يقدم الناقد المصري قراءته لرواية الروائي المصري محمد توفيق يكشف فيها عن سرعة الإيقاع، واقتران جدة الشكل وفرادته بعمق ما تطرحه من قضايا الهيمنة الخارجية والواقع البائس للمجتمعات العشوائية، والتطلع إلى آفاق أرحب من الحرية والعدالة الاجتماعية. ودور عالم الفضاء الإلكتروني في جمع وحشد كلمة الثوار وجهودهم.

محمد توفيق في «فتاة الحلوى»

العالم الافتراضي من ساحة للهروب من الواقع إلى أداة للثورة

فتحي أبو رفيعة

في صدر رواية محمد توفيق الأخيرة (فتاة الحلوى، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، 2010) عبارة تقول: هذا الكتاب مجرد لقطة؛ وتحيل هذه العبارة إلى عنوان موقع إلكتروني خاص بالرواية (candygirl-thebook.com)  إذا شاء القارئ 'تفقد الصورة بأدق تفاصيلها وتعدد مناظيرها وكامل تعقيدها.' سيطالع القارئ موقعا بديعا، يضم معلومات وصورا عن المؤلف والرواية ومقتطفات منها. أتصور أن أهم ما قدمه الموقع هو ما يمكن أن أعتبره تفسيرا للعمق الذي اتسمت به الرواية وتعدد رؤاها وانغماسها العميق في الواقع العالمي والمحلي انطلاقا من خبرة عملية لمؤلف وضعته حياته العملية في خضم خبرات بالغة التنوع بدءا من تخرجه مهندسا معماريا من جامعة القاهرة ومرورا بانخراطه في العمل الدبلوماسي والدولي فضلا عن إنتاج أدبي غزير ومتميز في مجال الرواية والقصة القصيرة والترجمة، تجلى أخيرا في 'فتاة الحلوى'.
عبارة 'فتاة الحلوى' هي ترجمة حرفية، ربما غير دقيقة، لعبارة ( كاندي غيرل) الإنكليزية، حيث يحمل التعبير معانيَ كثيرة تشمل بين ما تشمل: البنت الحلوة، وعنوان قطعة موسيقية، واسماً لنوع من اللعب الجنسية، إلى آخر ذلك من المعاني المستمدة من لفظة 'القند' التي هي في الأصل لفظة عربية، وحسب قاموس المنجد في اللغة والأعلام فإن القند، جمع قنود، هو عسل قصب السكر إذا جمد، لفظة معربة من لفظة 'كند' الفارسية.
على أن اختيار تعبير 'فتاة الحلوى' عنوانا لهذا العمل ربما كان محاولة من المؤلف لكي يغلف بالسكر كبسولة مُرَّة لواقع ما بعد كولونيالي يواجه 'دبابات بوش وأيديولوجية المحافظين الجدد ومجازر إسرائيل، ويتحدى زنازين صدام وزملائه من الطغاة وسادية جلاديهم، ويهزأ من تشنج الإرهابيين، ودسائس الولي الفقيه وتمويل المسيحيين الصهاينة في أمريكا' ( الرواية، ص 208)، لكنه نفسه هو الواقع المشبع بالأمل، و 'رغم النهب المنظم الذي ينخر في البلد من فوق ومن تحت، رغم السرقة والبلطجة وزنا المحارم وأنين أطفال الشوارع المغتصبين، تنمو الورود وسط مستنقعات المجاري رغم أنف الجميع، وعطرها يتحدى العطن ليملأ الدنيا أملا' ( الرواية، ص 209).
'
فتاة الحلوى' هي قصة عالم الذرة المصري الدكتور مصطفى محمود قرني، الذي يعطيه الكاتب اسم شهرة هو 'المخيخ' وربما هو أيضا ترجمة غير دقيقة لكلمة Brain الإنكليزية، لكننا على أي حال سنواجه عبر الرواية الكثير من هذه التسميات الغريبة التي يطلقها المؤلف على أبطاله، فإلى جانب 'المخيخ' سنتعرف على 'زكزوكة' وهي اسم الدلع لإحدى الشخصيات الرئيسية التي سنتعرض لها لاحقا والتي تشبِّهها مخدومتها بالأمريكية كوندوليزا رايس، والشيخ عبد المحسن الوِرْوِرْ المدافع عن زواج المتعة باعتباره 'في شرع ربنا'، وغير ذلك من الأسماء الشعبية التي ربما حاول المؤلف بها أن يضفي 'جوا' من الروح الشعبية على الرواية مستخدما اللغة العامية في حوار شخصياتها من قبيل:
