يستحضر الكاتب من ماضي التاريخ المصري شخصية "يعقوب المعلم" والتي استطاعت بفيض حضورها وفعلها أن تتزعم الأقباط. وعبر هذا الشخصية يجادل الكاتب بخطاب تفكيكي واقع الحال الرهن وحساسية العلاقة بين الروحي والزمني السياسي، لينصر القول بالحقوق الدينية ضمن إطار المواطنة.

اليعاقبة ...رحلة البحث عن زعيم

عيد اسطفانوس

منذ ما يزيد عن قرنين من الزمان أثار الرجل جدلاً واسعا حول أهدافه ومقاصده من تلك الأحداث التي أثارها حينئذ، لكن ما اتفق عليه الجميع هو أنه حسب عليهم آنذاك زعيما،وحسبوا هم عليه حتى اليوم تابعين، عانى بسببهم ومات غريباً وعانوا بسببه وعيروهم بإسمه، هذا هو "المعلم يعقوب" وفي تسميه أخرى "الجنرال يعقوب"، أول زعيم قبطي تنبأ قبل مائتي عام بما سيئول إليه حال أبناء عرقه اليوم في وطنهم، لذا قام بما قام به في ظل الظرف السياسي الزماني والمكاني المتاح لهذه الحقبة التاريخية وهي حملة نابليون ومعطياتها السياسية المعقدة، والتي هي مثار جدل محتدم حتى اليوم ولم تتوقف محاولات ظهور زعامات في حقب مختلفة بعضها كان زعامات روحية بحكم المنصب الديني في عصور الاضمحلال وبعضها كان زعامات سياسية في عصور ازدهار، واذا استثنينا رأس الكنيسة القبطية في نصف القرن الاخير وبعض زعامات الوفد التاريخية في القرن الماضي فلم تظهر شخصية ذات كاريزما نستطيع القول بأنها احتلت مكانة جديرة بكونها زعيم للاقباط.

ترى هل يحتاج "اليعاقبة" وخصوصاً في هذا التوقيت إلى قيادة من هذا الطراز؟ وخصوصاً بعد مستجدات خطيرة على الساحة، من المستحسن أن نمهد لهذا الطرح بمقدمة ربما نرى أنها ضرورية فحسنا فعل رأس الكنيسة المصرية عندما أعلن مؤخرا أن الكنيسة ليست مؤسسة سياسية وبالتالي تظل مهمتها الرئيسية الجليلة هي الإرشاد الروحي لاتباعها، وبذا يحسم الجدل الدائر حول دور المؤسسة الروحية (أمكنة وأشخاص) في العمل العام، حفاظاً على هيبة الهيئة الدينية والنأي بها عن مهاترات سياسية، بالقطع هي لا تجيد استخدام مفرداتها الخشنة والمتغيرة والملتوية والتي تتصادم كثيرا مع الخلفية الوجدانية لمكونها البشري المتأثر بالعقيدة والتي لا يجوز تأويل مساراتها أو تلوينها تحت أي ظرف. شيئ آخر، إن النظام السياسي طالما استمرئ انضواء الأقباط تحت لواء الرئاسة الكنسية، ليسهل ارتهان طرف منهم وقت الحاجة لمساومة الطرف الاخر، وقد لجأ السادات ومبارك لهذا الاسلوب القمئ لارهاب الأقباط اللذين يبدون حساسية شديدة تجاه ما يمس رئاستهم الروحية. شيئ أخير هو أن تغييرا حادا قد طرأ على الاوضاع في نصف القرن الماضي وتغييرا أشد حدة طرأ في العامين الاخيرين يتطلب أن يبدأ الأقباط (بكل طوائفهم ) فورا ودون إبطاء في البحث عن (قيادة مدنية)، قيادة تتولى المجابهة والحوار وربما الصدام مع النظام أو مع الكيانات التحتية التي تعبث بمقدرات الوطن، قيادة من خارج مكونات الاكليروس الكنسي بكل أطيافه (حفاظا على هيبته)، وأيضا من خارج أي هيئة إدارية مرتبطة بالكنيسة (المجالس الملية ومجالس الكنائس وغيرها)، قيادة تمثل كل الطوائف، وذلك لابراز الوجه الوطني المدني السياسي للقضية، باعتبار أن الأقباط وهم شركاء أصليون في ملكية هذا الوطن بصكوك غير قابلة للتشكيك، ولهم حق اصيل في نصيب عادل من السلطة والثروة، وأن المطالبة بهذه الحقوق يتفق مع كل الاعراف، وأن تكوين آليه لتفعيل وبلورة هذه المطالب أصبح قضية ملحة ولا شك سوف تلقى دعم وتشجيع تجمعات واشخاص وكيانات طبيعية ومعنوية في الوطن وخارجه تؤمن بمبدأ (مختلفين في العقائد شركاء في الوطن) وقد يتساءل البعض ألا يوجد على الساحة من يصلح لهذا الدور بدلا من البحث الذي قد يستغرق وقتا وللإجابة عن هذا ربما يفيد طرح بعض الافكار في هذا السياق للاسترشاد، نقول للاسترشاد لان كل من يملك فكره في هذا الاتجاه عليه طرحها لتتفاعل الطروحات ويمكن الخروج بتصور يكون بديلا لهذا التخبط على الساحة الذي أضر بالقضية.

