تقدم (الكلمة) هذا الحوار الكاشف عن ذاكرة واحدة من المجلات التي سعت إلى بلورة حراك تشكيلي في المغرب، وهو حوار في ذاكرة المجلة المغامرة الاستشرافية، وفي دوافعها ومآلاتها، وفي ذاكرة مسيرة التشكيل المغربي بمختلف تجلياته وفنونه المختلفة من الرسم إلى النحت إلى الجداريات العامة وغيرها.

ذاكرة «مجلة أنفاس»

حوار مع محمد شبعة(1)

حاورته: كنزة الصفريوي

ترجمة: سعيد بوخليط

 

1س-في جوابكم عن تساؤل ضمن العدد الذي خصصته مجلة أنفاس للفنون الجميلة، أفصحتم عن خطاب نظري جدا حول فن التشكيل، على النقيض من تشكيليين آخرين، عبروا تلقائيا أكثر بالرسم لكنهم،  لايمتلكون بالضرورة نفس مستوى خطابكم؟

ج-لقد فهمت مبكرا جدا أن الفن،  ليس فقط رسما للوحات ولا تشكيلا لمنحوتات،  لكنه أيضا تأمل ينبغي أن يصاحب هذا العمل، فالفنان التشكيلي المعاصر، يلزمه ليس فقط الاكتفاء بالمهارة وقليل من الثقافة الفنية العامة، بل تهذيب تأمل عميق، واتخاذ مواقف، وأن يتموضع وفق مسار معين،  ويسائل بكيفية أخرى، ويلاحظ الآخرين، ثم ينتقد عند الاقتضاء.هكذا يتميز، عن الرسام الساذج ، لقد توفرنا على عدد لابأس به، من الرسامين الساذجين على نحو ما،  لأنهم يفتقدون لوسائل التعبير، فيما يخص اللغة، مما يعجزهم عن كتابة نص صغير حول تجربتهم.في الغرب، لم نعرف حركة ذات قيمة بغير شخصيات تمتلك خطابا نظريا صارما ومقنعا .لم تتبلور،  حركة فنية دون سند من المبادئ والأفكار، لأنه يقوم دائما في الفن ذهاب وإياب، بين الممارسة والنظرية.يرافق الخطاب والتنظير، فعل الفن التشكيلي كي يمنحانه مبررا للوجود.فيما يخصني، وما يهم المغرب،  آمنت منذ البداية،  باقتضاء بيداغوجي .فلم يكن لدينا جمهور، خلال سنوات الستينات، ولازلنا فنانين تشكيليين في سن الشباب.هكذا، تبين لي بداية، ضرورة خلق جمهور وإن كان محدودا، مادام لايمكننا الحلول محل المؤسسات والجمعيات، ومختلف وسائل البث العمومية. إذن، توخيت مزاوجة عملي وكذلك نتاج  زملائي، بكتابة مقالات ودراسات وتقديم محاضرات. تقليد،  دأبت عليه منذ زمن بعيد. فبالموازاة مع كل معرض، أنظم لقاء نقاشيا أدعو إليه الفنانين والمثقفين والصحافيين وبعض الهواة، إلخ، لأني أعتبر المعرض فعلا ثقافيا،  ينبغي أن يرافقه التأمل وليس شيئا آخر،  من قبيل الجمالية السلبية.تمكنت من إدخال هذا إلى المغرب، بينما الاتجاه العام السائد وقتها نتيجة تأثير بعض الفرنسيين الجاهلين، الذين يدعون معرفتهم بالفن، أن الأخير يبقى ببساطة لديهم مجرد موهبة،  بالتالي تم الإعلاء من شأن فنانين بسطاء، حيث الإقرار لهم بالأمية والقدرة على إنتاج الفن، دون أن يمروا قبل ذلك من فضاء المدرسة أو امتلاكهم لمرجعية نظرية بهذاالصدد. فحجتي،  لايمكنك بتاتا أن تكون مبدعا،  ثم جاهلا وساذجا.توخى بعض الاستعماريين،  إقناعنا بلاجدوى الذهاب إلى المدرسة، كي ننتج فنا.تصور مخرب، لأنهم استهدفوا إبقاءنا عند سبيل الجهل والبلاهة والفولكلور.موقف يثير اشمئزازي، والمتمثل في فلكلرة الفن والتعامل معه تعاملا فولكلوريا.بالنسبة للغة الانجليزية، فمفهوم "Folk"يحظى بالاحترام، لأنه يعني لدى الأنجلوساكسونيين، فنا شعبيا.أما، في الفرنسية، ففولكلوري يحيل بالتحديد على خلق البهجة عند "القايد" أو "الخليفة"، ولا أعلم من الآخر، فالأمر لاينطوي على أية قيمة فنية تذكر.

