ما من شخوص تصعد على خشبة مسرح التاريخ السياسي لأداء دورها الفاعل فيه، والمعبر عن الفئة التي تمثلها، إلا وتكمن خلفها سيرة ذاتية تدعو للتساؤل لتشابكها مع مفاصل السلطة بمراحلها وأشكالها المختلفة، حول هذا الموضوع يقوم النص المترجم من قبل الباحث المغربي.

لغز الجنرال السيسي؟

ترجمة: سعيـد بوخليـط

 

من هو حقا، الجنرال الذي عزل محمد مرسي وقمع الإخوان؟

بالنسبة للبعض، لا تهم الأيام، التي سفكت فيها الدماء -مايقارب 800 قتيل بين14 و18غشت- فالجنرال السيسي يجسد ثانية عبد الناصر. إنه الرجل المناسب الذي انتظره البلد.

أما بالنسبة لمعسكر الإخوان المسلمين، فالسيسي جنرال تدبر أمر انقلاب ضد رئيس منتخب شرعياً، مما جعلهم يعلنون عليه حرباً "مادام يمشي فوق الكرة الأرضية"، بدوره، ينوي السيسي القضاء عليهم. لذلك، سيتكلم بنبرة جازمة يوم 18غشت "من يتخيل، أن العنف سيخضع مصر والمصريين، عليه إعادة النظر في موقفه، فلن نظل قطعاً مكتوفي الأيادي، أمام تدمير البلد".

عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع وقائد الجيش، كشف عن قناعته بلباسه العسكري الرسمي وقسمات وجهه الجادة، مخاطباً مئات من كبار ضباطه، الذين اجتمع بهم كي يطمئنهم عن نيته بعدم التراخي أمام الإخوان المسلمين بالرغم من الضغوط الدولية.

أن تداهنه حالياً أو تبغضه، قياساً إلى مصر ممزقة، فالجنرال عبد الفتاح السيسي البالغ 58 عاماً، يعتبر الرجل القوي الجديد بالنسبة للجميع، "ريس" جديد، يحب تكريس لغزه باعتباره "رجل الظل"، المشرف السابق على المخابرات العسكرية العتيدة. ورغم هذا، جعل منه محمد مرسي الرئيس الإسلامي المنتخب يوم 24 يونيو 2012 الشخصية المفتاح حينما سلمه القوات المسلحة.

إذا كان السيسي يتماهى مع إخفاء نظراته خلف نظارة الراي- بانRay-Ban بزجاج قاتم، كي يخلق حوله انطباعاً عن كونه جنرالاً محصناً، فإنه يعرف أيضاً كيفية ترميم صورته. يتهرب من الصحافيين، ويحظر على المقربين منه التكلم عن حياته الشخصية، لكن صوره تزين جدران القاهرة والواجهات الإدارية، منذ عزله محمد مرسي "فهو الوحيد، منذ عبد الناصر، الذي قبل المصريون بوضع صوره لديهم". هكذا، تخبرنا بعينين لامعتين، الجميلة حسناء حسن، أستاذة اللغة العربية البالغة من العمر 26 سنة. كذلك، على مواقع التواصل الاجتماعي، وضع مجموعة من الشباب المصري، صورته محل صورهم.

مع ذلك، وبالرغم من انقضاء شهر ونصف على إمساكه بزمام الأمور داخل البيت المصري، وتعيينه لعدلي منصور رئيساً مؤقتاً، وظل رسمياً عند الواجهة الخلفية، لازال السيسي يمثل لغزاً.

