يتأمل الباحث التونسي هنا أحد مفردات عالم كاتب تونسي تنقل بين الشعر والرواية ولكنه أسس فيهما معا مفردات عالمه الجمالية وشفراته الدالة. ويقف عند الشرفة التي تتكرس موقعا للتلصص المثير للعواطف والشهوات، وللعجز عن الفعل معا. وقد تركت أطراسها في الذاكرة علامتها التي أثقلتها بالإيحاءات والتناصات.

شعريّة الشّرفة في كتابات محمد الخالدي

لطـيّـف شـنهي

«وذلك أنّ الشّاعر المفلق أو الكاتب البليغ هو الذي إذا أخذ معنى واحدا تصرّف فيه بوجوه التّصرّف، وأخرجه في ضروب الأساليب».

ضياء الدّين بن الأثير (المثل السّائر في أدب الكاتب والشّاعر)

يُعرَف عن محمد الخالدي([1]) تعدّد كتاباته، وهي لا تقتصر على الشّعر فقط، فهو مترجم وروائيّ وكاتب سيرة وناقد أدبيّ. أمرٌ واحدٌ يتسرّب من نصّ إلى آخر ويحضُر في هيئات متطابقة على طول الكتابات الممتدّة من بدايات سبعينات القرن العشرين إلى الوقت الحاضر، هو مشهد "الشّرفة". إنّها صورة فريدة وحالة شعريّة خاصّة وعملة نادرة في واقع الشّعر العربي الحديث، لكنّ دوافعَ حضور المشهد ودوران التّجربة الشّعريّة عليه في كثير من المواطن لا يفَسّران أو يؤَوَّلان من خلال مدوّنته الشّعريّة أو السّرديّة فحسب، بل إنّ في نصوصه الموازية علاماتٍ كثيرةً تُلهم القارئ تفاسير وشروح ممكنة لهذا المشهد وتجعل النّاظر فيه يطلّ على عوالم خفيّة لا تفصح عنها النّصوص الإبداعيّة. ويتطلّب فهم طغيان مشهد الشّرفة في كتاباته إعادة الرّبط بين صورِه الموحّدةِ ذاتِ المصادر المختلفة والبحث في خلفيّات نصّيّة أخرى من خارج المدوّنة، وقائمة في قراءات الكاتب. 

أ‌-                 الشّرفة، قطب رحى التّجربة الحسّيّة
يتّصل تناول هذا المكان بما يصطلح عليه في بعض الدّراسات بشعريّة النِّظرة([2])، حيث تتحوّل الموجودات إلى معطيات بصريّة تتعاضد فيها النّظرة مع الرّغبة لتنشئ العالم الشّعريّ، ويمكن أن تقابل النّظرة في الشّعر التّبئير focalisation في الرّواية لأنّهما من طبيعة متماثلة. وتقسّم الأمكنة في كتابات محمد الخالدي إلى صنفين كبيرين يتمثّلان في أمكنة مفتوحة وأمكنة مغلقة، غير أنّ مكانا واحدا ظلّ قائما في "الما بين"، وهو من أشدّ الأمكنة تواترا في كتاباته، وخاصة، في ديوان "سيّدة البيت العالي"، فضلا عن الرّواية التي حملت نفس العنوان. إنّها "الشّرفة" التي تحتلّ موقعا وسطا بين عالمين: أحدهما، مشترك وفضاء عام يطوف فيه العشّاق والهائمون على وجوههم والنّاس على مختلف مشاربهم، متاح للجميع، ويمكن أن يقفوا به، ويمرّوا فيه، واقع أمام الشّرفة المطلّة من "العلي"([3]). وآخر خاصّ حميميّ، تظهر منه ملامح قليلة تخفُقُ لها قلوب من في الخارج، صورة ما فيه، ضبابيّة وغير متاحة، وما ينعكس منها في الكتابة أطياف خيال وتهاويل رؤى.

