يتناول الباحث الفلسطيني المرموق هنا دراسة جديدة، تطرح عددا من التصورات المغايرة جذريا لمقولات الحركة النقدية بشأن أعمال الروائي العربي الكبير عبدالرحمن منيف. ويعمد إلى تمحيصها وتفنيد براهينها بأن (مُدنَ الملح) عمل سياسيّ بلباس أدبيّ. يشوه كل عربي يعمل ببلاد النفط ويدعو لحكم التيّار السّلفي.

عبدالرحمن منيف: المبدع ومصداقيّة التاريخ

بين إلياس نصر الله وعبد الرحمن منيف

نبيه القاسم

لا أنكرُ أنّني أعجبتُ بالكاتب عبد الرحمن منيف، وأصبح كاتبي المفضل منذ قرأتُ له رواية  "شرق المتوسط". فأخذتُ أبحثُ عن كلّ أعماله الإبداعية حتى كان قراري بتقديم دراستي لقسم اللغة العربية في جامعة تل - أبيب لنَيْل اللقب الثالث "الدكتوراه" في الأدب العربي حول "الفن الروائي عند عبد الرحمن منيف.

رواياتُه: "الأشجار واغتيال مرزوق" و "شرق المتوسط" و "شرق المتوسط مرّة أخرى" كانت الصرخةَ المدويّة القويّة ضدّ أنظمة الحكم العربي الفاسدة والظالمة بقُوّات أمْنها السّيّئة وسُجونها التي أذلّت شعوبَها ومسخَتْ شخصية الإنسان العربي حتى بات بلا وجه يُعرَف ، بلا أمل وبلا هدف، وبلا رغبة في الحياة، وكما وصفَه غوّار الطّوشه في إحدى مسرحيات دريد لحام المهمّة "مواطن لا شيء"، يؤمن بالغيبيّات، وينتظرُ المعجزات والخَلاص من عند الله.

عبد الرحمن منيف الذي بدأ حياته في العمل السياسي يعترفُ في حواره الصحفي مع سلوى نعيمي أنّه "منذ عام 1950 حتى عام 1965 آمنَ أنّ المؤسسة السياسيّة يُمكن أنْ تكونَ أمينةً في قناعاتها ومَقولاتها السياسيّة"، ويعترف "أنّه خُدعَ واكتشف أنّ الواقعَ غير ذلك. ولهذا بدأ بالبحث عن أشكال جديدة لمواجهة العالم ومحاولة تغييره.. سواء أكان ذلك في العمل السياسيّ أو العمل الفنيّ. ومن هنا كان الاقترابُ منْ أداة أخرى من أدوات التّعبير والتّغيير، هي الرواية".[1]  

وموقفُ منيف هذا كان موقفَ الكثير من المثقفين وأصحاب الرأي في تلك الفترة الناصريّة التي آمَنَ بها الكلّ بقُدرات وصدْق وتَفاني جمال عبد الناصر، وأنّ الخلاصَ سيكون على يدَيه.

يقول منيف إنّ اختيارَه أداة الرواية لتكون وسيلتَه التي من خلالها يتواصلُ مع الآخرين، حرّكه هاجسان أساسيّان كانا يدفعانه للكتابة وهما: القَمع والنفط.[2]

كشف منيف في رواية "الأشجار واغتيال مرزوق" عورةَ الحكّام العرب والمؤسّسة السياسيّة الحاكمة من خلال تناوله نموذجين يُمَثّلان الإنسانَ العربي هما: المثقّف الحالم الذي يتوهّم أنّه قادر على تَغْيير وضع المجتمع اعتمادا على ثقافته وقدراته وحدَه، والإنسان الكادح المسحوق الذي يُعاني من أجْل حياة أفضل. لكنّ المثقّف ومثله الكادح عجزا عن تحقيق الغاية، وأدركا أنّهما وحدهما لا يُمكن أنْ يبلغا الهدف. وحاول منيف أنْ يتصدّى لظاهرة العنف والظلم وقسوة الحاكم الظالم فكتب رواية "شرق المتوسط" (1975) وبعدها رواية  "الآن .. هنا، أو شرق المتوسط مرّة أخرى" (1991) حيث ركّز على سياسة القَمع والسجن والتّعسّف والاضطهاد التي يتعرّض لها الشعب العربي. هاتان الروايتان كما يقول منيف: "تقرآن ظاهرة القَمْع وتضَعان اليد على الجرح السّاخن، وتتصدّيان لأكثر القضايا أهميّة في المرحلة الرّاهنة".[3]  كذلك في روايته "حين تركنا الجسر" (1976)، قرّر أنّ العرب هُزموا في الحرب في حزيران 1967 قبل دخولها، وأنّ المتربّعين على القمّة هم المسئولون عن الهزيمة، لأنّ ظلمَ الحاكم للشعب وحرمان الفرد من الحريّة هو العامل الأوّل للهزيمة.[4]

كانت دراسة عبد الرحمن منيف في المرحلتين الابتدائية والثانوية في مدينة عمان في الأردن حيث ولد عام 1933 وشهد ما ألمّ بالأردن وفلسطين عام 1948، ومن ثمّ التحقَ بكلية الحقوق في جامعة بغداد عام 1952 وتأثرّ بثورة الضبّاط الأحرار في 23 يوليو 1952 في مصر  وبشخصيّة وأفكار جمال عبد الناصر فانْدفعَ للعمل السياسي المعادي للوجود الأجنبي واستغلال ثروات البلاد من قبَل الشركات الأجنبية ممّا جعل السلطات العراقيّة تطردُه، فتابع دراستَه في جامعة القاهرة. لكنّ وعْيَه – فترة دراسته في العراق- لقيمة الثروات النفطيّة التي تستغلها الشركات الأجنبية لصالحها جعله يُتابع دراسته للحصول على الدكتوراه في العلوم الاقتصادية وفي اختصاص اقتصاديات النفط/الأسعار والأسواق. لقد عالج عبد الرحمن منيف قضيّة النّفط واستغلال الثروات النفطية من قبل الأجنبي في رواية "سباق المسافات الطويلة" (1979) "التي تعرّض فيها للتدخّل الأجنبي في بلدان الشرق الأوسط وقضيّة النفط التي كانت المُنَبّه الثاني لمنيف، بعد روايته "النهايات" (1977)، على عالم الصحراء وما تحتويه هذه الصحراء العربية من ثروات نفطيّة هي مَحطّ اهتمام وطمَع[5] الدول الغربية".

هكذا كانت رواية "النهايات" هي الكاشف لمنيف عالم الصحراء المجهول الغريب الغنيّ  المثير والمعيد به إلى وطنه الأوّل حيث جاء والدُه من منطقة نَجْد، قد يكون هرَبا من سيف ابن سعود المنتصر على خصومه. ثم كانت رواية "سباق المسافات الطويلة" التي كانت الملامسة القويّة له مع واقع الظلم والاستغلال الأجنبي لثَروات البلاد.

