كلما اقترب مؤتمر جنيف إلا وازداد الحراك السياسي حول الملف السوري والذي تشعب الى درجة غاية في التعقيد خصوصا مع استمرار مسلسل التقتيل والإبادة، هنا تقرير للباحث المغربي يحاول من خلاله الاقتراب أكثر من مآل الدبلوماسية التي يحركها الإبراهيمي والذي يسعى لتقريب وجهات النظر في مهمة تبدو أكثر من مستحيلة.

الأخضر الإبراهيمي ودبلوماسية الحقل الملغوم

سعيد بوخليط

مثل مجمل سياق الربيع العربي، ابتدأ الحراك السوري بأطروحة بسيطة جدا:شعب، ينشد حقه الطبيعي في الحياة.لكن،  للأسف الشديد،  وعلى اعتبار النظام السوري،  جزء  لايتجزأ من المنظومة العربية البائدة،  ولأن الأخيرة،  تمقت كليا شيئا اسمه الحياة، لذا تحتم أن يحكمه قانون التماثل والهوية.

قليل،  من فن إرهاف السمع. قليل،  من التواضع.ما تيسر، من الحس الوطني.كثير، من استشراف الأبعاد الإستراتجية والذكاء السياسي العميق.وصفة،  ربما لو استحضرها النظام السوري شهر مارس2011 في تكاملها، مستجيبا لرغبة شعبه ثم غادر قصر دمشق وقفل عائدا إلى عيادته لطب العيون-إن درس فعلا هذا العلم مثلما يدعي ويردد أبواقه، لاأدري- لانضم تلقائيا بكل المعايير، إلى صف الوطنيين الكبار، مشكلا بهذا فيصلا رفيعا بين قدر سوريا،  أن تتشرب قيم العصر الحديث وتتنفسها صباحا ،  مساء. أو،   تفكيك لبناتها بدم بارد،  وتحويل حضارة بحجم الكون كما سوريا إلى خراب،  مثلما يسري عليها حاليا.إذن،  "لو" تلك ، تظل مفتاحا لقفل التاريخ.غير، أنه لن يكون أصلا تاريخا كما يشير المؤرخون، إن آمن ب "لو" خاضعا لقانونها.

كل العالم، لاسيما الأطراف الفاعلة، المتفائل منهم قبل المتشائم، يجمع على المنحى الدقيق والنفق المظلم الذي أدركه الملف السوري، فتجاوز حدوده الممكنة باعتباره مواجهة بين حاكم ومعارضيه، إلى صراع إقليمي بل دولي، يحاول في إطاره كل معني من قريب أم بعيد، توضيب سيناريو الحل وفق ما يخدم مصالحه الذاتية،  فصار الإشكال  السوري مفردا بصيغة الجمع، يتعدد تأويله بتغير الموقع.

سوريا قضية،  حرية شعب، هكذا بدأت ويجدر أن تبقىقضية،  "كرامة" للنظام .قضية،  تماسك بنيوي لإيران.قضية،  حياة أو موت لحزب الله .قضية،  تصفية حسابات للسعودية بهدف استعادة "منتجع" لبنان بكل ذكرياته. قضية،  ديمومة حرب عبثية لإسرائيل، ومن خلفها أمريكا،  تستنزف الجميع بلا هوادة. قضية،  نظام عالمي جديد لموسكو.ثم، أخيرا، قضية إطفاء لجمرة الربيع العربي، بالنسبة للأنظمة العربية.هكذا،  لإنجاح مؤتمر جنيف في حالة انعقاده،  يلزم بروتوكوليا تجميع مختلف تلك الكيانات، الطبيعية والمصطنعة،  على طاولة واحدة.فهل، تنجح الجولات المكوكية للدبلوماسي الجزائري العتيد الأخضر الإبراهيمي، في تحقيق هذا المبتغى؟الذي يبدو حتى اللحظة من عجائب الدنيا السبع.

ليس، الإبراهيمي بالشخصية العادية، ولا دبلوماسي آخر ساعة الذي يقتصر دوره على قراءة البلاغات المكرورة وسرد الخطب الإنشائية.لكنه، رجل حنكته التجارب، يجر وراءه تاريخا طويلا من العمل في أروقة صناعة القرار الدولي، يحظى بعلاقات واسعة راكمها منذ الخمسينات،  عندما انضم وعمره لم يتجاوز بعد الثانية والعشرين إلى صفوف جبهة التحرير الوطنية، ثم ممثلا لها في جاكارتا بين سنوات (19541961) ،  فاستطاع نسج وإقامة علاقة ودية مع الرئيس سوكارنو،  الذي بقي يستقبله بكل ود.

المزارع صالح، الذي لم يلج المدرسة قط، كان يأمل من ابنه الأخضر، أن يشفي غليله تعليميا بحصوله على الشهادة الابتدائية، غير أن الأخير تجاوز السقف بمسافة ضوئية، فأضحى من مشاهير دبلوماسيي القرن العشرين.هكذا، تمت تزكيته ضمن أعضاء مدرسة العلوم الاجتماعية بجامعة "برينستون" الأمريكية.وشحه مساره السياسي، بدكتوراه فخرية من الجامعة الأمريكية في بيروت وأكسفورد ونيس الفرنسية  وكذا جامعة بولونيا الإيطالية.إضافة، إلى كونه أحد رموز لجنة الحكماء، وهي مجموعة مستقلة تأسست عام 2007، تضم عددا من زعماء العالم، تتوخى الدفاع عن السلام وتكريس حقوق الإنسان.