إنّ الشّرفة باعتبارها عنصرا ثابتا ومقوّما متواترا في كتابات محمد الخالدي هو بمثابة الصورة النّمطيّة والقيمة العليا التي تحتلّ لها من الذّاكرة ركنا ركينا، وهي في عرف محلّلي الرّموز "شفّافة ومشرّعة إلاّ أنّها تمثّل عتمة وحاجزا أيضا، وهي مهرب وملجأ: هروب نحو الخارج أو نحو الدّاخل، هي فضاء تواصل أو سجن، وتَعرض علينا جدلا بين الخارج والدّاخل، وبين الشّاسع والذّاتيّ، وبين الحيّز المفتوح والحيّز المغلق. إنّها وجهة نظر تجاه العالم وتقاطع رؤى، ورؤية متجدّدة واستبصار"([4]). والنّاظر في ديوان "سيّدة البيت العالي"([5]) يلاحظ حضورها في مواقع مختلفة من نصوصه الشّعريّة، وهي كالموتيف الذي ينظّم النّسيج ويعجب ناظره. وتمثّل "الشّرفة"، أيضا، نوعا من الوفاء الشّعريّ الذي يعكس في عمقه الأثر النّفسيّ لتجربة معيشة تحوّلت في ظرف ما إلى وشم يصعب إزالته. ولم تنقض الصّورة من وجدانه على مرّ الأعوام، وصاحبته في مراحل حياته المختلفة؛ في غربتيه الشّرقيّة والغربيّة. وظلّت "الشّرفة" أثناء عودته معلّقة في روحه، متأرجحة بين جنبات كيانه، مشرّعة على صورة امرأة لا تزول ولا يفنى جمالها.

  لقد نشأت هذه الصّورة أوّل مرّة في قصيدة "العشّاق يحتفلون بأميرة"، ونُشرت في "جريدة الثّورة العراقيّة" سنة 1979([6])، ومنها المقطع التّالي:

"كُنَّا نَرْقُبُ شُرْفَتَهَا كُلَّ مَسَاءٍ:

سَتُطِلُّ "أَمِيرَةُ"، لَكِنَّ أَمِيرَةَ تُغْلِقُ

كُلَّ نَوَافِذِهَا. وَنَظَلُّ نُرَاقِبُ شُرْفَتَهَا

مِنْ خَلَلِ الضَّوْءِ، نُثَرْثِرُ: مَنْ يَدْرِي؟

قَدْ تَطْلَعُ بَعْدَ قَلِيلٍ... مَنْ يَدْرِي؟ ([7])"

يَتحوّل الانتظار تحت الشّرفة، من حالة ألم ممكنة مصاحبة لعمليّة انتظار طويلة وناتجة عنها، إلى مبعث متعة ومدعاة مسرّة. لم يحدث شيءٌ من الإرهاق أو الملل، فهو انتظار من نوع خاصّ، بعكس ما يؤدّي إليه عادة، قد أفضى إلى ظهور "استيهامات"، وأحلام يقظة، ووضعيّات متخيلة للجسد المستور بجدران الغرفة المطلّة من "العلي". وتضافرت "متعة الانتظار" مع متعة الحديث عن السّيّدة المحجوبة وراء الشّرفة في عملية تبادل رؤى لا تنتهي. لا تنصرف هذه المتعة التي تملأ أخيلتهم ورؤاهم إلى تحقيق أو استفراغ، بل تظلّ مجرّد رغبة معلّقة، وتتفاقم التّباريح كلّما اتّسعت حدقة المخيّلة، ويزيد سُعارها بظرفها اللّيليّ، وتترافد صور الأصدقاء المخبرة عن مناطق محظورة اُقْتنِصتْ بنِظرة إليها في غفلة منها. وعندما تنفتح "الشّرفة" على الأسرار الخفيّة، تَعْلق عيون العشّاق بها، وتعتريهم نوبات من الانجذاب والانخطاف، وتعرج أرواحهم إليها منصاعة مطيعة، يندفعون إليها بقلوبهم الواجفة دَنَفًا أو تَوَلُّهًا، مُسلمينَ إليها بقيّة حشاشة تشكو الصّبابة والهجر.