عندما عينه، مرسي شهر غشت 2012، قائداً للجيش، فإن الليبراليين واليسار الوطني، تلقوا الخبر ببرودة، بحيث رأى البعض في السيسي إسلامياً متستراً، استناداً إلى ما يتسرب من أخبار، تتحدث عن كونه مسلماً ورعاً، بل، متزمتاً، أقام علاقات أسروية مع الإخوان المسلمين، فابن عم أبيه عباس السيسي، كان شخصية مؤثرة بين أفراد الجمعية الدينية المضطربة. أيضا، قٌتل أحد أبناء عم الجنرال، إبان الاقتحام العنيف والدموي، من طرف الجيش، كي ينهي اعتصام الإسلاميين، داخل مسجد رابعة العدوية.

في نفس الإطار، اعتٌبر تنصيبه من طرف الرئيس محمد مرسي، خلال السنة الماضية، "أسلمة" لجيش، يتصف قادته بنوع من التحفظ اتجاه"الملتحين"، ربما،شكل هذا المشروع هاجساً لمرسي، لكنه فشل، فقد نسي بأن المهمة الجوهرية التي شكلت هاجساً للجنرال السيسي قائد الاستخبارات العسكرية في ظل نظام مبارك، انصبت على ملاحقة الإسلاميين داخل الجهاز العسكري.

إذن، مرسي والسيسي، يعرفان بعضهما البعض. فقبل الانتخابات الرئاسية، التي أسفرت عن وصول الإسلاميين إلى السلطة، أوكلت إليهما مهمة التحاور: الأول، باسم الإسلاميين، والثاني كممثل عن الجيش بخصوص العلاقات المستقبلية بين القوتين الكبيرتين داخل البلد، أي العسكر والإخوان أيضاً. السيسي من تفاوض حول تغيير كبار الضباط، والانزياح بنوع من الليونة عن القائد السابق للقوات المسلحة لهيئة الأركان، الكهل الماريشال طنطاوي.

لما تبين للجيش، فوز الإخوان بالانتخابات، أراد ضمان الاحتفاظ بامتيازاته وريعه بحيث يمتلك مايناهز 20% من الاقتصاد المصري، وتعيش عناصره داخل وعاء مسيج (يتمتعون بأنديتهم الخاصة ومدارسهم وفنادقهم ومستشفياته). يصوت الجيش، على ميزانية تتصف بالسرية، ويحظى بمساعدة أمريكية سنوية تبلغ قيمتها 1;3 مليار دولار، منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد سنة .1978

هكذا، عندما تولى محمد مرسي كرسي الرئاسة سارع إلى تثبيت امتيازات الجيش. بدوره الأخير رحب بالرئيس كما ينبغي غداة ظهور نتائج الانتخابات، فالسيسي وليس الماريشال طنطاوي، من كتب برقية التهنئة باسم الجيش، مؤكداً على وفائه للرئيس الجديد. أيضاً، السيسي من ترافع أمام نشطاء منظمة العفو الدولية، بخصوص صحة اختبارات العذرية، التي أجريت لبعض المتظاهرات، اللواتي اعتقلن. لقد توجه بالحديث إليهم، كي يتجنبوا اتهام الجيش بالتورط في الاغتصاب!

بالنسبة للغربيين، الغموض المحيط بالجنرال السيسي، ليس مع ذلك، إلا ظاهريا. لأنه،مثل كثير من المصريين، فرد متدين جداً، وصاحب"ثقافة إسلامية"، يخبرنا "توفيق أكليمندوس" باحث في معهد كوليج دو فرانس، ومختص في الجيش المصري. أما سياسياً، فالسيسي ناصري، شخص وطني، مفتون كثيراً بعبد الناصر، الرجل الذي جعل مصر في قلب العالم العربي. السيسي، يحلم باستعادة هذا الماضي الأسطوري لمصر.