لهذا لم تكن خماسيّة "مدن الملح" اعتباطيّة الاختيار وإنّما نتيجة لدراسة وتَجْربة سبَقتْها في روايتي: "النهايات" و "سباق المسافات الطويلة". ومُعايَشة واقع عربي بائس يتحكّم به الأجنبي وتتصرّف بمقدّراته وثرواته شركاتُ هذا الأجنبي. عالم عربي كان من المفروض أنْ تكونَ ثرواتُه الطبيعيّة، وخاصة النفط، نعمَة وسَبَبا للغنى والرفاهيّة والحياة الحرّة الكريمة ومُشاركة الشعوب المتحضّرة في تقدّمها وتطوّرها وصُنْع مستقبلها، لكن الحقيقة كانت مُغايرة، فالنفط أطمع الدول الاستعمارية باحتلال البلاد وإخضاعها لسيطرته العسكرية والاقتصاديّة، وحوّل شيوخ القبائل البدويّة إلى ملوك وأمراء وسلاطين وحكّام يملكون الثروات التي استغلّوها لشراء الذّمم وتأمين حياة الرفاهيّة والبَذْخ التي يتمتعون بها، ولتكون الدّافع لظلم شعوبهم وإفقارها وإذلالها، فكانت هذه الثروات، في رأي الكثيرين، حتى من المثقفين والمفكرين، نقمة على شعوبها بَدَلا من أنْ تكون نعمة.

ركّز عبد الرحمن منيف في "مدن الملح" "على عالم الصحراء والنفط، وما أفرزته هذه الصحراء ونفطها من عوالم وسياسات وأنظمة حُكم، وما أثّرته على حاضر ومستقبل دول الشرق الأوسط ولا تزال، حتى غدتْ هذه الخماسيّة وبحقّ رواية الصحراء".[6]  ورأى عبدُ الرحمن منيف أنّ روايتَه "مدن الملح" "إحدى الروايات التي حاولت أن تقرأ مَرحلة تاريخيّة كاملة، بِهُمومها ومَصاعبها، وخَيْباتها أيضا، وحاولت في نفس الوقت أن تقرأ التغيّرات الكبيرة والعاصفة التي حصلت في بلدان النفط".[7] رواية "مدن الملح" "ترصدُ مجتمعًا كاملا في مرحلة انتقال، وفي بيئة جديدة على القارئ نسبيّا، هي الصحراء".[8] ويرى الناقدُ عبد الرحمن أبو عوف أنّ خماسيّة "مدن الملح" "تُؤَرّخ لظهور النفط في الجزيرة العربية ومَدى ما أحدثه من تَشَوّهات في البِنى الاجتماعيّة والثقافيّة، ودور وصراعات المصالح الاستعماريّة للدول الكبرى وأبرزها إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية".[9] وأكّد عبد الرحمن منيف في حواره مع فيصل درّاج بأنّه "يستطيع أنْ يُساهم، وربما بشكل أفضل، في عملية التّغيير الكبرى الشاملة والمطلوبة عن طريق الرواية".[10]

ويوم التقيتُ بالصديق إلياس نصر الله في لندن إيلول 2005 وأهديتُه دراستي عن "الفن الروائي عند عبد الرحمن منيف" أظهرَ إعجابَه الكبير بروايات منيف ولكنّه أظهر بعضَ التّحفّظات، وطرَحَ بعضَ الأفكار حول خماسية "مدن الملح". لم أتصوّر ساعتها أنّ هذه الطّروحات والملاحظات قد تتحوّل وتتطوّر لتُثمرَ دراسة جديّة وقيّمة تُقَدّم كما يقول الصديق البروفيسور محمد صدّيق في تَقديمه للدراسة "قراءة مُغايرة ، منهجيّة وتأسيسيّة في آن، لخماسيّة مدن الملح"[11]. كان تشوّقي كبيرا لقراءة دراسة الصديق إلياس نصر الله عندما علمتُ بصدورها، وتساءلت وأنا أقرأ اسم الدراسة "السعودية وبدعة التاريخ البَديل" ساعة وصولها إليّ، وحَييتُ إلياس على جَلَده وجَهْده وأنا أقرأ الدراسة.

تقع الدراسة في 344 صفحة من الحجم الكبير، وتتوزع على مقدمتين وثمانية فصول وخاتمة وقائمة بالمراجع المعتَمَدة. صدرت عن دار المدى للثقافة والنشر عام 2010. المقدّمة الأولى كتبها البروفيسور محمد صدّيق ابن مدينة شفاعمرو وأستاذ الأدب العربي والأدب المقارن في جامعة بيركلي بكاليفورنيا – الولايات المتحدة الأمريكية. أمّا المقدّمة الثانية فلصاحب الدراسة الصديق إلياس نصر الله ابن مدينة شفاعمرو والمقيم من سنوات عديدة في لندن.

فصول الدراسة جاءت على النحو التالي:

1-مدن الملح والتاريخ. 2- الخماسيّة بين التوثيق والتلفيق. 3- معارضة سياسيّة على أسُس دينيّة. 4- المؤسسة الدينيّة تحت المجهر. 5- العَمالة العربية بين التاريخ والتّجريح. 6- مدن الملح والمعارضة الوطنيّة السعوديّة. 7- مدن الملح بين الدين والعُنف. 8- دفاعًا عن الشعب السعودي.

يؤكد بروفيسور محمد صديّق في مقدمته على مَدى إعجاب إلياس نصر الله بروايات عبد الرحمن منيف ممّا جعل رحلته مع، وفي، مدن الملح مغامرة استكشافيّة فكريّة ووجدانيّة تطال انعطافات وتعرّجات السّرد، كما تسبر أعماقه ومنزلقاته. وعلى أنّ الكاتب إلياس نصر الله في بحثه هذا مارس منتهى الشجاعة الأدبيّة والخَلاقة، إذ جازف بالسير ضدّ التيّار حين اتّخذ من الخماسيّة موقفا مُغايرًا تماما لإجْماع النقّاد والقرّاء. ممّا جعلها تُقدّم قراءة مُغايرة، منهجيّة وتأسيسيّة في آن، لهذا العمل الضّخم. ويرى أنّ هذه الدراسة المهمّة المتميّزة تطرحُ أسئلة مصيريّة وفي منتهى الخطورة، ليس فقط حول قضايا وإشكالات نصيّة وأدبيّة، بل أيضا حول الانعكاسات العَمليّة والتّبَعات الفكريّة والسياسيّة والتاريخيّة المحتملة للأطروحات والمَقولات التي تتبنّاها الخماسيّة، عن وعْيّ وقَصد أو عن غير وعْي.

أمّا كاتبُ الدّراسة إلياس نصر الله فيوضّح في مقدمته للدراسة أنّ شعورا شديدًا بالحاجة للكتابة انتابه بعد انتهائه من قراءة الجزء الأول من الخماسية "التيه"، وأنّ هذا الشعور ازداد بكثافة بعد قراءته لباقي أجزاء الخماسيّة لاعتقاده بأنّ عبد الرحمن منيف ارتكب أخطاء فادحة في خماسية مدن الملح، دون غيرها من أعماله الأدبيّة الأخرى. وأنّه وجدَ نفسَه أمام أمْرَيْن لا ثالثَ لهما: إمّا أنْ يكون إلى جانب العائلة السلطانيّة التي تتطابق الأوصافُ التي قدّمها مع آل سعود، أو أن يكون إلى جانب التيّار السلفيّ الذي يسعى لإسقاطها. وبعد كل ما قاله منيف عن العائلة السلطانيّة لم يترك مجالا للقارئ لاتّخاذ موقف أو مَخْرَج مُغاير. ويرى إلياس نصر الله أنّ الانْجرار وراء الأحزاب والحركات الدينيّة قد يودي بالشعوب إلى التّهلكة، كما رأينا في العراق.