2 س-هل شكلت مجلة أنفاس ومدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء، حركة حقيقية؟

ج-نعم، الصدفة وحدها،  وضعتني في مدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء، التي كان يشرف عليها آنذاك فريد بلكاهية. فنان،  أمكننا التحاور معه.فلو وجدنا رئيسا إداريا نوعا ما وقصير النظر،  لما استطعنا القيام بما قمنا به.لقد نهضنا بعدد من الركائز،  وإن ليس كليا. جعلنا التلاميذ، يشتغلون على اللوحات والأرض  والجسد الذي يهتز، علمناهم تجارب معاصرة :الرسم باللطخات،  الرسم التلقائي،  إلخ، وتوجيههم نحو استيعاب تقنيات التعلم الأكاديمية والكلاسيكية، مثل الرسم بالملاحظة، واصطحبناهم في زيارات كي يعاينوا عن قرب المعاهد الإسلامية، وجعلهم يفهمون أن التعبير التشكيلي التقليدي الوطني، لايزعجه  التجسيد التصويري،  ولايحكي تاريخا، بل التجريد الذي يعكسه العقل والحساسية العربية-الإسلامية،  على مستوى التجصيص والنقش والديكورات وكل تعامل آخر مع المكان، في غياب الإطار،  إلخ.إذن على الصعيد البيداغوجي، بالرغم من  قلة عددنا كفنانين،  تمكننا لاسيما المليحي وأنا،  من توضيح وتطبيق تقنيات أسلوب الباوهاوس Bauhaus، وهي مدرسة أوروبية معاصرة،  تشبه كثيرا التقليد المحلي، فالفن في المغرب هو فن مندمج.كان هناك رسامو المنمنمات، أفراد يقومون بالزخرفة، لكن خارج هذا، ينجز الفنانون فنا مندمجا بالمكان، داخل البنايات الكبيرة كالمساجد مثلا، إلخ.لقد أوضحنا، بأنه إذا اشتغلنا على فن مجرد، فليس تحت دافع استنساخ مايقع في الغرب، بل العكس !مثلا،  استلهم ماتيسMatisse، وآخرين المشرق كي يحيطوا بهاته القدرة على التجريد المرتبطة بالثقافة العربية -الإسلامية.

3-س لقد طورتم في مجلة أنفاس مفهومكم عن: العمل –الموقف. هل ساد وعي،  بالسياق وإرادة للفعل؟

