للمتن تأو يلاته وامتداداته التي نقارب من خلالها العنوان. بداية لابد من القول: إن التوجه إلى تحليل العنوان لم يكن قصد الحديث عن تركيبته وعن دلالاته فحسب وإنما للكشف عن الصلات الوثيقة بينه وبين النص لأن «العنوان من بين أهم عناصر المناص (النص الموازي)، لذلك فإن تعريفه يطرح بعض الأسئلة ويلح علينا في التحليل»(7) ولعل من أهم هذه الأسئلة «هو سؤال الكيفية أي كيف يمكننا قراءته كنص قابل للتحليل والتأويل يناص نصه الأصلي»(8) وإذا اتفقنا على ما يتوافق عليه الدارسون من أنه «أخطر البؤر النصية التي تحيط بالنص، إذ يمثل في الحقيقة العتبة التي تشهد عادة مفاوضات القبول والرفض بين القارئ والنص (...) هو الذي يتيح أولا الولوج إلى عالم النص والتموقع في ردهاته ودهاليزه لاستكناه أسرار العملية الإبداعية وألغازها»(9) فإن هذه الرؤية تؤكد نهوضه «كعَقد شعري بين الكاتب والكتابة من جهة، وعَقد قرائي بينه وبين جمهوره و قرائه من جهة، وعَقد تجاري/ إشهاري، بينه وبين الناشر من جهة أخرى»(10) بالتالي فإن النظر للنص الموازي بوصفه «مكونا نصيا يمنحه على صعيد التلقي أهمية استثنائية تسمح بانبجاس حدث التفاعل في فضاءاته، إذ بعناصره المتنوعة والمختلفة الوظيفة، يمثل تلك العتبات، التي تحيط بالنص عبرها تقتحم أغوار النص، وفضاءه الرمزي والدلالي»(11) ومن هنا فقد اشتغلت البحوث والنظريات النقدية على مقاربات تعريفية لهذا العنوان لكن هذا المناص الخطر بعلاقته مع النص أو بتموقعه بين النص والعالم وبين النص والوجود حيث «انعدام العنوان أو إخفاءه عن الرؤية انعدام لوجود النص وإخفاء له، والإخفاء احتباس للكينونة من أن تمارس نشاطها واتصالها مع العالم»(12) لم يكن قابلا للتعريف بالشكل الذي قر في تأويل مصطلحي كغيره من المصطلحات، وإنما مازال في أيقونة التشاكل شأنه شأن الخطاب النصي أو مفهوم النص كخطاب، فقد وجد النقاد صعوبة في تعريفه. وفي أولى هذه المحاولات محاولة الناقد الفرنسي جيرار جينت الذي استصعب تعريف العنوان نظرا للإشكاليات التي تنتاب هذه البنية اللغوية يقول «إن تعريف العنوان ربما أكثر من أي عنصر آخر من عناصر النص الموازي يطرح بعض الإشكاليات وبالتالي يقتضي طاقة تحليلية كبيرة، حيث إن الجهاز العنواني مثلما ندركه منذ عصر النهضة هو غالبا مجموعة من العناصر شبه المركبة غير الحقيقية ومرتبطة بتعقيد لا يتعلق بالضبط بطولها»(13) إلا أن الدكتور خالد حسين حسين في كتابه (نظرية العنوان) حاول أن يخوض مغامرة التعريف لهذا المناص محاولا أن يستقرئ كل ما سبقه من تعريفات ومحاولات للوصول إلى القول الفصل في تعريف العنوان، فكانت محاولته مقاربة ضمن المقاربات التي احتمت بإشكالية هذا المناص لتعريفه يقول «العنوان علامة لغوية، تتموقع في واجهة النص، لتؤدي مجموعة وظائف تخص أنطولوجية النص، ومحتواه، وتداوليته في إطار سوسيوـ ثقافي خاصا بالمكتوب، وبناء على ذلك فالعنوان من حيث هو تسمية للنص وتعريف به وكشف له، يغدو علامة سيميائية، تمارس التدليل، وتتموقع على الحد الفاصل بين النص والعالم، ليصبح نقطة التقاطع الاستراتيجية التي يعبر منها النص إلى العالم، والعالم إلى النص، لتنتفي الحدود الفاصلة بينهما ويجتاح كل منهما الآخر»(14). وبالتالي فالعنوان هو علامة سيمائية تعريفية بالنص له حمولته الدلالية التي تنفتح على النص وينفتح النص عليها.

العنوان في الرواية النسائية السعودية:
باستعراضنا للعناوين في الرواية النسائية السعودية وجدنا أن العناوين في معظمها لا تحمل طاقة تخييلية ولا انزياحا دلاليا يحيلها إلى تأويلات تفتح النص السردي وتحيله إلى رؤى عميقة الدلالة، أي لم يشكل العنوان في معظم الروايات، نصا محفزا للتأويل والانفتاح على المتن، وإنما كان تشكيلا يكشف المضمون النصي وينطوي عليه وفي أحسن الحالات يمكن قراءته كحالة تكثيفية للمتن النصي، من خلال إشارته المباشرة والمكتفية بدلالتها الضيقة التي لا تخرج عن المضمون النصي، أي يكون العنوان إشارة إلى مضمون النص أو إشارة إلى قضية معينة، كقضية المرأة وعلاقتها بالرجل، أو معاناتها في مجتمع مغلق على ذاته، وقد يكون إشارة إلى شخصية أو شخصيات، أو ظاهرة أو صفة، دون أن يكون له خصوصية الانزياح، والتأويل المستقل عن المتن، والمرتبط به ارتباطا يعمقه المعنى ويكشفه التأمل العميق، خلا بعض العناوين، وهي قليلة حيث شكلت عناوين رجاء عالم كثرة في هذا القليل، لتشكل حالة مختلفة كما نصوصها وسوف نقف في نهاية هذا البحث عند خصوصية العنوان في روايتها الأخيرة (طوق الحمام)، أما ما سيتعرض له البحث إضافة إلى رواية (طوق الحمام)، فينجلي في ثلاث روايات هي رواية (عيون الثعالب) ورواية (عيون قذرة) ورواية (جاهلية). وذلك لما وجدنا من خصوصية لهذه العناوين في تشكيل العنوان في الرواية النسائية السعودية. على تفاوت بين هذه العناوين المدروسة.

وبداية سنتوقف عند روايتي (عيون الثعالب) و(عيون قذرة) للبحث في طبيعة تشكيل العنوان، وكيفية تحرك المعنى بتحرك الكلمة في سياقها الدلالي، المرتبط بالمتن النصي، فالروايتان تشتركان بكلمة واحدة وهي كلمة (عيون) ولكن تفترقان بالجزء الثاني من العنوان، الذي جاء في الأولى مضافا إليه وفي الثانية جاء صفة تخص جانبا من جوانب العيون، ولأن العيون واحدة فالافتراق سيأتي بالنظرة التي تحملها العيون وهذا الأمر هو الذي يجعل كلمة العيون في الرواية الأولى تختلف عنها في الرواية الثانية، ففي الأولى جاء المضاف إليه ليخصص لفظ العيون ويضيق المعنى عليها فتختص فقط بالعيون الرمادية التي تشبه عيون الثعالب، ونراها تتجه بالوصف والتخصيص إلى العيون ذاتها، أما في الرواية الثانية فنجد التوجه هو إلى نظرات العيون وليس إلى العيون ذاتها، فنظرات العيون هي التي تتوخى الكاتبة الكشف عنها من أجل الكشف عن طبيعة الشخصيات وطبيعة العلاقات التي تسم الرواية في جميع فصولها.

وللوهلة الأولى يظن القارئ أن هذين العنوانين بسيطان في التركيب، واضحان في المدلول، قريبان في التأويل، ولكن الأمر يصبح أعمق من ذلك عندما يتوجه البحث إلى طبيعة تحرك العنوان داخل النص كما يكشف عن الكثافة التي تتأكد من خلال التحليل النصي المتجسدة في العنوان، ففي كلتا الروايتين إحالة إلى حالة مختلفة لدى الشخصيات وكأنها إحالة تتركز في الكشف عن سلوك الشخصيات كلها، أو بعضها وبالتالي يتحدد الخطاب الروائي بعلاقاته ومراميه ومضامينه، لأن هذا الكشف الأولي يعد استباقا في التحليل النصي لأنه ينبئنا عن حالة سيكشف عنها في المتن النصي وبالتالي يحفز المتلقي على قراءة مختلفة للنص، ولعل التصريح بالأمر في المتن يكون قليلا، بقدر ما هوم متجسد في الفعل الدرامي الذي تقوم به الشخصيات ذاتها، مما يشي بالفعل لاالثعالبي المتسم بالخداع الذي يسم عيون الثعالب، ولعل الإشارات المبا شرة إلى عيون الثعالب جاءت بمقاطع صغيرة في النص، ولكنها تشكل مفاصل حقيقية للدلالة على الفعل الثعالبي الذي يسم الشخصيات، وافعالها وتحركاتها، وأفكارها، وسلوكياتها، حيث تحيلنا بعض المقولات في الرواية إلى سمة الثعالبية التي تشكل الشخصيات كلها، فالراوية/ البطلة تعيش حالة الخداع بين شخصيتين هما شخصية يوسف وشخصية علي، وكذلك الأمر لدى يوسف الذي يحاول أن يخدع البطلة، دون أن يختلف الأمر لدى علي المراوغ دائما في سلوكياته وتصرفاته

«ربما لأن يوسف كان في قلبي لم أهتم بثعالبية علي» ص 174

«لا أدري كيف له أن يعجن روحي بمائه المراوغ» ص 276

«كنت أحتفل بدهائي الذي طالما هزم علي وهو يتوهم النصر» 299

«قلت لك إنهم متشابهون كلهم خونة ـ أكره عيون الثعالب» ص 33

«لكنني لا أ زال مراهقة ومجنونة وأكره الثعالب» ص 34

قلت منبهرة:
«ـ لون عينيك رمادي
أجابني وهو يلهث:
ـ كلون عيون الثعالب» ص 125

وهذا الأمر كما أشرنا ضيق معنى العيون لتتصل فقط بالمضمون الروائي الذي أرادته الأدبية، ليتحرك النص ضمن هذه المقولة، بل ليجسدها بشكل واضح يدركه القارئ دون أية مواربة. فلم يترك العنوان على مطلقيته أو يتحدد يمفهوم أكثر اتساعا متصلا بالعيون. وهذا الضيق في المدلول هو الذي ضيق الفعل الدرامي لدى الشخصيات وحدده حيث جميع الشخصيات تلعب لعبة الخداع والمراوغة سواء على مستوى العلاقة الثانية بين يوسف و مريم، أو على مستوى الخداع الأكبر في التركيبة الثقافية في المجتمع وكأن المجتمع بكليته يعيش حالة من الخداع المترسخة فيه.، إلى جانب ما يحمل من عادات مراوغة ومخادعة تجعل المرء ينقسم على ذاته، وقد أشار بعض الباحثين إلى اللون الرمادي ودلالاته في النص مما يعمق الاتصال بين العنوان والمتن. حيث أن اللون الرمادي ، يعني الضبابية، وعدم الوضوح والحياد السلبي. وهو لون لا رائحة له، عديم النكهة ولا يقين فيه. وهذا الأمر ينطبق على معظم شخصيات الرواية كما يرى أحد الباحثين «وهذا ما يستشفه القارئ من خلال متابعته لتطور الشخصيات وعلاقاتها مع بعضها البعض ليرى أننا أمام إدانة لذاكرة جماعية، لمرحلة ولمشهد»(15). لتصبح الرواية بالتالي أشراك للرجل من قبل المرأ ة واشراك للمرأة من قبل الرجل، واشراك للأثنين من قبل العادات والتقاليد والنسق الثقافي للمجتمع، الذي يتحرك على خلفية انقساماته ومراوغته بين الحداثة الزائفة والعادات البائدة.

أما في (عيون قذرة) فنجد الصفة تتجه إلى النظرة وهذه النظرة هي التي تحرك الفعل الروائي، وتحرك الشخصيات ومواقفها، فتحدد الأفق الدلالي، لأن القذارة التي تسم العيون إنما هي قذارة تسم السلوك وتسم الشخصيات، وبالتالي تسم مجتمعا كاملا، والكاتبة بهذا التصريح الاستباقي المراوغ، تحدد موقفها من بعض الشخصيات وتكشف عن سلبية تلك الشخصيات، وهنا أيضا تتحدد القراءة ويضيق الفعل التأويلي للنص، بل يتحرك النص على تلك الخلفية التي حددتها الكاتبة للعيون القذرة. ولاشك إن الوقوف عند لفظة القذارة تحيلينا إلى موقف آخر وهو الموقف المناهض للقذارة، وهذا الأمر وجدناه في الرواية من خلال الصراع بين القذارة وما يناهضها، الذي يحيلنا إلى الصراع بين الإيجابي والسلبي، وبين القيم وضياعها، بين الذات والعالم، مما يحيلنا إلى تحليل العمق النفسي للشخصية الروائية التي تشكل بؤرة الصراع بين الموقفين، بين العيون القذرة أو النظرات القذرة التي تتمثل بنظرة الأم ونظرة زوجة الأب ونظرة العمة، ونظرة روبير، على تفاوت في سلبية الفعل، مقابل نظرة سارة وفيصل وسعود ابن عم سارة ونظرة ليلى ابنة عمتها، ايضا على تفاوت في السلوك الإيجابي.

