في العيد الثاني للثورة التونسية التي فجرت الربيع العربي تقدم الكلمة هذا الحوار الفكري حول مآلاتها ومسارات الربيع العربي في بلدانه المختلفة وخاصة مصر، يحلل فيه الباحث والمفكر التونسي الظاهرة ببصيرة وعمق، ويكشف عن الكثير من المهاوي التي وقعت فيها مسيرة الثورة وقد انتهكتها الثورة المضادة.

الاستقطاب العلماني ـ الإسلامي ثنائية مغلوطة وخطيرة

حوار مع الدكتور محمود طرشونة

خالد الحداد

الدكتور محمود طرشونة وهو ناقد وروائي وأستاذ التعليم العالي بالجامعة التّونسية له العديد من المؤلفات والمقاربات في الأدب وخاصة الأدب المقارن واللغة. ندير معه هنا حوارا بصيغة جديدة ترتكز على معرفة وجهات نظر الجامعيين والأكاديميين والمثقفين حيال مختلف القضايا والملفات ووفق معالجات نظريّة فكريّة وفلسفيّة وعلميّة تبتعد عن الالتصاق بجزئيات الحياة اليوميّة وتفاصيل الراهن كثيرة التبدّل والتغيّر، تبتعد عن ذلك الى ما هو أبعد وأعمق حيث التصورات والبدائل العميقة اثراء للمسار الجديد الّذي دخلته بلادنا منذ 14 جانفي 2011.

في فضاء للجدل وطرح القضايا والأفكار في شموليتها واستنادا الى رؤى متطوّرة وأكثر عمقا ممّا دأبت على تقديمه مختلف الوسائط الاعلاميّة اليوم، انّها «مبادرة» تستهدف الاستفادة من «تدافع الأفكار» و«صراع النخب» و«جدل المفكرين» وتباين قراءات الجامعيين والأكاديميين ـ من مختلف الاختصاصات ـ ومقارباتهم للتحوّلات والمستجدّات التي تعيشها تونس وشعبها والانسانيّة عموما اليوم واستشرافهم لآفاق المستقبل.

·        كيف تنظرون إلى مستجدّات الساحة العربية في ما بات يعرف بربيع الثورات العربية؟

** الربيع العربي كذبة كبرى صدّقناها بكلّ سذاجة لأنّنا نحسن الظنّ في شعوبنا، وحلمنا بتغيّر الحال إلى الأفضل والأرْقى علّنا نلتحق بركْب الأمم المتقدّمة التي بنت حضارتها ونمّت قدراتها وتجاوزتنا بأشواط كثيرة لأنها أقامت بنيانها على أسس ثابتة أهمّها سلطة المعرفة والعقلانية وخاصة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحرّية الإبداع والتفكير والتعبير. وهذا في الحقيقة كان منطلق ثورتنا أيضا في تونس، يوم هبّ الشعب بأكمله وبمختلف أطيافه الفكرية ومستوياته الاجتماعية ينادي بصوت واحد برحيل الاستبداد وجلاّديه والفساد ورموزه، ويطالب بالحريّة والكرامة والتشغيل. هذا في الظاهر وفي ذهن أغلبيّة الشباب الذين أقدموا على التضحية بأرواحهم. ويوم سقطت دولة الفساد والدكتاتورية، شعر الناس بارتياح كبير بل ببهجة عارمة وبنخوة الريادة وفتح طريق التحرّر لبقية الشعوب العربية. وجاء الإعجاب بالطريقة السلميّة التي تمّت بها الأمور من جميع نواحي الدّنيا، وتوهّمنا أنها بداية الخلاص والفوز الكبير، وأنّنا حتما سنسير على درب الحرية والتقدّم للالتحاق بركْب الحضارة الكونيّة، متحرّرين من جميع القيود التي كانت تكبّل الإبداع في جميع المجالات، الثقافية منها والاقتصادية والتكنولوجيّة. وهنّْأنا أنفسنا بقرب الانخراط الفعلي في سلّم قيم حقوق الإنسان الكونيّة، ورأينا استقلالية القضاء وشيكة، وحريّة الإعلام على الأبواب، والمساواة المطلقة بين الذكور والإناث في جميع الحقوق قادمة، وقلنا وقال لنا العالم إنّه الربيع العربي.

ولكن ما لم يكن يعلمه شباب 17 ديسمبر 2010، ومِن قبله عمّال الحوض المنجمي في 2008، ومن بعدهم جلّ الشعب التونسي يوم 14 جانفي 2011، هو أنّ فئات أخرى كانت تعمل في الخفاء من أجل مشروع آخر، وتتربّص بالثورة تنتظر نجاحها لتنقضّ عليها، وتحوّلها لصالح مشروعها المناقض تماما لمشروع من نزل إلى الشارع وعرّض صدره للرصاص، وعينيه للقنابل المسيلة للدموع، وجسمه للهراوات. رجال ونساء من المنافي جاؤوا، ومن سجون الاستبداد خَرَجوا، متعطّشين للحريّة في البداية، ثم للجاه والسلطة انتقاما من سنوات القهر، ثم للمال تعويضا لما حرموا منه سنين، رافعين راية الإسلام، يفهمونه كما تُريده مصالحهم، أو ما يُريده لهم مُصَدّروه ومُموِّلوه وحُمَاتُه من بني عبد الوهاب. وما كان الحلم يتحوّل إلى كابوس’ لو لا الإصرار على فرض المواقف والعقائد، ليس بالاستبداد ومصادرة الحرّيات والقمع الأمني – وإن كانت أساليبهم لا تخلو منها أحيانا – بل بتسريبات خفيّة ودقيقة في مشاريع القوانين وخاصة منها الدستور. ظاهر الخطاب يبشّر بدولة مدنية، وباطنه يخفي العزم على اغتيال الديمقراطية بعد استغلالها للوصول إلى السلطة والمحافظة عليها بجميع الوسائل، وإلى اقتسام الغنائم، الماديّة منها والمعنويّة، في تنكّر ظاهر لطموحات الناس، وصلَف الغالِب على المنافس، ولكنّها غلبة حقّقتها طيبة التونسيين وحسن ظنهم وتصديقهم للوعود.

وتحوّل الربيع التونسي إلى خريف قاتم، بل إلى شتاء حزين خابت فيه الآمال، واغتيلت الأحلام، وانتشر فيه العنف بمختلف أصنافه، آتيا من مصادر مختلفة، من عمليّات سَطو المنحرفين على الممتلكات الخاصّة، وعمليّات بعض التنظيمات المؤمنة بالرأي الواحد، والموقف الواحد، وخليفة واحد، تريد فرْضه بالقوّة على جميع الاتجاهات الأخرى مستبقة صناديق الاقتراع ومُوجّهة لها.

