نص القاص المصري القصير يحمل في أبعاده رموز تشير إلى الحياة والإنسان، حيث يتناول عالم رجل غني يعيش مسترخيا في سريره بينما العالم خارج السور يصطخب ويتصارع ولا يهمه سوى حدود مملكته وسور بيته إلى أن يصل الثور الذي حطم كل شيء ليطلق حكمة النص في خاتمته.

راحة أبدية

أحمد عبد المنعم رمضان

استيقظ ليطمئن أن كل شيء مستقر بمكانه، الشمس والسحب، السماء والكواكب، العيون والأفواه والأنوف، اطمأن أن الموتى بقبورهم وأن الأحياء بدوائر أعمالهم، فهدأ ونام ولم يستيقظ إلا بعد سنين ليطمئن أنهم لازالوا بحالهم.

عطس أحدهم، بصق آخر، واشمأز مار بالطريق ...

الكلاب لا تزال تعوي والقطط لا تزال تموء، والقبور لا تزال ترحب بساكنيها الجدد.

اطمأن على صبغة شعره، على انتفاخ كرشه، على حساباته البنكيه، على سيجاره المستورد وسيارته الفارهة، اطمأن ونام.

أكل الثور أحد المارة، وهدم الفيل المعبد، دهس الدب ِأراضى وبلادا.

فانزعج من نومته، دعك عينيه، نظر عبر شباكه على أرانبه، اطمأن على بياض لونها، نظر لحشائشه الخضراء اللامعة، اطمأن على قبر جده وحجره الأثرى، على آثار أقدامه التى احتفظوا بها بالفناء الوسيع. اطمأن، أشعل مدفأته، واندس تحت غطائه ونام.

  خرج الموتى من أحضان قبورهم، نفضوا التراب من على أجسادهم، جمعوا عظامهم وحاولوا الفرار بعدما نبش الثور بين جثثهم، دك بيوتا على ساكنيها، أفزع الموتى من رقدتهم وأحل آخرين مكانهم، استمتع بقوته وتباهى بفتوته، استعان فى  رحلته بتابعيه، الدب والفيل، بعدما وعدهما بأراض ينعمون بحشائشها ويرفسون ويسعدون على أرضها.

أزاح غطاءه، نظر عبر فتحات نافذته المغلقة، رأى الأتربة تغطى العالم خارج الأسوار، رأى الدمار يحيط بالمكان، سمع صوت الثور الأبيض وهو يزأر، فاطمأن أن السور سليم، أن الشمس والقمر مازالا يتناوبان في قلب السماء، مد يده عبر النافذة المغلقة واقتطف زهرتي قطن من حديقته المتربة، زرعهما بأذنيه كي لا يسمع صوت الثور المزعج، فغاصا بجسده ومنعا عنه كل الأصوات، فاسترخى واستراح ونام .

   أعطى الثور قطعة أرض وسيعة لكل من الدب والفيل ليعيشوا بها سعداء مرتاحين، اختلفا على نصيب كل منهما، تشاجرا واشتبكا، تطايرت دماؤهما، غطت الأسوار والنوافذ وصبغت الكون باللون الأحمر، قتل الفيل الدب بعدما فقد نابيه وأنهكت قواه. دفن الفيل الدب وبكى حزينا على صديق العمر وسأل الثور أن يأتيه زائرا من حين لآخر فشعوره بالذنب يقتله .

سمع صوت الدب وهو يستغيث، فاحتمى بغطائه وبجوانب سريره واطمأن أن أعضاء جسده فى سلام، اطمأن ونام.

  ثار الثور على الفيل مكسور الناب واتهمه بقتل الدب البريء الساذج، وسأله أن يرحل أو ليقتله انتقاما لصديقه الطيب، رفض الفيل الرحيل أو فكر قليلا، فواراه الثور التراب.

 دبات أقدام الثور تهز القصر،السور يصرخ أثناء تهدمه وسقوطه المروع، أتربة الهدم تصل أنفه المندسة تحت غطائه، دهس الثور قبر جده، أزال بصمات قدميه من الفناء، وأزاح السيارة الفاخرة من طريقه، أخفى الشمس والقمر والنجوم وأطفأ الأنوار عن الكون. دبات الثور تشتد عنفا، تقترب، متزامنة مع دقات قلبه، صوت الثور مسموع خلف الباب، أنفاس الرجل لا تخرج من تحت غطائه، زام الثور، فانكمش الرجل تحت لحافه، وقع الباب على ظهره وتأوه، أما الرجل فأغمض عينيه، دهس الثور السيجار الغالي بقدمه ودب بها حتى أربك المشهد كله، واهتزت العوالم والأكوان. وقف الثور بجوار سرير الرجل الراقد، أزال الغطاء من فوقه، نظر إليه مليا، وقرر أنه لا يقتل الجبناء...تركه باقيا يرتعد خوفا تحت غطائه بين جنبات سريره، حتى يموت أو حتى يموت...

اطمأن الرجل أن قلبه لا يزال نابضا، ينقبض ويضخ الدماء، اطمأن، استرخى، استراح، ونام.

 

·        من مجموعة (فى مواجهة شون كونرى)، تصدر قريبا عن دار روافد.