هذا الصراع هو الذي يحدد الأفق الدلالي للرواية حيث نجد أن الفعل الإيجابي الذي أرادته الكاتبة يأتي دائما إما تائها مشردا ضائعا، كما هو حال سارة وفيصل لحظة افتراق والديهما وضياعهما منذ الصغر ومن ثم سفر فيصل إلى لندن للدراسة وتشرده هناك وضياعه الذي انعكس على سارة بين الموقف الغربي والقيم التي يحملها، وبين القيم التي يحملها المجتمع الشرقي رغم كل تعقيداته، أو نجد النموذج الإيجابي مريضا، حيث يتجسد في مرض فيصل بالسكري فيما بعد، ومرض سارة النفسي الذي تعاني منه ويربك حياتها، حتى ليلى التي كانت نموذجا إيجابيا تساهم في تحفيز العنصر الإيجابي نراها تموت فيما بعد بعدما منحت طفل الخطيئة حياته ذلك الطفل الذي كان نتيجة العلاقة بين سارة وروبير صديق أخيها في المجتمع الغربي في لندن، في لحظة غياب لم تدركها إلا بعد ما تم كل شيء، ليمثل هذا الطفل الأمل التائه الذي لا يعرف ابا ولا أما. فبقي الأمل هجينا بين أن يعيش في الغرب متشربا بثقافته وعاداته وتقاليده بانتمائه إلى أبيه، وبين انتمائه لأم أنكرت وجوده كدلالة على خطيئتها، كي لا يذكرها بوزر ما ارتكبه ذلك الصديق، ولا يذكرها بلحظة ضعفها في الحياة، مما يجعلها تعيش في حيرة لا تنتهي حتى بعدما استقرت في حياتها مع سعود ابن عمتها، لأنها في النهاية تغيب، لتضيع الأمومة في خضم هذا الصراع النفسي بين الذات والعالم وبين الذات والذات.

ويمكننا القول إن الروايتين (عيون الثعالب) و(عيون قذرة) تكشفان عن حالات من الصراع الذاتي بين القيم المزيفة التي كانت نتيجة لزيف مفاهيم التطور والتقدم والانفتاح، وبين القيم الإنسانية التي انهارت أمام عتمة الضياع، فكانت عيون الثعالب تأكيدا للأمومة في تشبثها بجنينها وولدها، مقابل العالم لتؤكد الاحتماء بالذات من زيف العالم، بينما نجد في (عيون قذرة) ضياع لتلك الأمومة على كافة المستويات منذ ضياع سارة وفيصل حتى ضياع الطفل الذي أنجبته سارة وتمنت له الموت، ولكنه بقي ليظل شاهدا على أمومة ميتة، ومجتمع هجين منقسم على ذاته.

أما رواية (جاهلية) فنجد أن العنوان يحيلنا منذ البداية إلى مرحلة تاريخية لها دلالاتها وحمولتها الثقافية والمعرفية التي تشير إلى تركيبة سلوكية معينة وتركيبة أخلاقية ميزتها من غيرها من مراحل التاريخ العربي. والكاتبة بهذه الإحالة إنما تزيح الرؤى التحليلية لدى القارئ كما تزيح المدلول الذي يتجسد في الخطاب الروائي لديها حيث تفتح بهذه الإحالة دلالات النص والمدى التأويلي له بحيث يأخذ العنوان حالة من الحوار بين خطابين خطاب يحيل إليه العنوان زمنيا وهو العصر الجاهلي، والقيم الجاهلية وخطاب يحيل إليه الخطاب الروائي بإسقاط تلك المرحلة على ما يحدث في المتن النصي وبهذا الحوار بين الخطابين يتحدد الأفق الدلالي للرواية ومضامينها ومدى إعادة إنتاجها للتاريخ وللواقع المعاصر. حيث ينبثق العنوان بطاقته التاريخية، وطاقته التأويلية حيث يقوم مقام الكمون النصي منذ البداية ليحيل القراءة إلى تلك الذاكرة التاريخية التي تشكل دلالات العنوان.

وبالتالي يحيل النص إلى قراءة تتشكل فيه من خلال تلك الذاكرة، وقد أشار د. صبري حافظ ومعظم الذين قرأوا هذه الرواية إلى البعد الدلالي للعصر الجاهلي، ولكن دون النظر إلى أن كلمة الجاهلية لا تعني القيم البائدة، فالروائية لم تأخذ من العصر الجاهلي سوى العصبية القبلية المتحددة بالنسب والتعصب للون والصراع غير المبرر إنسانيا، أي الجاهلية في الإطار المفهومي كمرحلة كانت قبل الإسلام، دون التعرض للقيم الأخلاقية التي كانت سائدة في تلك المرحلة، لأن الكاتبة أرادت أن تستبطن دلالات محددة تشكل خلفية دلالية لنصها الروائي، ودلالاته، لتسقطه على الواقع المعاصر، بجاهليته الجديدة.

لذلك فالعنوان هو الذي يحفز القراءة والتحليل والتأمل والتأويل ومن هنا كان عنوان رواية (جاهلية) من المنبهات الأولى التي ينتبه إليها القارئ، كما هو الأمر أيضا في رواية (طوق الحمام)، لأن العنوان لا يحلينا فقط إلى النص المتن، وإنما يحلنا إلى تناص آخر خارج النص هو الذي يشكل القراءة الأخرى للعنوان والذي يساهم في تأويل النص، وتحليل أسراره، وكما يرى سعيد البازغي، أن هذا العنوان «يمارس هيمنة أولى على النص بلفت انتباهنا إلى جاهليات قادمة. من تلك الجاهليات ما تطالعنا به الأقتباسات المطلعية» ويرى الدكتور سعد أبو الرضى أن «دائرة الجاهلية تتسع ــ أعرافا وتقاليد وسلوكا ــ لتتجاوز الأشخاص إلى الدول نفسها، عندما تؤازر الرواية بين ما فعلته أمريكا بالعراق، وتربط بين ذلك وبين ما فعلته العراق قبل ذلك مع الكويت حتى كانت «عاصفة الصحراء» وتربط بين ذلك وبين «ما يلاقيه المجتمع من استشراء فساد العادات والتقاليد، فكلاهما شر مستطير، ولا يقل خطر هذا عن ذاك، وكلاهما وأد لحرية الإنسان مع تباين اتساع الدوائر التي تضم ضروب هذا الوأد، من ثم على الإنسان في أي دائرة من هذه الدوائر أن يتصدى لمواجهة هذا الوأد والظلم وتغيير هذا الواقع، وهكذا اتخذت الكاتبة "الجاهلية" عنوانا وإطارا لروايتها لإضاءة الواقع المعيش وتطهيره مما يكبله.»(16) ويرى الدكتور صبري حافظ بأن أهمية العنوان تأتي «من حيث استثارته لمرحلة اتسمت في العقل والوجدان العربي بالجهل والجاهلية، ليجعلها مرآة لكل ما يدور في عالم النص والواقع الراهن معا»(17)

وبالتالي يتسم عنوان (جاهلية) بعمقه التاريخي، المرتبط بمرحلة لها إشكالياتها ولها فعلها الحقيقي في التاريخ العربي، ومن خلال البحث في هذا العمق وربطه بمسار السرد الروائي تتكشف تلك الجاهليات التي اشارت إليها الكاتبة ليلى الجهني، وحاولت أن تحدد المسار الذي تتوخاه من هذه الجاهليات، حيث الإنسان والإنسانية هما ضحية تلك الجاهليات التي تتعامل مع الكائن على أنه كائن مهدد إذا لم يخضع لتلك الولاءات ولم يتخذ منها عقيدة يؤمن بها. سواء على مستوى الأشخاص أو العائلات أو الدول، وسنجد الأمر ذاته في التأويل والتحليل في رواية (طوق الحمام) لرجاء عالم، الذي ايضا يشير منذ البداية إلى ذلك العمق التناصي مع وجهة تراثية لها وجودها وأثرها الفلسفي في الوجدان العربي. وهو كتاب (طوق الحمامة) لابن حزم، لتربط بينه وبين اللحظة المقدسة التي تتجه بها إلى البيت العتيق ومكة المكرمة.

خصوصية العنونة لدى رجاء عالم:
تتجه رجاء عالم في صياغة عناوينها إلى حالة المختلف كما هو الحال في بناء متنها السردي، فمن عنوان روايتها الأولى (4 = صفر) وحتى آخر رواياتها (طوق الحمام) نلاحظ حالة من الإغواء والإغراء للقارئ للدخول في ملابسات النص وعلاقته بالعنوان، وهذه الوظيفة الإغرائية تشكل ظاهرة لدى رجاء عالم ميزت تأويلها السردي ومفهومها للعنوان في تقديمه للقارئ كنص يغني النص المتن، ولا يتناسخ منه وإنما يأتي كحالة تواصلية تساهم في الكشف عن نصية النص بعد ما يتم الكشف عن نصية العنوان، فالعتبات النصية لدى رجاء عالم تنبني على الرؤية التي تتخفى في مرامي النص، وبالتالي لا يمكننا المرور عليها مروا سريعا ولا يمكننا اغفال مراوغتها للوصول إلى رؤى مختلفة. وقد قامت رجاء عالم بتخصيب العنوان في مدلوله الأصل وسحبه إلى الدلالة الجديدة في عنوان الرواية بحيث لم يعد المدلول الأول هو نفسه، وإنما تغير واتصل بالنص الجديد حيث النص كان تمددا له وبالتالي تأويلا جديدا للعنوان استطاع أن ينهض من خصوبة الدلالة الأولى إلى خصوبة الدلالة الثانية

إن العنوان كان محفزا لجميع القراء لأن يبدؤوا بتحليله من خلال إحالته إلى العنوان التراثي (طوق الحمامة) لابن حزم بل لا يستطيع أحد من القراء أن يتجاوز ذلك التحفيز الجمالي في التعاطي مع عنوان (طوق الحمام) لأنه هو الذي يدخل القارئ في حالة من البهجة عارمة وهو يدرك المرجعيات التي يحيل إليها العنوان خاصة وأن كتاب طوق الحمامة من الشهرة ما يكفي لأن يعرفه الجميع وهذا التحفيز هو ما لعبت عليه الكاتبة من حالات الشد والجذب للقارئ للبحث عن الخيوط الواصلة بين هذا العنوان والعنوان التراثي، ولكن دون أن تضيق عنوانها بحدود المرجعية، ولا بحدود النص الروائي، وإنما استطاعت أن تفتح العنوان على دلالات متخفية متشظية في دلالات المتن وليس في نصه، وكذلك الأمر في دلالات الصلة بينه وبين كتاب طوق الحمامة وليس بمضمونه بشكل خاص، ليصبح عنوان الرواية، تشكيلا جديدا ينفتح على كل الرؤى الإنسانية والفلسفية والمعرفية والثقافية والتاريخية والصوفية والحلمية والنصية.

فهو مرتبط بشكل أسلوبي وتراثي فلسفي بالنص الذي ينبثق منه إذ لا يمكن أن تكون قراءة عنوان (طوق الحمام) مثلا لو كان على مؤلف آخر ذات القراءة التي يوحي بها المناص على النص الروائي (طوق الحمام) لأن القراءة ستختلف باختلاف النص المنبثق عن العنوان والذي يمثل العنوان أيضا حالة تكثيفية له، وباختلاف البنى الفنية التي بنت عليها رجاء عالم هذا النص، ليشكل هذا العنوان إحدى سمات الجمالية الفنية في نصها، إذا سلمنا بأن «الجمالية تتصل بالسمات التي بتوفرها في العمل الأدبي تعطيه بعدا فنيا يلحقه بالآداب أو الفنون الجميلة تمييزا لها عن غيرها من الأعمال التي ينتجها الإنسان، وهي في العمل الروائي والسردي عموما ترتبط بمجموع العناصر والمقومات التي تحقق "سرديته" و "روائيته" وتجعله يتأسس على مكونات تتضافر جميعا لتكوين خصوصيته الجمالية والفنية»(18) فإن عنوان (طوق الحمام) يمتح من تلك الجمالية، وذلك بما تأسس عليه من تشكيل فني مدرك للدور الذي يلعبه جهاز العنونة في العمل السردي، ومدرك لخصوصية العنوان في الكشف عن رؤى ذلك العمل على كافة المستويات التأويلية، ومن هنا ستأخذ قراءتنا لهذا العنوان حالة فيها أطياف من الرؤيا الطيف الأول هو مدى ارتباط هذا العنوان بعنوان ابن حزم والطيف الثاني مدى افتراق هذا العنوان عن أصله، وماهي المتغيرات التي طرأت عليه وما هي العوالق بينه وبين النص السردي المعاصر وكيف استطاعت رجاء عالم أن تحوره وأن تدور به في فلك نصها دون أن يبقى مرتبطا ارتباطا واضحا بأصله.