وقس على ذلك ما حدث – ويحدث – في بلدان ما سمّي خطأً بالربيع العربي. فما عجزت الثورات الأخرى عن فعله سلميّا – كما حدث في تونس ومصر – فعلته بقوّة السلاح في ليبيا، وتفعله على جثث عشرات الآلاف من القتلى في سوريا، وبأمر بين بين في اليمن. كلّ ذلك لبلوغ نفس الغاية تقريبا: فرض توجّه بعينه ينفرد بالسلّطة عن طريق الديمقراطية قبل دفنها إلى الأبد والعودة إلى الحكم المطلق كما عُرِف في التراث العربي الإسلامي المجيد. وهذا ما بلغَته مبكّرا مصر حيث حلّ فرعون محل فرعون، وفُرِض عن طريق الاستفتاء دستور متخلّف لا يضمن الحدّ الأدنى ممّا ثار من أجله أحرار مصر، وشباب ميدان التحرير، وسيفرض شبيه به في تونس بفضل الأغلبية التأسيسية، كذلك في ليبيا واليمن وقريبا في سوريا التي ينتظرها بعد سقوط دولة الفساد والاستبداد الحالية مستقبل أظلم قائم على التناحر ومواصلة العنف والتقتيل ولكن بين فصائل أخرى شرعت بعد في التكالب على الانفراد بالحكم لتحقيق غاياتها الظلامية، الخفية منها والمعلنة. وما حدث في الجزائر في مطلع الستينات يبدو رحيما بالقياس إلى ما ينتظر السوريّين بعد سقوط النُّصَيْريِّين.
فهل يمكن بعد هذا الحديث عن ربيع عربي؟ {إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيتُمُوها} (سورة النّجم، الآية 23).

·        إلى أين تسير الأوضاع في اعتقادكم؟

** من سيّئ إلى أسْوإ بالطّبع، فكلّ الدّلائل «تُبشِّر» بذلك. كان عام 2012 ثقيلا قاسيا على الجميع في مختلف البلدان العربية التي بُلِيَت بما توهّمناه ثورة وما كان بثورة، بل كانت ثورة حقيقيّة وجميلة قبل أن تُحوَّل وُجهَتها إلى مشاريع ومذاهب تُرجِعنا إلى الوراء قرونا عديدة. وقد بدأنا نشعر بَعْدُ بمَذاق العهود الخالية، ليست مع الأسف عهود أوْج الحضارة العربية الإسلامية في بغداد والقيروان والأندلس وسَمَرْقند وأصْبهان، المنفتحة على الحضارات الأخرى، والقائمة على علوم الطبّ والفلَك والزّراعة والصّناعة، والتي أضافت إلى الإنسانية الكثير، واسْتُعْمِلَت مُنطلقات لنهضة أوربا إلى جانب الحضارتين الإغريقية واللاتينية، بل هي عودة إلى عهود الانحطاط والأوهام والفتاوى المتخلّفة، واحتقار المرأة واعتبارها مجرّد أداة لتحقيق رغبات الرجل وخدمته.

فكيف يمكن الخلاص في مصر مثلا ممّا فرضته عليها قيادتها الإخوانية من تشريعات استبداديّة وتعسّف في تحرير الدستور وفرضه بسرعة الاستفتاء دون نقاش أو يكاد. وما هي بشائر تبنّي مقوّمات الحداثة لبناء مصر جديدة بعد تفشّي الأفكار الرجعية عن طريق دُعاة همّهم الوحيد إرضاء مموّليهم ونشر سَلَفِيَّتهم البائدة منذ قرون؟ كيف تعود مصر إلى سالف إبداعاتها الفنية والأدبية والفكريّة وهذه سيوف الإخوان مسلّطة عليهم بصفة بذلوا جميع جهودهم حتى تكون قانونية، فكانت؟

وكيف يوضع حدّ للاقتتال في ليبيا، بدوافع وغايات أبعد ما تكون عن الغيْرة الوطنية والوحدة الترابية، بل لأسباب إمّا انفصالية قائمة كما كانت في القرون الخالية على العصبية القبلية، أو على الأقلّ الجهويّة. وما احتفاظ العديد من الشبان الثوار بأسلحتهم إلى اليوم إلاّ من أجل فرض واقع آخر، لا يبعث على الارتياح، بل يضيع فيه الأمن والأمان. وكان كلّ هذا متوقّعا حتى قبل انتهاء الثورة – وهل انتهت؟- بل منذ دخول الثوار طرابلس والتحصّن بإحدى الثكنات ورفض تسليم أسلحتهم وذلك لاستعمالها ورقة في التفاوض على طبيعة الدولة، هل تكون مدنية أم دينية.

وقد أظهر الناخب الليبي ـ خلافا للناخب التونسي والناخب المصري ـ نضجا كبيرا فاجأ العالم حين رفض أن يقيم دولته على أسس دينية خانقة، وهذا هو المؤشّر الوحيد الذي يبشّر بنهضة ليبية حقيقية ستستفيد منها الأجيال القادمة حتما.

وفي اليمن كانت بداية الثورة أحسن من نهايتها. بدأت فكرية واجتماعية تبنّت شعارات الثورة التّونسية حرفيا تقريبا. ولكنّها سرعان ما انحرفت عن الخطّ التونسي الأوّل، وتحوّل الصراع إلى ما أرادته القوى الأجنبية، بين عناصر متطرّفة وأخرى متطرّفة أكثر. ودخلت القاعدة والسعودية وأمريكا على الخط، ففرضت واقعا جديدا لا يمكن أن يُفْضي إلاّ إلى التنازلات من هذا الجانب أو ذاك، أي حلول وُسطى قضت على جمال الثورة ورَوْنقها، وسئم الناس طول التحوّل الديمقراطي فألقوا السلاح الثوري، ورضوا بالممكن، فكأنهم عادوا إلى نقطة الصّفر وأجّلوا الحسم إلى جيل آخر. ولعلّهم أحسنوا الاختيار.

ولا أعود إلى ما ينتظر سوريا فأمرها واضح، ولن تتطوّر فيها الأوضاع بالطبع لصالح الشعب السّوريّ، وليس معنى ذلك أنّ الوضع السابق للثورة أو الحالي أفضل؛ بالعكس هما من أتعس الأوضاع، إذ الأوّل كان قائما على الاستبداد، لا يهدف إلاّ إلى المحافظة على الحكم، ولم يبادر قطّ إلى محاولة تحرير الجولان مثلا، فكان يهادن العدوّ الصهيوني وراضيا بما فرضه على الأرض من أمر مقضي منذ سنة 1967، ولم يشجع قط سُورِيّي الجولان على التمرّد على الاحتلال الاسرائيلي لهضبتهم، ولا على حمل السلاح لمقاومته. أمّا الوضع الحالي فإنّه من أسوإ الأوضاع؛ فلا نفهم كيف يرضى حاكم أن يقتّل يوميّا العشرات من شعبه حتى يبقى على سدّة الحكم !  فكأنّه يضع عَرْشَه في إحدى كفتي الميزان، وفي الأخرى حياة خمسين ألف مواطن ودمار البلاد اقتصاديّا ومعماريا وعسكريا، وفي النهاية يختار كفّة العرش. فهذه جريمة في حقّ الوطن لن يغفرَها التاريخ. بالطبع الوضع على الميدان أعْقد من هذه المعادلة بكثير، ولكنّي شخصيا لا تهمني الحسابات السياسية بقدر ما تهمّني حياة البشر وسلامة الوطن.

·        وفي تونس، إلى أين تسير الأوضاع؟

** الأمر في تونس أوْضح، فجميع المؤشرات تدلّ على أن فسحة الأمل والديمقراطية سائرة إلى الزّوال. وليس هذا من باب التشاؤم بل هناك دلائل كثيرة تنذر بعودة الاستبداد، ولكنه ليس الاستبداد المعوِّل على الحلول الأمنية فقط كما كان في العهد البائد، بل هو أعْتَى وأقسى لأن مرجعيّاته تُحَاط بهالة التّقديس والشرائع السماويّة. وإليك هذه المؤشرات والدلائل راجيا من كلّ قلبي أن يكون تحليلي خاطئا:

أوّلها تحصينات هيكلية تمسّ مؤسّسات الدولة، ثم ممارسات عمليّة يوميّة هادفة إلى فرض توجّه مخصوص.
أمّا التحصينات الهيكلية فكلّها تهدف إلى البقاء في السلطة قبل الانتخابات القادمة أكثر ما يمكن، وبعدَها، خاصّة بعدَها، ولكن مع الحرص على أن يبدو كلّ ذلك قانونيا ودستوريا، وهذا منتهى الحذق والحنكة السياسية التي لا تُوَظَّفُ لضمان التحوّل الديمقراطي السّليم والإصلاح الاجتماعي المجْدي بقدر ما تسخّر للإمساك بجميع دواليب الدولة والتمسّك بها حدّ التماهي.