ينحدر الجنرال، من عائلة متدينة جداً، تشتغل بالتجارة. الأب المتوفى"سيد حسين خليلي السيسي"، كان يدير محل "السيسي" في السوق الشهير "خان الخليلي" وسط القاهرة القديمة، يصنع ويبيع حقائب مرصعة على نحو رائع. عبد الفتاح السيسي، هو أحد الذكور الثلاثة، من عائلة يشكلها ثمانية أطفال أشرف أحدهم على تجارة العائلة، بينما اتجه الثاني إلى القضاء. ومثل زوجة السيسي، فأخواته الثلاث، يرتدين الحجاب ولا يعملن خارج المنزل. له أربعة أطفال، ثلاثة ذكور وبنت متحجبة بدورها، كأغلب المصريات اللواتي يخفين حالياً خصلات شعرهن، على النقيض مما كان الأمر عليه الوضع، قبل عشرين سنة.

داخل سوق "الخليلي"، يتذكر الجميع عشق الأب للاستمتاع بالنكت وتلك الحكايات، التي تأخذ بألباب المصريين، مما يجعله مختلفاً عن ابنه عبد الفتاح، الشخصية الصامتة المفضلة للاستماع. وبناء على طبيعته السلطوية، فقد تمحورت حوله منذ طفولته داخل أفراد أسرته، أسطورة جعلتهم ينادونه بـ"الجنرال".

بيد أنه جنرال، لم يشارك أبداً في أية حرب، كان عمره عند حدود سنتين، حقبة الحملة العسكرية على السويس سنة 1956 (إرسال مظليين إلى القناة من طرف فرنسا وبريطانيا وإسرائيل)، ثم بلغ 11 عاماً، لما حطم الإسرائليون أرضياً الطيران المصري. أما، زمن حرب أكتوبر، فقد بلغ السيسي 18 سنة، لكنه وقتها لم ينضم  إلى صفوف بالجيش.

بعد أشهر، التحق بالأكاديمية العسكرية (ناصر)، فحصل على شهادة سنة 1977، ثم ذهب إلى انجلترا بهدف إتمام دراسته، وعندما عاد إلى مصر اختار المشاة، وأصبح ملحقاً عسكرياً في السفارة المصرية بالعربية السعودية، ثم قائداً عاماً لمنطقة الشمال (الإسكندرية) وأخيراً، رئيسا للاستخبارات العسكرية فترة حكم مبارك.

مسار نموذجي، يفسر ثقة حسني مبارك، في هذا الضابط المسلم والورع، الذي نشأ داخل التقليد العسكري الناصري.

سنة 2006، اختير كي يتابع تدريباً في المدرسة الحربية الأمريكية، بولاية بنسلفانيا، فتمكن من نسج علاقات حميمية مع الاستخبارات الأمريكية، وكان التنسيق بينهما بعد ذلك من أجل محاربة الإرهاب في المنطقة. كتب الاستراتجي السيسي في بنسلفانيا بحثاً من ثلاث عشر صفحة، عنونه بـ "الديمقراطية في الشرق الأوسط". أوضح بين طياته عن مواقفه السياسية ورؤيته للعلاقة بين الديني والسياسي: "خلال اللحظات الأولى من الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية لعب الدين دوراً جوهرياً في سبيل إرساء قيم الوطن الأمريكي، وفي منطقة الشرق الأوسط، فالمقاربة ليست حقاً مختلفة، فقط أن الإسلام يعتبر بمثابة الدين المهيمن على المنطقة من المنطقي إذن،افتراض بأن إصلاحاً ديمقراطياً للحكم، ينبغي استناده على هاته الاعتقادات". يؤكد السيسي. ويضيف: "يكمن التحدي الكبير في معرفة إذا كان باقي العالم قادراً على الترحيب بديمقراطية قائمة على اعتقادات إسلامية". هل كان يفكر، في أن يختبر خلال يوم، أفكاره على محك الواقع؟ لا أحد يعلم، لكن، توضح شيئاً فشيئاً، وصار بديهياً، أن الجنرال السيسي، لم يبادر بكيفية عفوية إلى انقلاب شهر يوليوز.