وقد قامت رجاء عالم باستجلاب العنوان التراثي بعد ما قامت بحذف العنوان الفرعي لأن العنوان الفرعي قام بعملية تخصيص العنوان الأول (طوق الحمامة) بعبارة (في الألفة والألاف) حيث أرادت الكاتبة في عنوانها المتناص مع ذلك العنوان أن تطلقه وأن تدخله في عوالم أكثر شساعة محاولة في ذلك جمع المفرد الحمامة لتصبح الحمام، دون تقييد العنوان بمناص دال أو تفسيري، أو تعليلي وهذه العملية هي سحب للعنوان إلى مدارات تكثيفية أكثر التصاقا بموضوع روايتها التي كانت تسخَر المكان لكشف أسرار الكائن، كما أنها تقوم على استبطان المساحات المقدسة للمكان والفضاء، خاصة الفضاء المكي الذي كان يشكل في الرواية بعدا دالا عن العمق الصوفي الذي تنبني عليه الرواية، وعن البعد المعرفي والبعد الإنساني من خلال ذلك الربط بين الرؤى الإستبطانية للأديان عبر تاريخ الإنسانية.

في عنوان (طوق الحمام) إغواء وأغراء وانزياح للمتلقي حيث لا يستطيع أن يغادره إلا وأن يبحث فيه وذلك مما يحمل من ذاكرة تستدعي ذاكرة المتلقي فعنوان الرواية عنوان متحول مسحوب من دائرته الثقافية والمعرفية والتراثية إلى دائرته المعاصرة والثقافة التي تتناص معه وبالتالي هو حالة من حالات الحوار بين زمنين وثقافتين وهذا الأمر هو ما قامت عليه الرواية بكل حكاياتها.

العمق الفلسفي للعنوان:
تنطلق رجاء عالم من تأويل عنوان (طوق الحمامة) لابن حزم لدمجه في عنوان روايتها طوق الحمام، حيث كتاب ابن حزم تأويل لفلسفة الحب التي انطلق منها ابن حزم فإذا بهذا الحب هو الذي يشكل المساحة الأكثر عمقا في العمق الروائي وفي العمق السردي الذي حاولت رجاء عالم أن تنهض منه مؤمنة بأن الحب مفتاح للوجود وهنا تتشكل هذه الفلسفة في فلسفة المفتاح الذي يشكل بؤرة عميقة في سرد رجاء عالم كحالة تبئيرية تسعى إلى كشف أسرارها، وبذلك تسعى إلى تأصيل مفهومها الفلسفي لها حيث المفتاح هو مفتاح للقلوب وكذلك كان كتاب ابن حزم مفتاحا للقلوب وهنا تأخذ الفلسفة أسرارها وعمقها كحالة تأويلية لعنوان رجاء عالم الذي لم يكتف فقط بحالة التناص كسحب عنوان إلى عنوان من حيز كتابي إلى حيز كتابي آخر بقدر ما قامت بسحب المحمول الفلسفي والإنساني للعنوان معه إلى محمول فلسفي وإنساني في حيز ٍ محيطهُ الزمني غير ذلك المحيط، لكنه ما يزال يحتفي بالمكان المقدس الذي يزمن المكان بقدسيته ومطلقيته وبالتالي تمكين الزمن في قدسية المكان لتنهض رؤياها إلى رؤى أعمق في البحث عن طوق الحمام، طوق الإنسانية طوق الحب طوق الحياة طوق النجاة طوق الخلود والانعتاق من مادية الوجود الفانية والالتصاق بروحانيته الباقية الخالدة.

فكيف تسرب العنوان إلى متنها النصي؟ وكيف تجلى كعمق فلسفي يؤول النص وينهض من خفاياه، وصولا إلى تأويل الإشارات والإحالات التي أرادتها رجاء عالم لتكون فضاء لذاتها، انطلاقا من هذا النص الذي يمكّن الذات من ذاتها، كما يمكن العالم من وجوده، والكائن في كينونته.

طوق الحمام/ فلسفة المفتاح
إن الإشارات التي أشار إليها الدارسون إلى عنوان الرواية وهم يستعرضونها لم تتعد الإشارة إلى العلاقة الظاهرة الواضحة بين طوق الحمامة وبين طوق الحمام، ولم تتعد الإشارة أيضا إلى موضوع الحب الذي ارتكز عليه الأول واتسع بارتكازه على مطلقيته الثانية، إلا أن القراءة النصية التي تتعامل مع العنوان كخطاب له مساراته في النص لابد أن تتشكل من خلال البحث في القرائن الداخلية والفلسفية والنفسية وكيفية تجليها في المتن، فمن المهم أن نستقرئ النص للكشف عن تلك البؤر التي اشارت إليها الكاتبة لتأويل عنوان روايتها، ولا يدرك ذلك إلا بالتأمل.

فإذا كان (طوق الحمامة) كتابا في فلسفة الحب فإن (طوق الحمام) لرجاء عالم كتاب في فلسفة المفتاح المطلق الذي يفتح الأبواب بين الكائنات جميعا، وهذا الفتح إنما هو الحلقة الضائعة بين البشرية التي تبحث عنها، وهذا الأمر واضح في الإشارات النصية التي أشارت إليها المؤلفة في روايتها. وإذا كان الشيء الوحيد الأكيد في هذا الكتاب هو موقع الجثة: الزقاق الضيق المسمى أبو الرووس برؤوسه المتعددة.(19) فإن الشيء الأكثر يقينية هو البحث عن المفتاح الضائع حيث تحولت الرواية برؤاها منذ أن أعلنت الكاتبة في نصها عن سرقة المفتاح عندما قام «رجل ملثم كان قد مزق القبة عن اثر قدمي النبي إبراهيم واستدار مهددا بمنشار كهربائي وتعالت صيحات الفزع: لقد سرق مفتاح الكعبة»(20) ليصبح البحث عن المفتاح الضائع هو الشاغل الأكبر وهو البؤرة التي تتشكل عليها ومن خلالها الرؤى التي تكتهف حروف السرد وحروف الروح وحروف الكاتبة وحروف القارئ، فإذا بنا ننسى البحث عن هوية الضحية/ الجثة، والتحقيقات التي يجريها ناصر المحقق أبو ونان. لندخل في بحث آخر أكثر عمقا وأكثر ارتباطا في المضمون الخفي للنص السردي وهو البحث عن مفتاح ضاع وانسرب في المجهول.

وهنا تدخل الحكاية في مسافاتها لتنغلق أمام القراء الذين تبادر إلى ذهنهم للوهلة الأولى أنها رواية بوليسية معتمدين على البداية الروائية المعلنة منذ السطر الأول، أو رواية اجتماعية معتمدين على العلاقات التي يكتنفها الحب بين الشخصيات كيوسف وعزة وعائشة وديفيد والمشاكل الاجتماعية التي يعاني منا زقاق أ بو الروس برؤوسه الكثيرة، ولكن الأمر لا يلبث أن يتكشف لتصبح الرواية ببعدها الفلسفي، وعمقها الصوفي، تنسحب من هذه التصنيفات الموضوعاتية لتدخل في تصنيف الرواية النصية أي أنها تنجلي في جماليات الخطاب الذي ينجلي في العمق الإبداعي سواء على مستوى اللغة أو على مستوى الطرح الرمزي في البحث عن التشكيل الفلسفي للكائن وللوجود وللعالم ومن خلال هذا التشكيل يمكن الوصول إلى حالات تقارب بين الكائنات جميعا بعيدا عن كل ما يهدد هذا الوجود.

وما يؤكد ذلك أن الرواية منذ البداية لم تعلن أنها تبحث عن هوية القاتل بقدر ما كان الإهتمام منصبا على هوية الضحية، لأن الضحية هي صورة الموت الذي سيدهم زقاق أبو الروس ويدهم الكائنات هذا الموت الذي لا هوية له وإن كان يشير إلى موت الرؤى الأنثوية التي ترفع العالم والوجود إلى كينونته وخصوبته ووجوده، من خلال الاحتمالات التي كان قد اقرها المحقق ناصر والتي تشير إلى عزة/ أو عائشة/ كاحتمال جثة. لتنهض الإشارات التي أشارت إليها المؤلفة سواء من خلال يوميات يوسف المشغول بالمفتاح منذ ضياعه، أو من خلال رسائل عائشة التي تحاول أن تصل إلى الكنه الجوهري لمفهوم الحب وفلسفته، أو من خلال عزة التي وصلت إلى المكان الذي ستكشف من خلاله عن حقيقة المفتاح الضائع، في الأندلس حيث قادتها أقدارها إلى ذلك المكان لأنها هي الوحيدة التي ستتسلم السر وتتسلم التخطيط الأخير للمفتاح، وذلك تحقيقا لحلم تلك المرأة اليهودية التي التقتها هناك «في تلك الليلة حلمت بوجهك وقدموه لي بالقول: هذه هي التي فرت من حبر الحمام واليمام وانبعثت من الجشع حول بيت الله»(21) وتأكيدا لحلم يوسف الذي ذكره في إحدى نوافذه تحت عنوان نافذة لعزة. «البارحة حلمت بخيط أبيض، وضعت آخر الخيط بكفك وطرت لك متكئة كنت على تلك الكف جالسة كما في مقعد، بينما أحلق بك على جبال بذاك الخيط الرفيع، وكنا نرصد مكة وهي تستيقظ، مكة لا تستيقظ لأنها لا تنام ... حلمها الصلوات وأقدام الطائفين .. وهذا الحمام، نفك الأطواق عن أعناقه فترتعش من ماء .. الخيط بيني وبينك شكل قوس قزح كل تلك الأعناق وبسطها على أفق مكة».(22)

ومن هذا الأفق المكي إلى الأفق الأندلسي في القسم الثاني من الرواية تدخل نورة في حالة من الغيبوبة ـ التي تنكشف أمامها الأسرار ـ غيبوبة عن العالم وغيبوبة في ذاتها، خاصة عندما طلبت منها المرأة أن تستلقي في المنطقة الدائرية في/ المعبد/ المسجد/ الكنيسة/ «لتبدأ المرأة بسرد سيرة المفتاح بكشفها للسر أمام نورة " ما سأكشفه لك هو عن التنافس بين جدينا العظيمين جدي صاموئيل بن نقرالا وجدك علي بن حزم. اليهودي والمسلم، واللذان آمنا بأن سقوط البشرية لم يتم بسقوط آدم وحواء من الجنة وإنما بسقوط قرطبة بالتناغم بين كل صيغ الإيمان».(23) لتنفتح الأسرار أكثر فأكثر من خلال الغوص في سيرة الجدين حيث قادتهما الأقدار إلى مسارين مختلفين للوصل إلى هدف واحد وهو الفردوس الذي فقداه على الأرض فإبن حزم اتجه إلى عزلة الكتابة وتلخيص الكتب التي دمرت في مكتبة قرطبة العظيمة، ليصوغ من خلاصتها مفتاحا يفتح بين الأبواب تتوجت تلك المعارف في كتابه طوق الحمامة حيث وجد المفتاح في الحب الذي يشكل الجسور بين البشر.

أما الثاني وهو الطبيب القرطبي صاموئيل بن نقرالا فقد عاش حياتين حياة بالعربية كأمين سر الحاكم فهو كما يذكر التاريخ من يهود (السفرديم) الذين يتقنون اللغة العربية قراءة وكتابة وإبداعا وقد أشارت المرأة إلى هذا الأمر عندما سمعتها نورة تتكلم باللغة العربية الفصحى فقالت: «نعم أجدادي اليهود استخدموا اللغات كمفتاح للحظوظ ومنها لغتكم».(24) وكما ترك ابن حزم نسخته من مفتاح الفردوس في كتابه طوق الحمامة كمفتاح للحب والمعرفة والوجود، والكشف والخلود، كذلك الأمر بصاموئيل الذي كانت نسخته بابنه جوزيف الذي أورثه أشعاره، يحمل مبادئه ووسواسه بعدن، وهنا تورد المؤلفة قصة جوزيف الذي تقول كتب التاريخ أنه قتل وصلب إلا أن المؤلفة شاءت أن يهرب، كإعادة إنتاج للمقولة التاريخية لتجعل من هروبه مفتاحا آخر للوصول إلى الفردوس، فقد تابع البحث عن الأبواب والمفتاح من خلال رحلته السريه والتي «يعتقد أنه يسعى لرؤيا رآها عن باب بقعر عدن بجزيرة العرب».