ويؤكّد إلياس نصر الله أنّ مراجعته لخماسيّة منيف هدفها سياسي بالدرجة الأولى، وما يهمّه هو الجوانب السياسيّة والتاريخيّة للعمل وأبْعاده بالنسبة للأمّة العربية بشكل عام. وذلك لخطورة موقف منيف الدّاعي لتأييد الموقف الديني السلفي كبَديل وحيد لحكم العائلة السعودية، ويتّهم منيف بأنّه "كان داعيا للحركة السلفيّة في كل أجزاء الخماسية، وأنّه سَخر بشدّة من حركة المعارضة الوطنيّة السعوديّة ومن تضْحياتها، وشوّه صورة العمّال الوافدين إلى المملكة، وبالأخص من البلدان العربية، وحرّض ضدّهم بلا رحمة، وخَلُصَ إلى أنّ مدن الملح رواية أيديولوجية واستَخدمت التاريخ لأغراض أيديولوجيّة"[1]. ويؤكّدُ على أنّ مناقشة خماسيّة مدن الملح "مسألة مُلحّة ليس فقط على المستوى الأدبي، بل والسياسي أيضا، بالإضافة إلى مُساءَلة التعامل الأدبي مع الوقائع التاريخيّة أو مع حقائق التاريخ"12.

يرى الكاتب أنّ عبد الرحمن منيف اختار اللجوء إلى رواية التاريخ الحديث للسعودية بشكل أدبيّ لغرض سياسيّ واضح لوى من أجله عنقَ الحقيقة في أكثر من مناسبة خدمة للهدف الأسمى لدَيْه وهو نَزْع الشرعيّة عن العائلة المالكة في السعودية بهدف التّخلّص منها. وأنّه حاول تَقديمَ رواية خاصّة به مُضلّلة لبعض أحداث التاريخ السعودي الحديث، خاصة في قضايا تتعلّق بحركة الإخوان والحركة العمّاليّة وحركات المعارضة الوطنيّة ونُهوض التيّار السّلفي من جديد. فمنيف، على عكس ما ذكره المؤرخون، عن نجاح الملك عبد العزيز في القضاء على الإخوان، أصرّ في روايته على أنّ المعركة لم تَنْته. ويرى إلياس نصر الله أنّ هذه النقطة كانت محْوَريّة في خماسيّة مدن الملح، ويمكن القول إنّ منيف بنى عليها روايتَه التي جاءت لتُبَشّر، وبرمزيّة شفّافة، إنّ حركة الإخوان أو التيّار السّلفي السعودي لم يُقْضَ عليه، بل إنّه رَوّج لهذا التيّار وامتدح قادتَه وصوّره على أنّه القوّة الوحيدة القادرة على إسقاط حكم آل سعود، وإنّه لا مجال أمام مَنْ يرغب في ذلك سوى الاعتماد على التيّار السّلفي.[12]

يُشيرُ إلياس نصر الله بقوّة لتَواجد الحركات العمّالية القويّة والوطنيّة، ويذكرُ بعضَ الفَعاليّات النضاليّة التي قامت بها، وما كان لثورة الضبّاط الأحرار في مصر 23 يوليو 1952 من أثََر على هذه التّحرّكات، ورغم ما اتّسمت به هذه الحركات من طابع تحرّري وطني عربي إلا أنّ منيف أسبغ عليها الطابعَ الديني. وينتقد الكاتب موقفَ منيف السلبي غير الموضوعي من الثروة النفطيّة التي اكتُشفَتْ في الصحراء العربية على أساس أنّها كارثة حلّت بالسعوديّة وبأهلها، وقد عبّر منيف بذلك عن موقف السعوديين من النفط بقولهم: "الآن موران قبور وشحوب وغرباء. قال بعض المسنين في السوق العَتيق: من يوم ما جانا الغرباء، ونَزّ من الأرض البول الأسود، خاست. (بادية الظلمات ص567)" فكان حَريّ بمنيف كأديب ومثقّف كما يقول الكاتب "أنْ ينظرَ إلى هذه المسألة من منظار مختلف ويتعاملَ معها بموضوعيّة، بعيدا عن العواطف أو الميول السياسيّة. ومن السخف مناصبة الثروات الطبيعيّة العداء أو التّغاضي عن وجودها مهما كانت الأسبابُ والذرائع".[13] 

ينتقل الكاتب إلياس نصر الله في الفصل الرابع إلى الوقوف على موقف منيف غير المقبول وذلك في عدائه للمؤسّسة الدينيّة والتّشكيك في مصداقيّتها ومصداقيّة رجالها وتَديّنهم، ليس من مُنْطلق علماني متحرّر يتناقض مع المنطلقات الدينيّة، بل فعل ذلك لتَثبيت الثّقة بالتيّار الديني السّلفي والدّعوة إليه وكأنّهم همُ الأمل والخَلاص الوحيد.[14]

وتناول الكاتبُ في الفصل الخامس من الدّراسة موقفَ منيف من العمالة العربيّة، وكيف قام بالتّحريض الشّديد على الوافدين العرب ولم يأبَه بالقُرّاء العَرب، وانحصر اهتمامُه فقط في اجتذاب القارئ السّعودي ومُراضاته. وأنّ منيف قصد التّحريض على الوافدين الغرباء وخاصة العرب بقوله:  "إنّ ما يجمع كلّ الوافدين من عرب وغيرهم هو الاحتقارُ للسكان الأصليين أو البدو في السلطنة والاستهزاء بهم، وتجاهل منيف سببَ قدوم هؤلاء العمال للبحث عن لقمة العيش وأنّهم ساهموا بكل المجالات والتخصّصات العلمية والمهنية في بناء النهضة السعوديّة الحديثة.[15] وصحيح أنّ منيف أبرز الأمريكيين على أنّهم العدو الأساسي في "التيه" الجزء الأول من الخماسيّة، لكنه أخذ بالتراجع عن التركيز على الأمريكيين في الأجزاء اللاحقة وركز على العائلة المالكة والمؤسسة الدينيّة والوافدين العرب الذين شبّههم وكلّ الغرباء بالطاعون والجراد والرياح الصفراء.[16]

ويتّهم الكاتبُ إلياس نصر الله  عبدَ الرحمن منيف بأنّه ساهم في الحملة الدائرة في المملكة السعوديّة ودول خليجيّة أخرى ضدّ الغرباء والعَمالة الوافدة بغَضّ النظر عن جنسيّات أفرادها.[17] ويُظهر في الفصل السادس تَشْويه منيف لدَوْر الحركة العمّالية السعوديّة  والحركات المعارضة والوطنية السعوديّة، وتجاهله الكلّي لوجود حركة سياسيّة متنوّرة وتقدميّة عريقة، وتعمّده النَيْل من سمعة الأحزاب المعارضة الوطنيّة ورموزها ربما كوسيلة للرّفع من شأن التيّار السّلفي.[18]