أولاً:

بعد رحيل عدلي أبادير وهو الأب الروحي لأول إرهاصات هذا الفكر (فكر إفراز زعامة مدنية) فالموجود على الساحة الآن هي فعاليات فردية، تنشأ مع الأزمات ومع الاحترام لجهود ونوايا اصحابها إلا أنهم معرضون لضغوط قد تفوق قدراتهم كأفراد، كما ان تصرفات كثيرة حدثت تحت ضغط الانفعال ورد الفعل المتعجل ربما أضرت في أحايين كثيرة بالقضيه، أكثر مما أفادتها لذا نعتقد أن الأوان قد آن لظهور بادرة لتجميع هذه الجهود في كيان واحد منظم بإطار قانوني داخل الوطن ونؤكد على داخل الوطن، كيان يكون هدفه المعلن الواضح (بدلا من التخفي وراء شعارات مبهمة) هو الدفاع عن الشان القبطي بكل مكوناته هوية وثقافة وعقيدة وإعلاء مبدأ (مختلفون في العقائد شركاء في الوطن) كيان يستطيع إفساح المجال لأعراق ومكونات أخرى في المجتمع تواجه نفس منهج التهميش والتمييز وترغب في التوحد في الهدف نفسه. والتصدي لكل الممارسات العنصرية الموجودة والتي تنشأ على الساحة في عموم القطر المصري وفضحها للرأي العام في الداخل والخارج كل ذلك داخل اطار مخطط سياسي اعلامي وثقافي مؤسسي مدروس.

ثانياً:

البدء في الدعوة لتكوين حالة من (التوافق) بين الرموز الدينية للطوائف القبطية، التي تمر الأن بمرحلة يتوجب على الجميع اجتيازها بسرعة،وطرح الخلآفات (العقائدية) جانبا ويرسل الجميع رسالة مفادها أننا جميعا نواجه خطرا محدقا يهدد هويتنا وثقافتنا وربما وجودنا نفسه، خطرا لم ولن يفرق بين طائفة وأخرى، وأن استمرار حالة النفور والتراشق بالتعبيرات الدينية الخلافية والتوجس المتبادل بين قيادات هذه الطوائف مما يسحب رصيد ليس بقليل من دعم نحن في أمس الحاجة إليه، وينعكس سلبا على مكونات المجتمع القبطي في الخارج وربما نطمع في مرحلة تالية في حالة أكثر توافقا (بالطبع خارج امور العقيدة) بتشكيل لجنة دائمة للاتصال والتنسيق تجتمع بصفة دورية على ألا تتدخل في الامور السياسية مطلقا (وما يشاع عن تكوين مجلس الكنائس المصري لهو بادرة جيدة بجميع المقاييس).ويكون مهمتها التنسيق مع (الجناح السياسي) إذا جاز التعبير.