وفي غيبوبة من التأمل في العتمة تتسرب سيرة جوزيف الذي واصل رحلته حتى وصل إلى السر بمعونة سليمان الفرحان أحد المتعاملين مع الجن في أرض اليمن حيث يعرف بنفسه «أنا ألسني ترجمان من عبيد الديان، أترجم كل لسان معجم أو ناطق حتى لسان الحيوان، خذني على خبري: التقليد المصغر للنبي سليمان.»(25) مما يتيح له أن يقيم في معبد بلقيس مترجما لنذور الحب المنقوشة بالخط المسماري ليعرف بصفته الناسك الذي أحيا رحلة حج بلقيس وعاشها المقام. لتنفتح أمامنا تلك الرؤى السحرية الأسطورية في قصته حيث يظهر له الجبل والأبواب ومن ثم تغيب الأبواب مع غروب الشمس لتفصح بنات مدينة خاتم سليمان عن سر تلك الأبواب بأنها «تفتح بين الموجودات من جماد ونبات وحيوان، تفتح بين الألسن بين الحياة والموت ويعلم الله ماذا وبين.. بعضها فتح للنبي سليمان واستحق عليها لقب ملك الجان، عدا ذلك لم تفتح تلك البواب لحي، الأمر يتعلق بالمفاتيح.. يجب أن تعثر على المفتاح الأصل قبل أن تحلم بأن يفتح لك أي من تلك الأبواب».(26)

حتى إذا بلغ السبعين من العمر صحا ذات صباح على بذوره تدور بطون بنات خاتم سليمان وفي لحظة المخاض تعصف الرمال وتحجب الجبل ليرى الأبواب بعد انقشاع العاصفة مبعثرة في السهل يعبث بها بعض المتسولين ويوقدون النار فيها، فينقذ ما يستطيع إنقاذه ليعود بحمولته الأسطورية تلك إلى الأندلس في توليدو قاصدا ابرع حداديها من أجل صوغ مفتاح واحد يفتح تلك الأبواب وهنا تأتي الصلة بينه وبين ابن حزم و(طوق الحمامة) حيث كان جوزيف يستغل لصهارة الحديد من الأغاني والأشعار والرقصات والصلوات والتعاويذ التي جمعها في معبد المقا ذلك المعبد الذي تجسد فيه حب بلقيس، وكأنه كتاب خط بالحب من أجل الحب ليصبح الحب من خلاله لحظة أسطورية مقدسة يحج الناس إليها، ليمضي جوزيف ربع القرن الأخير من عمره من أجل تجسيد المفتاح المطلق الذي يفتح كل الأقفال. لكنه يقضي قبل فتح الباب الأخير من فرحة فطرت قلبه فسقط ميتا في المسجد الذي تتلقى نورة في دائرته الرؤيا مع المرأة اليهودية التي هي من نسل جوزيف «ويضيع المفتاح مرة أخرى في الاضطراب الذي شاع بسقوط ذلك الرجل الأسطورة فركبت الأبواب في جناح المسجد الدائري لتدور على جدرانه لتظهر فقط لأصحاب الرؤيا لتهم الخلاقين». وكأنا بالمفتاح يفتح سيرة الخلق والإبداع وسيرة الكشف والتأمل كحالة مساررة أسطورية لتوريث السر وصولا إلى مفتاح بيت الله الذي ضاع وانسرب في المجهول.

ولعل الخيط الذي سيعيد ربط كل تلك الحكايات بحمولاتها الفلسفية والأسطورية والدينية والإنسانية، هو رحلة الشيبي المعاكسة من اليمن إلى الأندلس متتبعا خطى جوزيف بحثا عن المفتاح الذي يفتح بابا واحدا من بيوت الله " وتنفتح مرة أخرى سيرة الشيبي، وكأن المفتاح يفتح سير الكائنات لتطل على بعضها وتتحد بالوجود حول فردوس واحد يضم جميع الكائنات، فأمه من نسل الملك سليمان وتنتسب لبنات الخاتم وأبوه هو حفيد حفيد حامل مفتاح بيت الله على الأرض كعبة مكة، مؤمنا بأن المفتاح قد صهر وسبك بالأشعار وأنه مخبأ في بيت شعر أو أغنية حتى أيقن هو والمرأة أن السر في بيت شعر يقول: «إن المنفى هو حبر في كتاب الله، كتبت به كل نفس مشردة وتبحث به كل روح عن طعام في لقمة خبز».(27) ليقضي هو الآخر في طريق عودته إلى مكة «حيث عثروا عليه ميتا على أ بواب مقبرة المنبوذين بمدريد بلا قطعة ثياب تستره، لكن على صدره كان يحمل ذلك المفتاح المقلد الذي صاغه له اشهر حدادي توليدو على خلاصة الهيئة التي أنبأه بها جوزيف حلما وراء حلم».(28)

لينفرج السر بأن التخطيط الذي عثرت عليه في كتاب (طوق الحمامة) «لقد عثر ت على هذا التخطيط في كتاب طوق الحمامة هذا، آخر ما كان يقرأه الشيبي قبل مغادرته». وهو التخطيط الذي تركه الشيبي للمفتاح وحملتهما المرأة اليهودية نسخة من طوق الحمامة بالعبرية وفيه ذلك التخطيط «احملا مني شيئا معكما بهذا الكتاب الذي لن تتوصلا لقراءته، فهو بالعبرية، هو نسخة مصورة من مخطوطة لكتاب طوق الحمامة لا بن حزم عن الحب كباب ينفتح من النظرة الأولى لقلب الآخر، عن الحب كمنطقة وجود، كجنس من الأجناس الوجودية/ كدم بوسعه أن يسري فينا ويوحد الأعراق و يمنحها جسدا فردوسيا خالدا، نظرة الحب هي السحر القادر على قشع الأقنعة والحجب، هي مفتاح أو باب لكائن خارق يكمن منسيا فينا.»(29) وبالتالي تصوغ رجاء عالم مفتاح أسرارها في هذا الكشف الغيبي لتجعل من المفتاح عتبة للوجود كما هي العتبات النصية مفاتح لغيب النص، وكأنها شكلت في (طوق الحمام) التخطيط الذي انشغلت به لمفتاح يفتح بين جميع الكائنات مما شكل في النص بؤرة للكشف بين القلوب لتصبح الرواية دعوة إلى فتح المزيد من الأبواب بين الكائنات لتنفتح الأسرار على السماء.

الإهداء والاستهلال:
يعد الإهداء والاستهلال عتبتين من عتبات النص، وإفاضة تمكن القارئ من التسلل إلى الرؤى التي يمكن أن ينطوي عليها المتن النصي، ولكن بعض الروايات تجاوزت عتبة الإهداء وأثبتت مكانها عتبة أخرى هي عتبة الإستهلال، وبعضها الآخر اثبت العتبتين معا، ففي رواية (عيون الثعالب) جاء الإهداء على الشكل التالي «إلى حزام العتيبي الرجل الذي أمسك بيدي، وعبر بي جحيم الآخرين». فالإهداء هنا يحيلنا إلى طرفين هما الكاتبة ذاتها وحزام العتيبي الذي قدمت له الإهداء، ليكون عربون وفاء على ما قدمه من أجل الكاتبة، ليعبر بها جحيم الآخرين، وعندما ننتهي من قراءة الرواية نجد الأهمية الكبيرة لهذا الإهداء الذي يجعل من شخصية حزام العتيبي الشخصية النقيضة لشخصيات الرواية الرجال المثقفين الذين جعلوا من عالمهم عالما يطغى عليه الفساد الأخلاقي والتسلل إلى الفتيات عبر عتبة الكتابة، التي اصبحت لديهم تمثل حالة من حالات الإغراء، لجعلها مطية للوصول إلى قلوب وعقول الفتيات، وبالتالي الوصول إلى غايات لا أخلاقية. ليصبح الإبداع والثقافة وسيلتين من وسائل الفساد بابتعادهما عن غاياتهما، فكان الإهداء حالة من الحالات الاستثنائية لما قدمته في النص المتن من حالات لصورة الرجل المثقف.

أما (عيون قذرة) فنجد غياب الإهداء، لتثبت الكاتبة في موقعه الآية الأخيرة من سورة البقرة، «ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.» وهذا الاقتباس القرآني الذي قام مقام الإهداء والاستهلال هو ما تبينه لنا الرواية من خلال أحداثها ومن خلال مسيرة سارة التي حاصرتها الحياة حتى ضاقت بها فهي يتيمة برغم وجود الأب والأم فالأب طلق الأم وتزوج وكذلك الأم تزوجت هي الأخرى، لتعيش سارة موزعة بين بيت الأب وبيت الأم وبيت العمة تقضي في كل بيت أياما معدودة، ورغم ذلك فهي مريضة بمرض نفسي يؤثر على حياتها وعلى علاقتها بالآخرين.

أما أخوها فيصل فهو الآخر لا يقل تعاسة عنها، سواء عندما كان في بلده أو عندما سافر إلى إنكلترا من أجل الدراسة لتكتمل مسيرة سارة بالوقوع في الخطيئة عندما تزوره هناك، وتتعرف على روبير شقيق صديقة أخيها فيصل. وفي إحدى السهرات هناك ينال منها روبير وهي في حالة أشبه بالسكر، وهنا تبدأ لحظة العودة إلى الذات والعذاب جراء هذه الخطيئة، وتعود إلى موطنها وهناك تظهر عليها بوادر الحمل، وتحاول أن تخفي الحمل عن أهلها، وتقوم أيضا بمحاولات إجهاض بمساعدة ابنة عمتها ليلى، ولكنها لم تنجح، مما جعلها تتابع حملها وتخفيه بطريقة ما عن أهلها حتى وضعت الحمل قبل أوانه، وتركت صغيرها للطبيبة تتصرف به، لكننا نجد في نهاية الرواية أن ليلى لم تترك الولد بل وضعته في دار الأيتام وظلت تزوره على أنها أمه لتغيب بعدها بالموت بعد أن اعترفت لسارة بما فعلت. ليصبح المولود دليلا على أمومة ضائعة ودليلا على خطيئة ما تزال موجودة.وهنا يتكشف ذلك الاقتباس القرآني الموفق في ارتباطه بحياة البطلة سارة وعذاباتها واستغفارها عما فعلت في حياتها.

أما في رواية (جاهلية) فنجد حالة موازية لحالة الحضور وهي حالة الغياب، يغيب الإهداء والاستهلال، وهذا الغياب لا يعني اللاوجود، وإنما الإهداء يعني إهداء غائبا يحمل دلالته العامة وكذلك الإستهلال، وكأن النص أو الكاتبة تضمر دون تحديد، وهذا ما يتوضح من خلال موضوع الرواية الذي ينفتح على الواقع العربي وخاصة العراق والتآمر عليه لنهبه، لذلك لم يكن الإهداء مباشرا وواضحا وإنما كان مضمرا وكأنه للشعب العربي أو للعراق الذي ذاق مرارة التآمر الغربي والحرب التي فككت أحلامه وشتت وجوده. أما رواية (طوق الحمام) فقد غاب الإهداء واثبتت الكاتبة الاستهلال مكانه، وبالتالي يأخذنا استهلال رجاء عالم في مقدمة روايتها (طوق الحمام) إلى مسافاتها الصوفية التي ستشكل خطابها الروائي، وكأنها تضعنا على حافة الغيب النصي لنتلقى الإشارات الأولى للرؤى، مأخوذين بالمستوى اللغوي والتشكيلي الذي يمتد إلى عمق اللغة وينهض من أسرارها ليحلينا إلى مدارات التأويل والتحليل والكشف. ومما يلاحظ على هذا الاستهلال المتموضع قبل القسم الأول من الرواية أنه أزاح الحيز الذي يمكن أن يتموضع فيها الإهداء، ليحل محله من خلال الجملة التي تتمركز كعتبة نصية له (لبيت جدي عبد اللطيف) «هذا البيت الذي يحمل علامة إكس حمرا تعني أنه معد للإزالة قبل أن يتحول إلى مواقف لإيواء هذه الكائنات العجيبة رباعية العجلات.»(30)

وهنا تستوقفنا هذه الإشارة الأولى من قبل المؤلفة والتي تحمل دلالتها حول الاعتداء على المكان الذي يحمل أسراره وزمانه وتاريخه ويحمل حس الكائن وأنفاسه، وهذا ما سوف تدور حوله الرواية في تشكيل فضاءاتها المكانية والدفاع عن المكان وقدسيته وخاصة الفضاء المكي كنزها الأثير كما تشير في أحد حواراتها. وهذا ما تؤكده المؤلفة في استهلالها أيضا بإشارة منها إلى «الجبال التي تُنقض وتتلاشى، وتبتلع العمارة العريقة، ومعها بيت جدي القائم على قمة ماكان يعرف بشرفات الحرم باسطنبول مكة».(31) لتصبح الإشارة إلى بيت الجد إشارة إلى المكان المقدس الذي يعاني من اعتداءات الحداثة المفتعلة. وهو أيضا ما ستنطوي عليه الرواية في جهود يوسف من خلال كتاباته حول هذا الأمر من بحث عن هوية المكان التي تتجسد في هوية الكائن وهوية الذات أما الإشارة الأخرى في هذا الاستهلال فهي إشارة إلى أن كل ذلك أصبح من الماضي الساذج غاب الآن ولم يعد له وجود سوى في هذا الكتاب. وهي إشارة من المؤلفة أن ما سيأتي في الرواية في جميعه مجرد استرجاعات إلى ما قبل هذا الانهيار لروح المكان لتأخذنا إلى الرؤى التي كانت لدى جدها الأول يوسف العالم المكي بإشارة منها إلى خيط خفي من السيرة التي يمكن أن نلمحها في شخصية نورة/ عزة/ عائشة التي كانت تتلقى الرؤيا والمعرفة من الإشراقات النورانية في الأندلس لتصبح الوحيدة التي تمتلك المفتاح المطلق للخلاص مما له علاقة وثيقة بالتكوين الصوفي والمعرفي العميق للكاتبة رجاء عالم.

