تفتتح (الكلمة) بهذا العدد الممتاز سنتها السابعة، بعد أن تواصلت مسيرتها لست سنوات وتعزز حفاظها على استقلالها، بفضل فدائية أسرة تحريرها الصغيرة، وتفانيهم وإيمانهم بمشروعها العقلي في زمن يزداد فيه زحف الظلام على العقل العربي. وبفضل التفاف القراء حولها حتى تجاوز عدد من يدخلون موقعها كل شهر النصف مليون.

منارة للعقل أمام زحف الظلام

افتتاحية

تفتتح (الكلمة) بهذا العدد الممتاز سنتها السابعة، وبعد أن تواصل صدورها بانتظام لثلاث سنوات بعد الضربة الغادرة التي تلقتها من اللص الكويتي وشركة «صخر» بسرقة أرشيفها، وحرمانها من مواردها. وهي ضربة خسيسة أثرت على مشروعها وعرقلت مسيرته المتنامية، إذ اضطرت بعدها للتوقف لشهور أربعة، فقدت فيها الكثير، ولكنها سرعان ما استعادت سيطرتها على مشروعها وواصلت مسيرتها الأدبية والثقافية، واستعادت ثقة قرائها بانتظامها من جديد في الصدور في موعدها مع القارئ كل شهر. وبرغم هذه الضربة الغادرة فقد تواصلت مسيرة المجلة وتعزز حفاظها على استقلالها، بطاقة دفع متواصلة وزخم قوي، بفضل فدائية أسرة تحريرها الصغيرة، وتفانيهم في العمل بها دون أي مردود إلا المردود الأدبي والثقافي، وإيمانهم بمشروعها العقلي والتنويري في زمن يزداد فيه زحف الظلام على العقل العربي. وبفضل التفاف القراء حولها حتى تجاوز عدد من يدخلون موقعها كل شهر النصف مليون في الشهرين الأخيرين، بعد أن كانت قد تريثت طويلا حول رقم الأربعمئة الف متصفح كل شهر.

لذلك فإنني و(الكلمة) تدخل بقوة إلى سنتها السابعة وقد تجاوزت حاجز النصف مليون متصفح في الشهر، أبدأ الحديث عن عام (الكلمة) الجديد بالتعبير عن تقديري وشكري للجهود التي يبذلها أعضاء أسرة تحريرها معي (أثير محمد علي، وسلام إبراهيم، وعبدالحق ميفراني، ومنتصر القفاش) دون كلل بالرغم من انعدام الموارد والمردود المادي كلية. وبروح تطوعية عالية ونبيلة تحدوها الرغبة في خدمة الثقافة العربية العقلية والمستقلة، وفي تأكيد سلامتها كثقافة جديرة بعصرها، بعد أن وجهت إليها الكثير من النصال. حيث نعمل معا كفريق يسعى لطرح منبر مختلف كلية عن المنابر المعهودة التي تقف وراءها الأموال الوفيرة، والعقول الهزيلة، والغايات المشبوهة في كثير من الأحيان. لأن (الكلمة) التي جعلت شعارها من البداية أنها مجلة لحراس الكلمة كقيمة فكرية وأخلاقية نبيلة، وليست لكلاب الحراسة الذين يوطئون الثقافة لخدمة السلطة، استطاعت بحق أن تتميز عن غيرها من المنابر الإليكترونية منها والمطبوعة. وأن تنأى بنفسها وبمشروعها عن مواطن الشبهات وهي كثيرة. وأن تتحول بحق إلى منارة للعقل العربي الراغب في أن يعيش عصره وأن يتقدم فيه.

كما نود جميعا كأسرة لتحرير (الكلمة) أن نعرب عن امتنانا لالتفاف الواقع الثقافي حول مجلتنا ودعمه لها، وتأييده لمشروعها. ونبدأ هنا بشكر كتابنا الذين يبعثون إلينا على الدوام بموادهم كي تظهر على صفحات (الكلمة) وهم يعرفون أنه ليس هناك مكافأة مادية تنتظرهم في نهاية الأمر، وإنما هو الإسهام في منبر رصين، والتأكيد على استقلال المثقف والثقافة في عصر يخضع فيه كل شيء للتسليع. وتحتاج فيه القيم الأدبية والأخلاقية الأساسية للتذكير بأهميتها على الدوام. كما لا يفوتنا أن نتوجه بالشكر لعدد كبير من المحررين الثقافيين في الصحف والمواقع والمنابر الأدبية والثقافية المختلفة لاحتفائهم ببيانها الشهري، ونشرهم له بالكامل، أو حتى مجتزأ حسب دواعي التحرير في كل منبر. لأن هذا الاحتفاء ينبه القراء إلى ما تطرحه عليهم كل شهر، ويدير أحيانا حواره الثقافي والعقلي الجديد مع ما نقدمه. ويكرس حضور مجلتنا في الواقع الثقافي ويعزز التفاف القراء حولها. خاصة وأن المجلة الشهرية الرصينة تحتاج إلى من ينبه القراء إليها، ويجتذبهم دوما لما تطرحه من جديد.