وتظهر هذه النوايا المبيّتة بإحكام منذ الامتناع بالالتزام القانوني بمدّة سنة واحدة لتحرير الدستور قائلين إن الالتزام الأخلاقي أهمّ من الالتزام القانوني، ومن الالتزام الأدبي الذي وقّعته جملة من الأحزاب. وقد انكشفت الآن الغاية من عدم الالتزام القانوني إذ وقع التمديد الفعلي دون توافق ولا قانون إلى أجل لا يعلمه إلاّ الله والراسخون في العلم...
كما تظهر هذه النوايا في تصوّر اللجان العليا «المستقلة» المنظّمة لثلاثة مجالات أساسية وهي الانتخابات والقضاء والإعلام، ولكلّ من هذه اللجان أو المجالس علاقة مباشرة، أو غير مباشرة، بالتحوّل الديمقراطي. وقد خضع تكوينها ومناقشة صلاحياتها إلى بدعة المحاصصة الحزبية المعمّمة على كامل المؤسسات مكان التوافق الوطني الضامن للوحدة والسلم الاجتماعيتين، وما كان يلجأ البعض إلى هذه المحاصصة لو لم تكن الأغلبيّة بأيديهم ولصالحهم، يسخّرونها لفرض تصوّراتهم للراهن وللمستقبل القريب والبعيد معا. فلو كانت الغاية تتمثل في الإسراع بتنظيم انتخابات نزيهة وشفافة لحُسم أمر إبقاء اللجنة التي أوْصل حيادها وكفاءتها الأغلبيةَ الراهنةَ إلى السلطة. ولكنّ الحياد والشفافية لم يعودا مطلبا مُلحّا بما أنّه ليس في إمكانهما ضمان البقاء. ولذلك تميّزت مناقشة تركيبة هذه اللجنة وغيرها من اللجان الأساسيّة للتحوّل الديمقراطي السليم كاستقلالية القضاء وحرية الإعلام، بالتعثر والتأجيل والارتباك والحسابات الضيّقة. وفي انتظار فرض الأغلبية لشروطها، فلا بأس من خلق الأمر المقضي في بعض القطاعات وتعيين أنصار لتسييرها - ولو بصعوبة نظرا إلى التصدّي الذي يلقاه بعضها من العاملين في القطاع أنفسهم (مثل دار الصباح والقناة الوطنية والإذاعات الوطنية وغيرها). ولا بأس من التغاضي عمّن يهاجم «إعلام العار»، ويُرابط أمام مؤسساته أسابيع عديدة لهرسلة أعوانها المتشبثين باستقلاليتهم وموضوعيتهم، ثم تغيير أسلوب التهتيك واستعمال النفوذ بتعيين موالين يفرضون تصوّرهم ويحقّقون الغاية نفسها؛ ولا بأس من افتعال بعض القضايا المتعلّقة باللجنة العليا المستقلّة للانتخابات والتشكيك في نزاهة رئيسها وأعضائها لنسف فكرة الحياد نفسها ولضمان مستقبل منحاز إلى شقّ دون آخر.

أما تأجيل الاتفاق على دستور مدنيّ رائد يجد فيه كلّ تونسي وتونسيّة نفسه، فإنّ للقوم قدرة فائقة جدّا على المماطلة والتسويف وافتعال القضايا الهامشية والخلافية لتجميد التقدّم في مناقشته والمصادقة عليه، فضلا عن رفع سقف الخيارات المذهبية، ثم تقديم التراجع فيها على أنّه تنازل (اعتماد الشريعة مثلا)، ثم العودة إلى نفس الخيار بأشكال أخرى وتسريب لفصول في نفس المعنى تقريبا لأن المقاصد معروفة لديهم وواضحة في ذهن مَن يعملون على تمريرها بكلّ تُؤَدَة وصبْر على أذى الجِدال والنّقد والاعتراض بما أنهم واثقون أنها ستمرّ بفضل الأغلبيّة ولو كانت نسبيّة جدا، وبفضل انضباط أعضاء كتلتهم والكتل الحليفة، رافضين بكل ثقة في النفس كلّ تنازل حقيقيّ، بل منهم من عمَد إلى تحصين بعض الفصول وعدم تحويرها حتى في المستقبل البعيد إذا فازت بالسلطة مجموعة أخرى – لا قدّر الله – تحمل أفكارا أخرى ! وفي انتظار ذلك لا بأس من عدم التنصيص في الدستور على الإحالة إلى التصريح العالمي لحقوق الإنسان. فهو تصريح صُنع في الغرب وقدّم على أنّه يحمل قيما كوْنيّة، فلا مكان له في دستورنا وبالتالي في سلوكنا وتصرّفنا مع منظورينا ورعايانا !

وبما أنّ هذا التجاذب أو «التدافع» يمكن بهذه الصورة أن يطول، فليس من الضروري تحديد تاريخ نهائي للانتخابات والالتزام به حتى لا يرتبط به الانتهاءُ من المصادقة على الدستور وجوبا أي في أجل معين، وحتى يكون البقاء في الحكم أكثر ما يمكن، واستغلال طول الفترة لتنصيب موظفين سامين وولاة ومعتمدين ونيابات خصوصية موالية وضامنة للفوز في الانتخابات القادمة – بعد عمر طويل -. وهي المرحلة الثانية بعد الانقضاض على جلّ الوزارات وخاصّة منها وزارات السيادة، والإصْرار على عدم التفريط فيها لأيّ كان، لأنّ تنصيب وزراء محايدين ومستقلّين أو من ذوي الكفاءات لا يخدم التحوّل الديمقراطي « السليم «؛ كما تم الانقضاض على جلّ صلاحيات الرئاسة لضمان النفوذ المطلق على البلاد والعباد !

ومن المؤشرات القانونية الأخرى، تقديم مشروع قانون مما يسمّى بقانون «تحصين الثورة». وقبل أن نذكر مَن المقصود بهذا الإقصاء، ينبغي أن نتساءل عن أيّ « ثورة « يتحدثون. إذا كانت الثورة التي اندلعت في 17 ديسمبر 2010 وتوّجت  في 14 جانفي 2011، فتلك كانت لها غايات أخرى، هي غايات من شارك فيها دون تأطير يذكر (باستثناء الانطلاق من ساحة محمّد علي)، شباب سئم خَنْق الحرّيات، وآخر لم يعُد يتحمّل البطالة والتهميش، نزلوا إلى الشارع للتعبير عن طموحاتهم.