وكأنها امتداد لذلك الجد وعلومه التي تتشكل في الحياة الباطنية الوهابية «تفيض في روح العارف من بحر الحي، الذي تجنب جدي كل ماهو قابل للنقل واعتكف بكل ما يفيض من بحر الحي حتى فاض بالخبز تحت سجادة صلاته، وبالبلاد تحت قدميه، وبالنور، الذي لوجوه أبنائه وفيهم أبي محمد، يذهب بالأبصار للبصائر».(32) وهنا ينكشف الاستهلال عن رؤيا استبصارية ستكشف عنها الرواية في أحداثها وشخصياتها ورؤاها العميقة لتصبح رواية (طوق الحمام) الكتاب الذي تلقته من إرث جدها ورؤاه فتلقت الرؤى منه وتجسدت في ذاتها لتصوغ مفتاحها النصي الخاص بها، المفتاح الذي سيفتح أمامها كل الأبواب المغلقة لأنها جديرة بهذا المقام الإبداعي.

العناوين الداخلية:
تستجيب العناوين الداخلية لحركة النص الإبداعي ومعطياته تقنية كانت أو موضوعاتية وذلك بارتباطها الجمالي أو الإجرائي بالوظائف المناصية التي تخص جهاز العنونة، وإن كانت لا تختلف بوظائفها عن وظائف العنوان العام كما يشير جيرار جينيت، إلا أنها لا تحوز على الأهمية ذاتها التي يحوز عليها ذلك العنوان بتموضعه في المقدمة. لكن وظائفها المتوافقة مع وظائفه مشروطة ضمن مجالها السردي ومدى تمثلها لتلك المساحة السردية التي تعنونها. بحيث تأخذ العتبات/ المناصات الداخلية شكل المحفز الأولي لمتابعة النص، وقراءته، وسهولة تلقيه من قبل المتلقي، بأن تقوم بتحويل النص إلى بنيات صغيرة تتآلف وتتعاضد مع بعضها على مستوى الخطاب، لتشكل في النهاية الجسد السردي في النص الروائي، وهذا الأمر غالبا ما يكون في النصوص الطويلة والمتوسطة الطول كما هو الحال في رواية (طوق الحمام) التي بلغت صفحاتها/ 566/ صفحة، وفي رواية (عيون قذرة) التي بلغت صفحاتها/ 319/صفحة، وقلما نجده في الروايات القصيرة، كما هو الحال في رواية (جاهلية) التي لم تتجاوز صفحاتها الـ/ 183/ صفحة. ويمكن الملاحظة أن هذا التقسيم الذي تقوم عليه بعض الروايات لمفصلة النص يختلف من رواية إلى أخرى بحيث يرتبط هذا الاختلاف بطبيعة الأهداف والوظائف التي يتوخاها النص في اتباعه هذه العملية المفصلية. خاصة عندما يتحول إلى جزء من البنية الجمالية للنص السردي، سواء المرتبطة بالبنية الزمنية أو المكانية أو في بناء وتركيب الشخصيات، بحيث تقوم تلك العناوين أو المناصات بدور مهم في تشغيل العطالة الدرامية في النص، وتحريك الأحداث وتخطيب الحكاية، لأنها ترصد حالة الجدل والحوار بين أطراف البنية الروائية وبالتالي تحرك النص لتجعله في حال ة تفاعل دائمة ومستمرة منذ البداية وحتى النهاية.

وهذا ما سنتبينه في الروايات التي تشتغل عليها الدراسة، فقد تفاوتت الأساليب بين تلك الروايات خاصة فيما يخص منظومة العنونة الداخلية، وربما هذا الأمر عائد إلى تفاوت في التجربة أو تفاوت في الموضوع الروائي وفي التقنيات المتبعة في تخطيب الحكاية. لكن هذا التفاوت جعل لكل رواية نكهتها وخصوصيتها المرتبطة بالنص/ الخطاب، الذي تشكل العنونة حالة من حالات بنائه الفني في تقديمه للمتلقي، حيث ترتبط العنونة الداخلية ارتباطا وثيقا في الكشف عن مسارات النص التي يوجهها السرد الحكائي. فأحيانا يقوم بدور مفصلة النص ومفصلة الحكايات لسهولة الربط فيما بينها، لأن هذه المفصلة إنما تقوم على تحطيم البنية الزنية الخطية في الخطاب أحيانا كما هو الحال في رواية (طوق الحمام) ورواية جاهلية. وأحيانا يقوم بدور الانتقال بين الرواة كما هو الحال في رواية (عيون قذرة) حيث يتم الانتقال من راو إلى آخر عبر الانتقال بين العناوين الداخلية، وفي أحيان أخرى قليلة يقوم هذا التقسيم بدور مختلف عما سبق ذكره بحث تتآلف بعض العناوين الداخلية مع العنوان الرئيس للنص لتشكل طبقة نصية بالإمكان قراءتها قراءة تناصية مع النص الحكائي، كما هو الحال في رواية جاهلية وسوف نبين ذلك في مكانه من البحث.

وقد نجد بعض الروايات تشذ عن هذا النظام للعنونة الداخلية، إلا أنها لا تشذ عن نظام المفصلة والتقسيم ووظائفه، حيث يحضر التقسيم ولكن تغيب العناوين الداخلية، كما هو الحال في رواية عيون الثعالب التي سنبدأ في تأويل هذه الظاهرة بما يتوافق مع النص السردي. ففي هذه الرواية لم نجد عناوين داخلية على رأس كل فصل، رغم أن الرواية مقسمة إلى فصول تفصل بينها مساحة بيضاء، للدلالة على نهاية فصل وبداية فصل آخر، وهذه المساحة البيضاء أو ما يسمى بالبياض النصي تقوم مقام الحذف الزمني أحيانا، وأحيانا هي بمثابة الاستراحة السردية التي تستعيد فيها الكاتبة أنفاس كلماتها وسردها. إضافة إلى أنها تضع القارئ أمام احتمالات مختلفة للعنونة الداخلية ربما تختلف من قارئ إلى قارئ، بما يتناسب مع الفكرة التي يدور حولها كل فصل من فصول الرواية.

أما في رواية (عيون قذرة) فكان الأمر مختلفا فقد كانت العناوين الداخلية ذات أبعاد رؤيوية تستجلي النص الإبداعي وتحيل إلى شكل من أشكال التأويل بحيث يأخذ العنوان الداخلي فيها أهمية موازية للعنوان الرئيس في الرواية، فقد تألفت الرواية من الفصول التالية (انعتاق ـ في لجج التيه ـ وسقطت ورقة التوت ـ العزف على نغمات الأوجاع ـ نفوق ـالسماء تلد القمر ـ أحلام مؤجلة ـ حلم مشنوق بغلال من حرير) لكن نظام العنونة لدى الكاتبة قماشة العليان، لم يكتف بالعناوين الداخلية المفصلية التي تأخذ شكل الجمل الإيحائية الأقرب إلى الصياغة الشعرية فقد اعتمدت نظاما آخر أيضا، يساهم في الحذف الزمني في الفصل الواحد، والانتقال عبر زمن الخطاب السردي، حيث اتبعت نظام الترقيم المؤطر بقوسين في بعض الفصول كما في فصل (انعتاق) و فصل (وسقطت ورقة التوت) وفصل (العزف على نغمات الأوجاع) و فصل (السماء تلد القمر) إضافة إلى نظام اليوميات في فصول أخرى كما في فصل (في بحر التيه) وفصل (نفوق) بحيث أخذت المناصات المتفرعة داخل الفصل الواحد شكل التحديد الزمني والتأريخ باليوم والشهر والسنة مما يحدد الإطار الزمني لتلك اليوميات التي تبدأ في 5/ محرم سنة 1421 هـ اي في أول يوم يصل فيه فيصل إلى لندن من أجل الدراسة، وتنتهي في 21/ شوال 1423 هـ حيث يرى فيصل شقيقته سارة في حلم مخيف غريب، يتطابق مع معاناتها وخاصة بعد عودتها من زيارته في لندن فقد رآها في بحر عاتي الأمواج تحيط بها الحيتان من كل جانب وهي تجاهد وتصارع وتستغيث، وهذه الحال هي حال سارة التي لم تخل لحظة من لحظات حياتها من المعاناة سواء على مستوى الأسرة وانفصال الوالدين أو على مستوى المجتمع والعلاقات الاجتماعية أو على مستوى العلاقة مع الآخر والخطيئة مع روبير صديق شقيقها في لندن، كل ذلك يفسره حلم فيصل في آخر يومية من يومياته وكأنه استبطان لأحداث الرواية والكشف عن رؤاها.

ويمكن أن نستقرئ من خلال هذه المناصات التأريخية أي الميقاتية المساحة الزمنية لهذه اليوميات التي تمتد بما يقارب العامين والعشرة أشهر وهي يوميات تتبع خطا زمنيا متصاعدا تابعا للخط الزمني في الخطاب السردي، إلا أنها يوميات متفرقة وكأنها ترصد أحداثا لها وقعها في حياة فيصل، ولم تكن تعبر عن عادة في كتابة اليوميات بشكل يومي، كما هو الحال في مفهوم ال يوميات، وهذا ما يفسر كتابتها في أيام محددة من أيام الشهر، لتترواح بين اليوم الواحد في الشهر وبين الثلاثة أيام مما يجعل من تلك اليوميات حركة من حركات تطور الشخصية المرتبط بتطور الأحداث وتطور الخط الدرامي في الخطاب السردي.

 وفي الجدول (1) نوضح الكيفية التي توزعت فيها العناوين الداخلية والعناوين الفرعية المتفرعة عنها، والتي تشكل مناصات زمنية ميقاتية تفعل حركة الزمن في السرد الحكائي، ويساهم في تأويل عناوين الفصول التي أصبحت بمثابة عنوان متشعب عن العنوان الرئيس، ومتشعب إلى عناوين أخرى وبذلك تصبح الهيكلية الفنية للرواية هيكلية متشعبة زمنيا مترابطة بالحركة الفنية للرواية، وبهذه الطريقة استطاعت أن تمنح النص حيوية ونشاطا سرديا متفاعلا وفنية تتفق والموضوع الذي تعالجه، لأن التحديد الزمني في اليوميات إنما يساهم في تحديد زمن الخطاب وزمن القصة:

شبكة المناصات في رواية عيون قذرة

العناوين الداخلية

عناوين متفرعة عن العناوين الداخلية

انعتاق

( 1 ) ، ( 2 ) ، ( 3 ) ، ( 4 )

في لجج التيه

5 محرم سنة 1421 هـ

15 محرم سنة 1421 هـ

29 محرم 1421 هـ

29 صفر 1421 هـ

15 ربيع أول 1421 هـ

18 ربيع أول 1421 هـ

30 ربيع الأول 1421 هـ

10 ربيع الثاني

15 ربيع الثاني

30 ربيع الثاني

15 رجب 1421 هـ

غرة شعبان

15 شعبان

20 رمضان

29 شوال

16 ذو القعدة

21 ذو القعدة

29 ذو القعدة

غرة محرم 1422

5 محرم

15 محرم

20 سفر 1422

15 ربيع أول 1422

30 ربيع أول 1422

15 ربيع ثان 1422

25 ربيع ثان 1422

30 جمادى الأولى 1422

24 جمادى الآخرة 1422

2 رجب 1422

23 رجب 1422

10 شعبان 1422 ـ 27 / 10 / 2001 م

15 رمضان ـ 30 / 11 / 2001 م

5 شوال 1422

2 ذو القعدة 1422

7 ذو القعدة 1422 ـ 20 / 1 / 2002

غرة ذي الحجة 1422

25 ذو الحجة

15 محرم 1423

غرة صفر 1423

30 صفر 1423

15 ربيع أول 1423

2 ربيع الثاني 1423

وسقطت ورقة التوت

( 1 ) ، ( 2 ) ، ( 3 ) ، ( 4 ) ، ( 5 ) ، ( 6 )

العزف على نغمات الأوجاع

( 1 ) ، ( 2 ) ، ( 3 ) ، ( 4 ) ، ( 5 ) ، ( 6 )

نفوق

20 جمادى الأولى 1423  هـ

23 جمادى الأولى 1423 هـ

2 جمادى الآخرة 1423 هـ

22 جمادى الآخرة 1423 هـ

25 شعبان 1423 هـ

25 رجب 1423 هـ

5 رمضان 1423 هـ

13 شوال 1423 هـ

21 شوال 1423 هـ

السماء تلد القمر

( 1 ) ، ( 2 ) ، ( 3 ) ، ( 4 ) ، ( 5 ) ، ( 6 )

أحلام مؤجلة

 

حلم مشنوق بغلالة من حرير

 

الجدول رقم ( 1 )

أما في رواية جاهلية فقد اتبعت ليلى الجهني أسلوبا مناصيا متقاربا مع أسلوب (عيون قذرة) إلا أنه يختلف عنه بالأهداف والوظائف والرؤى المرتبطة بالبناء الفني المترابط والمتفاعل مع الرؤية التشكيلية لهذا النص المهم في بنيته وفي موضوعه ودلالالته.

