يراجع الناقد والشاعر المغربي هنا كتاب يحى بن الوليد الجديد (الكتابة والهويات القاتلة) الذي يستخدم فيه منهج أدورنو النقدي واستقصاءات مدرسة فرانكفورت في تناول أعمال الكاتب المغربي إدمون عمران المليح.

الكتابة في مواجهة الهويات القاتلة

عبدالحق ميفراني

 

صدر عن منشورات مؤسسة إدمون عمران المليح، كتاب "الكتابة والهويات القاتلة" للناقد يحيى بن الوليد، يحتوي الكتاب على دراسات في أدب وفكر إدمون عمران المليح موزعة على ثلاثة فصول، في الفصل الأول الكتابة ومواجهة الهويات القاتلة وقد خصصه مؤلفه للكاتب المفكر إدمون عموان المليح ومن خلال الاتكاء على مفهوم الكتابة بالسعي الى معالجة الثوابت لا المتغيرات، أما الفصل الثاني الكتابة الأليغورية فقد قارب الناقد يحيى بن الوليد "قراءة سيسيل ماري ديفور المليح" ل فكر "فالتر بنيامين" من خلال ما عبر عنه ب"فجر البدايات وخيبة الفلسفة الأوروبية" ليخلص في الفصل الثالث والأخير الى الأدب النقدي ومواجهة البربرية متأملا مدرسة فرانكفورت لموضوع الأدب.

كتاب الناقد يحيى بن الوليد يقترح في الأساس قراءة تتجه لتشكيل استراتيجية "الفكر القرائي" الذي يسعى الى تكريس "النص المختلف" ولما كانت فصوله قائمة على دراسة مجموعة من أعمال إدمون عمران المليح، أو لنؤكد على فكر ورؤى إدمون عمران المليح للكتابة، وبما أن هاجس التأويل المشروع المقدم كعتبة أولية في البحث لا مجال فيه ليقينيات يوازيه فعل كتابة لا نمطية زئبقية متشظية فإن فعل وأفق القراءة المقترحة، يتأسس على حس تأويلي يجعل من "الفكر القرائي" استراتيجيته المفتوحة، إذ في النهاية لا يستطيع الكتاب أن يقدم تصورا اقتراحيا/استقرائيا، يمكن أن يشكل نموذج "حاسم" لكتابات المليح المتشظية، لكنه في الآن نفسه يساهم في تشكيل أفق هذا النص المختلف بارتهانه الى ما يقدمه الناقد يحيى بن الوليد كنموذج استقرائي.

1.    إدمون عمران المليح (1917-...) الهوية المركبة:

يمثل إدمون عمران المليح علامة فارقة في الثقافة المغربية، ومرد ذلك بالنسبة للناقد يحيى بن الوليد راجع الى هويته المركبة مما يمنحه نبرة متفردة. هويته المغربية كاشفة لجغرافيات ثقافية متعددة، وتكشف بيبلوغرافيته الغنية عن جزء من مسارات تشكل الكتابة والتي تحتفي باللاثبات. موضوع الكتابة يمثل عنوانا عريضا وجامعا دالا على منجز ادمون عمران المليح ككل. فرواياته وكتاباته في الرسم، الفلسفة المرأة...مجرد تجليات لفعل الكتابة لديه. تمظهرات هذا الفعل يستند على أسس أولها اللغة التي تقوم عليها الكتابة اللغة كسلطة للفكر والذاكرة والتخييل. والأساس الفلسفي الموصول بمرجعية مغايرة، يشير الناقد يحيى بن الوليد أن إدمون عمران المليح في تشديده في الكتابة على النفي بدلا من الإثبات وعلى اللغة التي ليست شفافة وعلى خطيئة الهوية.