ولم نَرَ من بينهم مَنْ يحمل راية الإسلام غير مجموعة كبيرة من حاملي الأعلام السوداء واللحي الطويلة، أشهد للتاريخ أني رأيتهم بأمّ عيني يتجمّعون قرب حديقة الحبيب ثامر ثم يتوجهّون في ساعة حاسمة إلى شارع الحبيب بورقيبة. وقد مثل نزولهم المكثف (أكثر من ألف شخص) وراء شاحنة يبدو أنها تحمل أحد شهداء الثورة لدفنه، منعرجا حاسما في مجرى الأحداث يوم 14 جانفي إذ ازداد العنف الأمني بعد نزولهم، ووقع تفريق المسيرة بالقوّة، ثم سقط النظام. هل هذه المشاركة ركوب على الثورة في آخر لحظاتها الحاسمة؟ قد يكون ذلك، لكنّ الركوب الحقيقي على الثورة هو الذي جاء بعد ذلك، من قِبل جلّ المترشحين لانتخابات المجلس التأسيسيّ. وهؤلاء في نظري لا يحقّ لهم تحصين ثورة لم يبادروا إليها ولم يعلنوا مسبقا المشاركة فيها وتأطيرها. ومع ذلك كانوا أوّل مَن جمع غنائهما المادية والمعنويّة، الجاه والمال.

أمّا الغاية الحقيقية وغير المعلنة من هذا التحصين المزعوم لثورة الغير، فهي تندرج في نفس الغاية العامّة من جميع التحركات الراهنة وهي البقاء في السلطة   – وهذا أعلنه العديد منهم- وذلك بواسطة قطع الطريق على كلّ من يبدو منافسا حقيقيّا وجدّيّا لطموحاتهم. فبما أن غاية البقاء ثابتة، فجميع الوسائل صالحة لتحقيقها. مِنْ ذلك سَحق المنافس قبل خَوضه المعركة الانتخابية نفسها، فيبلغها منهوكا ضعيفا لا يمكنه الصمود في وجه الرغبة الجامحة في البقاء والإقصاء. وفي انتظار المصادقة على قانون سياسي من شأنه أن يحلّ محلّ القضاء في المحاسبة وتجريم الفساد، يعمّم على كلّ من أَجرم في حقّ الشعب ومن لم يجرم، فلا بأس من تعبئة « مناضلين « يُمهِّدون لمناقشة مشروع ذلك القانون عن طريق التّحامل على رموز كان لهم فضل تأسيس الدولة العصريّة، وآخرين لم يشاركوا في التأسيس ولا في تكريس الاستبداد اللاحق: حملة مدبّرة ومُنظّمة على الشبكات الاجتماعية وعلى أعمدة الصحف. وإذا كان كلّ ذلك غير كافٍ لاستبعاد المنافسين، فهناك السواعد المفتولة جاهزة لمنع الاجتماعات هنا وهناك، والاعتداء بالقوّة على مواطنين لا يملكون غير قوّة المنطق، والأمثلة على ذلك صارت لا تحصى ولا تعدّ، ولعلّ أخطرها ما وقع يوم 4 ديسمبر 2012 في ساحة محمد علي ثم قرب ضريح فرحات حشاد في الذكرى الستّين لاغتياله. وقد شاهدت هناك بأمّ عيْني ما يمكن أن يفعله العنف السياسي والتعصّب الأعمى والانحياز المطلق. كلّ ذلك يحدث ولا رادع يردع، ولا عقاب يسلّط، ولا رابطات حادت عن غايتها تُحَلُّ. وكيف يَردَع من يستفيد من عمل هو لا شكّ من وحيه وبمباركته؟

وينبغي هنا أن أوضِّح أنني لا أدافع عن أي حزب لأني لا أنتمي إلى أيّ حزب سياسي، وأذكّر أني لم أَنْتَمِ قط إلى أي حزب، لأني أرى أن المثقف الحرّ يجب أن يحافظ على استقلاليته حتى تكون أحكامه محايدة وموضوعيّة، ويغلّب مصلحة الوطن على كلّ المصالح الأخرى.

ونعود إلى وسائل تحقيق تلك الغاية القصوى قي البقاء في السلطة، لتحقيق غاية أقصى تتمثل في نسف الدولة المدنية وتأسيس دولة ذات مرجعية دينية، ونركّز على وسيلة في منتهى الخطورة واللعب بالنار وهي استعمال أصحاب الرايات السوداء واللحي الطويلة لإرباك المجتمع المدني وخنق حريّة الإبداع وحريّة المأكل والملبس والاعتقاد. فهؤلاء أداة طيّعة تُستعمل وقت الحاجة وتخاطب بخطاب مزدوج، وتُعامل معاملة مزدوجة: يُنَدَّدُ بتصرّفاتها في العَلن، وترسل إليها رسائل التعاطف والطَّمْأَنةَ في الخفاء والعَلن معا، يُصَرَّحُ في الخارج بأن فُسْحتها انتهت وأنّها ستواجَه « بكلّ حزم «، ويُتسامَحُ معها في الداخل ويُتَغَاضَى عمّا تمارسه من عنف حتى ولو أدّى ذلك إلى استياء الدوّل المساندة للتحوّل الديمقراطي السّليم، والتنفير من الاستثمار في تونس، وتدهور السياحة وتقليص الثقة في قُدُرات البلاد الاقتصاديّة من قِبَلِ مؤسسات عالمية مشهود بتجرّدها، وكلّ ذلك يُفضي رأسا إلى تدمير اقتصاد البلاد، والرفع من نسبة البطالة، وتكريس التفاوت بين الجهات.ولكن ما قيمة كلّ هذه الأضرار أمام الغاية المقدّسة المتمثلة في حكم دولة الشريعة والسلف الصالح؟ فكلّ شيء مُباح ما دام يساعد على تغيير صورة المجتمع وتنصيب الدّولة التِّيُوقراطية. وما قيمة الديمقراطية إذا كانت تَحُولُ دون تحقيق هذه الغاية «النبيلة»؟ فهي في شرعهم تتحوّل بعد الاستفادة منها إلى كفر. ومثل هذا التسامح مع هذا التوجّه يفضي رأسا إلى تجرّؤ التنظيمات الإرهابية على سلامة الوطن، فيكثر تخزين السلاح، وتتعدّد مراكز التدريب على استعماله، وتتسلّل عبر الحدود عناصر تخطّط لعمليّات في منتهى الخطورة. وهذا هو المقصود باللعب بالنار، إذ تزداد مهمّة الجيش والأمن في التصدّي لهم بصعوبة مهما صدقت نواياهما وبلغت بهما الغيرة على سلامة الوطن، فضحّى العديد بأرواحهم لمقاومة هذا العنف القادم إلينا من غياهب التاريخ.

وإذا كان التّسامح في معاملة التطرّف غيْر كَافٍ، فلا بأس من تسخير الأيمة في بعض المساجد للحث عليه والدعوة إلى إلغاء كل من يخالفهم الرأي والعقيدة كاليهود والعلمانيّين واليساريّين في حين يدعُو الخطاب الرسمي إلى تحيِيد بيوت الله ولكن دون اتخاذ الإجراءات العملية اللازمة. وفي مقابل ذلك تمرّ أعمال في منتهى الخطورة دون ردود فعل تذكر كإنزال العلَم في كليّة الآداب بمنوبة وغيرها، والاعتداء على الأساتذة والعُمداء والممثلين في يوم الاحتفال بالمسرح، وعلى الشعراء المعروفين بتحرّرهم، والرسّامين، ومنع بعض العروض المسرحية، والعروض الموسيقيّة، وتعنيف عدد من النسوة غير المتحجبات أو غير المنقّبات، والتحامل على رموز أدبية وفكرية ثابتة قيمتُها عالميّا ) الطاهر الحداد وعلي الدوعاجي والمسعدي والشابي...)، معنى ذلك السّعي لنسف الذكاء التّونسي ومَحْو العطاء الثقافي الخارج عمّا اعتبروها «مقدّسات» وسيّجوها بسياج إيديولوجي متشدّد.

