بسخرية لاذعة يحرر الكاتب المصري مقالا يتأمل من خلاله راهنه اليوم، ويمتزج خلاله الوضع المصري بأوضاع عربية تتقاطع الى حد كبير مما يجعل عالمنا العربي أشبه بصورة كاريكاتورية لا تستحق أكثر من هذه اللغة: لغة التنكيت كما وسمها يوما ما فوكو.

الأشياء التي كانت كذلك ثم لم تعد كذلك

هاني حجّــاج

يقول خالد الذكر (عبد الباسط حمودة): أبص لروحي فجأة، لقتني كبرت فجاة، تعبت من المفاجأة، ونزلت دمعتي. بغض النظر عن هذه المفاجأة الطويلة المتعبة، لا ننظر لأنفسنا فقط، بل لكل ما ومن حولنا. كلنا كبرنا فجأة! نحن الذين كنا ليلة أمس فقط نحتفظ بمجلات ميكي في ركن خاص حتى لا يتبدد عطر طباعتها المميز لدار الهلال، وننتظر العدد القادم من رجل المستحيل ونحن من اللهفة في نهاية، وتذكرنا موسيقى برنامج حديث الروح بأن التاسعة دقت ولم نكتب الواجب وعلينا أن ننتظر الرعد غدا في المدرسة. نحن الذين كنا نترقب بصبر عجيب (اخترنا لك) كل أربعاء لنشاهد ذات الحلقة التي ينسف فيها ماكجايفر الهليوكوبتر الحربية بورقة اللبانة! ونتابع بنشوة متجددة نفس الكليبات المحدودة في (أماني وأغاني): قلبي عشقها (راغب علامة بالجينز والشنب) ، هنساك (فؤاد بالبدلة الضخمة والسيوف والستاير)، أعاتبك (محيي يتأنق بتي شيرتات الوكالة في حديقة الأزهر). نحن الذين كنا نعتبر الفيديو صندوق بندورا الحافل بالفجور والمسرات بينما الأمر لا يزيد عن مقاولات سميرة صدقي وسيد زيان، وأغلبنا هاجمته ثورة الفضائيات دون أن يتحرر من سحر فترينة نوادي الفيديو العارضة المدمر شوارزنيجر والمنتقمة سنثيا روزروك والفتاة التي تمزقت ثيابها بعد مطاردة الديناصور! نحن الذين توحدنا أمة وشعب ومحلات عصير قصب في راي خالد ديدي، وأجبرنا عمرو دياب على ارتداء القميص الأصفر والسوالف والحزام أبو مسامير (بلاش نتكلم في الماضي)، وكان حميد الشاعري ونبيل فاروق وأنيس منصور موجودون في كل مكان ويخبروننا كيف نفكر ونشعر.

لم نفهم أبدا الفارق بين المتلازمة الأرستقراطية (فيروز-محمود درويش- قهوة سادة وجريدة) ونباهة وسط البلد (نجم وجيفارا –بوب مارلي- منير ومقهى الحرية) فمكثنا بكامل الرضا في بروازنا البرجوازي إياه، نحب الحب للحب ومشاعرنا جاهزة للتركيب على أي شخص مناسب، خطيبتك محجبة واسمها شيماء وتقول أشياء مستهلكة من نوع: "بس أنا محتاجة أحس بالأمان"، فتنفعل. نحن الجيل الذي نام قرير العين ينتظر الفيلم الجديد لعادل إمام والجزء السادس من ليالي الحلمية وخطاب دسم من صديقتك بالمراسلة ومفاجآت رمضان التليفزيونية والمليون جنيه من البنك الأهلي والسيارة الفاخرة في مسابقة الشمعدان، وكان آخرنا في الصياعة الاحتفاظ بنسخة قديمة من مجلة الشبكة على غلافها جورجينا رزق، وتهريب شريط لولاكي تحت قميص المدرسة ثم محاولة إبهار جيهان فاتنة السكشن.

نحن الذين كانت تحركنا الأقوال المأثورة على ورقة النتيجة كل يوم، وحكم بنك الحظ العتيدة: حظك من السماء رزقت بطفل جميل خد خمسين جنيه من كل لاعب! ويجمعنا تعليق زينات أول يوم رمضان على خلفية من درس الشيخ الشعراوي. كان البلي والمكعبات والبومب والفلوس في كيس الشيبسي تسعدك وتملأ حياتك، والآن لا تستطيع فعل ذلك 500 جيجا ألعاب وأفلام وأغاني في جهازك. أي براءة كانت تجعلنا نصدق أن مازنجر يتعذب مرارا قبل أن ينهي المسألة بالعاصفة المدمرة وبعد أن ينفجر صدر أفروديت! الطفل الآن يحمل آي فون ويتذمر لأن طرازه قديم نوعا، على أيامنا كان الطالب الذي يحمل زمزمية نشك في أن لوالده نشاط مخالف للقانون. على أيامنا كانت صفاء أبو السعود حاملة لواء التربية: مع إنه خشب في خشب في خشب إنما يستاهل تقله دهب. تلامذة اليوم إذا لم يتقنوا تفانين أوكا وأورتيجا فهم في عداد الموتى. طالب الألفية الثالثة بيعمل شات في الفصل وأنا كنت هموت من الانبهار على علبة ألوان شمع بخمستاشر قرش!

كان محور حياتنا فوازير نيللي وإعلان جيرسي واللبان السحري وجادون العجلة الذي لا تجده أبدا في مسابقة غطاء الكوكاكولا. مسدسات الماء، الطفلة الجميلة اللي بتغني فولا فولا (قبل ما تكبر وتقدم نفس الأغنية كمطلع لأغنية تانية وهي بتحشش في كباريه)، الألعاب الخدعة اللي كلها يا إما ترش ميه يا تنط في وشك، كلام من دهب والسؤال العبقري بعد نص الليل، تجميع ستيكرات اللبان وصور ألبوم بم بم، كوتشي أميجو اللي بينور، شرايط الأتاري اللي ما تعرفش تشتريها منين، حاشية مبارك تداري فساد النص التاني من عهده بكاريكاتير شارون وبوش والقدس، عيلة ونيس وهما بيصفروا في قفلة كل حلقة، حملة تنظيم الأسرة وماتش الكورة اللي بييجي بعد صلاة الجمعة على القناة التانية فيعكنن عليك ويحرمك من الفيلم الأجنبي. كعبول وماما عفاف الهلاوي وبوجي وطمطم قبل ما يقدموا إعلانات ماسونية.

كتبنا الواجب ولفينا بكرة شريط الكاسيت كي نعيد آخر أغنية في الوجه الأول (كانت دايما مليانة شجن لسبب مش معروف) وحفظنا بيتين من ديوان فاروق جويدة واقتبسنا كام معلومة من مصطفى محمود في العلم والإيمان، نمنا ولما صحينا عينك ما تشوف إلا النور، رئيس يروح وييجي غيره، ويروح الجديد وييجي غيره، صافيناظ تهز في الدلتا والناس بتموت على الزراعي، ابن مبارك وصحاب بيسرقونا ويشتموا البرادعي، الإخوان مسكوا كل حاجة ويشتموا البرادعي، الإخوان سابوا كل حاجة وبرضوا الناس بتشتم البرادعي. محمد رمضان نجم الموسم، الأكل متسرطن والشرب صرف صحي، الشباب اتعمى ترامادول والبنات غيروا الفساتين لجيبات لاسدال صلا لستريتشات والحجاب مستمر والطفل المصري ما بقاش أذكى طفل في العالم.