ثالثاً:

يجب على كل من يتصدى لهذه الفعاليات أن يتجرد تماماً من أي هوى شخصي في البحث عن زعامة أو شبهة متاجرة بالقضية أوتصفية حسابات مع كيانات أو أشخاص وان يتحلى بالموضوعية والرزانة الفكرية وعلى استعداد لتحمل تبعات ردود فعل خشنة وتضحيات جسيمة متوقعة بل وحتمية سواء من النظام أو من الخلايا الكامنة للعنصريين المتطرفين ويكون ملماً بالمشهد إلماماً تاماً حتى لاتتآكل مصداقية الهدف النبيل ويكون جاذباً لنشطاء داعمين من إخوة الوطن وشركاء المستقبل الداعمين لمبدأ مختلفون في العقائد شركاء في الوطن، وهم كثر لكنهم صامتون لاسباب خارجة عن إرادتهم.

رابعاً:

على الأقباط ومعهم المؤمنين بعدالة قضيتهم من كل الاتجاهات في الخارج أن ينشئوا كياناً موازياً متحداً ومنظماً، يجمع كل هذه المسميات المتناثرة ويفرزوا من بينهم بالاسلوب الديمقراطي السائد في مجتمعاتهم، يفرزوا قيادة موحدة -أيضاً من خارج اكليروس مهجر- وتكون مقبولة من الجميع وتمثل جميع الطوائف بلا اسنثناء، وتحدد أهداف التجمع بالتنسيق مع الداخل في إطار استراتيجية متفق عليها ولا مانع من أن يكون هناك جناحان واحد لاوربا والثاني للامريكتين.

خامساً:

يجب مراعاة أن كل ما سبق يجب أن يفرز في النهاية هيئة تأسيسية –متاح دخولها للجميع بغض النظر عن الدين أو الطائفة -يتفق على عدد أعضائها بين الداخل والخارج (اذا تعذر إنشاء كيان قانوني محلي ) وتختار هذه الهيئة شخصية واحدة (نؤكد شخصية واحدة) من الداخل يلتف حولها الجميع وتكون مقبولة من كل الأطياف حتى يمكن إضفاء الشرعية من الجميع على دورها السياسي.

سادساً:

نتصور أن ياكورة نشاط هذا الكيان المأمول هو وقوف الزعيم الجديد على منبر الامم المتحدة ليطالب بالحقوق المغتصبة لأمة طالت معاناتها على يد متعصبين جاء الوقت لاظهار جرائمهم والمطالبة بمحاكمتهم دوليا ومحليا على جرائم ابادة جماعية وقتل واغتصاب وتهجير قسري، المطالبة بتحديد هوية كل القتلة في كل الاحداث منذ منتصف القرن الماضي وحتى اليوم، ولعل الحكم الذي صدر مؤخرا في قضية مقتل عشرات الشباب دهسا بالمدرعات ورميا بالرصاص سيكون أحد الادلة الدامغة للظلم والجور الذي يعانيه عرق بأكمله ملايين من البشر حجمها يوازي حجم ست دول عربية مجتمعة ملاك أصليين يواجهون أبشع انواع العنصرية البغيضة.

ما تقدم هو ما نعتقد أنه لبنة يمكن البناء عليها ولا بأس من الاستفادة بتجارب شعوب وكيانات كثيرة سبقتنا وحققت ما تصبو اليه كما يجب أن نعبر مرحلة الصراخ والنحيب بأقصى سرعة الى مرحلة عمل منظم هادئ مدروس يخاطب العقل، مرحلة تضحيات اجتازتها امم كثيرة لتنتزع احترام هويتها وثقافتها وعقيدتها ولقد دفع الأقباط ثمنا باهظا وقد حان يوم المطالبة باستحقاقات هذا الثمن الذي دفع مقدماً.