الأوساط الثقافية العراقية تودع رائد الشعر الكردي المعاصر

ودعت الأوساط الثقافية الشاعر العراقي الكردي الكبير شيركو بيكه س، الذي رحل الأحد الماضي في العاصمة السويدية "استوكهولم"، عن عمر ناهز الـ73 عاماً بعد معاناة طويلة من مرض سرطان الرئة. يعدّ الشاعر الراحل رائد الشعر الكردي الحداثي، وأشهر من برع في قصيدة النثر الكردية، وقد تميّز بكونه واحداً من الشعراء الذين دافعوا عن عدالة القضية الكردية بالكتابة والشعر والإبداع الفني.

ولد الشاعر كاكا شيركو بيكه س في السليمانية، العراق يوم الثاني من مايو/أيار 1940، لوالده فائق بيكه س، وهو أحد الشعراء الأكراد المشهورين، وأحد قادة انتفاضة السادس من سبتمبر/ايلول عام 1930، التي كلفته السجن ثم الإبعاد إلى جنوب العراق.

وكان والده أيضاً من مناصري حرية المرأة ومتأثراً بطروحات قاسم أمين وشعر الرصافي والزهاوي وشعراء تلك الحقبة. أما الوالدة وهي في العقد الثامن من عمرها تعيش وأخته في الولايات المتحدة الأميركية، وقد كان لها دوراً هاماً في نشأت الشاعر الأدبية، حيث ورثته معرفة ومحبة اللغة الكردية من خلال الأساطير والحكايات الشعبية التي كانت ترويها له ولأخواته ومن خلال الأغاني الكردية التي كانت تغنيها لهم عند حلول الليل.

التحق شيركو بيكه س بحركات المقاومة الكردية في وقت مبكر من حياته، وبسبب نشاطه السياسي أبعدته السلطات عام 1975 إلى محافظة الأنبار غربي العراق ووضع هناك تحت الإقامة الجبرية لمدة ثلاث سنوات، وفي أواخر السبعينيات أعادته السلطات إلى السليمانية، وفي نهاية عام 1984 التحق بالمقاومة الجديدة وعمل هناك في إعلام المقاومة وكذلك في اتحاد أدباء كردستان في الجبل.

وعند اشتداد الخطب في هذه الفترة فر الشاعر إلى خارج العراق، أولاً إلى إيران ومن ثم إلى سورية ثم إيطاليا بدعوة من لجنة حقوق الإنسان في فلورنسا. في عام 1988 سافر إلى السويد لتسلم جائزة أدبية، وهناك وطلب اللجوء السياسي. وفي نهاية عام 1990 سافر إلى الولايات المتحدة الأميركية

وبعد سنوات طويلة قضاها الشاعر في المهجر، عاد في عام 1991 بعد الانتفاضة الجماهيرية إلى مدينة السليمانية، وبعد عدة أشهر رشح نفسه على قائمة الخضر كشاعر مستقل فأصبح عضواً في أول برلمان كردي، وعن طريق البرلمان أصبح أول وزير للثقافة في إقليم كردستان وبقي في هذا المنصب سنة وبضعة أشهر ومن ثم قدم استقالته من منصبه بسبب ما وصفها "الخروقات الديمقراطية" فنشر استقالته ورجع مرة أخرى إلى السويد حيث كان يقيم، لكنه عاد أواخر التسعينيات للإقامة في محافظة السليمانية التي ولد فيها.

نشر الشاعر الراحل وباللغة الكردية منذ إصدار أول ديوان له عام 1968، أكثر من ثلاثين مجموعة شعرية، وتضم هذه الدواوين القصائد القصيرة والطويلة والنصوص المفتوحة والقصص الشعرية. كما كتب مسرحيتين شعريتين، وأهتم بالترجمة، فترجم من العربية إلى الكردية رواية "الشيخ والبحر" لأرنست همنغواي، وأسس حركة "روانكة" الشعرية في العام 1970 التي ضمت عدداَ كبيراً من الشعراء والروائيين الأكراد .

تُرجمت له سبع مجاميع شعرية إلى اللغة العربية، كذلك تُرجمت له مختارات من قصائده إلى أكثر من عشر لغات في العالم، وفي مُنح عام 1988 جائزة "توخولسكي" السويدية العالمية، ليكون أول شاعر كردي ينال هذه جائزة أدبية عالمية. ومُنح أيضاً جائزة "ثيرة ميرد للشعر" في السليمانية عام 2001، وجائزة "عنقاء الذهبية" العراقية عام 2005. ومنذ سنة 1988 اختيرت قصيدة له مع نبذة من حياته حيث تدرس كمادة في كتاب "أنطولوجيا" في كل من الولايات المتحدة وكندا للمرحلة الأولى من الدراسة المتوسطة، كما درست قصائده في أشهر الجامعات العالمية.

عن ميدل ايست