يتوقف هنا الناقد والكاتب الفلسطيني المرموق عند من تحولت الى "ملحمة غزة"، مقدما لكتاب صدر حديثا لأحد الناشطين السياسيين في "حركة غزة الحرة"، وكان مع أول قافلة خرقت الحصار المفروض عليها، الكتاب يوثق لفظائع ووحشية الكيان الصهيوني والتي ارتكبها في عزة من خلال قصص كثيرة ومؤثرة لأناس "يريدون العدالة اليوم لمن حرمهم الحياة ودمر أحلامهم"، وهي المجازر التي تنضاف لسيرة الاحتلال الصهيوني الدموية ولمجازره الإرهابية الشنيعة.

في غزة حيث يتكلم الشهداء والضحايا عمن سرق منهم الأمل والمستقبل

إبراهيم درويش

يتساءل ضحايا الحرب الاولى في غزة عام 2008-2009 عن سبب نسيان العالم «لنا»، وهم ان سلموا بقدرهم يطرحون اسئلة اكثر اثارة، نحن فقراء نكافح من اجل البقاء واطعام ابنائنا، والحصول على لقمة العيش الهنية، ومع ذلك تستهدفنا طائرات العدو الاسرائيلي ودباباته، وجنوده الذين يطلقون النار علينا بدم بارد، فنزداد فقرا وتعاسة، نتطلع للمستقبل، فيأتي العدو ليسلب منا الحاضر ويحرمنا المستقبل، نفتخر بانجازاتنا في المداس طلابا ومعلمين ومربين فيأتي العدو ليأخذ منا الادوات التي تنور العقول بل ويسلب منا عقولنا، تقول ضحية من الضحايا ان الطبيب قال انها بحاجة الى علاج نفسي، فاجابت انها كانت تحتاج العلاج فكل اهل غزة بحاجة اليه، خاصة انهم روعوا بفقدان اعزاء عليهم، وشاهدوا البيوت التي انفقوا فيها تعب العمر وهم تهدم فوق رؤوسهم.

ما لنا ومال السياسة
يقول الضحايا لم نكن مسيسين او من اتباع الفصائل ومع ذلك دفعنا الثمن. واحد من ضحايا الحرب يقول انه ظل ثلاثة ايام ينزف وحوله اخوته واخواته وابناء اقاربة، جثثا باردة واجساد متعفنة، في كل ليلة تأتيه رائحة العفن الانساني حوله. ام نزلت للقبر وحضنت ابنها اربع ساعات وهي تنوح وتذرف الدموع، على فقدان العزيز وتقول للمشاركين في الجنازة ادفنوني معه، وفي كل ليلة تخرج للمقبرة لزيارته. ام كانت في محل ملابس ورأت اما اخرى تسأل البائع عن بدلة لصغيرها، تذكرت الام الثاكلة ابنها فانهارت عصبيا. من مات اطفالا ونساء ورجالا تركوا مرارة وحسرة في قلوب من عاشوا، ومن عاش، يعيش بعاهة مستديمة، ام مريضا يحتاج لعملية وراء العملية، وكل هذا يحتاج الى مال لعائلات فقيرة تعيش على قوت اليوم وتنتظر الغد لتواصل الكفاح.

أصبحوا رجالا
في غزة اطفال تركوا الدراسة وكبروا مبكرا وتحملوا المسؤولية لتوفير لقمة العيش للاب العاجز والام المريضة، يبحثون بين الردم عن قطع حديد يبيعونها لمقاولين مقابل ثمن زهيد. من قتلهم الاسرائيليون كانوا اعز الاعزاء على اهلهم واحسن، احب اولادي كلهم لكن احب الاء واحمد ومحمد واسلام وكساب اكثر، كأن الرصاص والقنابل لا تعرف الا الوجوه العزيزة كي تغتال اعز ما نملك. اباء كانوا ينتظرون انتهاء الاولاد من الجامعة للمساعدة في الحياة وبناء مستقبل، اخرون ماتوا وشهيد ومات وهو يتمنى على امه ان تصنع له صحن «فول مدمس» وتتذكر الام في حسرة انها لم تلب رغبة الابن الذي ذهب للواجب لمساعدة الجرحى، تحلم به كل ليلة وتصنع له فولا مدمسا، شهيد كانت اخر ما تناوله «عجة» (بيضا مخفوقا مقليا) ومنذ وفاته حرمت العائلة على نفسها اكل هذه الوجبة البسيطة. اخوة عندما يخرجون من البيت يعدون انفسهم وينسون الابن او البنت الغالية يرجعون للبيت لندائه ولكنهم يتذكرون انه- انها صعدوا للسماء، في الجنة كما يقول الصغار وهم في الجنة ابرياء مثل الثلج على الجبال العذراء.