فقد قسمت النص إلى فصول معنونة ثم أتبعت كل فصل بعنوان يأخذ شكل التوقيت الزمني بالشهر واليوم والسنة مستخدمة اسماء الأيام والشهور كما هي في العصر الجاهلي لتصبح هذه العناوين بتآلفها مع عنوان الرواية (جاهلية) تشكيلا نصيا يقوم مقام الطبقة النصية.(33) حيث تضعنا من خلال تلك الإحالة الزمنية بمواجهة أمام تلك الجاهلية الأولى ولكن بوجهها المعاصر، وما يحفز هذه القرا ءة و يشكلها هو أن العنوان يمتد بخيوط عبر النص من خلال العتبات الميقاتية كما يسميها د. صبري حافظ والتي كانت إشارات زمنية «تجذر العنوان في ثنايا النص وتذكرنا به باستمرار في مطلع كل فصل، من خلال تلك العناوين الزمنية التي تؤرخ للفصول بأسماء الأيام والشهور في العصر الجاهلي»(34) «حيث تقوم تلك العناوين مقام القناع والتغريب المسرحي الذي يتكشف في الفصل الأخير من الرواية ويقدم للقارئ مفاتيح أيامه وشهوره وكأنه يطلب منه أن يعيد القراءة بعدما أناط النص اللثام عن أقنعته».(35) وبالتالي يستمر الجدل منذ العنوان وحتى آخر فصل من الرواية بين العنوان وبين الطبقات الأخرى للنص مما يحفز القارئ على تتبع إشارات ذلك الجدل في النص الحكائي وبالتالي الكشف عن إسقاطاتها وتأو يلاتها وجدلها الذي يرافق القارئ حتى بعد الانتهاء من القراءة، وذلك لأن هذا النص يستجيب لاختبارات القراءة المختلفة واختبارات التأويلات المختلفة لأن نص يتشكل في طبقات المعنى من خلال طبقاته النصية، فاتحا الباب أمام الاختبارات النقدية بمختلف مستوياتها وتحليلاتها.

وقد شفعت تلك المناصات الميقاتية بعنوان ميقاتي يشير إلى العام بصيغة ثابتة مرافق لكل الفصول حيث كانت تشير بعد تحديد اليوم والشهر إلى العام (من العام الثاني عشر بعد عاصفة الصحراء) ما عدا الفصل الأخير حيث شفعته بصيغة مختلفة وبعام مختلف (من عام حرب الصدمة والترويع) وبقراءتنا لهذا التشكيل العنواني ندرك حالة الترابط والتفاعل بين العنوان الميقاتي الحامل لزمنه وثقافته ونسقه وبين العام الذي يؤرخ للجاهلية المعاصرة وهي الحرب والتآمر على العراق سعيا إلى تدميره ونهب ثرواته.

إضافة إلى تفريعات أخرى مناصية متفرعة عن المناصات الميقاتية للفصول ذات صفة ميقاتية أيضا أو مكانية، ولكنها أكثر تحديدا من المناصات الميقاتية الأولى حيث تقوم على تحديد الساعة وأحيانا الدقائق وفي أحيان أخرى تحدد الفضاء المكاني الذي تتحرك فيه الشخصية كأسماء الشوارع فصل (الصمت والموت) لتحدد فضاء الغرفة والمستشفى في فصل (رائحة الحزن) مما يفتح القراءة إلى اختبار تشكيل الفضاء المكاني في هذه الرواية بدراسات أخرى، والجدول (2) يبين طبيعة تفرع العناوين وترابطها الشبكي في هذه الرواية:

جاهلية

 

 

العناوين الداخلية

مناصات متفرعة عن العناوين الداخلية

مناصات متفرعة  عن  السابقة

 

سماء تهوي

مؤنس الخامس عشر من وعل

من العام الثاني عشر بعد عاصفة الصحراء

الثالثة فجرا :

 

ولم ير ملائكة قط

جبار الثالث عشر من وعل

من العام الثاني عشر بعد عاصفة الصحراء

الرابعة فجرا :

 

الصمت والموت

* أهون عشر من وعل

من العام الثاني عشر بعد عاصفة الصحراء

 

 

 

 

شارع الملك فيصل :

شارع الستين :

شارع المطار الطالع :

شارع الحزام :

شارع قباء النازل

شارع قباء الطالع :

شارع قربان :

 

* جبار الثالث عشر من وعل

من العام الثاني عشر بعد عاصفة الصحراء

الثانية فجرا( باب التمار ) :

 

رائحة الحزن

*مؤنس الخامس عشر من وعل

من العام الثاني عشر بعد عاصفة الصحراء

 

الرابعة والنصف فجرا ( غرفتها ) :

 

* شيار السابع عشر من وعل

من العام الثاني عشر بعد عاصفة الصحراء

السابعة مساء ( المستشفى ) :

الثامنة مساء ( المستشفى ) :

الحادية عشر مساء ( غرفتها ) :

 

* أول الثامن عشر من وعل

من العام الثاني عشر بعد عاصفة الصحراء

الواحدة والنصف فجرا ( غرفتها ) :

الثالثة فجرا ( غرفتها ) :

الرابعة فجرا ( غرفتها ) :

الرابعة والنصف فجرا ( غرفتها ) :

 

صك غفران

دبار الرابع والعشرون من عاذل

من العام الثاني عشر بعد عاصفة الصحراء

 

 

عطب

أهون الخامس من وعل

من العام الثاني عشر بعد عاصفة الصحراء

 

 

ما تحت اللون

*  دبار السابع من وعل

من العام الثاني عشر بعد عاصفة الصحراء

الحادية عشر ليلا :

الحادية عشر والنصف ليلا :

 

*  مؤنس الثامن من وعل

من العام الثاني عشر بعد عاصفة الصحراء

الواحدة فجرا :

الواحدة والربع فجرا :

الواحدة والثلث فجرا :

الثانية والربع فجرا :

 

غوغل يهذي

شيار التاسع عشر من المؤتمر

من عام حرب الصدمة والترويع

الثالثة فجرا :

 

 

الفصل الأول 

الممات من أسماء الأيام

الفصل الثاني

الممات من أسماء الشهور

           

جدول (2)

فقد كان نظام العنونة لدى ليلى الجهني نظاما وثيق الصلة بالفكرة التي تعالجها والرؤيا التي تتوخى الوصول إليها فالعناوين الداخلية التي كانت تحدد الفصول كانت عناوين للخطاب السياسي التوثيقي الذي ينقل أخبارا سياسية مرتبطة بحرب العراق والموقف الغربي والعالمي من هذه الحرب، أما العناوين الأخرى فهي تأتي بمثابة عناوين للحكاية التي تسردها والتي تمثل إسقاطا للخطاب السياسي الذي تثبته كحالة اقتباسية أي كاستهلالات فصلية تساهم في توسيع التأويل للخطاب السياسي و في تخطيبه ضمن الخطاب الحكائي. فقد جاءت العناوين على الشكل التالي (سماء تهوي) حيث تثبت الكاتبة تحت هذا العنوان خبرا عن موقف البيت الأبيض من العراق وأسلحة الدمار الشامل، ليأتي بعد هذا الخبر عنوان مناصي آخر على الشكل التالي (مؤنس الخامس عشر من وعل) وتحته مناص آخر (من العام الثاني عشر بعد عاصفة الصحراء) وبعد ذلك تحدد الزمن بمناص آخر ميقاتي تحدده بالساعة (الساعة الثالثة فجرا..) وهكذا كان نظام الفصول الأخرى حيث شكلت الإحالات الزمنية لديها إحالات مرتبطة بالتاريخ والإسقاط التاريخي الذي يعيد ما يحدث في هذا العالم إلى الجاهلية الأولى وكأنها لا تختلف عنها إلا بأسماء الشهور والأيام، وما دون ذلك فالعالم يرزح تحت جاهليات ر بما هي أقسى وأشد وطأة من الجاهلية الأولى التي كانت ترزح تحت ظل العصبية والدم والحروب التي في كثير منها كانت لأسباب تافهة أو أسباب لها علاقة بالمطامع الشخصية وتحقيق المصلحة القبيلة، وهذا ما يحدث في العالم.

 وقد استطاعت الكاتبة أن تسحب الخطاب السياسي رغم وثائقيته ومباشرته التعبيرية إلى الخطاب الحكائي في قصتها التي ترويها عن قصة الحب بين فتاة سعودية وبين شاب من أصل يمني أسود لتنقل لنا تلك التناقضات في المجتمع التي تنخر فيه إلى العمق، وضحية ذلك هو الإ نسان والوجود الإنساني والعلاقات الإنسانية، دون أن يختل الخطاب الروائي وفنيته، بل بالعكس استطاعت أن تبرز فنية استخدام الوثائق والأخبار في الخطاب الروائي بشكل يحيل إلى التساؤل والتأويل والربط والتحليل، للكشف عن العمق الآخر للرواية غير الوجه الظاهر للحكاية، مما يجعل من رواية جاهلية من الروايات التي أحكمت علا قتها بالفن الروائي وتقنياته وتجريبيته بشكل عميق كما أحكمتها على مستوى الطرح ومناقشة الموضوع أيضا، فكانت منسجة انسجاما تاما بين الفن وبين الموضوع لتنتج نصا روائيا يحمل خصوصيته فيه وتميزه في طبيعة الطرح الذي تطرحه الكاتبة، وهذا الأمر يؤكده الجهد الإبداعي الذي اشتغلت عليه هذه الرواية لتكون من الروايات التي تملأ حيزا مهما في المشهد الروائي العربي.

ولابد من الإشارة أيضا أنه رغم قصر الرواية على المستوى النصي إلا أن شبكة العنونة كانت ذات وظيفة ضرورية لخلق حالة من التفاعل بين الأزمنة، وحالة التفاعل بين الخطابات داخل النص الروائي، ليتشكل النص من خلال تأويل تلك العلاقة، وبالتالي انفتاح النص على تأويلات كثيرة مختلفة، لأن هذا النص هو من النصوص التي تستجيب للاختبار التأويلي على مستوييه الموضوعي والفني.

أما في رواية (طوق الحمام) التي انبنت على شبكة عنوانية واسعة مترابطة ومتشعبة وصلت في قسمها الأول إلى ثلاثة وستين عنوانا وفي قسمها الثاني إلى خمسة وثلاثين عنوانا داخليا، ليصبح الهيكل العنواني للرواية مؤلفا من ثمانية وتسعين عنوانا داخليا موزعة على فصول لا يتجاوز الفصل منها عدة صفحات، إضافة إلى الإشارات المناصية التي تتداخل مع البنية السردية للرواية كالعلامات المناصية الدالة على رسائل عائشة، والتي بلغ عددها موزعة على الفصول في قسمي الرواية إلى ثمانية وعشرين رسالة لم تكن مرتبة ترتيبا زمنيا تتابعيا وإنما كان ترتيبها ترتيبا متفاعلا خاضعا للتحقيقات التي يجريها المحقق ناصر في شأن الجثة في زقاق أبو الرووس، كذلك الأمر يمكن قوله بشأن يوميات يوسف وزواياه في جريدة أم القرى، والتي يتابعها المحقق ناصر، وغالبا ما يسترجع مقاطع منها تحفزه لاسترجاعها بعض الإشارات الدالة في مسار التحقيق.