وعندما يتوعّد بعضهم بالاحتكام إلى الشارع في صورة ظهور ما ينبئ بإفلات السلطة منهم بطريقة قانونية، فإنهم يفكّرون في كلّ هؤلاء وغيرهم أي من المتطرفين المستعملين لأداة العنف مهما كان التنظيم الذي ينتمون إليه، ففيها جميعا الخير والبركة ما دامت تخدم الدولة الدينية القادمة.

·        هل من المرجّح نجاح تجربة الانتقال الديمقراطي التي تعيشها المنطقة العربية أم هناك تخوّف من إمكانيّة الفشل وعودة الأنظمة الدكتاتورية؟

** لا يمكن تعميم نفس التّوقّع على جميع التجارب في المنطقة العربية، فلكّل تجربة خصوصياتها ومؤهّلاتها. ولكن إذا انطلقنا من واقع الإعداد لهذا التحوّل فإنه عموما غير مُطَمْئِن إذا تواصل التفاعل بين الأطراف على هذه الصورة. ففي مصر مثلا فُرض أمر واقع يتمثل في تجميع السلط في يدي رئيس الدولة. وبالطبع لم يقبل الشقّ الديمقراطي ذلك، فوقع تراجع نسبيّ بإرجاع سلطة القضاء الدستوري، ولكنه تراجع تكتيكي واضح سرعان ما ألغي مفعوله بالاستفتاء الشعبي على مشروع دستور لم يَنل حظّه من النّقاش والتّعديل. فكأنّ لعنة الفراعنة تلاحق مصر منذ ما يزيد على أربعة آلاف سنة وتفْرض الحكم المطلق غير عابئة بتغيّر العقليّات ووعي الشباب بحقّه في إبداء الرأي والتأثير في الأحداث. لهذا إذا تواصل « التحوّل الديمقراطيّ « على هذا الأسلوب من الكرّ والفرّ، فإنّ النتيجة النّهائية واضحة خاصة أن « الإخوان « هم الذين يمسكون بدواليب الحكم، يعاضدهم سلفيون لا يختلفون عنهم إلاّ في أسلوب التعامل مع المجتمع المدني. ووراء ذلك كلّه بالطبع شَبَح الوهابية الغازية، المُصدَّرة من مََهْدِها بجميع نقائصها ومخاطرها. فماذا يمكن أن يكون النظام المتوقّع في ظروف كهذه غير عودة الاستبداد في شكل جديد وجلباب جديد قديم قِدم التاريخ الإسلامي؟

في اليمن، وُجودُ القاعدة والحوثيّين يفرض تمشيا حَذِرا لا أدري بالضبط مآله ولكن إذا وقع تَحْيِيد الأخ الأكبر الملاصق لليمن وإقناعه بالإعراض عن تصدير وهابيّته المتخلّفة، فإنّ روح الديمقراطيّة المنغرسة في أعماق الجيل الجديد من الشعب اليمني قد تتغلّب ويكون التحوّل الديمقراطي ممكنا.
لا أعود إلى تونس فقد بيّنت بما فيه الكفاية طبيعة المسار والغايات البعيدة ويمكن بسهولة توقّع المآل وبئس المصير.
ولا أدري لماذا أثق كثيرا في المسار الليبيّ رغم ما يشوبه من تطاحن قبلي وجِهويّ، وما يتهدّده من المجموعات الرافضة تسليم أسلحتها والانخراط في الجيش النظامي. فإني أحْدِس أن ليبّيا، لشدّة ما عانت من دكتاتوريّة النظام السابق، لم تَعُد تحتمل، حكومةً ونوابا وشعبا، مزيدا من الاختناق، مثل الشعب الجزائري الذي بعد معاناته استعمارا توطينيا وقاسيا، مرّ بمعاناة أخرى في التسعينات جعلته لا ينساق إلى منطق التمرّد الذي اجتاح أجواره، فاختار بهدوء عجيب النظام المناسب للمرحلة. ولعلّ تجربته الديمقراطيّة سائرة إلى النضج والتكريس.بقيت سوريا، فتلك المعضلة الكبرى. النظام الحالي آئل إلى السقوط لا محالة عاجلا أم آجلا، ولكن ما بعده هو المحيّر حقّا لأن التطاحن بين الفصائل بدأ بعدُ، وإن لم يتّخذ شكل العنف
.

·        ما هي في نظركم سبُل نجاح هذه الثورات في بلوغ أهدافها: الديمقراطية والحرية والكرامة. وما هي حظوظ الإسلام السياسي في تحقيق معادلة الحريّة والنظام الديمقراطي؟

** كان الإخوان المسلمون في مصر ـ ولا يزالون ـ يستعملون شعار «الإسلام هو الحلّ». وأنا أرى أن «الإسلام السياسي» هو المشكل، خاصة اليوم بعد ركوب الحركات الإسلامية على ثورات المنطقة العربية واستحْواذها على السلطة بطريقة تبدو ديمقراطيّة. لكن المشكل ليس هذا، ليس في مَنْ يحكم هذه البلدان، فما تفرزه صناديق الاقتراع لا يُناقش، ولا يُشَكَّك فيه ولا يُقْدح فيه إذا تمّت الأمور في نطاق النزاهة المطلقة والشفافية التي تضمنها لجان انتخابية محايدة غير قائمة على المحاصَصة المَقِيتَة. معنى ذلك أنه لن يُكتب لهذه الثورات أن تحقّق أهدافها الأصلية، أي ما ذكرتَه في سؤالك من ديمقراطية وحرية وعدالة، إلاّ إذا اختارت عن طواعية التخلّي عن الربط الآلي بين الدين والدولة. فالعقيدة مسألة شخصية تهمّ الفرد في علاقته بخالقه، ولا يحقّ لأيٍّ كان التدخّلُ في شؤونه الذاتية والروحية، ولا أن يَفرِضَ عليه شرائع سماويّة ويدسّها في التشريعات الدنيويّة. الحياة الراهنة ليست في حاجة إلى دساتير وشرائع كانت صالحة في وقت من الأوقات لتنظيم حياة المدينة، أمّا اليوم فقد تغيّرت الأوضاع، وقطعت البشرية أشواطا جعلتها في حاجة إلى نُظُم أخرى لا دخل للأديان في تصوّرها. قد يكون واجب الدولة توفير أحسن الظروف لممارسة الشعائر الدينية بكلّ طمأنينة، ولكنها ليست مُطالَبة بالاقتصار على تطبيق شريعة ليست محلّ إجماع لا في فهمها ولا في معرفة مَقاصدها. ولذا إذا أردنا تحقيق أهداف الثورات العربية في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، علينا جميعا التصدّي لمثل ذلك التصوّر القائم على ثنائية الدين والدولة. وللمثقّف اليوم دوْر أساسي في توعية المجتمعات بقصور ذلك التمشي ومخاطره، خاصة إذا تجنّد البعض لحماية ما يعتبره مقدّسات. وليس أقدس من حياة الإنسان وحرّيّته وإبداعه. أمّا علاقته بربّه فهي شأن يخصّه وحدَه، وكلّ من يسعى إلى التدخّل في هذه العلاقة لتوجيهها الوجهة التي يريدها، فيكفّر غيره لأنّه يخالفه في طريقة الأذان مثلا أو الصلاة أو اللباس، فإنه يزجّ بنفسه بين الإنسان وخالقه، ولا يسلم الناس من يده ولسانه قال الله تعالى:» لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِر» ( الغاشية، 22 ).