خَصّص الكاتبُ إلياس نصر الله الفصلَ السابع من دراسته لموقف منيف من التيّارات الدينيّة المختلفة وتَعاطفه مع التيّار السّلفي، اعتقادا من منيف أنّ التيّار الديني السّلفي وحدَه القادر على إنهاء حكم آل سعود والقضاء عليهم. ويرى الكاتب أنّ منيف "ابتداء من الصفحات الأولى للجزء الأول من الخماسيّة شَرَع في تَحْضير الأجواء من أجل تَوْصيل القارئ إلى هذه النّتيجة، أي تَغيير نظام الحُكم في السلطنة بواسطة العُنف القائم على أسُس دينيّة. مُصَوّرا إيّاها على أنّها نتيجة حَتْميّة لا مَهرب منها.[19]

يُنهي إلياس نصر الله دراستَه بالفصل الثامن الذي خَصّصه للدّفاع عن الشعب السعودي، ويتّهم منيف بأنّه تعامل مع الشعب بتَعال وفَوقيّة، وكان مُتشكّكا في تَقبّل المتلقي السعودي لكلامه فعمل كممرّض يُرَبّت على ظهر طفل قبل  أو أثناء تَجْريعه ملعقة من الدواء المرّ وبأسلوب يعتمدُ المُداهنة والنّفاق بهدف استمالته إلى جانبه. كما وبالغ منيف في تَصْوير مواطني السلطنة وكأنّهم أذكى وأقوى وأفضل من خَلق الله جميعا. ويرى الكاتب أنّ في هذا خطورة، وينطوي على تحريض على التّعصّب والشّعور بالتفوّق على الآخرين.[20]

ثمّ كانت الخاتمة التي كشف فيها إلياس نصر الله السرّ عن الدّوافع التي حَرّكت عبدَ الرحمن منيف لكتابة "مدن الملح" كما يعتقد نصر الله، وكذلك  في الخاتمة نجد المفتاحَ الذي يكشفُ لنا أسبابَ هذا الجهد الكبير الذي قام به صديقُنا إلياس نصر الله والموقف الحادّ الصّلب الذي وقفَه من الخماسيّة.

بداية
أريدُ أنْ أؤكّد إعجابي بعبد الرحمن منيف ككاتب مُبدع كشف أمامنا دَواخلَ سجون الأنظمة العربية الرّهيبة، وأدخلنا إلى عوالم الصحراء العربية وصراعات أمرائها وشيوخها، ورسم لنا مشاهدَ تكوّن الدولة السعودية والإمارات الأخرى التي مَنحتها الثروةُ البتروليّةُ التي اكتُشفَتْ في أرضها القوةَ والقُدرةَ على لعب دَوْر فعّال ومَركزيّ على السّاحة السياسيّة والاقتصاديّة العربية. ورغم إيماني بأنّ لانتماء المبدع لفكر فلسفي ثقافيّ اجتماعيّ دينيّ أثَره على إنتاج المُبدع وكيفيّة هذا الإنتاج وقيمته، وبدون ذلك لا يكون للعمل أيّة قيمة، أعترف بأنّني لم ألتفت في تناولي لروايات عبد الرحمن منيف إلى الدّوافع الذاتيّة الخاصّة التي حَرّكت منيف ليكتبَ خماسية "مدن الملح". وكانت دراستي تَنْصبّ على الجوانب الأدبيّة والفنيّة التي تميّزتْ بها هذه الروايات. وأعترفُ أنّ دراسةَ الصديق إلياس نصر الله نبّهَتْني إلى الكثير من الجوانب في الخماسيّة، وطرحت أمامي العديد من المواضيع التي تحتاج للمُراجعة والدّراسة.

والآن إلى الدّراسة نفسها.

عبد الرحمن منيف والأمانة في رواية التاريخ
الكتابة الأدبيّة لا يمكن أن تكون مُرادفة للكتابة التاريخيّة. فكتابةُ التاريخ تلتزم الصدقَ في نَقْل المشاهد والأحداث، وتَحْديد الزمان والمكان وتَسْميّة الشخصيّات وسَرْد مَجْرى الأحداث. قد يختلف كاتبُ التاريخ الواحد عن الآخر في الاهتمام بإبراز حَدَث على حساب حَدَث آخر، أو في التّركيز على قضيّة وإهمال أخرى وذكرها بشكل عارض. ولكنه، حتى يحفظ كرامتَه ومكانتَه يلتزمُ الصدقَ والأمانةَ في عمله، بينما الأديب، شاعرا كان أو روائيا، يسمحُ لنفسه حريّة التصرّف والحَذْف والزّيادة وقَلْبِ الحقائق وذكر شخصيّات لا وجود لها في الواقع.

رغم إدراكي لهذه الحقيقة وانحيازي إليها إلا أنّني، كما إلياس نصر الله، كنتُ آمُلَ من عبد الرحمن منيف صاحب روايتي: "الأشجار واغتيال مرزوق" و "شرق المتوسط" أنْ يلتزم جانبَ الحياد الإيجابي، ويبتعدَ عن الانحياز إلى جانب قوى الظلام الدينيّة. فمنيف كما عرفناه نشأ في ظلّ الثّوْرات العربية وانتصار حركات التّحرّر في معظم بلدان العالم والدول العربية خاصة، فقد انتصرت الانقلاباتُ على الملكيّة في مصر والعراق واليمن وبعدها في ليبيا،[21] وتَعاظمَتْ الثّوراتُ على الأنظمة المستبدّة، وشهدت سوريا تحوّلات وطنيّة قويّة عملت على قيام أوّل وحدَة عربية بين قطرَيْن هما: مصر وسوريا عام 1958، واشتدّ ساعدُ الثّورات الشعبيّة ضدّ المحتل المستعمر  في كل من الجزائر وتونس، وقد وصل تأثيرُ هذه الأحداث إلى بلاد الجزيرة العربية وساعدَ على قيام الحركات المعارضة اليسارية، كما نَشَرتْ نوعا ما مِنَ الوعي بين الطبقات العُمّالية التي بدأت ترفعُ صوتها وتُطالبُ بحقوقها، وتعتصمُ وتتظاهرُ وتُواجه قوّات أمْن النّظام، وتُطالب بحقّ المواطن بالعمل والحياة الكريمة. وقد ذكر منيف بعضَ هذه الحركات المعارضة، ولكنّه لم يتوقّف عندها بما يوفيها حقّها، ولم يذكر تأثيراتها وإنجازاتها. قد يكون منيف ظالما لدَوْر هذه الحركات المعارضة، وقد يكون غيرَ مُجْحف بسبب أنّ هذه الحركات كانت في بدايات تَكوّنها وتَنظيمها، ولهذا لم تكن تُشكّل خطرا على الحكم وإن سبّبَتْ بعضَ الإزعاج. بينما إلياس نصر الله لا يبُرّئ منيف، ويُكثرَ منَ الاستشهاد بأعمال هذه الحركات وبإبراز دورها السياسيّ الهام.