ج-نعم هو ذاك، الاعتقاد في كون الفن يعتبر فعلا للتحضر، وحتمية استناده على مفهوم داخلي، ديناميكي، ممتزج بالإحالة على التراث الوطني، تصور أوحى إلي وزملائي مثل عبد اللطيف اللعبي، بالوضع التالي :تقليدنا ثوري و طليعي.أفصحنا عن هذا، حتى نظهر أننا لا نتبنى سياقا عالميا، لأن التجريد  اعتبر وقتها موضة،  ولكن تقليدنا ثوري أساسا. الفن الأوروبي ، تطور في إطار اللوحة، لأن البورجوازية أرادت رؤية هذه التحف محاطة بها في قصورها الصغيرة، كثأر من الكنيسة والبابا  اللذين استثمرا ،  أهم الإنجازات الفنية في شكل لوحات جدرانية وديكورات فخمة تزين الكاتدرائيات والكنائس. اكتشفنا الفن التشكيلي الغربي بواسطة اللوحة، لكن اتجه موقفنا الأولي كي نطرح جانبا اللوحة، ثم نعيد التذكير بفكر المساحات والقياسات الكبيرة، والمكانية في الفكر العربي الإسلامي ! استبعدنا الإطار والعمق،  لكن حقيقة فاللوحة لها دائما مبررها كي توجد، لأننا نعيش دائما على ضوء نتائج ومكتسبات النهضة الأوروبية.نظام لازال مشروعا حتى اللحظة، وإن اكتشفنا الفيديو وإمكانية التعبير بالصور،  من خلال جهاز الفيديو والتليفزيون.اللوحة دائما هنا، فلكي يقوم نظام جديد، لا ينبغي مجرد انتقاله إلى التمني الذهني، بل يتحتم فعلا سريانه نحو الفكر والوعي، مسار بطيء جدا.

4-س-قمتم بمعرض وسط ساحة جامع الفنا سنة 1969 ، كما رسمتم لوحات داخل مستشفيات الأمراض العقلية والنفسية، ولوحات جدرانية في أصيلة، هل تعلق الأمر بانفتاح للفن التشكيلي على جمهور واسع؟

ج-اعتقدنا أن الفن،  ليس شأنا نخبويا،  نعم ضرورية هي الأروقة والصالونات. الفن قضية سوسيو ثقافية، إنه عمومي.كما أنه في الغرب خلال سنوات1960، ثار الفنانون التشكيليون الشباب، وتظاهروا في الشارع،  يسعون هدم متحف اللوفر! ويرددون شعار: «لقد ضقنا ذرعا بالمتاحف، وغبار الواجهات الزجاجية !يلزم الخروج إلى الشارع، ينبغي أن نقود الفن كي يستنشق الهواء!». يعرف الفنانون جيدا ضرورة حماية الأعمال، لكن لما نبالغ على هذا المنوال؟ فبهدف صفع الأفراد، وتذكيرهم بأنه لا توجد فقط المتاحف، وقبل الذهاب إليها، ينبغي لعمل ما أن يحيا.فضلا عن ذلك،  فالمأثورات التي نعثر عليها وسط المتاحف الأوروبية،  قد عاشت لدى أشخاص ، طيلة سنوات عديدة.للأسف في المغرب، لا نتوفر على متاحف للفن المعاصر، وضع مخجل.الدولة لا تبادر إلى القيام بأي شيء، كانت هناك أبناك أو جمعيات مثل "أونا''. الذين أقاموا مؤسسة "أونا" وكذا فيلا الفنون،  بادروا خلال مناسبتين أو ثلاث، إلى اقتناء منتجات فنية،  متوهمين بأنهم حققوا منجزا، ثم توقفوا لسنوات عن المبادرة لشراء أي شيء.بعدها،  فتحوا فضاءات للمعارض. جيد ،  لكن هذا بقي جد محدود،  وربما كان دافعهم مبررا ثانيا: فبما أن كل هذا معفى من الضرائب، فقد اضطروا للقيام بأنشطة غير مربحة.لم يكن ذلك كافيا، فلا حضور في هذا السياق  للمجتمع المدني والأفراد، .عمل "أونا"،  وحده غير كاف،  بل نحتاج إلى هيئات أخرى. أشرفوا،  على معرضين أو ثلاث، ثم توقفوا.أرادوا فقط مواكبة الموضة، لكن في العمق انعدم المشروع والرؤية الفكرية، لا شيء،  ولا أية كفاءة متخصصة.أسرعوا إلى إنشاء خدمة،  وكلفوا موظفين أو نساء مسنات : زوجة فلان لا شغل  لها،  مما يفرض علينا،  أن نتدبر لها ما تملأ به وقتها حتى لا تشعر بالسأم ، تصور ترتبت عنه نتائج  كارثية. لهذا، لا توجد استمرارية.يمارسون تجربة تافهة خلال سنة أو سنتين،  ثم ماذا بعد. كان مخزيا تماما، أن يغلقوا ويذهبوا خارجا لاحتساء الشاي. لقد انتهوا إلى هذا المآل.بينما نحن أصحاب الفن الطليعي، فقد كنا قلة قليلة،  وما وضعناه كنموذج، يكمن في برنامج هائل وعجيب وثوري !معارض في الساحات !الاشتغال مع الشباب والأطفال.لقد أقمت العديد من الأوراش في المعرض الدولي بالدار البيضاء، مما ساهم في بناء ثقافة فنية.

