يدعونا الشاعر السعودي في ديوانه القصير، الى التقاط أصوات تأتي عميقا من الشرق حيث نزعة التشظي والاغتراب هما التجليات العميقة والتوصيف البليغ، وفي هذا النزوع تجلي للوحدة كلحظة يأس عارمة. في النهاية لا مآل إلا للكلمات لأنها البيت السحري وملاذ الروح وأفق شاعر يلامس بفرادته رؤية جديدة للقصيدة، وعبرها خلاص الذات من حالتي التشظي والاغتراب المضاعفين.

تجلّيات الفتى الأسمر وقصائد أخرى {ديوان قصير}

إبراهيم زولي

1

تجليات الفتى الأسمر

قُربَ تلك البيوت التي تُشبِهُ الأصدقاءَ

نزعْتُ قميصَ الطفولةِ

فانكشفتْ قامتي

هل يعود الصغير الذي عابَثَتْهُ

الفوانيس حتى يسرّ إليها حديثا

فصاح بأعلى صباه وأغفى

ولكنه أضْرم الشعر بين سريرته

فأتاه اليقين.

ألم يكن الساحلّيُّ من الماء

- والعابرون أتـَوا من قوافي الزبدْ -

كيف سار الغزاة لـه

وهو محتشمٌ في الجسدْ.

إنه الآن منفرطّ في الشوارع

والدرب من حماً لم يُسنْ

غيـّبَ الدجو قامتهُ

ثم حنّ إلى ظلـّهِ

شدَّه الليلُ من حزنه فانتحبْ:

ما الذي تبتغيه المسافة من زنجبيل الكتابةْ؟

هو العشق شاهده والطيور المحنـّاة بين نزيفِ الربابةْ.

فتى اسمرٌ تحت جذع النهار المراهقِ

ملتحفٌ بالقصائد والروح نافرة من يديهْ

يستعيرُ وجوه حبيباته من حقول رؤاهُ

وينقش أسماءهن على جانبيهْ

بعدما أهْــرَقَ الصحبُ زيت الجنونِ

على شمعةٍ نصف موقدةٍ في منازل مُهجَـتهِ

فاستوى شجر الحبر في كفه وارتوى.

سيدي قف جحيما على كَـتفيْ

لم أعدْ أستطيع النواحْ

صاعدا نحوك الإثم يَـلدغني

هل أسير وحيداً يخضّب ما اقترفتْ ساعداك فمي ؟

والمدارات حينئذٍ تتمثّل لي عاشقاً ما اكتوى

أيكون الشقيّ الذي استنشق الزعفران على كاحليك أنا ؟

فاكتسَى بالعلوّ المباح ْ.

 

2

الصـوت

جاءني الصوت

من جهة في السرير:

أأنت الذي شقّ سقف الغمامة

فانفلقت نجمتين ؟

ومن علّم الرمل أن

يتباهى بسمرته ؟

جاءني الموت

واصطفق الباب

...

 

ألمحُهُمْ

يلعقون

دمي.

 

3

قصيدة الحلم

في براري الكتابة

أبصرتْه نافراً بين عشب الحروف

- هو الفرس الحلم -

أنشأه الشعراء

على عُرُش الريح

فانتشرت في الجهات ملامحه

والمليحات ساوَمنْه فأبى

وتولّى

وحين تغيب

ت

غ

ي

ب

الكتابة

سائسُه الفقراء

يحنّون أطرافه،

يحفرون لـه بالأظافر

فوق جدار الفراغ حقولاً

لها نكهة الجوع،

أو قمراً كارتعاش السيوفْ

* * *

خاطبته البلاد علانية:

أرنا وجهك السرمدي

فجأة..

البخور الذي في الجزيرة فاحْ

وانجلّتْ نجمة في فضاءات أرواحنا قيل

قد طَـمـَستْها على غــِرّة

ذات غيمٍ

جــــــراحْ.