وقد كان رهان الكلمة من البداية على القارئ الشاب الذي حرمه الزمن العربي الرديء من الموارد التي تمكنه من شراء منتج ثقافي جيد: حرمه من هذا الأمر مرتين، أولاهما بغياب المنتج الثقافي الجيد في زمن تكاثرت فيه المنابر المشبوهة والمغشوشة، وثانيهما بحرمانه من الدخل الكريم الذي يتيح له شراء الكتب والمجلات الأدبية التي يزداد ثمنها، وينأى تدريجيا عن إمكانياته بعدما أكل التضخم معظم القوة الشرائية لدخولهم المحدودة، أو المعدومة، حيث تصل البطالة بين شباب المتعلمين في عالمنا العربي معدلات غير مسبوقة، ولا مثيل لها في أي منطقة أخرى من العالم. نقول كان رهان (الكلمة) على الشباب العربي الذي يحتاج إلى منبر يعلي من شأن القيمة الأدبية والأخلاقية والعقلية في عالم استشرى فيه الإسفاف، وتآكلت المثل والأخلاق، صحيحا، لأنها ما أن مرت عليها ثلاث سنوات من الصدور حتى أخذت شعلة الرفض التي رعتها وهدهدت جذوتها، تشعل نيران الربيع العربي في كل مكان. وتُعمل مضاء العقل والقيم الأخلاقية معا في الكشف عن استحالة استمرار الوضع العربي المتردي، وقد فقدت فيه السلطة والمؤسسة الحاكمة شرعيتها ومشروعيتها. وتفتح الأفق أمام أمل جديد في النهوض والتغيير.

وقد حرصت (الكلمة) في العامين الماضيين على رعاية جذوة الربيع العربي، والاهتمام بالحوار العقلي الجاد مع كل تحولاتها ومبادراتها، وتوفير كل ما يحميها من الخمود، ورد رياح السموم والثورة المضادة التي تسعى لإطفاء شعلتها عنه. كما حرصت على مواصلة رسالتها في إعلاء شأن القيمة الأدبية والعقلية والأخلاقية معا، لأن كل هذه القيم تتضافر ولا تتجزأ. وواصلت دورها في دعم الإبداع العربي الحر والعقل العربي المستقل. وهو دور تدرك (الكلمة) أن الحاجة إليه لاتزال قوية، بل في تزايد، في زمن أخذ فيه التخلف والظلام مدعوما بتاريخ طويل من التنظيم، وبدعم سياسي ومالي قوي من مراكز الثورة المضادة وأعداء الوطن العربي والحلم العربي، يزحف على الربيع العربي، ويسعى للإجهاز على كل ما حققته مسيرة الأنسان العربي الحالم بعالم أفضل، والنكوص به إلى دياجير عوالم ماضوية لا خير فيها. في زمن المتاجرة بالدين، والتذرع به لنشر الخرافة والتخلف، وتمرير مخطط أعدائنا المسموم، تزداد الحاجة إلى (الكلمة) وإلى كل ما تمثله من قيم العقل والحرية والاستنارة.

لذلك تفتتح (الكلمة) عامها السابع بهذا العدد الممتاز الذي يتجاوز الستمئة صفحة لو كان مطبوعا، ويضم بين طواياه أكثر من كتاب. فبالإضافة إلى رواية العدد الكبيرة التي جاءت هذه المرة من العراق وكتبت عن أوجاعه بعد الغزو الأمريكي وقبله، هناك روايتان قصيرتان، أولاهما من تونس، والثانية مترجمة عن الروائي الأمريكي الكبير وليم فوكنر. وهناك كتاب عن مو يان الأديب الصيني الذي حصل على جائزة نوبل هذا العام، يتكون من أشمل دراسة ضافية عنه بالعربية، وأول حوار طويل معه بها، وترجمة لفصل من آخر أعماله. وكتاب آخر عن رائعة الطيب صالح «موسم الهجرة إلى الشمال»، ومجموعة قصصية من البحرين، وديوان شعر من مصر، وملف عن «الأدب والثقافة الرقمية»، فضلا عن عدد كبير من الدراسات النقدية عن القصة الفلسطينية والرواية السعودية والعمانية والليبية، وقضايا الأنساق الثقافية العربية، أو النخبة الجزائرية ودراسة ضافية عن العلاقة بين الفن والسلطة عبر التاريخ، وغيرها من الدراسات التي تتابع زخم الواقع الثقافي العربي، وتقدم للقارئ بعض أحدث إبداعاته في القصة والشعر والمسرح والفن التشكيلي. فضلا عن متابعتها المستمرة لقضايا الربيع العربي وتناولها لمساراته وهمومه، كي تظل ضميرا للواقع الثقافي العربي، ونبراسا للعقل العربي المتشوف للتقدم والتغيير.