5-س- ماذا كان رهان تأمل الثقافة الوطنية؟

ج- شكلت سنوات الستينات،  لحظات مهمة جدا في تاريخ المغرب، لأنه على امتداد تلك المرحلة وحتى لحظة الاعتقالات،  تبلور وعي بضرورة التفكير في الثقافة الوطنية،  بمعنى العثور على هوية. سيفكر في هذا الأمر، المبدعون والمفكرون والشعراء.فمثلت مجلة أنفاس، رافدا للمبدعين ومنبرا للشعراء والكتاب. لم نمتلك وقتها، أية أرضية سياسية أو إيديولوجية، لكن أنفاس شكلت أساس الاشتغال حول قضية الثقافة الوطنية. لماذا سؤال الثقافة الوطنية؟ خرجنا بالكاد آنذاك من فترة الحماية، في إطار سياق متهالك.كنا ندرك،  ما يميز تراثنا من غنى يفرض علينا إبراز قيمته.غير،  أنه لم يكن هذا كافيا، إذا أردنا تعبيد الطريق نحو سيرورة التغيير والتحول،  صوب ثقافة وطنية معاصرة، تخلق وضعيات بالنسبة لفكر معاصر. ينبغي، أن نفكر. كانت أنفاس مجلة صغيرة متواضعة، لكنها عكست البداية، بعد ذلك جاءت مناظرات وملتقيات ، بعض الفنانين التشكيليين، اندمجوا ضمن هذا الإطار، لأننا نحن الفنانين التشكيلين الطليعيين، طرحنا نفس المبادئ : لكي ندرك مرحلة الحداثة، يلزمنا التفاعل مع الإرث التشكيلي الوطني،  وأن نفهم أولا دلالة تراثنا التشكيلي، كي نتمكن من تطوير فن بوسعه ، أن يكون قادرا على محاورة الكوني. من أجل تحقيق هذا المسعى،  يلزمه الانكباب على المحلي.فلا يمكننا، الذهاب إلى ناد، وقد تزودنا بمهارات معروفة سابقة ، بل ينبغي أن نقدم مساهمات حقا مفيدة،  لذلك يجب أن تكون لك مواقع،  وقبلها تطوير مرتكزات فن وثقافة وطنيتين،  كان هذا همنا الأكبر، عندما رجعنا من الغرب مع كل التجارب التي عرفناها :حركة الباوهاوس ، وكذا مختلف الحركات الثورية، أجازوا لنا في إطار هاته العودة، كي نسأل من جديد، وإلا وقفنا عند حدود تأمل جوهر الثقافة الوطنية، في صيغة إكليشيهات فولكلورية وكذا الأرابيسك، لقد قاربنا الإشكال في جوهره. خلال تلك الحقبة،  قلت بأنه يلزم حتما خلق أواصر مع الأدباء، حيث ظننته شرطا مهما جدا، لأن المرتبطين بالاستعمار الفرنسي خلال تلك الحقبة، أرادوا حشو دماغنا،  أن الفن لا يحتاج للتفكير، وليس شأنا للمثقفين، بل مصدره الحدس، إلخ.كل هذا صاحبته ملاحظة للتراث مهمة جدا.