وسوف نوضح تلك الشبكة التي انبنت عليها الر واية من خلال التوقف عند أحدها، بحيث يمثل أسلوبا تعاملت به رجاء عالم في جميع فصول الرواية خاصة في قسمها الأول، أما في قسمها الثاني فقد اكتفت بالمناصات/ العناوين الداخلية دون أن تتفرع تلك العناوين إلى مناصات ذات بنية اصغر، كما هو الحال في القسم الأول، خلا فصلين في آخر الرواية حيث عادت إلى هذا الأسلوب المناصي كما في فصلي (أزرق) و (الهجوم على شبكة المعلومات) لنرى رسائل عائشة وملحوظاتها قد عادت إلى الظهور كبنى صغيرة ف متفرعة عن العناوين الداخلية، وهذا الأمر هو ما يعيد الرواية إلى ما بدأته وهو البحث عن صاحبة الجثة.

وإذا بحثنا في الوظيفة الجمالية لهذه العناوين المتداخلة المتجادلة المتحاورة فيما بينها، استوقفتنا ظاهرة متصلة بالبنية السردية للمتن الحكائي في رواية (طوق الحمام)، وهي أن هذا المتن مبني على قصص وحكايات متشعبة بين الواقعي والأسطوري والفلسفي واليوميات والرسائل والملحوظات والمرفقات، إضافة إلى تعدد الضمير السردي مما استدعى مثل هذا الإجراء العنواني ليقوم بوظيفة إجرائية في الانتقال من حكاية إلى أخرى ومن حدث إلى حدث، ومن راو إلى آخر دون الوقوع في قلق الاضطراب في البنية السردية، وطبيعة تلقيها من قبل القارئ. تلك البنية التي حافظت على تماسكها وتفاعلها وجدلها الإبداعي من خلال الخيط الواصل فيما بينها، وهو البحث الذي يجريه المحقق ناصر، مستعينا بكل ما تقع عليه يده، سواء من رسائل عائشة أو يوميات يوسف أو أية إشارة أو دلالة تساهم في تفسير حدث ما، أو الكشف عن حقيقة شخصية ما في الرواية لها علاقة بالحدث من قريب أو بعيد.

وهذا التشعب في البحث هو الذي أتاح هذه البنية المناصية للرواية مما أضاف غنى مختلفا للرواية هذا الغنى الذي لم يؤطر الرواية في زاوية البعد البوليسي كما أشار البعض ولا في زاوية البعد الاجتماعي كما أشار آخرون، وإنما جعل منها رواية فلسفية عميقة الرؤى أ كثر من كونها بوليسية أو اجتماعية دون إغفال دلالتها البوليسية ولا دلالاتها الاجتماعية، وإنما تتضافر كل الدلالات لتحيك المرامي البعيدة للخطاب الروائي، ولعل هذا ما يفسره الاستهلال الأولي للرواية والمتمركز في الصفحات الأولى للقسم الأول مما يؤول النص تأويلات أوسع من تلك الإشارات إلى موضوعات محددة للوصول إلى العمق الإنساني من خلال البحث عن عالم يتحاور بالحب و يلتقي بالحب ويستمر بالحب، هذا الحب الذي كان المفتاح الأكبر والذي أخذ مساحة وأهمية تفوق المساحة والأهمية التي أخذها البحث عن صاحبة الجثة، بل وكأن الجثة كانت مفتاحا استهلاليا للبحث عن المفتاح الآخر، الذي يتشكل في داخل الكائن، ويتشكل في كنه الحياة الإنسانية على اختلاف تشكلاتها وتشعباتها وعلاقاتها اجتماعيا وإنسانيا ودينيا وثقافيا، على أن النص الروائي لم يخف الإشارات الأخرى كالإشارة إلى الأنثى والأنوثة والمرأة وصورتها وطبيعة العلاقات المحيطة بها اجتماعيا ونسقيا خاصة فيما يخص بنات زقاق أبو الرووس وعلى الأخص أكثر تركيزا/ عائشة/ عزة/ ومن ثم/ نورة/ حيث تشكل عزة مرآ ة لعاشة، وكذلك نورة تشكيلا آخر من تشكيلات عزة وهذا ما تكشف عنه شخصية نورة كما هو واضح في إحدى رسائل عائشة (من عائشة/ إعادة صياغة/ رسالة 48): «يا أنت قرأت كل تقارير أشعتي المقطعية أو المغناطيسية وفوق الصوتية وجداول علاجاتي ... قل لي: أهناك شيء أي شيء فيّ ما يزال حيا يستحق دهشة، خطوة أخرى للحياة، أفكر أن أجمع كل ذلك في حجاب وأدسه بعنق عزة لو جاءت لوداعي سأبوح لك بسر: عزة على حافة .. لتقفز .. أأنا مرآتها؟»(36)

هذه الإشارة إلى ما تشير إليه صورة المرأة وعلاقاتها وحمولتها الرمزية والإشارية في الرواية، يمكن البحث عن تأويلاتها في رسائل عائشة كطبقة نصية بالإمكان أن تكشف عن خصوصية هذ المرأ ة وكذلك الأمر بالنسية لدراسة يوميات يوسف ونوافذه المرتبطة في البحث عن خصوصية المكان والدفاع عن قدسيته بمواجهة الدمار القادم مع حداثة العصر، إضافة إلى حديثه عن عزة كصورة أخرى لوجه عائشة حيث تتداخل الشخصيتان في صورة واحدة تحفز البحث وتجعلهما في مقام تأويلي للوصول إلى الرؤى المضمرة في النص الروائي.

إضافة إلى بنية الرسائل التي تداخلت مع البناء السردي كخطاب آخر يتشكل معه ويساهم في تشكيله وتأويله، الخطاب الآخر الذي ساهمت فيه التفرعات المناصية وهي التفرعات التي تشير إلى زوايا يوسف ومقالاته ونوافذه الإلكترونية والتي تشكل بإشاراتها الزمنية في البنية الزمنية للخطاب الروائي، تأويلا للبنية الزمنية في ذلك الخطاب، مما يؤدي إلى تعميق الرؤى التأويلية المتصلة بالمضامين التي تقوم عليها هذه الكتابات سواء الرسائل أو الزوايا الصحفية التي تنبني على الكشف عن إشارات دلالية إو إشارات متصلة بالبحث العام في الرواية دون إغفال الإشاراة إلى موضوعات أخرى متداخلة مما يجعلها طبقة نصية متضافرة مع طبقة الرسائل كخطاب متفاعل مع الخطاب السردي.

ويمكن الملاحظة أن هذه العنا وين لم تكن دائما عناوين ذات طاقة إيحائية إذا ما درسنا ذلك ضمن الرؤية العنوانية التي تحملها عناوين رجاء عالم والطاقة الإيحائية والتأويلية التي تنبني عليها، حيث كانت العناوين الداخلية في روايتها الأخيرة مستلة في معظمها من داخل الفصل ولم تكن حالة تكثيفية تساهم في تمدد الرؤية في النص، أي أنها كانت حالة لاحقة للنص ولم تكن سابقة عليه، أو مناصات يمكن الكشف عنها من خلال تأويل الفصل والبحث في خطه الدرامي والرؤيوي، أي تم وضع معظمها بعد الإنتهاء من إنجاز النص السردي، ولم تكن سابقة عليه بحيث جاءت كحالة تقسيمية لمفصلة العمل السردي، لتؤدي وظيفة أخرى متعلقة بالمتلقي وهي التخفيف من عبء الحجم الكبير للنص، مما يوقع القارئ في حالة من الملل وعدم المتابعة، فلعب هذا التقسيم على ضرورة قليله، دورا في تخفيف حدة السرد البصرية وتشابكه الموضعاتي، مشكلا مفاصل للتنقل والربط والتشابك، وهذا ما يتوضح في الكثير من الفصول، حيث تأتي العناوين لتشير إلى فكرة ضمن الفصل، أو شخصية، أو مكان ما، أو حدث يمكن أن يكون له علاقة بمجريات التحقيق، أو مجريات الأحداث التي تتشكل منها الرواية، ويمكن الاستهداء إلى ملفوظ العنوان ضمن الفصل بتركيبته ذاتها، مما يخفف من حمولته الإيحائية والتكثيفية والرؤيوية في النص ذاته، وفي العمل السردي بشكل عام، ومما يؤكد هذه الوجهة، أن بعض العناوين يمكن أن تكون تفريعات لعوان واحد، بالإمكان الاستغناء عنها، والاكتفاء بذلك العنوان كما هو الحال في عنوان (أبو الروس) مثلا وهو الفصل الأول من الرواية من القسم الأول حيث يقوم المكان وهو زقاق أبو الروس برواية سيرته، وسيرة الكائنات التي يتشكل منها، وكان بالإمكان أن تستمر الأحداث في هذا الفصل دون أن تتمفصل إلى عناوين أخرى إضافية في هذا الفصل، إلا أن الكاتبة آثرت أن تعنون كل فكرة في هذا الفصل إلى عناوين ذات بنية أصغر من البنية الكبيرة للفصل فكانت هذه العناوين إشارات إلى قضايا أو أشياء يمكن أن يغفل عنها القارئ، فجاءت لتنبه القارئ إليها لأنها تساهم في الكشف عن خفايا زقاق أبو الرووس، حيث يتشكل هذا الفصل من العناوين التالية (الثوب ـ ما قبل الجثة ـ الجثة ـ غيابة الزير ـ بنات ملائكة) وكل هذه العناوين متصلة بزقاق أ بو الرووس مما يؤكد أنها كانت لاحقة في التموضع، ولم تكن سابقة لأن وجودها كان مرتبطا ببعض الإشارات داخل الفصل المعنون بـ (أبو الرووس).

ولعل الجدول (3) يوضح تلك الشبكة العنوانية المناصية للرواية، حيث يبرز ذلك الجدل والحوار بين تلك الفصول من خلال مناصاتها، ومن خلال التفرعات الداخلية المتفرعة عن تلك المناصات أي الرسائل وتبعاتها والزوايا الصحفية.

طوق الحمام

لبيت جدي عبد اللطيف

القسم الأ ول

 

القسم الثاني

ابو الروس

مدريد 2007

الثوب

أرق

ما قبل الجثة

الأمبراطور سوبر

الجثة

كافيار

غيابة الزير

دابة

بناء الملائة

بحمرة الزبالة

مصادرات

6 ابريل 2001

نافذة لعزة

30 أغسطس 2004

كفن لعزة

20 سبتمبر 2004

نافذة لعزة

المفتاح بشربة

قراءة قدم

 

وهل ترك لنا عقيل من ظل

عائشة ( احتمال أولي لجثة )

12 اكتوبر 2004

سأسقط

من عائشة / رسالة 2

من عائشة :

خفف الوطء

شذرات

من عائشة / رسالة 3

ملحوظة :

ملحوظة 2 :

خطواتها

الأمير

 

بين حرمين

نافذة لنافذة

من عائشة : رسالة 4 :

اسماعيل

عزة احتمال قوي لجثة

 

موت الأنبياء

الواحد

ما عائشة / رسالة 5 :

موصلات

ضلع يوسف

 

مثلث قراءة

ذاكرة على الرف

6 فبراير 2000 :

أطايب

حية السكينة

 

بلوغ

الطيار

 

من عائشة / رسالة 10

ملحوظة

رسم

ابو براقع بمواجهة أ بو ونان

3 مارس 1995

قرون الشيطان

نساء عاشقات

من عائشة / رسالة 5 :

ملحوظة 1 :

ملحوظة 2 :

ملحوظة 3 :

مرفق :

الدفن

أشعة سينية

نافذة لعزة :

16 أغسطس 2005

حجاب

وسواس

من عائشة / رسالة 7 :

مرفق

ملحوظة 1 :

دون كيشوت

المرشحون للنار

 

شجرة ورق الحائط

الذين يلتقون عزرائيل

هبوط ليلي

يابس النزاح

شجرة ورق

فساد

عائشة / رسالة 8 :

مرفق 1 : صورة

ملحوظة :

ملحوظة 2 :

بندق

دخان تفاح

 

اعلام

معاذ / مستقبل غيبي 

تجريد ماض

ابراج البيت

إرادات

الشنطير

رسالة رقم 9 : من عائشة :

ملحوظة :

 

أزرق

من عائشة / اعادة صياغة لرسالة 48

ملحوظة مستحيلة

ملحوظة :

ملحوظة 2

ملحوظة 3

ملحوظة أخيرة

ملحوظة :

 

بردة البوصيري

من عائشة / رسالة 11 :

ملحوظة :

كف ابراهيم

الأمبراطورة الحمارة

 

هجوم على شبكة المعلومات من عائشة / رسالة 90 :

من عائشة / رسالة 66 :

من عائشة / رسالة 77 :

ملحوظة :