·        ماذا عن الاستقطاب العلماني/ الإسلامي؟

** الاستقطاب العلماني/ الإسلامي ثنائية مغلوطة وخطيرة جدّا من شأنها أن تُحدِث انشقاقا في جسم المجتمع التونسي، وتناحرا بين شقّين لا يستفيد منه أحد. وهي لا تعكس الواقع التونسي القائم على الوحدة والتّنوّع، أو بالأحرى على التنوّع في الوحدة، وهو ما أكسبه خصوصيّة وغِنى تفتقر إليهما عديد المجتمعات في العالم. والذين استنبطوا هذه التسمية البدعة، إمّا أنهم لا يعرفون المجتمع التّونسي في أعماقه، أو افتعلوا هذه المقابلة للتشهير بالمنافسين لأسباب دعائية وغايات انتخابية ظرفية. ومهما كانت الأسباب والغايات، فإن نتيجتها لا تكون غير التحريض على الإقصاء وزرع الكراهية في المجتمع الواحد بل في الأسرة الواحدة، وهو أخطر، ولا يدلّ على روح التسامح والتعايش السلمي التي ميّزت دوْما التونسي. وممّا يدلّ على أنّ هذه التسمية مُغرضة ومضللة هو أنّهم يقرنون بين العلمانيّين واليساريين والحداثيّين والاشتراكيّين الشيوعيّين، ويعتبرونهم جميعا ملحدين تتحتّم مقاومتهم بل إلغاؤهم، ومَن سواهم أي الشقّ الثاني من الثنائية إسلاميون أي مؤمنين طيّبين قانتين مُحْصَنين، لا يسرقون ولا يظلمون، يخافون الله ويحبّون رسوله، إذن هم مسلمون مثاليّون. وهذا منتهى التجنّي على من يخالفهم الرأي، لأنّ جميع التونسيّين مسلمون، تتفاوت درجات تطبيقهم للشعائر والمناسك، ولكن لا يحقّ لأي كان أن يجرّد قسما منهم من عنصر أساسي من عناصر شخصيته وهُويّته.

إنما المقابلة الحقيقيّة هي بيْن أناس ينظرون إلى الماضي بعين الماضي، وأناس ينظرون إلى المستقبل بعيْن الحاضر. أناس مهووسون بنمُوذج مرّت عليه قرون عديدة وحدثت متغيّرات كثيرة تجعل عدم اعتباره المثال الأوحد أمرا ضروريّا لمعالجة قضايا الراهن، بحلول من الراهن، تبني المستقبل. فلا يمكن أن نُلغي لا معطيات الراهن ولا ما حقّقته الإنسانية من تقدّم علمي وتكنولوجي ونظريات اقتصادية ومنظومات تربويّة وثقافية مختلفة. وثنائية كهذه ليس فيها تحريض ولا شقاق ولا يمكن أن تؤدّي إلى العنف والتكفير والإلغاء مثلما تؤدّي إليه الثنائية الأولى.

·        كيف تنظرون إلى مستقبل اليسار التونسي والعربي في خضمّ هذه التحوّلات؟

** ينبغي قبل كلّ شيء أن نجرّد مفهوم اليسار ممّا عَلِق به من شوائب وتهم باطلة وخلط مقصود ومغرض بينه وبين كلّ النعوت التهجينية، ومن معادلات خاطئة من نوع يساري المرادف لعلماني المرادف لشيوعي المرادف لمُلحد المرادف لحداثي المرادف لكافر إلى غير ذلك من الصفات التي ما أنزل الله بها من سلطان، خاصة أن بعض التيّارات زالت عمليا اليوم ولم تبق إلا في مُعْجم بعض الذين يريدون أن يكون الإسلام حكرا عليهم، فيظهروا في صورة ملائكة ويُظْهِروا غيرَهم في صورة أبالسة. وإذا فهمنا أن اليسار يضمّ بالعكس من ذلك كلّ وطني غيور على وطنه، واستقلالية وطنه ولا يريد إلاّ رفعته وتقدّمه والتحاقه بالأمم الراقية شرقا وغربا، فإننا يمكن أن نعني بذلك الأغلبية الساحقة من شباب الوطن العربي المؤمن بالتقدّم ومواكبة العصر.

ما مستقبل هذه الفئة من الناس؟ أرى أن مستقبلها مرتبط بمستقبل البلاد التي تنتمي إليها. فهي ليست مستعدة للاستقالة وترك المجال فسيحا لمن يريد أن يضحّيّ بشعب كامل في سبيل تحقيق أغراض مذهبّية لا تستجيب لطموحات شعوبها في الحرية والتقدّم والكرامة. صحيح أن اليسار العربي عموما والتونسي خصوصا عاش تشرذما مخيّبا للآمال، وتنوّعت مَشاربة وتوجّهاته وخاصة مرجعياته أكثر من اللزوم، فتشتّت رموزه، وارتبك أنصاره من حيث الانتماء، وزاده حبّ الزعامات انقساما، فتاه في شِعَاب السياسة والفكر. إلا أنّه قادر اليوم على التوحّد لمجابهة التحدّيات. وقد شرع بعْد في ذلك في نطاق الجبهة الشعبية مثلا في تونس، مقابل الكثير من تنازلات من هذا الشقّ أو ذاك، ولكنّه عندما يشعر بتغوّل بعض الأحزاب وبخطر إلقاء مستقبل البلاد في أحضان المجهول، فإني على يقين أنّه سيزداد التحاما وانسجاما لإنقاذ ما تبقّى من أمل في التغيير البنّاء.

·        هل هناك تخوّف من تفشّي مظاهر العنف والتطرّف اليميني واليساري؟

** أعود ثانية إلى توضيح مفهوم اليسار بعد تجريده من كلّ الشوائب المغرضة التي ذكرتها. وأضيف أن سبب تشرذم اليسار التّونسي بالذات هو مرجعياته الفكريّة، وأن سبب محدوديّة أنْصاره أنّهم أناس مثقفون ثقافة عالية من شأنها أن ترفع عاليا سقف طموحاتهم فيعسر على أغلبيّة الشعب المحدود الثقافة أن يفهمهم الفهمَ الصحيح. وبما أنهم أناس مثقفون، فإنّهم بطبيعتهم يرفضون العنف مهما كان مصدره، ممارسة وتقبّلا. ولهذا إذا كان لبعضهم من غُلُوّ، فهو غلوّ أفكار ومواقف. لهذا لم نسمع قطّ أن من ينتسب إلى هذا التوجّه مارس العنف على غيره، وخاصّة العنف المادّي بما أنّه لا يتفق وطبيعة ثقافته. قد نجد أحيانا عنفا لفظيّا ولكنه في الكثير من الأحيان، يَدفعهم إليه خصومهم الذين يستفزّونهم ليس بالعنف اللفظي فقط، فتلك بضاعة أصبحت اليوم نافقة جدّا في السوق السياسويّة، بل بالعنف المادي والسواعد المفتولة والأسلحة البيضاء والحمراء.و هذا أفسد الحلول. جاء في الحديث النبوي الشريف:»إن الله رفيق يحب الرفق،ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف،و ما لا يعطي على سواه.» ولهذا لا يُنْجِي التّونسيّين من العنف غير تجريد كلّ المتطرّفين من أسلحتهم المادية والمعنويّة، وخاصة المعنوية المتمثلة في إرادة فرض أفكارهم وفهمهم المغلوط للدين، ودفاع البعض منهم عن انتمائه الحزبي بجميع الوسائل. وقد وَجَدت فئةٌ منهم إطارا قانونيا يمارسون داخله اعتداءاتهم على خصومهم السياسيين، ووجدوا من يحميهم ويدافع عنهم ويبارك أعمالهم لأنها في صالحهم، ولا نجاة لتونس إلاّ باتخاذ موقف حازم من كلّ من يخالف القانون.