إنّ الانتظار يظلّ هُوَ هُوَ، رغم تغيّر أحوال المنتظِر. ويؤثّر الزّمان في الشّاعر، فَيَخِطُ الشّيب رأسه والحال لا يتبدّل. إنّه انتظار أبديّ لا ينقطع، وهو أقرب إلى طقوس التّعبّد التي يمارسها الزّهّاد والمتصوّفون وعبّاد الدّيانات الشّرقيّة. لا تأثير هناك على مُلِمّات النّفس وأحوال الباطن. ولا يعتري المحبَّ تعكّرٌ من طول الوقوف تحت "الشّرفة"، ولا تهزّ نوائب الشّكّ صفوَ وجدانه، ماثلا على تلك الحال، غير مهتمّ بما يمكن أن تُقابله به محبوبته من جفاء أو تكدير. هذا الانتظار الطّويل والمعاودة التي لا تَنِي عند مرفأ اليأس، يرحلان مع الأمنيات المتجدّدة والرّضاء عن النّفس رغم آلامها المبرحة. من هنا نفسّر تواصل المشهد في دواوين أخرى، ونسجّل في ديوان "من يدلّ الغريب؟" استمرار وقوف الشّاعر واسترسال انتظاره أمام "الشّرفة":

"ثَلاَثُونَ مَرَّتْ وَلَمَّا أَزَلْ

تَحْتَ شُرْفَتِهَا أَرْقُبُ طَلْعَتَهَا

شَابَ شَعْرِي وَلَمَّا أَزَلْ أَتَسَقَّطُ أَخْبَارَهَا

-                     هَلْ تَمُرُّ..؟ وَهَلْ...؟"([8])

لم يقتصر تأثير بزوغ أميرة على عشّاقها مِمَّنْ كان ينتظر فرصة إطلالها حتّى يملأ ناظريه من بهجة صورتها، بل تسرّب التّأثير إلى الإطار المكوّن للشّرفة، والكائنات النّاهضة من سباتها، والتي دبّت فيها الحياة من جديد، لتفتتح الاحتفال باللّقاء السّعيد. وينقل لنا الحوار بغتة الظّهور، والمفاجأة الحاصلة على من كان ينتظر إشرافها من عليائها على الشّارع.

تحافظ صورة الشّرفة على وظيفتها الأصليّة في الرّواية، وهي لا تختلف في جوهرها عن الصّورة المقدّمة في النّصوص الشّعريّة، رغم توفّر عناصرَ زِيدَت إليها بطرق مختلفة، وتقنيّات تحويل معيّنة.

"كان المعجبون يتظاهرون بالمرور بالشّارع العام أو يختبئون وراء أيّ جسم يصادفونه بحيث يستطيعون مراقبة الشّرفة وقد أضاءت فجأة. التحم "التِّيجَانِي البَيْ" بجذع شجرة وصوّب نظّاراته المقرّبة نحو "الهدف"، فلم يصدّق عينيه إذ شاهد، بالإضافة إلى معبودته، الصّالون بكلّ ما فيه من أثاث وتحف لكنّه ركّز أكثر ما ركّز، على السّيّدة الجالسة بكلّ هدوء، تتصفّح مجلّة حينا، وترنو إلى السّماء حينا آخر أو تطرق طويلا كمن يحاول استعادة صورة ما غابت في تلافيف الذّاكرة. إنّه يراها لأوّل مرّة عن قرب، وبوضوح كامل، وكأنّه أمامها وجها لوجه. فيتبيّن لون قميصها الشّفاف وشكل تسريحتها وتفاصيل جسدها الوافر."([9])

لم تعد للشّرفة وضعيّتها العادية، ووظيفتها الأصليّة المتمثّلة في نقل ما يوجد في الخارج إلى من يوجد خلفها، فالرّفقاء تارة يقفون تحتها متخفّيين، وطورا يتظاهرون باهتمامات أخرى. إنّهم يتلصّصون على ما يوجد خلفها من أشياء السّيدة أو السّيّدة في حدّ ذاتها. يتّجه النّظر، إذن، إلى الدّاخل، إلى الرّغبة والحاجة والنّقصان، إلى ما خفي خلف الحجب وراء العالم المعتاد والمسموح به والمنظور فيه بلا رقيب. وهو بخلاف النّظر في الخارج، وفي العالم المحيط البادي أمام السّيّدة في شرفتها يتحتّم على السّيّدة في ظرف ليليّ، والشّارع يتلفّع بالظّلام إلاّ من إنارة شِبه الذُّبالة، لا ترى ما يحيط بها، فتستغرق في طقوسها اللّيليّة: طواف في أرجاء الغرفة أو جلوس أو قراءة متخفّفة من ملابسها، فيتجلّى جسد الغواية دون أن يكون على دراية بما يحدث حوله، في حين تتربّص الجماعة باللّحظة، وتهيّئ لها الوسائل من مناظير مقرّبة وخطط قابلة للتّنفيذ لإيصالهم إلى بغيتهم. تتحوّل – وهي من شرفتها تطلّ على العابرين – من مشاهِد إلى مشاهَد، هي موضوع استيهاماتهم ورغباتهم الحرّى. تتحوّل الشّرفة إلى واصلة تؤدّي إلى عوالم خفيّة وأكوان مخصوصة.