حضور الأليغوريا في كتابات ادمون عمران المليح تضاد ما ينعثه ب" الكتابة المفهومية=conceptuelle" التي تتلبس ب الفكر المفهومي. الكتابة تحول دائم، صيرورة مستمرة وبعلاقة بمفهوم المتعة، وانطلاقا من خاصية "اللاإثبات" تتجاوز الكتابة ذاتها باستمرار في توليف سحري بين الفينومينولوجية والحياة.

إنها نمط وجود وصيغة حياة ثم إنها لا تخلو من إيروتيكية ناجمة عن الإحساس الكامن في العلاقة مع الكلمات من هنا منشأ "اللذة الفيزيقية" المرتبط بفعل الكتابة، أو ما ينعتها ادمون عمران المليح في مقام آخر ب"الكتابة المنوية". ثمة تيمات كبرى تلوي بكتابات المليح، ترتبط بسؤال الهوية، الهوية المتحولة كما يسمها الناقد يحيى بن الوليد.

في جرذه الموسع لظاهرة الهجرة/هجرة اليهود المغاربة، يرصد الناقد يحيى بن الوليد الخطاب الثقافي عند ادمون عمران المليح، تأكيدا على أهمية الكتابة في نطاق المواجهة المركوزة في المرجعيات الثقافية، والتي تحتفي في جزء منها بالجذور الثقافية، وبالتصوف في مظهره اللغوي أو بالأدق الكتابي الحابل بالدلالات المتقعرة، إذ ثمة قرابة بين التصوف والكتابة، ويتمركز هذا المعنى أكثر في ما يؤطره الناقد يحيى بن الوليد ب"المصاحبة" بمعناها الصوفي.

2.    الكتابة الأليغورية:

ماري سيسيل ديفور المليح زوج الكاتب والمفكر أدمون عمران المليح التي توفيت سنة 1998، مدرسة للفلسفة في جامعة السربون ذات تكوين فلسفي ركزت أغلب جهودها على الفيلسوف والناقد الأدبي الألماني دو الأصل اليهودي فالتر بنيامين <1892-1940>، أحد أبرز أعضاء مدرسة فرانكفورت، يقارب الناقد يحيى بن الوليد كتاب ماري سيسيل "الكتابة الأليغورية=l’écriture allégorique/1999" الكتاب يضيء مفهوم الكتابة الأليغورية ذاتها –عمل ادمون عمران المليح من جهة ثانية أو موازية- الأليغورية التي ظلت بارزة منذ كتابات ماري سيسيل الأولى، والتي هي قرينة الانتقال من الأفكار الى اللغة/الكتابة والكامنة في سند النقد ذاته عند فالتر بنيامين، النقد أو النظرية النقدية التي هي علامة على مدرسة فرانكفورت. ويكمن أهمية فكر فالتر بنيامين في كون أنه يقود الى التفكير في إنقاد الحاضر وانتزاعه من التكرار والموت اللذين نتجا عن هيمنة الايديولوجيا وأساطير العالم المعاصر.

تهتدي ماري سيسيل في تقديمها لفكر بنيامين الى ما يسمه هذا الأخير ب"اليقظة" التي هي قرينة اللغة والكتابة الأليغورية، هذه الكتابة تشي في منظور بنيامين بمفهومية: الأليغورية واليقظة، كمفهومية مترابطين، والغاية تظل إنسانية بامتياز. عكس الفكر المفهومي.

تنبع تصورات فالتر بنيامين من تصورات تفيد أن نقد الحداثة لا يفارق الحداثة ذاتها بل هو جزء منها، لقد سعى الى إعادة إبداع النقد الأدبي كنوع فلسفي، إن الكتابة هي التي تسترد الأليغوريا ولي الفكر المفهومي إنها العودة الى الأصل، والأليغوريا هي هذه الحركة الصاعدة نحو نبع الكتابة ذاتها.