وبما أنك ذكرت التخوّف من العنف، وأضيف إليه «مهما كان مصدره»، فلا بدّ من الإشارة إلى مصدر آخر للعنف، هو المصدر الرّسمي المتمثل في السلط الأمنيّة. فقد كانت هذه السّلط في العهد البائد رهْنَ إشارة أُولي الأمر، تمارس العنف على المواطنين لحماية هرم السلطة، ليس من عنف الشعب، بل حتّى من احتجاجه أو التّعبير عن استيائه.

أمّا اليوم فقد تغيّر الوضع ولم يعد هناك من لا يقبل الاحتجاج والاستياء، إذن لم تَعُد هناك حاجة إلى استعمال أي نوع من أنواع السلاح ضدّ المواطنين، وما وقع في 9 أفريل 2012 وفي رادس وسليانة وتالة وغيرها نرجو أن تكون مجرّد زلات ظرفية لن يُلْتَجَأَ إليها في المستقبل، ومعروف أن العنف يولّد العنف. ومداهمة البيوت وترويع النساء والأطفال والشيوخ في عُقر دارهم بحثا عن المطلوبين، أظنّ أنها ممارسات فات أوانها ولم يعُد يقبلها أحد حتى وإن لم يكن في إحدى رابطات حقوق الإنسان. فللمواطن حرمة في بيته مقدّسة. وإذا كان هناك من يريد أن يحمي المقدّسات فليبدأ بهذه عوض قراءة لوحات تشكيلية قراءة خاطئة تُبْنى عليها أعمال عنف مرفوضة.

·        لماذا انتشرت في رأيكم هذه الظواهر السلفية بهذا الحجم في مرحلة ما بعد الثورة؟

** الظواهر السلفية لم تنشأ من عدم بل كانت موجودة قبل الثورة ولكنها كانت متخفّية، كامنة كمُونَ النار في الرماد، لأن قمْع جميع الحركات الدينية بلغ درجة من القسوة لم يَعُد معها أيٌّ كان قادرا على المجاهرة بمواقفه وأفكاره، وكان الجوّ العامّ يذكّر أحيانا بمحاكم التفتيش في اسبانيا، وهذا لا يشجّع حتى على النّشاط السرّي. ثم فجأة سقطت دولة الاستبداد، فخرج ما كان كامِنا في الصّدور والبُيوت، وطالت القمصان واللحي، وضُرِب الحجاب والنّقاب والجلبات والبَراقع الداكنة، وارتفعت الرايات السّوداء، ودوّت الحناجر مهلّلة مكبّرة، تُعلن أن الخلافة القادمة بإذن الله، وأنّ في شرع الله الحلّ لكلّ قضايا الراهن والآتي، وأنّ سيرة السلف الصالح هي القُدْوة والمثال، وما سواها كفر وبُهتان، ونُودي بتحوّل تونس إلى تونستان، وبدأ الأمر بالمعروف والنّهي على المنكر يتّخذ شكل الإلزام، وإن لم يَكْفِ القلب وحدَه واللسان، فلا بأس من استعمال السيف والخنجر والهراوات لفرْض الحجاب مثلا أو غلق بيوت الدّعارة أو إتلاف القوارير المحّرمة في المطاعم وحتى في النّزُل السّياحيّة إذ لا حاجة لنا بما تدرّه السياحة من المال الحرام. بل تجرّأ بعضهم على إنزال العلم الوطني، رمز الانتماء والهويّة، ورفع الراية السوداء مكانه، بل أكثر من ذلك، بلغ الأمر في بعض الأحياء الشعبية إلى حمل شارة تنصّ على « الشرطة السلفية». ولم يبق غير الشروع  في تأسيس الإمارات، فكانت  البداية في سجنان والبقية تأتي.. وكلّ ذلك بمرأى ومسمع من السلط المحليّة، العاجزة عن التحرّك، في انتظار التعليمات. ولن تأتي التعليمات ما دام هناك من يبارك أعمالا تذكّره بشبابه، وما دام غيْره يبرّرها بعدم نزولهم من المرّيخ، وما دام هو نفسه في حال نشوة ونخوة يعلن الخلافة الراشدة السادسة، مؤكّدا على الشروع  في عملية تحرير القدس انطلاقا من ذلك اليوم المشهود. وقال الناس إنّ السلفيّة بمختلف أطيافها هي الجناح العسكري لبعض الأحزاب، وكذّب المقصودون بذلك بالطبع وقالوا إنّها إشاعة، وقالوا إنّها مؤامرة، ثم تبيّن أنها ليست هذه ولا تلك.

إلى أن كانت غزوة السفارة الأمريكية في تونس، بعد غزوة المسرح، وغزوة العبدلية، وغزوة أفريكا، وغزوة نسمة، وغزوة الساعة العملاقة، فانكشف الرضا بل التعاون على معاقبة الراغبين لمنتجي الشريط المسيء للرسول من الأمريكان، وكاد الأمر يَطال سفارتي ألمانيا وفرنسا المتورطتين مع أعداء الله ورسوله. وما خفي أعظم، لأنّ من يتيقّن أنه الوحيد على حقّ وأن جميع الناس الآخرين على باطل، يُتوقَّع منه كلّ شيء لفرض ما يراه حقّا، بما في ذلك الجهاد المسلّح، وقد بدأت بعض بوادره في المناطق الحدوديّة.

·        ألا تتخوّفون من إمكانية المسّ من وحدة الشعب التونسي وانسجامه. وهل هي أزمة هويّة للمجتمع التونسي أم أزمة دولة ونظام حكم أيضا؟

** هذا سؤال مركّب، ولكنّ جميع عناصره تنصبّ في مصبّ واحد تلّخصه كلمة « أزمة «. إذا كان كلّ ما سبق لا يدلّ على وجود أزمة، فماذا يمكن أن يحدث حتى نشعر بوجودها. هي فعلا أزمة حادّة تجعلنا في مفترق الطرق، وتهدّد كلّ ما ذكرتَه في سؤالك من وحدة وانسجام وهويّة وحتى الوجود، وجود تونس كدولة مستقلة ذات سيادة غير مرتبطة مذهبيا ولا سياسيّا ولا ماليّا بأي دولة أخرى.