نزفوا حتى الموت
هل هناك اشد على نفس الاب ان يضع في حضنه وينتظر 24 ساعة وهو ينزف حتى يأتي الاسعاف، في كل مرة كان يحاول فيها الاتصال بالاسعاف كان الجنود يهددون باطلاق النار عليه، هل اصعب على العائلة ان تقرر اي جريح تأخذه وتنقذه وتترك البقية ينزفون حتى الموت. في عالمنا العربي نشاهد ونعيش الموت يوميا، شاهدناه في ليبيا ومصر، وسورية التي نسمع ونرى كل يوم امواتا بالمئات، هؤلاء ارقام، اصبح الموت امرا عاديا، نتابع الخبر ونحن نأكل او نشرب، نهز الرؤوس ونحزن ونترحم ثم نواصل حياتنا في اعتيادتها، مشاعرنا احيانا لا تتجاوز دمعات قليلة. ادمن العالم العربي لون الدم والدمار، الموت الطقسي، تقطيع الرؤوس وسلخ وجزر الجثث بالطائرات والقنابل، لكن موتى الحروب الوحشية في وعينا لا يتجاوزن كونهم ارقاما، نعد الموتى كأننا نعد ما في حصالتنا بعد يوم تجارة ناجح. ولاننا تجار، والتاجر الذي يحب المال شره بطبعه نستهدف من في بطون اماتهم، ونتأكد ان يموتوا وهم في الرحم وان جاءوا للحياة جاءوا بعاهات، وحزن للاباء ونفقات علاج من ايد فارغة.

بوابة فلسطين ومقبرة الغزاة
لم يتوقف نزف الدم العربي منذ اكثر من قرن، لو احصى جيلنا عدد الحروب التي كان شاهدا عليها لتجاوزت العشرة، حروب بين الاشقاء وحروب من الاعداء الخارجيين، منذ بداية القرن الواحد والعشرين كم هي عدد الحروب التي شنت على عالمنا العربي. بل كم عدد الحروب التي شنتها اسرائيل على غزة، هذه المساحة الصغيرة التي تستوعب اكثر من مليون ونصف يعيشون في مخيمات فقيرة او في كتل من الاسمنت ولدت بعد اوسلو، كم عدد القتلى، والغارات والاجتياحات. اصبحت الحروب والمجازر نوستالجيا يعود اليها الناس ويضحكون وينكتون. في عام 1958 وفي مجزرة خان يونس التي انكرتها اسرائيل وقالت انها استهدفت فدائيين. تساءل احدهم وقد وقف في صف امام جدار ماذا سيفعل بنا العدو، فاجابه قريبه سيأخذوننا لحفلة واخذ يرقص ويغني. غزة كانت دائما بوابة الغزاة لفلسطين وكانت مقبرتهم. منذ الفراعنة ومرورا بالرومان والصليبيين، وفي القرن الماضي لم تسقط فلسطين في يد الانكليز الا بعد هزيمة الجيش العثماني في غزة وبعد معركة طويلة امتدت لاسابيع. ضحايا اليوم يقولون ان اسرائيل كلما امعنت في القتل والتدمير كلما زاد الحقد والكراهية، لكن البعض وهم كثر عندما يعودون الى وعيهم يقولون ما ذنب من لم يشاركوا من الطرف الاخر وتعاطفوا معنا، هم ابرياء من افعال عصابة الحرب في تل ابيب، ليفني واولمرت واشكنازي، واليوم نتنياهو وباراك وليبرمان.هؤلاء شنوا حروبا وانهزموا هزمتهم غزة كما هزمت الكثير من الجيوش. بعض اهالي الضحايا يتمنون رؤية المجرمين هؤلاء في قفص الاتهام وامام العدالة، اما اخرون فامتنعوا عن طلب تعويضات لانها لن تعيد اليهم ما فقدوه وهو غال لا يعوض بمال او ثمن. قصص غزة كثيرة، طبعا هناك من يرون في مأساتهم تتقاصر مع مأساة الاخرين، معادلة الموت في غزة نسبية، فقدي اقل من فقدك، مع ان الحياة غالية ايا كانت فردا او جماعة. في ظل الموت الطقسي الذي بات يحل على غزة مثل ريح الخماسين او الريح الصفراء الوباء يزداد الغزي مناعة، والتكيف مع الواقع ومعه يزداد الاصرار على البقاء والتمسك بحلم العودة.