صديق بن بلة، الذي يتحدث بطلاقة اللغتين الفرنسية والإنجليزية، والمرشح المطروح اسمه بحدة، من قبل دوائر عديدة للانتخابات الرئاسية الجزائرية، المقرر إجراؤها شهر أبريل المقبل ، يعتبر عارفا وملما دقيقا بخريطة الصراعات العالمية.بالتالي،  يكفي الواحد إلقاء نظرة سريعة على محطات سيرة،  صاحب شعار : ((لا يوجد وضع من دون أمل)) ، وهو اليوم في عقده الثامن،  كي يخلص فعلا أنه لا مجال للصدفة.فقد كان الإبراهيمي، مبعوثا للأمم المتحدة في أفغانسان والعراق ولبنان واليمن وهايتي وجنوب إفريقيا ونيجيريا والكاميرون والسودان وزائير، وسفيرا لبلده الجزائر في القاهرة سنة 1963، بحيث ساهم في توطيد العلاقة بين بن بلة وعبد الناصر، ثم سفيرا في المملكة المتحدة مابين (1971-1979) ، ومسؤولا ساميا في الجامعة العربية خلال سنوات(1991-1984) ، ووزيرا لخارجية الجزائر بداية التسعينات.أما بخصوص الملف السوري، فقد عين سنة 1912، مبعوثا مشتركا للجامعة العربية والأمم المتحدة، خلفا لكوفي عنان.

المعارضة السورية، غير متحمسة منذ البداية إلى وساطة الإبراهيمي، بل تتهمه بمحاباته نظام بشار، وسعيه نحو دعم بقائه بصيغة من الصيغ، وما حكاية مؤتمر جنيف 2 ، إلا محاولة محبوكة يتوخى من ورائها كسب الوقت، حتى تحقق القوات السورية نصرا عسكريا حاسما على الميدان، تسمح للنظام بفرض شروطه.أيضا، وفي خضم أوج دعوة الجميع إلى إسقاط بشار ومعاونيه، عندما كانت معنويات الجيش الحر مرتفعة أكثر، لم يوظف الإبراهيمي أبدا هذا المصطلح، مشددا باستمرارعلى الحل التفاوضي.

يفسر البعض، موقفه بنزعة  قومية مترسبة لديه، استعصى عليه التخلص من آثارها. في حين اتجاه ثان، يؤكد أن الإبراهيمي مثل الدبلوماسي الشهير الآخر، المصري بطرس غالي، المعروف أيضا بمواقفه الرجعية، تربيا معا وارتقيا داخل دهاليز بنية سياسية قمعية،  لذا من غير الممكن فصل منظور الإبراهيمي عن تقليد التوجه العام للحكم في الجزائر، وموقفه السلبي من دينامية الشعوب العربية ضد الإستبداد .للإشارة، لم يتردد ولو قليلا،  تلميذ جبهة التحرير الوطنية، كي  ينعت الهجوم الكيماوي على الغوطة،  بالحادث المزعوم؟؟، لذلك دعت بعض الأقلام الإعلامية، إلى ضرورة محاكمته، لأنه بدوره يتحمل نصيبا من مسؤولية مصرع120ألف ، ومصير 6 ألف سوري يغادرون البلد يوميا، نحو المجهول.

في المقابل، الإبراهيمي غير آبه، بالتشكيك في حياديته، منتقدا علانية المعارضة السورية، معتقدا بأن تشدد رئيس ائتلافها "أحمد عاصي الجربا" المحسوب ضمنيا على السعودية، وتشجيع الخليجيين له، يقف عائقا أمام مؤتمر جنيف ، المفترض انعقاده حسب الإبراهيمي، دون إملاءات قبلية.لعله يحيل، إلى الشرط المفصلي للمعارضة وداعميها، المتمثل في أولية مغادرة بشار لكرسي الرئاسة، قبل بدء أي صيغة من المفاوضات.مع أن مصير الرئيس، وفق الإبراهيمي دائما، لم يعد يشكل موضوع خلاف بين القوتين الراعيتين للمؤتمر أي روسيا وأمريكا، مما يلزم المعارضة بضرورة الحضور، بغير قيد ولا شرط.

في كل الأحوال، بين هذا وذاك، فلغة المفاوضات تحسمها لغة المدافع.لذلك، سيتلكأ النظام بكل الطرق، مترصدا مدى انتصاراته في المعركة. ولاشك، على ضوء تضمينات مختلف التقارير والبيانات العسكرية، فمن الجلي أن ميزان القوة قد مال حاليا لصالحه.إذن، ماالذي سيرغمه على القدوم إلى جنيف، كي يجالس "حفنة من المجموعات الإرهابية المخربة "؟ كما جزم منذ اليوم الأول.