خماسيّة "مدن الملح" رواية تاريخيّة بكلّ المفاهيم "تؤرّخ لظهور النفط في الجزيرة العربية ومَدى ما أحدثَه من تَشوّهات في البنى الاجتماعيّة والثقافية" كما يقول الناقد عبد الرحمن أبو عوف.[22] وهي "إحدى الروايات التي حاولتْ أن تقرأ مرحلة تاريخيّة كاملة بهمومها ومصاعبها، وخَيباتها أيضا، وحاولتْ في نفس الوقت أنْ تقرأ التغيّرات الكبيرة والعاصفة التي حصلت في بلدان النفط" كما يقول عبدُ الرحمن منيف نفسُه[23]. لكنّ إلياس نصر الله يرفض هذا الكلام ويرى أنّ منيف "لم يفعل ذلك خدمة للتاريخ أو دفاعا عن الحقيقة، بل إنّه اختار اللجوء إلى رواية التاريخ الحديث للسعوديّة بشكل أدبي بغَرَض سياسيّ واضح هو نَزْع الشّرعيّة عن العائلة المالكة في السعوديّة بهدف التخلّص منها، ولَوى من أجله عنقَ الحقيقة في أكثر من مناسبة"[24]. ويقول نصر الله: "إنّ منيف حاول تقديم رواية خاصّة به مضلّلة لبعض أحداث التاريخ السعودي الحديث"[25].

ويُحاولُ إلياسُ نصر الله إثباتَ عدَم مصداقيّة منيف وأمانته في كتابة التاريخ بإيراده ما جاء على لسان أحد أبطال روايته "الأشجار واغتيال مرزوق" "التاريخ! ما هو التاريخ؟ أكذوبة كبيرة.. القسوة، الفظاظة، الكذب، كلّ شيء منذ أيام نوح حتى هذه اللحظة مبني على الأكاذيب" (ص286). وأنّ منصور عبد السلام بطل الرواية قال "أمّا التّاريخ فأنا أحدُ الناس الذين سيتفرّغون لكتابته "(ص 312) وها هو منيف في مدن الملح يَفي بوَعْده ويُقَدّم لنا روايتَه للتاريخ الحديث للمملكة العربية السعوديّة"[26]

ويُكثر الكاتبُ إلياس نصر الله من استحضار الروايات والوثائق السياسية والاجتماعية والتاريخية  التي تُؤكّد عدَم مصداقيّة منيف في روايته للعَديد من القضايا والمواضيع والأحداث..

منيف والثروة النفطيّة
يتّهم الكاتبُ إلياس نصر الله عبدَ الرحمن منيف بأنّه لم يُعْط للثروة النفطيّة أهميّتَها في بلوَرة وتَغيّر المجتمع العربي في الصحراء، ولا في تكوّن الممالك والإمارات والمشْيَخات، وأنّه في الجزء الأول من الخماسيّة "التيه" كان للنفط حضور أمّا في باقي الأجزاء فكان شبه معدوم. وينتقد نصر الله موقفَ منيف من النفط واعتباره كارثة حلّت بالسعودية وبأهلها. ويتوسّع في تسخيف موقف منيف، ويُكثر من مناقشته وتأكيد أهميّة النفط في خَلق الثورة الصناعية والاقتصادية والاجتماعيّة  في الوطن العربي. ومع كلّ موافقتي لكلام وتحليل وشرح الكاتب إلياس نصر الله إلاّ أنّني تفهّمتُ مَوْقفَ منيف الغاضب والكاره لهذه الثروة الطبيعية لأنّها كانت المحفّز والدّافع والمسبّب لطمع الدول الاستعمارية في الجزيرة العربية واحتلالها. ولم يكن منيف وحيدا في موقفه هذا بل المئات والآلاف من أبناء الشعب العربي الذين رأوا في هذه الثروة الطبيعيّة لعنة وسَبَبا للظلم والقَهْر وإذلال الشعب من قبل الحُكّام وإغراء لاحتلال الوطن من قبَل الأغراب. المرّة الوحيدة التي هلّل فيها العربُ للنفط وأسياده فقط خلال حرب أكتوبر عام 1973 بعدما قام الملك فيصل بإعلان قطع النفط عن الأسواق العالمية تأييدا لمصر وسوريا في حربهما ضدّ إسرائيل. لكن سرعان ما عاد النفط ليكون متعة المسيْطرين عليه والمتمتّعين بعائداته ولعنة الجماهير العربية التي ترى خيراتها تذهبُ لرفاهيّة الغَيْر وهي تُعاني الفَقْرَ والحاجةَ وحتى الجوع، كما نُشاهد في الصومال والسودان وباقي الأقطار العربية.

ويرى إلياس نصر الله أنّ إهمال منيف للتركيز على النفط في الأجزاء الأربعة من خماسيته سببُه انشغال منيف الكلّي في قضيّة أكثر أهميّة بالنسبة له، هي قضيّة التيّار السّلفي، وأنّ هذا التيّار لم يُقْضَ عليه وأنّه ما زال البَديل الوحيد لحُكم آل سعود.

موقف منيف السلبي من العَمالة الأجنبيّة والعربيّة خاصّة
كان من الطبيعي وكما هو الحال منذ بداية الحضارات وتَعارف الشعوب ولقاءاتها أنْ يُغيّر البعضُ أماكنَ سُكناهم أو مَواطنهم ويستقرّوا حيث يتوفّر لهم العملُ والأمْن. وهذا ما حدَث لسكان الجزيرة العربية التي بدأ منيف الجزء الأوّل من خماسيّتة "التّيه" بوصف مَشاهد لوادي العيون ومرور القوافل الموسميّة، ورحيل العديد من الشباب الذين يُسافرون للبَعيد بحثا عن العمل والغنى ليعودوا وقد ضمنوا لأنفسهم وذويهم العيشَ الكريم، وقد لا يعودون. وكما ترك البعضُ من أهل "وادي العيون" موطنَهم الجميل وآثروا العيشَ بعيدا في مناطق أخرى من الجزيرة العربية أو في قُطْر عربي آخر، هكذا آثر البعضُ من الناس من البلدان الأخرى عَرَبا وغير عرب العيشَ في الجزيرة العربية، خاصة بعد اكتشاف الثروة النفطيّة وتوفّر فُرَص العمل الكثيرة. وهذا أدّى إلى تكوّن الجاليات العربية وغيرها التي ساهمت في تطوّر البلاد وبناء اقتصادها ودولها.