استهداف المدنيين
قد امضي وامضي وانا اكتب عن ملحمة غزة، قبل ان اقدم كتاب مشير الفرا الصادر حديثا، حيث اعلن عن صدوره في حفلة اقيمت في جامعة شيفيلد يوم الجمعة الماضية، والفرا ناشط سياسي في حركة غزة الحرة، وكان مع اول قافلة خرقت الحصار المفروض على غزة حيث وصل افرادها من لارنكا الى غزة. ولعل ما ورد اعلاه هو بعض ما قدمه الفرا في كتابه عندما تمطر السماء نيرانا بيضاء. وفكرة الكتاب ولدت من خلال مكالمة هاتفية من مكتب محاماة معروف «بندمان» والتي تمثل مجموعة من الناشطين ضد تصدير الاسلحة والتي تسهم بقتل الابرياء واسمها «سماش اي دو اي» (اي هشم/كسر شركة اي دو اي) حيث قام افرادها عام 2009 بمهاجمة مصنع لتنصنيع منظومات عسكرية تستخدم عادة في طائرات اف- 16 وغيرها، ومنذ عام 2004 يقوم افراد الحملة باحتجاجات لغلق المصنع « اي دي او- ام بي ام» قرب برايتون واستخدامه لاغراض مدنية. ويقول اعضاء الحملة ان الاسلحة استخدمتها القوات البريطانية والامريكية في العراق، واسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة، مما ادى الى معاناة الابرياء. وقد اعترف الناشطون انهم احدثوا اضرارا على المصنع ولكن محاميهم ناقشوا انهم تحركوا من اجل دفع ضرر اكبر «العذر المباح»، وقد قبل القاضي الدفاع وبرأهم عام 2010. من جانبه حصل الفرا على ملفات وشهادات العائلات من مركز الضمير في غزة. ومع ان مهمته كانت ترجمة هذه الملفات الا انها صدمته من ناحية فظاعتها ووحشية العدو. ومع ان الغرض من ترجمة هذه الملفات كان تعريف العالم بالفظائع التي ارتكبتها اسرائيل في غزة الا انه ومن اجل ان يأخذ معلومات شخصية اكثر عن الضحايا وعائلاتهم قرر لقاء افرادها ومن اصيب في الحرب. ويعترف الفرا ان هناك الكثير من التقارير التي اعدتها منظمات حقوق الانسان عن ما حدث في غزة الا ان الهدف الرئيسي لكتابه او شهاداته هو القاء ضوء على المعاناة الشخصية، وتقديم قصص الضحايا واثرها على حياة العائلات والاحلام المحطمة. وقد تم اخذ هذه الشهادات وتوثيقها مشفوعة بالقسم والتأكد من صحتها من خلال اخرين كانوا شهودا على عمليات القتل والتدمير. والادلة التي تظهر من هذه الشهادت تشير الى ان الجيش الاسرائيلي استهدف مدنيين عزل لا علاقة لهم بحماس او فتح اي من الفصائل الاخرى في القطاع، وفي الكثير من الاحيان كان الجنود الاسرائيليون يقتلون المدنيين بدم بارد، وكانوا يمنعون وصول سيارات الاسعاف ويطلقون النار على من يحاول المساعدة، وحتى عندما كان يحاول الجريح الاتصال بالاسعاف او اي مؤسسة لمساعدته كان الجنود يهددونه بالموت، مما يعني النزيف حتى الموت او حتى تحضر سيارات الاسعاف وقد حدث الضرر والشلل. مع ان الاصابات كان يمكن علاجها لو سمح للمسعفين باكرا. وما يصدم في الشهادات ان بعض المصابين كانوا ينزفون والمستشفى ليس بعيدا عنهم الا مسافة قصيرة. وفي الشهادات يربط القاريء بين الرقم في الاعلام والشخصية الحقيقية التي تتحدث بصدق، حيث تخرج من الشهادة صورة عن انسان فلسطيني، طامح يحب الحياة مثل غيره، واطفاله الذين كانوا يعشقون العاب الطفولة، يشاهدون القراميش وتوم وجيري الذي نسيه حتى الامريكيين، ولكن اطفال يحبون مدارسهم، ويحبون اباءهم واخوتهم. وعلى الرغم من الجوع والفقر لديهم الوقت الكافي للعناية بالحيوانات الاليفة، يبكون عندما تموت قططهم ويدفنوها قربهم، وكلاب تحزن على موت اصحابها حيث ترفض الاكل، وفاء لمن احسن اليها، وهناك من كان يحب العصافير وغناءها ولكنه لم يطق رؤية العصفور مقيدا في قفص لان من يحب الحرية لا يسجن احدا.