مهر البنات

 

وردي

غشاء مطاطي

تكة

بنت البقجة وزمن الديناصور

من عائشة / رسالة 10 :

ملحوظة 1 :

ملحوظة 2 :

ولاعة

عين وعين

 

 

مانيكان

2 مارس 2004 :

11 مارس 2004

ديسكفري

من عائشة رسالة 11 :

مرفق

ملحوظة 1 :

ملحوظة 2 :

اعتاق

6 يونيه 1995 :

خط دائري

20 يونيه 2000

من عائشة / رسالة 18 :

ملحوظة1 :

ملحوظة 2 :

جهيمان

 

أم كلثوم ( الآهات )

6 أكتوبر 2005

من عائشة / رسالة 19

مرفق :

بنك معلومات

20 يناير 2003

من عائشة رسالة 20 :

ملحوظة :

دخلة

من عائشة / رسالة 21

ملحوظة:

وجود ضوئي

من عائشة / رسالة 22 :

المخمل

من عائشة / رسالة 23

ملحوظة:

ملحوظة 2 :

ملحوظة 3 :

مرفق 2 :

مرفق 3 :

جميلة

1 يناير 2005

شَعر

 

نافذة لعزة

2 ديسمبر 2005

من عائشة / رسالة 24

مرفق 1 :

ملحوظة 1 :

ملحوظة 2 :

ملحوظة 3 :

 

اعتذار لعزة

6 أبريل 2006

من عائشة / رسالة 25

ملحوظة 1 :

ملحوظة 2 :

مرفقات سرية :

مرفق :

12 ديسمبر 2005

نصف قمر حناء

 

ضياع الحزن

حقيقة جسدية

من عائشة / رسالة 26 :

ملحوظة :

ملحوظة 2 :

قشرة زفت

 

دوار

5 يونيه 2006

من عائشة / عاجل :

8 يونيه 2006 :

9 يونيه 2006 :

12 يونيه 2006 :

15 يونيه 2006 :

من عائشة / رسالة 27

ملحوظة 1 :

ملحوظة 2 :

من عائشة / رسالة خارج الترقيم

ملحوظة 1 :

من عائشة / رسالة صفر :

ملحوظة 1 :

ملحوظة 2 :

ملحوظة 3 :

فشل جيد

ملحوظة :

30 يونيه 2006 :

قفلة

 

حركة أولى : كاديلاك

حركة ثانية : بأس

حركة ثالثة: إفك

علبة بيبسي

حركة رابعة : اتجاه القبلة

هزاز

ويمكن التمثيل لبنية الرواية المناصية من خلال أحد الفصول وهو فصل (طريق دائري) حيث تبرز حركة الشخصية الجسدية المرافقة لحركته الذهنية وتداخله مع حركة المكان والزمان، بعلاقات جدلية تفضي إلى بنية سردية متماسكة متداخلة، ففي هذا الفصل نجد تعدد الأصوات والرواة والحكايات فقد نجد الراوي العليم الذي يتابع رواية أحداث الرواية إضافة إلى الرسائل التي تروى بضمير المتكلم والزوايا الصحفية التي تضمر روايها/ كاتبها كزوايا يوسف ونوافذه، حيث تتناسل الحكايات من بعضها مما يذكرنا ببنية ألف ليلة و ليلة، وهذه البنية تنسحب على البنية الكلية للرواية.

يبدأ هذا الفصل بقيام ناصر المحقق بمراجعة جداول المسافرين على الخطوط السعودية ليكشف أن (أحمد) زوج عائشة قد استقل الطائرة المتجهة إلى الدار البيضاء فجر الجثة، وهنا تبدأ إشارة أخرى حيث أن ظهور أحمد المفاجئ وانسحابه يرشح عائشة للموت، هكذا اكتشف المحقق ناصر، لتتابع الكاتبة وقفتها الوصفية التي توصف الإختناق المروري الذي تنحصر فيه سيارة المحقق وهذا الإختناق لم يكن إلا كحركة محفزة على تكشف إشارات أخرى تساهم في البنية الدرامية للنص، وفي الكشف عن المزيد من العلاقات المتشا بكة في طريقة البحث الإجرائي الذ ي يقوم به ناصر وهذا الأمر أيضا خفف من وطأة تعطيل السرد الذي تقوم به الوقفة الوصفية، فقد كان السرد متداخلا مع ال وصف ومع الحركة الداخلية للنص، إضافة إلى أنها كانت تقدم الإطار المكاني والزماني للمشهد الدرامي الذ ي يؤديه ناصر، في لملمة الخيوط التي ترتبط في حدث الجثة، ومحاولة تفعيل خبرته البوليسية التي تجعلة يستعين بكل شيء من أجل الوصول إلى غايته في البحث، دون أيغفل أي خيط مهما كانت صلته بحدث الجثة. هذا إلى جانب الكشف عن الحركة النفسية داخل التركيبة الداخلية لناصر، خاصة عندما يتأمل الناس في صحن الطواف، بحر الأكتاف العارية للرجال ووجوه النساء المكشوفة والتي تقتضي أضحية فيما لو مسها حجاب، وهنا تطرح قضية الحجاب وقضية العلاقة مع المكان المقدس حيث المرأة في هذا الطقس عطلت الحركة الداخلية والنفسية لدى ناصر، فتمنى لو شاهد عائشة أو عزة في صحن الطواف.

 ثم تأتي حركة درامية لتحرك المشهد الدرامي وهذه الحركة تنهض عندما يشتري ناصر جريدة أم القر ى ليتابع زاوية يوسف بعنوان (إطلالة على المعلاية) ليقرأ جزءا منها، ثم يتابع طريقه، بعدها يعود إلى القراءة فتنقلنا الكاتبة إلى تلك الزاوية كاملة حيث تنقلنا إلى الحديث عن الموت بعدها تعود بنا الكاتبة من خلال الراوي العليم، وعندما ينتهي الإختناق المروري ويتحرك ناصر في زقاق يدعى (السيد الشنقيطي) يبدأ السرد بالتحول إلى حكايات أخرى تحفز ذهنه من خلال المحفز وهو اسم الزقاق (السيد الشنقيطي) ليتجه السرد إلى تلك الحكاية وصاحبها وكراماته التي يروي بعضا منها ليأخذنا السرد بعدها إلى حكايات أخرى لا نجد لها مبررا في البنية العامة للرواية إلا بعد الانتهاء من الفصل حيث تنكشف تلك العلاقة عبر الخيوط المخفية التي شكلتها الكاتبة ثم كشفت علاقاتها فيما بعد، كالرجل الأ سود الذي يقول له بعد أن يصافحه (الحريم تأتي بالسكاكين، بعضنا يقرأ طرفها الحاد.. أنت ستفعل.. لكن تمهل فلا تقرأ بقلبك.. نحن لا يد لنا فيها.. الحريم بلوى الحريم) وخلاه وتلاشى في الزقاق.. لتشكل كلمة السكاكين إشارة لناصر المحقق للإنتقال إلى إلى زاوية من زوايا يوسف الإلكترونية ليستعيدها في ذهنه والتي تروي حكاية السكاكين التي جرت في أمارة مكة، وييسترجع من خلال كلمة الحريم رسالة محفوظة بأرشيف رئيسه منذ عشرين عاما كانت تأتي على شكل منشورات النصح التي اجتاحت مركزهم، موقعة باسم الدكتورة فريدة فاعلة خير. والتي تتضمن طريقة للخلاص من جيوش العمالة الإفريقية غير النظامية بأن يقام معسكران، واحد للنساء في صحراء النفود وآخر للرجال في صحراء الربع الخالي، ومن خلال هذا العزل سينتهون مع الزمن من خلال تعطيل التناسل، وبالتالي تعطيل الحياة، ودون اي لوم من أية جهة.

وبعد هذه القصة التي يكشفها من خلال زاوية ليوسف ومن خلال رسالة محفوظة في أرشيف رئيسه ينتقل بنا إلى صورة مشبب التي كانت معلقة في بستانه والتي استطاع أن يربط بينها وبين الرجل الأ سود وبين الدرويش الشنقيطي، وعندما يذهب ليبحث عن الصورة لا يجدها في مكانها فيعود إلى مكتبه، ويربط بين ما حدث معه بشأن صورة مشبب وبين رسالة من رسائل عائشة تتحدث فيها عائشة على لسان عزة التي تروي قصة مشبب مع الشيخ خالد الصبيخان وكيف كان مشبب يهرب الحشيش لإبنة الصبيخان..داخل مظروف إلى داخل القصر، وماهو المصير الذي كان يمكن أن يلقاه إلى آخر ما تكشف عنه هذه القصص.

 ولسنا هنا بصدد تحليل القصص وعلاقاتها المتداخلة وإنما الذي يهمنا هو هذه البنية المناصية التي يكشف عنها هذا الفصل والتي تنسحب على البنية الكلية للرواية، لتصبح الرواية بهذه البنية من الروايات التي تتحاور فيها الخطابات كما تتحاور الشخصيات كما تتحاور الأمكنة والأزمنة والأفكار، حيث قامت هذه المناصات بدور مهم في التشكيل الهيكلي للرواية وفي التشكيل البنائي الفني، وفي التشكيل الموضوعاتي، لتنهض بهذا البناء الفني المختلف.

وفي المجمل نستطيع القول أن العناوين لعبت دورا مهما في تكثيف التفسير وتكثيف المعنى، وخلق الوشائج المتصلة بالعنوان العام، بحيث شكل الجميع بؤر إضاءة يمكنها أن تضيء جوانب من الغموض الذي يكتنف النص السردي، ويمكن أن تساهم في كثير من الأحيان بشد القارئ بما تقوم به من وظائف إغرائية اغوائية تحفزه على المتابعة والقراءة والتأمل. ولعل الروايات التي درسناها كانت نماذج للتعامل مع هذا النظام بأشكال مختلفة وبفنيات متفاوتة مرتبطة بطبيعة الموضوع وبطبيعة استعماله فنيا بما ينسجم مع الفن الروائي ومع الخطاب الروائي النسائي في المملكة العربية السعودية، ومدى فهمها واستيعابها لنظام العتبات مما يضعها في مقامها الذي تستحقه في دائرة الخطاب الروائي العربي.

 

هوامش
(1) بلعابد. عبد الحق، عتبات (جيرار جينيت من النص إلى المناص) منشورات الإختلاف الجزائر والدار العربية للعلوم ناشرون بيروت، الطبعة الأولى 2008 ص 26
(2) م ن، ص 28
(3) العليان، قماشة، عيون قذرة، دار الكفاح للنشر المملكة العربي ة السعودية ـ الدمام، ط 3، 1428 هـ
(4) عالم، رجاء، طوق الحمام، رواية، الطبعة الثانية 2011، المركز الثقافي العربي المغرب، حائزة على جائزة بوكر لل رواية العربية 2010
(5) الأحيدب، ليلى، عيون الثعالب، رياض الريس للكتب والنشر بيروت، ط1 2009
(6) الجهني، ليلى، رواية جاهلية، دار الآداب، بيروت، ط2 2008
(7) م ن، ص 65
(8) م ن، ص 67
(9) حسين. د. خالد حسين، في نظرية العنوان (مغامرة تأويلية في شؤون العتبة النصية) دار الكوين ـ جمشق، الطبعة الأولى 2007. ص 6
(10) عتبات، م س، ص 71
(11) نظرية العنوان، م س، ص 41 عن جميل حمداوي السيميوطيقا والعنونة، ص 83
(12) م ن، ص 60
(13) م ن، ص 76
(14) م ن، ص 77 ـ 78
(15) موقع شرفات عسير  
http://www.asirgate.com/forum/showthread.php?t=19283
(16) النادي الأدبي في المدينة المنورة
http://www.adabimadina.net/atam.php?action=view&doo=text&id_text=117&id=9
 (17) صبري حافظ، مجلة الكلمة الإلكترونية العدد 32
http://www.alkalimah.net/article.aspx?aid=2542
(18) يقطين، د. سعيد، جمالية الشكل الروائي في الجزيرة العربية، مجلة علامات في النقد، ج 68، مج 17، صفر 1430 هـ، فبراير 2009
(19) طوق الحمام، ص 7
(20) م ن، ص 38
(21) م ن، ص 503
(22) م ن، ص 27
(23) م ن، ص 490
(24) م ن، ص 490
(25) م ن، ص 494
(26) م ن، ص 498
(27) م ن، ص 503
(28) م ن، ص 506
(29) م ن، ص 505
(30) م ن، ص 5
(31) م ن، ص 5
(32) م ن، ص 6
(33) هذا المصطلح وظفه د. سعيد يقطين في أكثر من دراسة وقد بينا ذلك في دراسة منفردة حول اختبار الطبقة النصية في رواية جاهلية
(34) صبري حافظ، م س
(35) م ن
(36) طوق الحمامة، م س، ص 545