يكتب القاص المغربي نصه القصصي بعيني طفل في علاقته بجدته وحبيبته بمشاعره الصغيرة وهو يحكي لنا عن الاثنتين بطريقة ماكرة، إلى أن يعلق في المقطع الختامي لنعرف انه لم يكن طفلا بل شاباً خبيثا ذلك الخبث المحبب.

وتلك الأيام نداولها

حسـن الخطـــيـبـي

عاصبة الجبين بغطاء شعر أسود تتدلى منه لبانات مختلفة الأحجام، ملطخة الأنف بالقطران وفي فمها عود قرنفل يتلوى بين أنياب شاخصة كأطلال أمرئ القيس... كعادتها عندما يشتد عليها الألم... لما تحركت من مكانها تضوع القطران والعرعار والحناء وأشياء أخرى من فراشها.. هي هكذا جدتي تتجاوز حقيقتها لتتحول إلى علامة طوطمية مكتنزة بالأسرار والألغاز عند مرضها.

كان صوتها يمتزج بأنين حاد تبكي له الصخور والأبقار لما اتكأت على عكازتها في وهن باد على ملاحمها المتبقية من جمال غارب، تحاصرني بملفها المطلبي ذي الطابع الإلزامي:

-                      نوض أوليدي سير جيب ليا الفقيه السي بوعزة قبل ما يمشي للمدينة راه عندو اليوم الرانديفو مع الطبيب.

بعينين نصف مفتوحتين نظرت صوبها بحنق كبير وفي جوفي ثورة من الغضب النائم.. ففي هذا الفجر الجميل زارتني مريم وقد تخلت عن تصلبها المعهود وتنازلت عن موقفها الرافض لكل مقترح أبسطه بين يديها.. مريم كانت تحدثني بنبرة صافية ونحن نستمرئ هدوء حقل الذرة المزهر ونرتشف من بساطه الأخضر أنخاب الحب والطمأنينة.. اقتربت من مريم واقتربت هي مني...همت بي وهممت بها فكان صوت جدتي الممزوج بالأنين مثل نعيق البوم...

جمعت نفسي ونهضت خوفا من سخطها السريع. هي هكذا جدتي، دائما ترفض مريم حتى في الحلم. والأسبوع الماضي فقط أحضرت لها وصفة هذا الفقيه. بل ومرات من قبل، فصرت واحدا من طلاسمه. ...تظاهرت بالهرولة بعدما حشرت رأسي في طاقية أبي القطنية طلبا للدفء المفقود مع جدتي بعدما تلقفت منها عشرات الدراهم على سبيل البركة للفقيه أخرجتها من صرتها المربوطة بحبل متين في عنقها لا تزيلها ولو عند الاستحمام. للإشارة فشباب هذا الزمان جعلوا محل الصرة هاتفا نقالا..

اجتزت السياج الذي وضعه أبي لحماية المنزل. انعطفت نحو حقل عمي المجاور. شيعتني جدتي حتى غبت عن نظرها الواهن.ثم تلاشيت بين سيقان الفول الندية آكل من ثمارها حتى انتفخ بطني وضربت موعدا مع النوم عل مريم تعود لاستئناف اللقاء الذي قطعت إرساله جدتي..

جفلت لصوت عقعاق أزعجه وجودي هناك. كان يريد إطعام فراخه المندسة في عش بالقرب مني.كانت أشعة الشمس قد بخرت ندى الصباح معلنة عن يوم ربيعي.كانت عشرات من النمل تعبر مسالك جسمي.تذكرت السوق..فعدت أدراجي للتو وفي أبهاء ذاكرتي ما كان يقوله لي الفقيه في المرات الفائتة... بوجه تساؤلي استقبلتني جدتي، طمأنتها ومددتها بالحجاب وطفقت اخترع لها كيفية استعماله بعدما دنوت من أذنها رافعا صوتي ما استطعت...و سأفشي لكم سرا لكن رجائي أن لا تبلغوه جدتي، فالحجاب الذي منحتها هو فقط دروس صغرتها بالآلة الناسخة لاستعملها أدوات مساعدة في امتحان الفلسفة،لأن رأسي لم يفهم بعد العلاقة بين الشريعة و الحكمة رغم شروحات الأستاذ وسفسطته..!!.

وأنا عائد من السوق الأسبوعي عصرا، تراءت لي جدتي تسير خلف قطيع الأبقار الذي تحبه كثيرا، رافعة عقيرتها بالغناء "والعيوط" مرتجلة قصيدة تمجد فيها الفقيه بوعزة مادحة إياه مذكرة بمكرماته العجيبة..!.

·                     عتبة لا بد منها:

أدمنت هذه اللعبة، أجمع تلك الدراهم من جدتي كلما مرضت، لشراء قنينة جعة كلما سخن الدم في رأسي، ومرة لتعبئة هاتفي النقال للحديث مع مريم.. فلتمرض جدتي وليحيا الفقيه بوعزة وعاشت مريم!!.