رحلة شخصية
يمزج الفرا بين رحلته الشخصية في المنفى ومحاولته العودة لبلده خان يونس، وكيف ماتت والدته رغم محاولاته العودة لان يكون بجانبها في اللحظات الاخيرة، وكل هذا بسبب التعقيدات والرفض الاسرائيلي، وهي قصة كل فلسطيني بعيد عن اهله، والذي يتساءل لماذا لا يستطيع الفلسطيني لقاء من يحب في اي مكان ووقت في العالم مثل بقية البشر. تكشف الشهادات عن حجم الاسلحة الفتاكة التي استخدمتها اسرائيل ضد الفلسطينيين وكأنها دخلت الحرب العالمية الثالثة، اف- 15، اف- 16، اباتشي، زوارق بحرية، دبابات، طائرات بدون طيار، قنابل فسفورية، والخ والنتيجة فيلم رعب على طريقة هوليوود، اشلاء وروؤس مقسمومة الى نصفين، طفلة لم يتجاوز عمرها 9 اشهر تطير من صدمة القنبلة وتعلق في قضيب شباك ولساعات وتعيش لتروي الحكاية لجيل قادم، وهنا ودماء في كل مكان، وغبار ودخان، ساحة معركة حقيقية ضد البشر والبيوت والزرع، كأن اسرائيل تريد ان تحقق حلم اسحق رابين الذي تمنى ان يستيقظ يوما وتكون غزة قد غاصت في البحر، هم اذا من يريدون رمينا في البحر، وليس نحن. عندما يتكلم الموتى في حرب غزة يتحدثون عن تاريخ من العذاب الذي عاشوه، فهم مشردون عن قراهم المدمرة فيما يعرف اليوم باسرائيل- الخط الاخضر او ابناء المشردين واحفادهم، ممن لم ينسوا اسماء قراهم، فهنا نتذكر معهم اسماء القرى والمدن من عسقلان الى اشدود ويبنا وزكريا وغيرها من التي دمرت بالكامل او لم يبق منها سوى مئذنة مسجد تقف وحيدة. نقرأ عن ام احمد التي لا تزال تحتضن صور بناتها التي تتخيل حفل زفافهن بالابيض لكن الاسرائيليون وضعوهم في الاكفان البيضاء. سمر من عائلة عبد ربه كانت اخر كلمات لامها «ماما هل تحبيني، عندي بعض الحلوى». محمد طوطح كان حلمه الذي غذاه بالامل والعمل ان يشارك في الالعاب الاوليمبية في بطولة الكاراتيه، وكان يتخيل دائما نفسه وهو يحمل علم فلسطين، لكنه جرح وقطعت رجله، وهو وان خسر حلمه الا انه يحاول مواصلة الحياة والمشاركة. وهو راض بما بقدره، مع ان حياته انقلبت رأسا على عقب من بطل اوليمبي او الحلم به الى رجل قلق على مصير عائلته وابنه الذي لم يولد بعد. رغم كل التسليم بالقدر الا انه لا يمنع نفسه من التساؤل «لماذا حصل هذا لي؟». كما اشرنا الذين رحلوا تركوا وراءهم حسرات وعبرات ومن بقي واصيب يحمل معه الاحلام الموءدة والمستقبل بدون مستقبل، والالام النفسية والجسدية والشعور بالعجز، فكل واحد منهم كان نشيطا في خدمة اهله والان اصبح يحتاج لمساعدتهم.