ونبدأ بوحدة الشعب التونسي وانسجامه لنؤكّد أن الأمر لم يعد تخوّفا من المسّ بهما بل بواقع مؤلم لابدّ أن نعترف به وأن نكون واعين بانشطاره أو بالأحرى بتمزّقه. كان الشعب التونسي يوم 14 جانفي صوتا واحدا متناغما متجانسا يُريد نفسَ الشيء: سقوط دولة الفساد والاستبداد. وما إن نال بغيته حتّى دبّ الشقاق بين صفوفه، وأقيم جدَل كبير في شارعه الكبير، ثم توسّع إلى القنوات الإذاعية والتلفزية والصحف والكتب، فتحوّل إلى صَخَب مزعج، يتقاذف فيه القوم بالتّهم والشتائم والسّباب، ولم يسلم المجلس التأسيسي من ذلك الجدل وذلك الصخب فعكس صورة التمزّق والشقاق، وشيئا فشيئا تحوّل الجدل باللسان إلى مواجهات دامية بالحجارة والقوارير والعصي في مدنين ثم في ساحة محمد علي، وبدأت بعض الأرْواح تُزْهق هنا وهناك، من هذا الجانب أو ذاك. ومن ألطاف الله أنّها مازالت تعدّ على  الأصابع لكنّ القادم أخطر بعد ثبوت وجود أسلحة في بعض البيوت، خُزّنت فيها نتيجة الانفلات الأمني. كيف يمكن تلافي ما نخشى أنّه آت؟ هذا السؤال لا نجد جوابه إلاّ عند مَن يُمسك بزمام الأمور في الوقت الراهن.

أمّا أزمة الهويّة، فحدِّث ولا حَرَج إذ ضُرِبت الهويّة التّونسيّة في الصّميم بسبب ما سبق من شقاق وانقسام. البعض يريد أن يجذّرها في ماض يبدأ من الفتح مقتصرا على العنصر العربي الإسلامي، والبعض الآخر يعود بها إلى ثلاثة آلاف سنة من التّاريخ ولا يُلغي ما قبل الفتح ولا ما بعده، بل عيْنُه على التاريخ بمختلف حِقبه، وعينُه الأخرى على الحداثة والمستقبل. ومن هنا نشأ الخلاف وسوء التفاهم، فالصراع، فالمواجهة.

الشق الثالث من حزمة الإمكانيات: هل هي أزمة دولة ونظام؟ يقتضي منّا التمييز بين اللفظين لأن الدولة هي غير النظام، الدولة ثابتة والنظام متحوّل. وقد ثبتت فعلا في العاصفة وبقيت قائمة بمؤسّساتها ومخزونها الحضاري والثقافي وبتشريعاتها وقوانينها بفضل رجالها ونسائها الذين وقفوا وقفة حازمة حتى لا يجرفها التيّار، فصمدت.

أمّا النظام فقد نودي بسقوطه وسقط. ثم جاء البديل الانتقالي الأوّل مع ما شابه من ارتباك وتردّد لم يمنعاه من المحافظة على أركان الدولة والإعداد للنظام الانتقالي الثاني.

وإذا كان هناك من أزمة نظام فهي فعلا في هذه المرحلة الانتقالية الثانية إذ لم يُمَكِّن النقص في خبرة رجالها وعدم كفاءة العديد منهم، وخاصة تمذهبهم المفرط، وتغليبهم مصلحة حركتهم ومستقبلها الانتخابي على مصلحة الفئات الضعيفة والجهات المهمشة، من تحقيق أهمّ أهداف الثورة. ومن هنا نشأت أزمة نظام معتزّ بأغلبيّته النسبية جدّا، ومصرّا على مُحاصَصته لفرض أمر واقع لم تَرتَضِه جميع فئات المجتمع، فأخذت أزمة النظام تزداد كلّ يوم حدّة.

وعوض أن يوضع حدّ للحركات الاحتجاجيّة بتقديم بعض الترضيات، ازدادت تلك الحركات واتخذت شكل اعتصامات يومية وإضرابات قطاعية وجهويّة أربكت الاقتصاد ونفّرت رجال الأعمال التونسيّين والأجانب من المراهنة على الاستثمار، وارتفعت الأسعار بشكل مخيف يُنذر بالإفلاس، وكأنّ الفساد خرج من الباب وعاد من النوافذ أعتى وأكبر دون القدرة على الحدّ منه بوقفة صارمة تعمل على قبْره نهائيا.

 

من هو الدكتور محمود طرشونة؟
مولود بصفاقس في 8 ديسمبر 1941 ، ناقد وروائي وأستاذ التعليم العالي بالجامعة التّونسية ( منذ 1971)، وفي افريل 2008 : سمي أستاذا متميزا بالجامعة التونسية (Professeur Emérite)  وهو رئيس اللجنة الوطنية لمائوية محمود المسعدي (2011) وعضو المجمع التونسي للعلوم والاداب والفنون  ومدير عام للدراسات والبحوث بمؤسسة « بيت الحكمة « ( 1986 – 1991 ) وعضو لجنة تحكيم جائزة الملك فيصل الدولية وجائزة الرواية العربية بالقاهرة وعضو سابق بالمجلس العلمي بكلية الآداب بتونس  والمكتب التنفيذي لنقابة التعليم العالي والبحث العلمي.

ـ درس بدار المعلّمين العليا بتونس (1963 – 1966). الحصول على الإجازة في اللغة والآداب العربية ، وبجامعة الصوربون بباريس (الحصول على التبريزـ 1968 ـ ودكتورا دولة في الأدب المقارن ـ 1980.

ـ سجلت تحت إشرافه ثماني عشرة أطروحة دكتورا دولة نوقش أغلبها.

شارك في مؤتمرات الأدباء العرب بكلّ من عمّان وصنعاء وعدن وبغداد وتونس وألقى محاضرات في معهد الدراسات العربية ( منظمة الألكسو)، وفي جامعة طشقند بيوزبكستان وجامعة القاهرة (مائويّة طه حسين، ومؤتمر الأدب المقارن) وجامعة عين شمس (مؤتمرات النقد الأدبي) وفي مؤتمرات الرواية العربية (المجلس الأعلى للثقافة بمصر) وفي جامعات تونس والجزائر وفي طرابلس والمغرب و دمشق والبحرين واليرموك وفي طهران وغرناطة وصقلية وباريس وتولوز وآكس ولندن ومدريد والبرازيل مع زيارة الصين وروسيا وأمريكا.

ـ له عديد المؤلّفات النقديّة والأدبيّة منها: الأدب المريد في مؤلّفات المسعدي «ومائة ليلة وليلة»: (تحقيق ودراسة والهامشيّون في المقامات العربيّة وروايات الشطار الإسبانيّة»: (بالفرنسيّة، في الأدب الـمقارن وصلاة الغائب» للطّاهر بن جلّون: (رواية) تعريب ومدخل إلى الأدب المقارن وتطبيقه على ألف ليلة وليلة ومباحث في الأدب التّونسيّ المعاصر وإشكالية المنهج في النقد الأدبي «ومن أعلام الرّواية في تونس» ويضمّ الكتاب دراسات في روايات البشير خريّف ومحمّد العروسي المطوي ومصطفى الفارسي ومحمّد صالح الجابري وعبد القادر بن الحاج نصر وعمر بن سالم وحسن نصر ومحمّد الهادي بن صالح و محمّد الباردي ومحمود المسعدي، الأعمال الكاملة، جمع وتقديم وببليوغرافيا ونقد الرّواية النّسائيّة في تونس» ويضم دراسات في روايات زكيّة عبد القادر وعروسيّة النّالوتي وعلياء التّابعي وحياة بن الشّيخ وفضيلة الشّابّي ونتيلة التباينيّة وآمال مختار ومسعودة بوبكر وفاطمة الشّريف وحبيبة المحرزي وحفيظة القاسمي وألسنة السرد (يحوي دراسات نظرية وتطبيقية في مؤلفات روائية وقصصية لمحمود المسعدي والطاهر قيقة وصالح القرمادي وعبد السلام المسدي والمازني وغيرهم).ـ كما له عدد من الكتابات الإبداعية منها «نوافـذ» (قصص) و«دنيا» (رواية) و«الـمعجزة» (رواية) و«التّمثال» (رواية).