الخلاصة بالنسبة للناقد يحيى بن الوليد أن كتاب ماري سيسيل دعوة الى التفكير في إنقاذ الألغيوريا التي ترادف الفلسفة ذاتها في الأطروحة الناظمة للكتاب. لكن، يبقى السؤال ما هو على وجه التحديد الشيء الذي تراهن عليه الاستتيطيقا المؤسسة على الأليغوريا؟؟

3.    الأدب النقدي والبربرية القاتلة:

يعود الناقد يحيى بن الوليد في هذا الفصل الى مدرسة فرانكفورت النقدية، معللا العودة البليغة الى أن تصوراتها لا زالت قابلة للترهين، لقد قدمت نقدا قويا للعصر الذي نعيشه لا سيما من ناحية البربريات المنظمة والأصوليات القاتلة. وتأثيرها بارز على النقد الثقافي، لكن ما يهم الناقد يحيى بن الوليد هو إبراز منظورها لدور الأدب على مستوى المواجهة مواجهة البربريات. والأدب النقدي هنا، يتأطر داخل الفن الأصيل الذي هو صورة مجازية عن الثقافة في سعيها الى فك التباس البربريات. وتعد مدرسة فرانكفورت من أهم المدارس الفلسفية في القرن العشرين، وتتأسس مفاهيم التي تتأطر داخلها تصورات النظرية النقدية للأدب على النقد، النفي والتمايز. وفي محاولة للإسهام في سؤال محير: ما الأدب؟؟، مع التأكيد أن التصور النقدي للمدرسة الفرانكفورتية لا يمثل إلا جانبا ضمن التصور الفلسفي الشامل. وحضور الأدب كقيمة داخل نظريتها النقدية حضور يمكن من "مقاومة" هيمنة "المجتمع الشمولي". في تناوله للأدب النقدي عند مدرسة فرانكفورت يقدم الناقد يحيى بن الوليد موجزا لأراء أدورنو، الذي يرى الأدب كوسيلة لتجاوز الواقع، الأدب عنده مستقل، بموازاة مطلب محوري للنظريات النقدية الكامن في مبدأ "الاستقلالية" ويعرج الناقد يحيى بن الوليد في هذا المسعى على اختلافات أدورنو مع غولدمان وسارتر.

إذ لا يحيد اختلاف أدورنو مع غولدمان عن السند الفلسفي الذي يسند اختلافه مع سارتر، فالأدب عند أدورنو لا يثبت معنى، كما أن الواقع لا يمد هذا الباب بمعنى. والتركيز في نطاق تصوره للأدب على مفاهيم <النقد، النفي، التمايز..> لا يعني أن الأدب لا يحاور التاريخ، إنه لا يفر من التاريخية، ومع ذلك ترتبط مدرسة فرانكفورت، ب"التحرر الإنساني" والسعي الى "عقلنة المجتمع" ومع جيلها الثاني <هابرماس" أمسى التنوير قابلا ل"الترهين".

هامش:

  • يحيى بن الوليد"الكتابة والهويات القاتلة" منشورات مؤسسة ادمون عمران المليح-ط1/2007- المغرب.
  • إصدارات ادمون عمران المليح:

-         صباغة أحمد الشرقاوي/مشترك <ماريني والخطيبي>/1976.

-         حوارات مدرسة فرانكفورت/حوار مع ميكيل أبنسور/1984.

-         المجرى الثابت-رواية /1980.

-         أيلان أو ليل الحكي-رواية /1983.

-         ألف عام بيوم واحد-رواية /1986.

-         عودة أبو الحكي-رواية /1990.

-         العين واليد <حول خليل غريب>/1993.

-         جان جونيه-الأسير العاشق/1988.

-         المقهى الأزرق-1998.

-         رحلة الجير البحرية.

-         نور الظل/مشترك مع الفتوغرافي أحمد بن اسماعيل/2003.

-         الصويرة-2000.

-         أم خليل لعريب-سرد مفتوح-2002.

-         ماري رودونيه: حوارات مع ادمون عمران المليح<2003-2004>.