الرموز الدفينة… محاولة لتدوين الذاكرة المغربية

"الرموز الدفينة بين القبورية والمزارات الطبيعية" هو عنوان الكتاب الجديد الذي صدر مؤخرا بالعربية عن "مطبعة الجنوب" حول ثقافة الدفن والتبرك بالعناصر الطبيعية بالأطلس الكبير الشرقي للباحث لحسن آيت الفقيه.
يتوزع هذا الإصدار – الذي يقع في 161 صفحة من الحجم المتوسط – فضلا عن مقدمة، على أربعة فصول٬ يتناول الأول منها "القبورية بين التصور الدنيوي والإكراه الأخروي" فيما يتحدث الفصل الثاني عن "المزارات المائية والنباتية وعلاقتها بالماورائي"٬ في حين يرصد الفصل الثالث " مزار تيزليت بين الماء والدم" ويتطرق الفصل الأخير إلى " الصخر والتواصل بين الإنساني والماورائي".

يقدم الكتاب الذي يمثل إضافة نوعية للمكتبة الأنتروبولوجية والثقافية بالمغرب٬ دراسة علمية حول أساليب التبرك بالمزارات خاصة منها الأمازيغية بالأطلس الكبير الشرقي٬ كما يبحث في أسباب هذه الظاهرة من خلال دراسة العوامل السوسيو- ثقافية والأنتروبولوجية والعوامل البيئية والأسرية والإثنوغرافية. ويعتبر هذا المؤلف٬ الذي استغرقت فترة إنجازه 17 سنة من البحث والتقصي المتواصل٬ وثيقة أنتروبولوجية مرجعية ترصد ملامح الطقوس والتقاليد المجتمعية بالأطلس الكبير الشرقي عبر التاريخ.

وجاء في مقدمة المؤلف أن "بعض الرموز الثقافية المرتبطة بالماورائي لم تعد تطيق الصمود أمام الدهر بفعل وقع التحولات القروية السريعة بمنطقة جبال الأطلس الكبير الشرقي٬ لذا بات من المفيد الحفر المتواصل في مواقع التقاليد الشفاهية حيث تكاد تغيب الكتابية… وإنقاذ ما يمكن إنقاذه بكل أساليب التدوين".
وأبرزت أنه كان لظهور "التصوف الطرقي وانتشاره٬ إلى حد بعيد٬ تأثير قوي على الرموز الثقافية القديمة حيث نجح في توجيه التصور الأمازيغي في نطاق الماورائي مما نتج عنه حلول المزارات البشرية في بعض المواقع محل المزارات الطبيعية٬ إذ أضحت تلعب دور الوسيط في نقل الرسائل إلى الماورائي".

وخلصت المقدمة إلى أن البحث في أساليب التبرك بالمزارات الأمازيغية عامة "يفيد كثيرا في فهم معتقدات المغاربة القدماء… وأن النبش في موضوع القبور والمزارات والمواقع المقدرة عامة بالمنطقة يكشف عن نزعة إنسانية في ثقافة سكان الجبال تفيد في فهم عمق المودة بين الإنسان والأرض٬ وباختصار فالطقوس الجنائزية وما يغلفها من رموز وما يرتبط بها من عناصر الطبيعة المتبرك بها تندرج كلها في التقاليد الشفاهية التي يتطلبها تقدير الطبيعة".

وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء قال آيت لفقيه٬ الذي يشغل حاليا إطارا باللجنة الجهوية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بجهة الرشيدية – ورزازات٬ إن هذا الكتاب هو محاولة متواضعة تروم تدوين والحفاظ على الذاكرة الجماعية للمجتمع المغربي بالأطلس الكبير الشرقي ٬ مضيفا أن انعدام دراسات علمية متخصصة تبحث في هذا المجال كان الحافز وراء خوض هذه التجربة التي تهدف في المقام الأول إلى البحث واستكشاف عادات وتقاليد الدفن والطقوس المرتبطة بها في هذه المنطقة.

وأشار إلى أن هذا العمل توسل بمقاربة أنتروبولوجية تعتمد التحليل المقارن في منهجيتها لاستقصاء المخيال الشعبي بالمنطقة موضوع الدراسة٬ داعيا إلى ضرورة الحفاظ على هذا الرصيد الثقافي الشفاهي المهدد بالاندثار. وللحسن آيت الفقيه٬ المولود بميدلت عام 1961 وحاصل على الإجازة في التاريخ وباحث في التراث الثقافي والتنمية القروية٬ عدة أعمال ومؤلفات فكرية ومقالات منها بالأساس " إملشيل: جدلية الانغلاق والانفتاح" " 2001" و"المرأة المقيدة: دراسة حول المرأة والأسرة بالأطلس الكبير الشرقي" "2002" و"فصول من الرمز والقيمة في بيئة طيور الأطلس الكبير الشرقي" " 2004" و" إملشيل: الذاكرة الجماعية " "2010".