هنا عنوان مقال قصير حول رواية تفكر في مصير الأنثى من خلال استلهام حس واقعي يرصد تفاصيل مصائر حيوات تتقاطع مصائرها، مقال أقرب الى رصد الرؤية الدلالية المهيمنة على مستوى استراتيجية الحكي..

مصير الأنثى

صالح الغازي

"إن حزناً في ساعة الموت أضعاف سرور في ساعة الميلاد" لم يكن بيت المعري فقط مناسباً لحالة العمة زينة بعد مقتل حبيبها انما هو فضاء للرواية كلها ،فالموت هو الفعل الحاسم الوحيد القادر على انهاء المأساة ،هذا الفعل الخارج عن الارادة فكل الشخصيات حالات مستعصية مركبة يجئ الموت ليكون القاضى عليهم أو الكاشف لهم  أو المنقذ للآخر أو سبب لتعاسة الآخر ،لكنه في كل الأحوال يحط بظلاله علي الأحداث فبداية الرواية موت الجد وانكشاف المخبوء ومقتل حبيب العمة زينة واسماعيل عريس مهرة ومقتل مدحت زوج رقية .

في إحدى قرى الدلتا في القرن الواحد والعشرين ،تدور أحداث الرواية ،واقعية عن جد مزواج ،تزوج من أربعة من القرية التى بها الأحداث واحدة والأخريات من القاهرة والنوبة والأسكندرية .ونتج عن كل زيجة ابن أو ابنة ،اختارتهم المؤلفة ليكونوا ابطال روايتها وكأنها تحلل من خلالهم المزيج الاجتماعى المصري ورصد مصائرهم من خلال هذا التفاعل. والقرية لا تختلف عن جو القرية المعتاد ص31" الناس في قريتنا يتلقفون الاشاعات وأسرار البيوت كوحوش جائعة تلوكها ألسنتهم وينسجون مزيداً من الحكايات يتدفئوا بها" بما يوحى باغترابهم عن هذا الجو خاصة انهم عائلة غنية لديهم إرث كبير.وبلا شك فالضحية الأولى فى هذه الأجواء تكون الأنثى.

جاء الرصد على لسان رقية أصغر بنات العائلة هى الراوية ،حكت لنا الحكايات بقدر من البوح بين الاستنتاج والإستغراب والخوف والتوق والرهبة والوحدة،واستغربت معرفتها بالوصف الدقيق لبعض أحداث تخص الجد خاصة ما روته عن الراقصة السكندرية التى تزوجها! ومرت رقية بمرحلتين  المرحلة الأولى هى الرصد فقط فرصدت وفاة الجد والأجواء المحيطة واستعرضت الشخصيات ومواقفهم ثم صدمة العائلة من ظهور زوجة لم يعرفوا بها للجد وظهور ابنا لها(رؤوف )ثم رفض العائلة له باستثناءها وزينة..الخ ،والمرحلة الثانية وجاءت متأخرة قرب النهاية ص 78 لتدخل في مأساتها الشخصية بتزويجها من الحلوف مدحت وتلاها تصوفها وعزلتها.

أما أسم الحرير المخملي قد يكون إسقاطاً علي تعومة الأنثي كمستوى للتلقى  فهو هواية وانشغال مهرة حيث تعكف علي تطريزه هروبا من عنوستها واهمال من حولها لها ومهرة بنت حبشية نوبية الأصل ،هى الشخصية الأكثر درامية في الرواية ص73"والتى أشيع أنها ورثت الجنون عن أبيها الذى عاش ومات وهو مفتتن بالنساء هاهى عمتى تفتتن برجل حتى الموت" كانت منغلقة علي عالم الحريرو نلاحظ أن المواقف المؤثرة كان الحرير المخملي الأداة حتى فحينما ظهر رؤوف كانت ترفضه ،لكن لما أحضر لها أثواب الحرير وكتيبات الرسومات دخل قلبها فللمرة الأولى تجد إهتماما.ليكون لرؤوف الفضل للتغير الأساسي لها بتعريفها بحبيبها اسماعيل فصنعت أشكالاً وألواناً وطرزت الحرير فرحة ،وحين مقتله  قتل الأمل بداخلها فأهالت التراب على الحرير ودفنته .

رسمت الشخصيات بعناية وكلاسيكية والعبارات جاءت بسيطة تعبر عن الموقف والحدث حتى الراوية بتلقائيتها لم تجهدنا في التوقع ولا في تغييرمفاجئ لزمن الرواية ولم تتركنا للملل من الأحداث مما جعل للرواية جذباً خاصاً جعلنى ما إن بدأت في الرواية حتى تعلقت بها وانتهيت من قراءتها في وقت قياسي بالنسبة لمعدل قراءتى العادي.ذكرتنى في أماكن بروايات ألبرتو مورافيا وهناك شخصيات صنعتها بإجتهاد  شديد أهمهم الجد ورؤوف ورقية ومهرة كذلك الصحفية زينة إبنة الزوجة القاهرية فعنها تقول الراوية"ص62 عمتى زينة رغم انفاتحها الشديد على العالم وثقافتها الغزيرة الا أن كثير من الرجال يجفلون من الإقتراب منها  لما تتميز به من طبع حاد وقدرة عجيبة على استلاب عقول الإخرين"

رُسم الرجل باهت الملامح ،ضعيف الشخصية أو يبحث عن مصلحته فقط أو يعانى عقدة أوديب أو مزواج ودائماً الذى يعانى من عيوب الرجل هو زوجته..باستثناء رءوف رمز الأمل الذى ساعد مهره والملهم لزينه ولرقية وهو الذى أعاد لرقية أيضاً حقها في القضية التى رفعها على أهل زوجها وكسبها فأعاد للعائلة ولرقية خصوصاً حقها وكرماتها وأنقذها،

لنجد السيدة مغلوبة علي أمرها إما عانس منكفئة على تطريزالحرير أو التى تحاول اثبات ذاتها علي حساب أنوثتها أو التى بيعت للغني كلهن ضحايا وفى نهاية الرواية ص112 " أما أنا فقد التحقت بالجامعة الأمريكية...الخ" حاولت أن تستثنى منهن الراوية(رقية)  لكن جاءت في عبارات  تقريرية سريعة خارج نسيج الرواية قد يكون قصدها أن تعطى مجرد خبراً اضافيا يعطى الأمل مثل الذى يحدث  في نهاية الفيلم عند نزول التتر،أو لتعطى الإيحاء أنه إستثناءاً.

تمنياتى بالتوفيق للكاتبة أميمة عز الدين وروايتها الحرير المخملي صدرت عن دار الحضارة والنشر.

 

كاتب وشاعر مصري

@salehelghazy