 

4

رويداً باتجاه الأرض

نجمةٌ في ظلام المنازل قال الذين

اهتدوا بعد ترتيل آياتِها

لم يكن مثلها بين كل الصبايا هنا

وقَـَـفَـتْ عند باب القصيدةِ

ألقتْ تحيّتها

راودتْها البلاد على طـُهـْـرِها

فــــاحتمتْ بيــــدي

والرجال يولّون قاماتهم شطرها

* * *

نجمة في القرى

هزّها الليل حين استوى

في الجزيرة

فانتبذت جهة

مُهْمَــلةْ

* * *

فتيةٌ يسألونك:

كيف يكون الطريق لنا

والمدينة حافيةٌ دونما سُرُجٍ

في صراط العشاء الطويلْ

هل ترى بَهْتة الفجر

حين يسير التلاميذ في فرحٍ

خطــوة

خطـوة

والشوارع نائمة في الحقائب

يَـتْـلون من نبأ الليل نجمته

حينما ظللت آخر الراحلين إلى سرر البحر

        وانتــَصبتْ في دمي

* * *

طلْعها المتطاولُ

شقَّ فضاء الظهيرة

فاندلقـــتْ

غيمـةٌ

في يديها التي مسّها

شبق الأمكنةْ

* * *

هذه نجمة

قيل ما قبّلت كفّ سيدها

ينتمون إليها الرجال

إذا يمّموا للسُّــــــرى

واصطفوها – قديما – على الرأس صارية

عندما خبّأتْ سرها

في مـــــــــروج

الجنـــــــــــــوبْ

* * *

أيّنا سلّ سيف الطفولة واعتمرَ الأرض

أسْرى بها بعد ما نام سادتها

حيث لا ينثني شجرٌ صامدٌ في القلوب

* * *

أحدٌ قال لا

في وجوه العرائس

ثم انتفضْ ؟

5

انتظـــــــــــــار

صبّ قامته في انتظار الرغيفْ

سـاعة

ساعتين

به شهوة للصراخ يشتـّت صمت الجموع الكثيف

تذكّر:

أن القصيدة والخبز

مختصمانْ.

6

العصفورة

تسْربلّت الضوء

واقتــعَـدَتْ في أعالي الغناء

لها شارعٌ مفردٌ

والوجوه صدى

ورماديةٌ عندما تكتوي بالمــــــــــــدى

وردةٌ للصبايا

وريحانةٌ للقرى

ولها شالها الذهبيّ الذي ما انثنى

من غبار الجسدْ

تقولين:

إيـــّاك

إيـّاك أن تقرب الشجرةْ،

تحتمي بصقيع البلاد،

وأن تَـتَـدَثـرَ

بامرأةٍ مطفأةْ

وأقولُ لعصفورة الروح:

هزّي جذوع المدار

تُساقط

   أسئـــــلة

         مـبُــهْمَةْ

أخرجي من جحيم الدوائر،

من شبق البرد

فليحتويك

اللهب ْ

* * *

توحدت فيكِ

استحلتُ إلى غابة من ضياء

وأفردتُ جسْمِيَ

جدّلت هذا الصباح ضفائر للعابرين

على جسد الماء منذ انتسبْ

* * *

أنا فارس الفاتحين

استبحْتُ حِمى الشمس

رتّقْتُ ثوب الظهيرة

بالمطر الغائب / الحاضر

الحاضر / الغائب

الآن يورِقُ

في دفتر البيد

موّال عشقٍ طفولي

سماءٌ .. وأهلٌ .. وخيمةْ.

عـَدتْ مهرة الروح

فوق الفواصل

والوجع الأزليّ

وألقتْ على الناس

من سرجها الخصب غيمةْ.

تعلّقت فيها وقاسَمتْهُا التعبَ الساحليّ

المخاضَ،

الولادةَ،

سمّيتها باسم هذي

البلاد المطرْ.

7

صاحبيّ

صاحبيّ دنا الليل

هيا اسمرا قُرب روحي

السراج الذي كان

يــفْـضـحُنا بلسان الشعاع انطفى

واختــفـىَ

سِـرُنا للأبدْ

أنتما سعف العين

يا صاحبيَّ القرى

اكسرا فرع قلبي ونوحا عليهْ

ليس وحدكما في الفؤاد

...

قفا كي نموت على ضفّتيه.

8

الكلمـــات

الرياحُ التي لا تهزُّ

الأثــــــــــاث

القديم

ولا تكنسُ الطرقاتْ

لا تسمّى رياحْ

مثلما

الكلماتْ!

 

شاعر من السعودية