-
ما قلتليش، سبع ولا ضبع؟
-
إيه حكاية السباع والضباع اللي كلكم طالعين لي فيها؟ حمار مخطط يا ستي!! غوريلا، وحيد القرن، مبسوطة؟
-
تبقى رجعت قفاك بيقمر عيش!!
تعج الرواية بحوارات من هذا القبيل مما يدفعنا إلى الاعتقاد بأن المؤلف يغلِّب أسلوب كتابة السيناريو على التركيز على العمل الروائي ويكتب وفي ذهنه شخصيات معينة يتوخاها للعمل الروائي حالة تجسيده سينمائيا على سبيل المثال.
وعودٌ إلى موضوع الرواية، فبطلها الأساسي، كما جرت الإشارة إليه، هو عالم الذرة المصري العائد من العراق والذي تتعقبه المخابرات الأمريكية كهدف مطلوب تصفيته نتيجة لارتباطه بنظام صدام حسين. وتبدأ الرواية بخروج الدكتور قرني من المصرف الذي سحب منه تحويشة العمر، وكان قد قرر الاختفاء عن أعين المخابرات التي أدرك أنها تتعقبه، ولذلك فقد استأجر غرفة على سطح بناية متهالكة في منطقة عشوائية في أطراف القاهرة. العمارة تملكها سيدة يقال لها 'الست الطيبة'، التي سرعان ما يكتشف الرجل أنها تدير بيتا للدعارة. يتعرف الدكتور قرني في هذا البيت على 'زكزوكة' التي تستغلها صاحبة البيت في مهنة الدعارة، رغم محاولاتها المتعددة الثورة عليها وارتدائها النقاب، لكنها وجدت تعليلا لاستمرارها في ممارسة الدعارة تحت ستار 'زواج المتعة' الذي عرفها إليه زبون يدعى الشيخ عبد المحسن الورور. يصف المؤلف الحارة التي تقع فيها البناية قائلا: 'هذه الحارة لا تتبع الدولة المصرية التي وصفها جمال حمدان بالغاشمة الجهول، ولا يعترف سكانها بالإمبراطورية الأمريكية وحلفائها وتوابعها، ولا حتى بأعدائها من المارقين رعاة الإرهاب أعضاء محور الشر، بل لا يكترثون بهيئة الأمم المتحدة بكل ما في جعبتها من أعلام ترفرف وخطب ترن وإكسلانسات يتداولون في حماس موضوعات لا يفهمها أحد غيرهم. أنت هنا بالضبط في عالم موازٍ خارج مسار التاريخ الرسمي، لا شكل له ولا لون على خريطة الكرة الأرضيةô مأساة عشوائيات العالم الثالث هي التي جذبت 'المخيخ' إلى هذا المكان أصلا، خاصة بعدما أدرك أن مرافق الكهرباء بقدرة قادر متوفرة وحتى الإنترنت يمكن تدبيره'.
يتعرف الدكتور قرني أيضا في منزل 'الست الطيبة' على ابنها 'طاهر' طالب كلية الهندسة الرومانسي الذي يقرض الشعر ويستمع إلى الموسيقى الكلاسيكية ويستمتع بها والذي يدخل مع الدكتور قرني في مساجلات مدهشة حول المعادلات الهندسية ونظريات الفوضى والنسبية ومستقبل البشرية.
لدى خروج الدكتور قرني من المصرف الذي سحب منه 'تحويشة العمر' يفاجأ بأفراد عصابة يتحرشون بفتاة كانت له سابق معرفة بها. ويتضح أن الفتاة، وتدعى 'ديدي'، هي شقيقة أحلام الشواربي، بطلة رواية سابقة للمؤلف باسم 'طفل شقي اسمه عنتر'. العصابة مكلفة بمهمة استرداد دين على الفتاة ديدي نتيجة لوقوعها ضحية خديعة لأحد المنتجين السينمائيين. وبعد أن يجرد أفراد العصابة الدكتور قرني من تحويشة العمر كجزء تحت الحساب سدادا للدين المزعوم، يحتجزون ديدي ويطلقون سراح الدكتور لحين سداده بقية الدين.