الغريب، كما يرى إلياس نصر الله أنّ عبد الرحمن منيف وقف موقفا عدائيّا من هذه الجاليات الغريبة، وبالتّحديد من الجالية العربية، وأكثر من نَقدها وكَشْف عيوبها وفَضْح أسرارها وإثْبات عدَم إخلاصها، فصفات أبناء الجالية العربية كما يَراها منيف في الخماسيّة عَدَم الإخلاص، وعدم الوفاء، وعدم الأمانة، والنّميمة، والحسَد، والطّعن من الخَلف، والخيانات الزّوْجيّة، وخيانة الأصدقاء، وإساءة الأقارب لبعضهم البعض. والأخطر التركيز على احتقار الجالية العربية لأبناء الشعب السعودي وتَعالي أبناء الجالية عليهم والعمل على نَهْب خيْرات البلاد وثروتها. فمنيف يصف جميعَ الشخصيّات من غير أهل الجزيرة بأنهم انتهازيون أشْبَه بالطّفَيْليات أو مَصّاصي الدّماء، يجمعهم الاحتقارُ للسكان الأصليين أو البدو في السلطنة والاستهزاء بهم. ومنيف في كل أجزاء مدن الملح لم يُقدّم أيّ نموذج إيجابي عربي واحد على الإطلاق. فجميعُ النّماذج كانت سيّئة لأشخاص لا يوجد هدف من الزّج بهم وبدَوْرهم في الرواية سوى إثارة الكراهيّة لهم لتَبرير الموقف العِدائي العام من الوافدين العرب. لقد لفتَ انتباهي، خلال دراستي لخماسية "مدن الملح" هذا الموقف السلبي من كلّ عربي قَدِمَ إلى السعودية للعمل، لكنّ تَرْكيز بَحْثي على الجوانب الفنيّة والأدبيّة للخُماسية جعلني أتغاضى عن الجوانب الأخرى. ولهذا فإنّني أوافقُ الكاتبَ إلياس نصر الله في نَقْده لمنيف، وأستغربُ معه هذا الموقفَ العدائي من الجالية العربية مع أننا عَرَفْنا في منيف المثقفَ العربي الثوري الحضاري العُروبيّ.

وحتى لو أنّ بعضَ الأشخاص كانوا انتهازيين وخَوَنة وغَدروا وخَدعوا وسَرقوا، فليس من المقبول إلقاء التّهمة على كلّ عربي، وكلّنا يعرف أنّ السواعدَ العربية، من كل الأقطار العربية ومن أبناء شعبنا الفلسطيني، كان لها الفضلُ في بناء دُوَل الخليج وكلّ الجزيرة العربية، وبَعْث حضارتها وبناء اقتصادها  ودَعْم قوّتها.

منيف ومَوقفه من الحرَكات الوطنيّة والمؤسّسة الدينيّة
اتّهم الكاتبُ إلياس نصر الله صاحبَ "مدن الملح" بأنّه وقفَ موقفَ التّجاهل والإهمال والتّحْقير للحركات الوطنية الديمقراطية، وتعَمّد النّيْلَ من سُمْعة الأحزاب وحَرَكات المعارضة الوطنيّة ورموزها. وعمل على تَجْريحها في أكثر من مناسبة، فذكر أنّ السلطة اشْتَرَتْ ضمائرَ عدَد من رموز هذه الحركة وعيّنت بعضَهم سفراء للسلطة في الخارج[27]. ويرفض إلياس نصر الله كلامَ منيف هذا، ويذكر العديدَ من الحركات والأحزاب الديمقراطية والوطنية التي قاومت الحكم السعودي وعملت ضدّه، والكثير من المناضلين الذين قُبضَ عليهم وقُتلوا أو اعتُقلوا. وأرى أنّ عداءَ منيف للمؤسسة الدينية سبَبُه أنّها مثّلت السلطة وبرّرت كلّ أعمالها وأصدَرت الفَتاوى المسَوّغة تصرّفاتها.

وهذا الموقف للمؤسسة الدينية ليس غريبا، وقد عرفنا وشهدنا مواقفَ المؤسسات الدينية الرسمية المؤيّدة للسلطة الحاكمة في العَديد من الحقَب التاريخية، وفي الكثير من البلدان. وفي بلادنا العربية كانت ولا تزال مواقفُ المؤسسات الدينيّة سيّئة ومُراوغة ومُؤيّدة للحاكم، فأثناء حرب الأمريكان على العراق بحجّة تحرير الكويت، شاركت جيوش عربيّة من مصر وسوريا إلى جانب المارينز الأمريكي في ضَرْب بغداد والعراق والجنود العراقيين، وصدرت الفتاوى الدينيّة في القاهرة ودمشق مُؤَيّدة للحاكم وللحرب. وفي أشهر الربيع العربي والثورات العربية التي نعيشُها، نشهدُ فتاوى رجال المؤسسة الدينية التي تتوالى في تأييد عبد الله الصالح في اليمن وتُكفّر مَن يتظاهر. وفتاوى دينيّة تصدرُ في سوريا عن المؤسسة الدينيّة تُمَجّد الرئيس بَشّار الأسد وتدعو له، ومثلها صدرت في أقطار عربية كثيرة. ولم تختلف مواقفُ المؤسّسة الدينية في السعوديّة عنها في الأقطار العربية الأخرى، فقد كان الملك هو المتحكّم والموجّه، وكانت الفتاوى تصدرُ حسب رَغَباته، ومن حقّ منيف مُهاجمتها، بل من واجبه مهما كانت الدّوافع لما تفعله.

منيف وموقفه الدّاعم للتيّار السّلفي وتشكيك نصر الله في دَوافعه.
موقف منيف العدائي من المؤسسة الدينيّة الرسمية التي وقفت إلى جانب العائلة الحاكمة في السعودية وبرّرت كلّ تصرّفاتها، لا يُعطي التبرير لمنيف كي يدعو للتيّار الإسلامي السّلفي ويرى فيه المنقذَ الوحيد. قد يكون عبد الرحمن منيف مُصيبا في رأيه بأنّ هذا التيّار السّلفي وحدَه المنظّم، ووحْدَه الذي يملكُ القوّةَ والقاعدةَ الشعبيّة، وهو القادرُ على تَحَدّي حكمَ العائلة السعوديّة ومُواجهتها وحتى إسقاطها. وأنّ أحزابَ المعارضة المدَنيّة غير مُوَحّدة وضعيفة ومُطارَدَة في كل دول ودُوَيْلات ومَشيخات الجزيرة العربية المحكومة بالقيود والقواعد الأمريكية والغَرْبية، ولهذا لا أملَ فيها بتغيير الواقع ولا قوّة عندها. وقد يكون منيف متفائلا بأنّ إسقاطَ الحكم سيؤدّي بالتأكيد إلى التّحوّلات الاجتماعيّة والسياسيّة والديمقراطيّة والعَدالة والحريّة، قد يكون منيف متفائلا في التّغْيير بحدّ ذاته دون القَصْد المسْبَق والواعي لتَمليك التيّار السّلفي وتَسليمه الحكم ورقاب الناس، وأنّ الرّغبة الملحّة في التّغيير تَدفَعُ بصاحبها كثيرا إلى اختيار الأسوأ والارتماء في أحضان الأخطر. نذكر كيف هلّلنا وفرحنا لنجاح حركة "حماس" في الانتخابات الفلسطينيّة لرغبتنا في الانتقام من سوء إدارة قيادات "فتح" للسلطة في الأراضي الفلسطينيّة المحتلة. وكلّنا يرى إلى أين أوصلت "حماس" الأوضاع الاجتماعية والثقافيّة والفكريّة والدينيّة والسياسيّة في غزّة، وكيف تعاملت مع كوادر حَرَكة "فَتْح" وقياداتها ورموز شعبنا الفلسطيني حتى القائد ياسر عرفات!

وكلّنا يذكر حماسَنا لانتصارات "حزب الله" المحدودة في حَرْبه ضدّ الغزو الإسرائيلي للأراضي اللبنانية صيف 2006  وكيف هلّلنا وكبّرنا لحزب الله وزعيمه السيّد حسن نصر الله حتى أنّ البعض في قرانا أعلن تَشيّعَه، ولكن سرعان ما أدركنا خطأنا وتسرّعنا وأظهرنا مخاوفنا وأيدينا على قلوبنا من تحويل لبنان إلى بؤرة مظلمة تحت الحكم الظّلاميّ المتعصّب والمنحاز لأحكام الفَقيه في إيران بعد عمليّة "حزب الله" المشينة باحتلال كوادره لبيروت وتَرْويع السّكان الآمنين.

