قد لا يعاتب الشاعر المصري الوطن بما يمثله من قيم، لكنه يعاتب من حولوه الى أشبه بالوطن. ولأنها مصر فالشاعر يكتب عن قيمة كبرى تأبى أن تسقط في خريف الألم، ولهذا ينتصر لقيم الأمل والتي بموجبها يستعيد المواطن "الوطن"..

عِتَابُ مِصْرَ

أحمد البرعي

فِيمَ انْتِظَارُكَ، قَلْبُهَا ثَمِلُ
هِيَ لا تُرِيدُ سِوَاكَ يَا رَجُلُ

تَرْنُو وَفِيْ كَفِّ الرَّجَا أُفُقٌ
يَنْسَلُّ مِنْ أَرْجَائِهِ الأمَلُ

سَاقَتْ إلَيْكَ الآهَ سَائِلَةً
يَا جَافِيَاً، حَتَّامَ أبْتَهِلُ

طَاوُوْسُكَ الحَادِيْ عَلَى طَلَلٍ
لَمْ يَدْرِ أنِّيْ ذَلِكَ الطَّلَلُ!

يَا نَائِيَاً حَرَّقْتَنِيْ وَجَلاً
فَإلامَ مِنْكَ النَّأيُ والوَجَلُ

كُلُّ الدُّرُوبِ أضَأتُهَا أمَلاً
عَلِّيْ أرَىْ مِنْ أيِّهَا تَصِـلُ

وَنَوَافِذِيْ لَهَفٌ، يُسَائِلُنِيْ
أيَجيءُ أمْ ضَاقَتْ بكِ الحِيَلُ

أمْ أنَّـهُ مَا عَادَ يُؤلِمُهُ 
دَمْعٌ ، وَلا أرَقٌ ، وَلا خَجَلُ

فَأقُولُ لا إنِّيْ لَمُوقِنَةٌ
سَيَجيءُ تَحْمِلُ شَوْقَهُ السُّبُلُ

عَجَبَاً، أقُولُ وَفِيْ الحَشَا وَصَبٌ
أضْنَى انْتِظِارِي الخَوْفُ،مَا العَمَلُ

مَالِىْ أُوَارِي لَهْفَةً حَرَقَتْ
قَلْبيْ، فَمَاذَا بَعْدُ يَشْتَعِلُ

يَا رُبَّمَا، يَا ثَمَّ، يَا حُجَجيْ
مَا لِيْ وَقَدْ ضَاقَتْ بيَ العِلَلُ

أنْفَقْتُ كُلَّ ذَرَائِعِيْ كَذِبَاً
حَتَّى دَنَا مِنْ لَهْفَتِيْ الأجَلُ

فَأبُوحُ بَوْحَ النَّازِفِينَ دَمَاً
مِنْ حَرِّ مَا سَفَكَتْنِيَ المُقَلُ

هَيْجَاءُ مَنْ تِلْكَ الَّتِيْ فَرَشَتْ
مِزَقِيْ لِمَنْ بَاعُوا وَمَنْ قَتَلُوا

ظَنَّ الحُفَاةُ تَمَلُّكِيْ سَفَهَاً!
هَلْ لِلْحُفَاةِ بهَامَتِيْ قِبَلُ ؟

أَنْتَ الَّذِيْ أَمَّلْتَهُمْ شَغَفَاً
فَاحْتَدَّ فِيْ أوْهَامِهِمْ خَبَلُ

وَلَأَنْتَ مَنْ أَهْدَرْتَ بَارِقَتِيْ
سَيْلاً لِمَجْرَى الجَمْرِ يَمْتَثِلُ

يَا حَائِدَاً ، بَيْنِيْ وَبَيْنَهُمُ
قُلْ لِيْ برَبَّكَ مَا هُوَ الزَّلَلُ?

نَاجَيْتُ حَتَّى لَمْ أدَعْ سَبَبَاً
لِلْقِيلِ أوْ لِلْقَالِ يُنْتَحَلُ !

أوَّاهُ مِنْكَ سَفَكْتَنِيْ جَدَلاً
فإلامَ مِنْكَ السَّفْكُ والجَدَلُ

يَا أيُّهَا المَاشُونَ فَوْقَ دَمِيْ
قُولُوا لَهُ: حَتَّامَ أنْهَمِلُ ؟!

نَزْفِيْ فَضَاءٌ مُظْلِمٌ وَبهِ
ثَكْلَى أنُوحُ، فَمْنْ تُرَى يَئِلُ


شاعر من مصر