وما بين مطاردة عناصر المخابرات الأمريكية من ناحية وخاطفي الفتاة ديدي من ناحية أخرى تدور أحداث 'فتاة الحلوى' إلى أن يتمكن الدكتور قرني من رسم خطة بالتعاون مع زكزوكة وطاهر لتخليص ديدي من قبضة العصابة، لكن في اللحظة التي يتم فيها ذلك تكون عناصر المخابرات الأمريكية قد تمكنت منه وقضت عليه ،' هل من نهاية أنسب لعالم مثله من أن يقتل بأحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا؟'، يتساءل الراوي في نهاية المطاردة العنيفة للهدف الثمين من خلال مركز للمخابرات الأمريكية في نورث كارولاينا.
وفي اللحظة التي يدرك فيها 'المخيخ' أنه يتعرض للخديعة من جانب العصابة وأنه لن يكون قادرا على تحرير ديدي من قبضتها تبلغ ثورته مبلغها. يقول الراوي: 'الغضب قد تحرر. غضب السنين، غضب العمر كله، تحرر إلى الأبدô مع اليأس يكون الغضب، واليأس قد وصل إلى منتهاهôيأس الأجيال التي أضاعت عمرها لتحدث تحولا ما في هذا البلدô يأس ملايين المصريين يتجسد في المخيخ في هذه اللحظةô وغضبهمô' ( الرواية، ص 250).
أما وقد انتهت أحداث الرواية، فإن ذلك سيدفع إلى التساؤل: ماذا عن 'فتاة الحلوى'؟ وما هي شخصيتها وما هو دورها في أحداث الرواية؟ وكيف يقدمها لنا المؤلف؟ 'فتاة الحلوى مسترخية على شيزلونج بجواره، تأخذ رشفات متمهلة من ميلكشيك بالفراولة ـ مشروبها المفضل ـ بشفاط مقلم أبيض في أحمر، اسمها مكتوب بأحرف لاتينية في الهواء فوق رأسها، شعرها برتقالي منسدل على كتفيها العاريين ومن تحتهما ثوبها الأبيض الكاشف للمفاتن، ثدياها في حجم حبتي المانجة التيمور، يقفز قلبه فرحا لرؤية هيئتها الإلكترونية الشهية ( الرواية، ص 85)'. وسرعان ما يبدأ حوار افتراضي بين الدكتور العالم والفتاة الافتراضية على الكومبيوتر. هي إذن فيديو جيم أو وسيلة افتراضية يهرب بها من واقعه المرتبك، حيث يمكنه من خلال الدخول على الإنترنت والانخراط مع 'فتاة الحلوى' في جلسة تطول أو تقصر أن 'يسيرا وسط ساحة متسعة أرضيتها مبلطة برخام رمادي معرَّق بتجاعيد بنية، على الجانب الأيمن تتوالى المحلات التجارية التي تبرز بضاعتها في شكل لافتات كبيرة بها فتيات مبتسمات، وعلى جانب الساحة الآخر تلمع صفحة مياه النهر المتسع الذي يصب في البحر، المشاة يسيرون في الساحة في كل الاتجاهات، أسماؤهم تطفو فوق رؤوسهم، بعضهم يتسكع والبعض الآخر يسرع نحو غاية مجهولة فيخرج عن نطاق الشاشة، على ضفة النهر توجد حديقة بها نخيل وورود حمراء وبنفسجية مبالغ في حجمها، على الضفة المقابلة أبراج ومبان ذات تصميمات ما بعد حداثية تؤكد أنهما يعيشان في متروبوليس بمعنى الكلمة ( الرواية، ص 61)'.
'
فتاة الحلوى' رواية سريعة الإيقاع، تقترن فيها جدة الشكل وفرادته بعمق ما تطرحه من قضايا الهيمنة الخارجية والواقع البائس للمجتمعات العشوائية والمطحونة والتطلع إلى آفاق أرحب من الحرية والعدالة الاجتماعية. وإذا كان الواقع الافتراضي الذي استعان به الكاتب كساحة هرب إليها بطله من قتامة واقعه المؤلم والبائس، فإن قراءة 'فتاة الحلوى' بعد الخامس والعشرين من كانون الثاني ( يناير) بثورته الربيعية الآسرة والمجيدة لا بد وأن تلفت أنظارنا إلى الدور الذي قام به العالم السيبراني أو عالم الفضاء الإلكتروني في جمع وحشد كلمة الثوار وجهودهم، وهي قضية لا بد أنها أيضا شغلت اهتمام المؤلف الدبلوماسي والمثقف والمهندس البارز في كل هذه المجالات.
ملاحظة: للرواية موقع إلكتروني:
http://www.candygirl-thebook.com/ar/mohamed_tawfik.htm
يتضمن المزيد من المعلومات والصور.

كاتب من مصر