يبقى السؤالُ الأخطرُ الذي دفعنا إليه اتّهامُ الكاتب إلياس نصر الله لعبد الرحمن منيف بأنّ تأييد منيف ودَعْمه وترويجه للتيّار السّلفي دَوافعُه قديمة، وتعودُ إلى ثارات قديمة لمنيف عند العائلة الحاكمة في السعودية، فعبدُ الرحمن منيف كما يعرفُ كلّنا وُلد في مدينة عمّان في الأردن لأب سعوديّ وأمّ عراقيّة، وكما يقول إلياس نصر الله، وكما هو صحيح، فقد تجاهلَ منيف في سيرته الطويلة التطرّقَ للحديث عن والده السعودي وسبَب انتقاله للحياة في الأردن وعدَم محاولته العودة لمَوطنه الأصلي خلال كلّ السنوات.

يسأل إلياس نصر الله "هل نشأ منيف في عائلة لربّها أو لبعض أفرادها علاقة بحركة الإخوان في المملكة العربية السعوديّة؟ إذا صحّ هذا فهو يُفسّرُ حرصَه على التأكيد، ربّما من منطلق الوفاء لجذوره العائليّة، على أنّ هذه الحركة ما زالت موجودة. فمنيف مولود عام 1933 لأب سعودي استقرّ قبل ذلك بفترة قصيرة في عمّان، أي في أعقاب الحملة التي شنّها الملك عبد العزيز آل سعود للقضاء على حركة الإخوان وتَصفية قادتها وأتباعهم وتَشريد أعداد غفيرة منهم، ممّن لجأوا إلى البلدان العربية المجاورة في عام 1930. أليس من الطبيعي التّساؤل، هل كان لجوء والد منيف عند أعداء الملك عبد العزيز من العائلة الهاشميّة في الأردن، صدفة خالصة أم أنّ له علاقة بالأحداث المصيريّة التي شهدتها المملكة العربية السعوديّة في تلك الفترة، خاصة تَصْفية حركة الإخوان؟"[28]

وذكر إلياس نصر الله حرصَ منيف في كتابه "سيرة مدينة" التأكيد على أنّ جالية أبناء الجزيرة العربية لم تكن هامشيّة في عمّان، بدليل وجود اللهجة النّجديّة التي شكّلت إحدى اللهجات الأساسيّة في المدينة، وبدليل وجود المقبرة الخاصة بأبناء الجزيرة وعدد القبور فيها. وكيف أنّ أبناء الجالية سخروا من قنصلية بلادهم بقولهم: "هذي ما هي قنصليّة ابن سعود، هذي قنصلية الشياطين الزّرق" (سيرة مدينة ص191). ويرى إلياس نصر الله أنّ عبدَ الرحمن منيف "تكتّم حول عَلاقته الشخصيّة وعلاقة ذويه بالتيّار السّلفي والعداء مع آل سعود حرصا على الظهور بمظهر الكاتب النّزيه والذي يُعالج الأمورَ في كتاباته بشكل موضوعي وليس من مُنْطلقات شخصيّة"[29]. ويُفسّر إلياس نصر الله سببَ اتّهامه لمنيف بقوله: "من غير المعقول لأيّ كاتب أو روائي، أيّا كان أن ينتج رواية شبيهة بمدن الملح، من دون أن يكون موضوع الرواية مُسْتَحْوذا على تَفكيره وكيانه بالكامل. فمنيف، الذي كان يحملُ جوازَ سَفَر سعوديّا، وُلدَ ونشأ في الأردن وعاش في العراق وبُلدان أخرى، وقليلا ما تَطرّق في كتاباته إلى ما يجري في المملكة العربية السعوديّة. وطن آبائه وأجداده. بل جاء إنتاجُه الأدبي على نحو أوحى للمهتمّين بأنّه ذو ميول عربيّة شموليّة، خاصة بعد كتابته روايتي "شرق المتوسط" و "شرق المتوسط مرة أخرى". لكنّه فجأة ألقى أمامَ القُرّاء عملا سعوديّا خالصا، خاليا من أيّ بُعْد عرَبي"30.

ويورد إلياس نصر الله تلك العبارة الواردة في رواية منيف "حين تركنا الجسر" التي يتحدّث فيها الراوي عن تَعَلّق أبيه بوَطنه وحَنينه إلى هذا الوطن من خلال مُراقبة الأب لطيور السّنونو التي تعود إلى أعشاشها فيُعَبّر عن إعجابه بها. ويرى إلياس نصر الله أنّ منيف كان يَعني والدَه الحقيقي. لكنّه لم يُفْصح لنا عن هويّة الأب أو الوطن وتَرَك الأمرَ مُبهما. لكنّه في مكان آخر من الرواية يكشفُ عمّا يختلجُ في صدره وما هو الأمرُ الذي يُشغل بالَه، قال: "البَرْدُ يتسرّبُ إلى الدمّ كما تتسرّبُ إليه الهزيمة. نفضتُ نفسي جيّدا. رفعتُ ساقي على المقعد. فتحتُ الكتابَ. دون اهتمام. قرأتُ: وقد كافح هؤلاء البسطاء والصّادقون ضدّ مخلّفات بقايا العِبادات القَبَليّة المحليّة، ودمّروا الأضرحة، وحرّموا السحرَ والعرافةَ، وفضلا عن ذلك كان وَعْظُهم يَرمي إلى مُكافحة الكَذب والدّرْوَشَةَ وتلك الأشكال من العبادات الدينيّة التي كان يُمارسُها الأتراك، والتي نشأت عبرَ القرون ودعوا إلى الكفاح ضدّ السلطان العثماني.. الخليفة الكاذب والباشَوات".(حين تركنا الجسر ص137).

ويسألُ إلياس: فمَن هؤلاء البُسَطاء والصادقون الذين تحدّث عنهم المَقطع؟ أليسوا هم السلفيّون السّعوديون أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهّاب ثم الإخوان الذين حاربوا العثمانيين وسَعَوا لفرض المَذهب الحَنبلي على الجزيرة العربية31. ويزيدُ إلياس نصر الله في تَدعيم موقفه من اتّهام منيف بأنّ سَحْبَ الحكومة السعوديّة جوازَ سَفَره  عام 1963 لعبَ دَوْرا مُهمّا في موقف منيف العِدائيّ من آل سعود ودَفَعَهُ للانتقام منهم. فمنيف كما يقول نصر الله: كشَفَ في "مدن الملح" عن حِقْد شديد ودَفين ضدّ آل سعود[30].

ويخلُص إلى التأكيد على ما طرَحَه من البداية "أنّ مُدنَ الملح هي أوّلا وقبل كلّ شيء عمل سياسيّ بلباس أدبيّ". ويزيد في اتّهامه لمنيف قائلا: "لكنّ منيف لم يكتف بالتنبّؤ أو بالتّعبير عن رغبته في رؤية نهاية نظام الحكم في المملكة العربيّة السعوديّة، وتأييده المُطلق لمثل هذا الأمر، بل حدّد البَديل لآل سعود المتمثّل بالتيّار السّلفي، ورَوّج له غير آبه بالبَدائل الأخرى أو بالنتائج التي قد تترتّبُ على هذه الرّغبة لو أنّها تحقّقت بالفعل"[31].