6-كان التشكيليون، أكثر تفاعلا مع موضوع التراث، قياسا للأدباء الذين رفضوا الشكل الإبداعي القائم حينذاك،  وتموقعوا بشكل مختلف حيال الإرث الأدبي؟

ج-فيما يخص الأدباء، استند الفرانكفونيون على دواء فرنسي مسكّن ،  بحيث تعرفوا على أهم الشعراء الفرنسيين، وقرؤوا كبار الكتاب المهيمنين على الحقبة،  سارترعلى وجه  التقريب.إذن، لدى الفرانكفونيين، تجلى هذا الانفتاح : يعني،  أن تتموقع قليلا في خضم الراهن،  مع اهتمامات عصرية تقريبا وأشياء أخرى.فيما يتعلق بالفن التشكيلي،  كان لنا أولا رسامين ساذجين، أما غيرهم الذين تعلموا في مدارس، فقد أتوا بعدهم بفترة قليلة، وحتى بمحاولة  تخلصهم من تلك الأحكام اللا-فكرية واللا-ثقافية، فقد ظنوا تقريبا كلهم أن الفن حدس، وموهبة نحظى بها أو لا نحظى، حكايات كهاته تضلل الفكر كليا.لقد اعتقدت، خلال حقبة أنفاس أننا كنا في حاجة إلى تمثل لغات أخرى، وأن نخلق صدى.

7 –س- اشتغلتم كثيرا على الثقافة الشعبية؟

ج-لقد أعطينا قيمة للفن القروي، بحيث استشهدت دائما بحائكة السجادة، صورة أستحضرها دائما.فالقروي والحضري، أدمجا في إطار مسار تأمل حول فن مستقبلي.

8-س-تكلمتم أيضا، عن الثقافة الحضرية مع الجرافيزم والملصق ثم الديزاين.

ج-هذا أيضا،  يندرج دائما ضمن جدول الأعمال.حاليا ، نشاهد ملصقات إعلانية كبيرة لكن بغير جودة.فالأشخاص الذين يشرفون مرئيا على هاته الركائز، مجموعة صبيان يعملون  لدى شركات يقال عنها للتواصل، ثم يتوقف الأمر عند هذا الحد.أما، فيما مضى، فلا يمكنك قطعا رؤية ملصق محترم دون أن يكون قد أنجزه فنان.

9 س-لقد فضلتم لمدة طويلة المعارض الجماعية، لماذا؟

ج-بالنسبة إلينا،  لم يكن الأمر يتعلق بمجتمع النجومية،  والدعاية لفنان تشكيلي بناء على اسمه،  كي نخلق له الشهرة. دافع كهذا،  كان  مستبعدا.لقد وضعنا نظاما، يمكننا من التواصل مع الجمهور: كنا نتناوب بلا انقطاع داخل المعارض، بحيث لانترك الجمهور الحاضر،  وحيدا في الطبيعة يشاهد دون أن يفهم، إذا أراد الاستفسار عن قضية ما.كنا نتواجد في عين المكان، والزوار يشعرون  بحقهم في مخاطبة فنانين والتحدث إليهم. هكذا خلقنا،  تقليد التحاور مع زوار المعارض،  بحيث ينبغي دائما المرور من مرحلة بيداغوجية :التكوين والتواصل، لأننا أدركنا، أنه لم يكن تحت أيدينا شيئا يذكر، ثم لاشخص بوسعه القيام بذلك مكاننا.بالتالي، تبنينا الأمر ولازلنا كذلك.