منذ شهر نونبر2012،عندما بدأ تصادم محمد مرسي مع المؤسسات القانونية، وأصدر مرسوماً ينسب إلى نفسه سلطات مطلقة مما أدى إلى غليان الشارع الذي عبر عن رفضه. وقتها، سيتخلص وزير الدفاع من تحفظه للمرة الأولى مقترحاً لعب دور الوسيط بين الحكم والمعارضة. وافق مرسي على الجلوس إلى طاولة الحوار، لكنه تراجع عن قراره في الدقائق الأخيرة. السيسي، اعتبر الرفض، بمثابة إهانة شخصية. وليس هذا بالموقف الوحيد، فقبل ذلك، وخلال مأدبة عشاء احتفالاً بذكرى حرب 1973 ضد إسرائيل، استضاف مرسي على المائدة الشرفية، التي ضمته إلى جانب السيسي، أحد الأشخاص الذين شاركوا في اغتيال السادات. بالنسبة للضابط، ومعه باقي الجيش فسياق كهذا يمثل استفزازاً. رفض السيسي، هذه الاستخفاف بالجيش، الذي يجسد السادات بالنسبة إليه بطلاً.

شهر دجنبر، إنذار جديد، عندما تجابه أنصار ومعارضو الرئيس وسط شوارع القاهرة، فأصدر الجيش بلاغاً يعلن من خلاله بأنه: "لا يقبل العنف"، وتراكمت تحذيرات أخرى، ثم أخرج السيسي بطاقته على وجه الصراحة تقريباً. هو، من فاوض مباشرة بشأن إنهاء إضراب رجال الشرطة. هو، من أشرف أيضاً على تسليم جامعة الأزهر لوازم للطبخ بعد حادثة عرفتها مصر حينما تعرض مئات الطلبة لتسمم غذائي. والسيسي، يتعهد برعاية جنوده، فهو المسئول عن مالية الجيش، يضاعف رواتب أفراده، الجنود كالضباط، ثم إصلاح المباني السكنية لبعض الثكنات..إلخ.

شهر يونيو، ارتكب مرسي خطأ جسيماً، لما قطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا بشار الأسد، بحيث أحس الجيش المصري الرافض للتوجه الإسلامي، بنوع من التضامن مع نظيره الجيش السوري. اجتمع، الجنرال السيسي بالقيادات العليا ورؤساء الفيالق، كي يتخذوا قراراً جماعياً بعزل محمد مرسي، فلم يجد أدنى صعوبة في إقناع زملائه، الغاضبين قبل ذلك، من سعي مرسي إلى تسوية النزاع الإقليمي مع السودان، بينما احتكر الجيش دائماً هذا الملف.

إذن، بالتواطؤ مع بعض رجال الأعمال، ستدعم المؤسسة العسكرية شباب التمرد، ووظفته كأداة كي يحصل خلال شهرين على توقيع 22 مليون مصري للمطالبة برحيل محمد مرسي.

السيناريو الذي تبناه الجنرال السيسي، تبلور على نحو كامل، فإصرار الرئيس الإسلامي السابق على عدم اقتسامه للسلطة، وأن يحتفظ بها مستقبلاً للإخوان المسلمين، أعطى مبرراً لطموح وزير الدفاع، فهل كان الأخير، يتصور ذلك بمقدار من الدم؟

بشكل ملموس، لايبدو أن الجنرال السيسي يلتفت لمن يمقتونه أو تلك الضغوط الدولية، بما فيها الصادرة عن أصدقائه الأمريكيين. صحيح، أنه يدرك بأن العربية السعودية ودول الخليج متأهبين لنجدته مالياً، وقد منحوه غداة الانقلاب بداية شهر يوليوز 12 مليار دولار.

مع ذلك، يبقى أن نعرف المصير الذي يحتفظ به الفرعون الجديد إلى مواطنيه المتعاطفين مع الإخوان المسلمين والمتراوحة نسبتهم ما بين 25% و.20

 

(Le point: 22aout 2013; pp28-31)

(المغرب)