يخصنا الشاعر المغربي المرموق بنص شعري حواري موغل في ديدن أسئلة الشعر وفي أفق القصيدة. وكعادته يستدعي الشاعر بعضا من مرجعيات كونية أسست من خلال مشاريعها الإبداعية جزءا مهما من مشروع القصيدة المنفتحة على اللانهائي..

مَنْ يُصَدِّقُ حَدْسَ هُولْدَرْلينْ؟

جمال أمَّاش


1 -  بحثاً عَنْ نورِ ديوجينْ:

القاعَةُ مُغْلقةٌ تماماً، أسْرارُها فِيها وَما ملكتْ

النُّورُ الَّذي يُضيءُ زَوايَاها

سَقَطَ في الاِلْتِباسِ مُضْطَرِباً

خُفوتَهُ يُذَكِّرُ بِعَصْرِ مُلوكِ الطَّوائِفِ مِنْهِمْ مِنْ مازالَ يَقِظاً

وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَوارَى خَلْفَ جُدْرانِ

السُّجونِ

لَيْسَتْ لي أفكارٌ سَيِّئَةٌ عَنِ القِيامَةِ

وَأَتْرُكُ لِسَدنةِ المَغيبِ بَياضاً رُبَّما

بَيْنَ الشَّهْقَةِ وَالزَّفيرِ

حَياةٌ وَحُدودٌ

لَيْسَ السُّؤالُ والجَوابُ مَحْضُ حَياةٍ

وَلَكِنَّها ذاكِرةٌ تَنْزِفُ شُكوكاً وصُدودًا

مُعَلَّقاً بَيْنَ حَبْلِ "كَافْكا" وَنورِ "ديوجينْ"

هَلْ نُصَدِّقُ وَهْمَ " سُقْراطَ "

أَمْ حَدْسَ "هُولْدَرلينْ"؟

 

2 – جِراحُ الحمامْ:

أفكاري ليستْ على ما يرامْ

لذلكَ عاشرتُ هَديلَ الحمامْ

أَمْسَحُ عن عيوني غُباراً قَديماً

 لأرى ما لا يراهُ الغمامْ

 أطرُقُ أبوابَ الروحِ

 يطيرُ الحمامُ

أسمعُ صوتي يُردِّدُ أصداءَه الرُّخامْ

أطفو على سطحِ الليلِ

يَحُطُّ الحمامُ

ينامُ العالمُ

أغفو على تَنْهيدةٍ، شيءٌ ما ينمو على كَتِفي

غَيْمٌ  في فم طفلٍ

يَبسَمُ في حُلْمِهِ في جُنحِ الليلِ

وأنا في صَمْتي أفيضُ فوقَ جِراحِ الحَمامْ.

 

3 – شُهبٌ وملحُ رذاذٍ:

كُلُّهم مَرُّوا مِنْ هُنا

هُناكَ مَنْ تَرَكَ أَصابِعَهُ تَنْزِفُ

هُناكَ مَنْ تَرَكَ حُلْماً وَإِناءً

على مائِدَةِ الطَّعامِ

وَهُناكَ على الشُّرْفَةِ مِنْديلٌ

تَركَتْهُ عاشِقَةٌ مُبَلَّلاً بِقُبُلاتٍ خاطِفَةٍ

وَهُناكَ فُرْشاةٌ وَقُماشٌ لِرَسَّامينَ يُخَلِّدونَ

 أَثَرَ الفَراشاتِ

 

الرَّبيعُ الذي حَلَّ مُتَأخِّراً جاءَ صَعْباً

وخالياً مِنْ رَحيقِ الزُّهورِ

لَمْ يتركْ لنا ورقاً أخْضرَ

وَبَعْضَ هَواءْ

 

عَبْرَنا الوادِي بِصعوبَةٍ

لَمْ نَصِلِ الضِّفَةَ الأخرى بَعْدُ

نَرى إلى بَعْضِنا

ولا نُحَدِّدُ مَنْ مِنَّا ارْتَكبَ الأخطاءْ

 

الصُّورَةُ مُشَوَّشَةٌ

قَدْ تَحْسِبُها

لَوْحَةً أوْ جُرحاً

ولا أحَدَ يَعرِفُ اليومَ مِنَ الغَدِ

أناَ فقدتُ أُصْبُعاً في قَصيدَةٍ

لَيْسَ داءً

أَلَمَّ بِي

ولا دخلتُ في حَمْلةِ الوَطيسِ الجَديدةِ

أنا وَصلتْني مِنْ شَرارةِ البَردِ

الَّذي عَمَّ البِلادَ

هَذا العامِ

شُهبٌ ومِلْحُ رَذاذٍ.

 

دجنبر2012

 

شاعر من (المغرب)

جمال أمَّاش: شاعر- عضو اتحاد كتاب المغرب/عضو بيت الشعر في المغرب؛ صدر له: اشتعال الثلج (1998)؛ خطوات تتقدم الموكب(2005 )؛ حارس النبض(2010 ).