لم صالحة لزوجي
وفي قصة نجاح الغفاري تلخيص، فقد فقدت يدها وتشوه وجهها، وتحتاج لعمليات تجميل لتصحيح فكها. تشعر انها لم تعد تصلح لزوجها وطلبت منه الزواج من اخرى، فيما يتعرض هو نفسه للضغوط من عائلته للزواج. في الوقت الحالي يرفض ولكنها تشعر انه في يوم ما سيتعب منها، حسرتها انها لم تعد قادرة حتى مشط شعر بناتها او مساعدتهن في الحمام علاوة على التنيظيف وغسل الملابس، عندما تقرأ قصتها تشعر معها كما تشعر مع الاخرين ممن دمرت الحرب حيواتهم، حيث تحولت حياتهم الى احلام مرعبة وكوابيس، يشعرون بالغضب لان الشخص الحقيقي في داخلهم اقتلع منهم، بعضهم يبكي دونما توقف كلما ذكر اسم الغائبين والاخرون يصابون بنوبات عصبية. يكشف الفرا في الروايات التي ينقلها عن الثمن الفادح الذي دفعه الابرياء دونما ذنب او جريمة اقترفوها، فقط لانهم فلسطينيون ويعيشون في غزة. الغضب من وضعهم يجعلهم يتمنون للجانب الاخر ان يعاني مثل ما عانوا لان الاسرائيليين لن يعرفوا الالم الا بعد ان يصل الى ابواب بيوتهم. احمد ابن نجاح يتمني ان تقطع ايدي من قطعوا يد امه ان تقطع ايدي امهاتهم، «لان الاسرائيليين لا يعرفون حجم الذي زرعوه في قلوبنا والذي سيظل ولامد طويل». لا يثق الفلسطينيون باسرائيل التي قتلتهم بعد ان اعلنت الهدنة، فقصة دلال زوجة هاشم ابو حنونة قتلت بعد ان عادوا لبيتهم من حي الرمال حيث بيت شقيقه، صدقوا الهدنة فعادوا، وشعروا ان الحياة عادت لطبيعتها وانهم في مأمن حيث تحللوا من الغبار واغتسلوا وصلوا شكرا لله، دلال اغتسلت ولبست ثوبا جديدا احضره لها زوجها من الاردن وصلت وبعدها امطرت السماء جحيما ونيرانا، حيث استشهدت في ثوبها الجديد. دلال التي اوت الهاربين من الحرب وطبخت وعجنت لهم ماتت في ثوبها الجديد، ويصف هاشم كيف استطاع الخروج من البيت واولاده الى الرمال حيث مشوا على غير هدى مسافة طويلة في الليل وتحت وابل الرصاص، وكيف عاد في اليوم التالي لنقل جثة زوجته من البيت ومنعه الجيش. ومثل بقية الفلسطينيين يقول انه وطني ويحب بلده لكنه لم يكن مهتما بالسياسة، ويضيف انه عمل في اسرائيل لسنوات طويلة كسائق حافلة «ايجد» وتعامل مع الكثيرين من الاسرائيليين بدون مشاكل، اما الان وقد حلت المصيبة عليه، فيقول ان مشاعره تغيرت، ويعلق بسخرية بالقول « من الغريب ان الموت يأتي للفلسطيني حتى لو يكن مهتما بالسياسة». في الكتاب قصص كثيرة ومؤثرة ويعيش القاريء معها حيث تتكشف امام عينيه حقيقة المأساة وتخرج وجوه الاطفال والنساء والرجال من تحت الانقاض، ولا يملك من يقرأ الكتاب الا ان يكتب بعاطفية ويتحرر من اسر اللغة التقليدية، لانه عن الام التي ماتت وفي فمها قطعة شوكلاتة لم تملها القنبلة الاسرائيلية ولو لحظة كي تكملها، وعن بهاء الذي كان يحب العيد ومدينة الالعاب. في الكتاب قصص عن اناس ليسوا في مزاج للصفح عن القاتل أو الغفران يريدون العدالة لمن حرمهم الحياة ودمر أحلامهم.


ناقد من أسرة "القدس العربي"


Gaza: when the sky rained white fire, Musheir al-Farra.


لمن يرغب بشراء الكتاب يمكن الحصول عليه اما من المؤلف مباشرة او من جمعية التضامن مع الفلسطينيين في شيفيلد:

musheir@yahoo.co.uk
http://www.sheieldpsc.org.uk/