ختاما
كما قلتُ في البداية إنّني معجَب بكلّ إبداعات عبد الرحمن منيف، وأرى فيه الكاتب الذي عرّى عَوْرةَ الحكّام العرب، وكشفَ زيفَهم، وفضحَ خبايا سُجونهم. وهو الكاتبُ الذي أدخلنا إلى مَتاهات الصحراء العربية، ورسَم لنا مَشاهدَ تَكوّن المَشْيَخات والإمارات والممالك، وأوقفنا على مَفاسد الحكّام وخيانتهم وواجب العمَل للتخلّص منهم. وأعجبتُ بدراسة الصديق إلياس نصر الله وبالجَهْد الكبير الذي بذله، واعترفُ بأنّه نبّهني إلى الكثير من الأمور التي لم ألتفتْ إليها خلال دراستي لمُدن الملح لاختلاف التّوَجّه لدى كلينا في تناولنا للخُماسيّة.

ورغم حجج وإثباتات واقتباسات ومَصادر الصديق إلياس نصر الله في إقناعي وغيري بدَوافع عبد الرحمن منيف الذاتيّة في كتابة خماسيّة "مدن الملح" وأنّها رواية سياسيّة بلباس أدَبي، فإنني أتمسّك بموقفي الإيجابي والمُعْجَب بخماسية "مدن الملح" لمنيف، وأرى فيها عمَلا إبداعيّا رائعا وفَتْحا كبيرا في مَسيرة الرواية العربية. أمّا اقتباسات الصديق إلياس نصر الله التي تُؤكدُ له صدقَ مَوقفه بدَوافع منيف الذاتيّة وانحيازه للتيّار السّلفي ودَعمه ورغبته في تسلّمه للحكم بعد إسقاط حُكْم  آل سعود، فمع كلّ القبول بها إلا أنّها تُنبّه للمخاطر التي قد تحدثُ بتقَصّي كلّ باحث لدَوافع كتابة كلّ مُبدع: شاعرا كان أو روائيا أو رسّاما أو نحّاتا أو موسيقيّا. فنُسَخّف إبداعَه، ونقف على ضَحالة ما يُخفي من أسرار كانت وراء إبداعه.

فماذا يبقى من إبداع كلّ واحد من كبار المبدعين وصغارهم إذا اختصرنا عملَه، وقيّمنا إبداعَه، من خلال الاقتباسات المُدينَة له، والكاشفة أسرار ووَحْي إبداعه التي نجمعُها ونطرحُها ونُقَيّم العملَ من خلالها؟ وهل الإبداع يا صديقي إلياس إلا نتيجة للعَواطف والغَرائز والميول المختلفة بسلبيّاتها وإيجابيّاتها.

ما اتّهمتَ به عبدَ الرحمن منيف من دَوافع ذاتيّة وعينيّة كانت وراء كتابته لخماسيته الرائعة "مدن الملح" كانت تُهْمتي إليكَ باعتمادك على انتماء منيف لأب سعودي تعتقد أنّه كان ينتمي للتيّار السّلفي، هرب، كما تظنّ، من سيف عبد العزيز آل سعود إلى الأردن حيث أقام، ووُلد ابنُه الكاتب عبد الرحمن الذي عَرف قصّة تَغريبة والده وأقاربه، ولم يستطع نسيان إهانة والده وأهله، فحفظ الضّغينةَ وبحثَ عن الوقت الملائم ليُوجّه سهامَه القاتلة ضدّ آل سعود بهذه الرائعة "مدن الملح".

 شكري لك يا صديقي أنّك بجهدك الكبير لإثبات التّهمة ضدّ عبد الرحمن منيف قدّمتَ لنا هذه الدراسة الرائعة الجادّة التي تدفعُني لأقولَ لك:

ألف شكر يا صديقي، وأنا بانتظار الدّراسة أو الإبْداع القادم. 

 



[1] نصر الله، إلياس. السعوديّة وبدعة التاريخ البَديل. ص 14-15



[1] نعيمي، سلوى. "شخصيّات كالفخ تورّط غيرها" الكرمل، عدد، 9، 1983، ص 179-197. و عبد الرحمن منيف، الكاتب والمنفى، دار الفكر الجديد، بيروت، 1992، ص163.

[2] منيف، عبد الرحمن. بين الثقافة والسياسة، المركز الثقافي العربي. الدار البيضاء، 1998، ص186.

[3] المصدر السابق، ص188

[4] القاسم، نبيه. الفن الروائي عند عبد الرحمن منيف، دار الهدى للطباعة والنشر كريم 2001 م.ض 2005، ص21-22.

[5] القاسم، نبيه. المصدر السابق، ص 22.

[6] المصدر السابق، ص22-23

[7] منيف، عبد الرحمن. بين الثقافة والسياسة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 1998، ص182-183.

[8] منيف، عبد الرحمن. الكاتب والمنفى، دار الفكر الجديد، بيروت، 1992، ص311.

[9] أبو عوف، عبد الرحمن. قراءة في الرواية العربية المعاصرة، الهيئة المصريّة العامة للكتاب، القاهرة، 1995، ص152.

[10] درّاج، فيصل. حوار مع فيصل درّاج، النهج، عدد 18، 1988، ص223.

[11] نصر الله، إلياس. السعوديّة وبدعة التاريخ البديل، قراءة نقديّة لخماسيّة عبد الرحمن منيف، دار المدى للثقافة والنشر، 2010، ص10.

[12] المصدر السابق. ص54

[13] المصدر السابق. ص56

[14] المصدر السابق. ص161

[15] المصدر السابق. ص 174

[16] المصدر السابق. ص 219

[17] المصدر السابق. ص 221

[18] المصدر السابق. ص 223

[19] المصدر السابق. ص 259

[20] المصدر السابق. ص 322

[21] في مصر أطاحت ثورة يوليو 23يوليو1952 بقيادة جمال عبد الناصر بحُكم المَلكيّة وطُرد الملك فاروق. وفي العراق أطاحت ثورة يوليو 1958 بالملكية وقتلت الملك فيصل. وفي اليمن أطاح انقلاب قاده عبد الله السلال بحكم الإمام البدر في 26 سبتمبر عام 1962. وفي ليبيا أطاح انقلاب الجيش بقيادة معمر القذافي1 إيلول 1969 بحكم الملكية وانهاء حكم الملك السنوسي. وأطاحت ثورة لبنان بحكم كميل شمعون عام 1958

[22] أبو عوف، عبد الرحمن  ص 152                               

[23] منيف، عبد الرحمن، الكاتب والمنفى. ص 311

[24] نصر الله، إلياس، ص21

[25] المصدر السابق، ص33

[26] المصدر السابق، ص37

[27] المصدر السابق. ص 224-223

[28] نصر الله، إلياس. ص 333

[29] المصدر السابق. ص336

[30] المصدر السابق. ص337

[31] المصدر السابق. ص339