10-س-كنتم من بين الأقلية، التي استمرت مع أنفاس، حينما اتخذت منعطفا إيديولوجيا، هل تقاسمتم الالتزامات النضالية للفريق؟ 

ج- خلال تلك الحقبة، سعينا كرسامين وشعراء ومبدعين أدباء، على ربط الإبداع بالهموم المجتمعية، فلتخصيب حقيقة معينة يتحتم بالضرورة على الشاعر والكاتب أو الفنان، الإحساس بمحيطه ،  بهذا الفقر المدقع واللا-عدالة وغباوة المجتمع وخاصة السلطة،  وإن تحتم عدم إرباك الفن بالمفاهيم الإيديولوجية، انطلاقا من رفض الفنان الامتثال وهو يبدع ، لمبدأ التطرق لشيء مقنن ، وإلا يمكنه الاكتفاء في مثل هذه الحالة،  بوضع إعلان أو نص أو شعار، فسيكون لحظتها أكثر فعالية، بينما العمل الفني يلزمه تجاوز كل هذا. وحدها التجربة المعيشية للفنان، يلزم إشباعها وجعلها تنعكس بين طيات العمل.

11-س-ماهو تقييمكم في الوقت الحالي، للعمل الذي اختبرتموه خلال حقبة أنفاس؟

ج-لسنا بعيدين عن أجواء أنفاس، فقد جسدت حقبتها رحما لمفهومنا عن الثقافة الوطنية، فأردنا منحها لونا وأسلوبا.بل،  أعتقد أننا هيأنا مداخل مركبة لكثير من التشكيليين  والمثقفين، وأظن بأن السعي كان مفيدا، بينما نلاحظ  حاليا في المغرب، توضح الحدود :هناك المستشرقون، ثم أفراد يصنعون أشياء للبيع.حقبة أنفاس، هي فترة عودة عدد من القوى الحية بعد اكتسابها للتجربة، كي تخدم البلد وتطوره وتغير وقائعه، هكذا هي مجموعة أنفاس، لذلك لم تظل جماعة أدبية متمحورة حول منبر .لقد تطورت المجلة، وصارت أدبية،  ثم تضمنت في نفس الوقت،  نصوصا ملتزمة سياسيا. كانت تصدر بالفرنسية والعربية في حجم مربع، خلال المرحلة التي سبقت الاعتقالات ، مما خلق مجالا لإبداع حركة سياسة.ننمي بالفن والإبداع،  الفكر الديمقراطي والثوري، ولايرتبط الهم حتما بالانتماء إلى حزب أو الارتهان به، بل بالخلق والحساسية والتأمل، وكذا دور الفن في المجتمع، لقد كانت حالتنا استثنائية جدا. 

12-س-هل معاينتكم لسنوات الستينات، لازالت مقبولة اليوم؟

ج-عندما أتذكركل ذلك، أقول «يا إلهي، لقد أقمنا صنيعا رائعا، على امتداد صحراء مقفرة جدا!» الإشكال، أن معطيات الوضع لازالت تقريبا قائمة.فخلال كل مرة، أستعيد فيها نصوصي وأتأمل أرشيفاتي،  أجد ما قمنا به خلال سنوات الستينات، يظل مشروعا قائما في الوقت الحالي.فقد مر نصف قرن على وجودنا، ولازلنا نلاحظ استمرار نفس الحاجيات وديمومة الخصاص الفظيع.لم تتحقق تغيرات كبيرة، فلنا إمكانيات للقيام بخطوات مهمة في أفق أن نتطور، لكننا لم نبادر إلى ذلك، بحيث قنعنا واكتفينا بالقليل.في المغرب، وكذا العديد من البلدان، لم يستوعب السياسيون بعد ، أن الثقافة تمثل السبيل الجوهري للتطور، وتبقى بالنسبة إليهم مجرد ترف لاغير، إنها ديكور وأرابيسك ، تظهرهم بمظهر لائق.هكذا، ينظمون مهرجانات ويستدعون لها فلان وفلان، كي يوزعوا عليهم جوائز سخيفة.لاشيء، يجمعنا بهذا،  لأنه يتخذ منحى تجاريا وسياحيا.

 هناك انعدام لإرادات فعلية، من أجل تكريس سياسة ثقافية راشدة.إذن،  البرنامج في مجمله لازال ملحا، لكن من سينهض به؟

هامش/

1-Kenza Sefrioui :La revue Souffles(1966-1973) ;espoirs de révolution  culturelle   au maroc ;éditions DU SIROCC0 2013.