ب‌-             الشّرفة والمرأة وعناصر الإطار
لا يتأسّس مشهد الشّرفة، مثلما ذكرنا سابقا، على إطار جامد ومحدّد، وإنّما يتفاعل مع ما يوجد حوله وما يوجد فيه من عناصر، ولو وقع إسقاطها من المشهد لما بَقي تأثيره الحاسم في الرّفع من قيمة الصّورة الحسّيّة للمرأة البادية في الشّرفة. ولقد أُحِيطت بصنوف من "الورد" و"أواني الزّهر" و"تلال النّسرين" و"اللّيلك" و"المزاهر" و"الخمائل"، ولم يكتف بهذه العناصر، بل صوّر "عطرها الفاغم" الذي يصل إلى أرواح معاميدها في الأبعاد، وصور قميص نومها. وتمثل هذه العناصر جزءا من مشهد المرأة المطلّة من الشّرفة وركنا ثابتا فيها حيث لا يذكر الشّاعر صورتها إلاّ ويذكر معها ألوان من الورد. أمّا المرأة المعشوقة، فلها في شرفتها صورة تختصّ بها عن بقيّة الصّور التي تكون لها في أطر أخرى، وقد أبانت متابعتها في نصوص الشّاعر المختلفة أنّها على هيئة واحدة تقريبا، فهي:

"فِي شُرْفَتِهَا بِثِيَابِ النَّوْمِ"([10])

أو

"... خَرَجَتْ مَحْلُولَةَ الشَّعْرِ إِلَى شُرْفَتِهَا

تَمِيسُ فِي قَمِيصِ نَوْمِهَا الشَّفِيفِ" ([11])

إنّها صورة على درجة كبيرة من الإيحاء، يتضاعف فيها الإحساس بمتعة مشاهدة هيئة المعشوقة وهي تتبدّى متلفّعة بقميص النّوم الذي يزيد الوضع أُوارًا، هو جزء من أنوثتها البادية، وهو قبل كلّ شيء وسيلة للإثارة أظهره الشّاعر ليلحّ على الجانب الحسّيّ من صورتها، خاصّة، وأنّه من العناصر التي تتزيّا بها المرأة فـ"ـتؤكّد أنثويّتها وتجعلها أكثر اشتهاء، فهو وسيلة إغراء بامتياز، وقميص النّوم مهما يكن شكله يجذب دائما الرّجال لأنّه لا يغطّي شيئا كثيرا، بالعكس، إنّه يكشف الجسد، ويضع بعده الحسّيّ في ميزان القيمة، وهو خفيفا ومريحا وُهِب أن يجعل المرأة مشتهاةً، وقلّة من الرّجال يَقدرون على مقاومة السّحر الخلاّب الذي ينبعث منه"([12]). إنّ الشّاعر لا يقدّم الجسد، ولا يستثير ما ينطوي من فتنة، بل يتوخّى صيغ التّلميح عن طريق وصف ما يحيط به من عناصر بسيطة، لكنّها مثيرة ومحرّكة للشّهوة، وليس "قميص النّوم" إلاّ علامة استدعاء جنسيّ، من علامات كثيرة، ذكرنا بعضها في ما سبق.

أمّا في ديوان "من يدلّ الغريب؟"، فحضورها في الـ"ـشّرفة" أكثر طغيانا من ديوان "سيّدة البيت العالي"، وتبدو أَزْيَد إغواء فـ:

"هِيَ فِي الشُّرْفَةِ الْمُزْدَهَاةِ تُطِلُّ

وَقَدْ نَضَتِ الثَّوْبَ إِلاَّ قَلِيلاَ"([13])

وهي على هذا الحال لا تتغيّر عوائدها:

"... أَوْ تُطِلُّ مِنْ الشُّرْفَةِ المُزْدَهَاةِ

كَمَنْ يَتَرَقَّبُ ضَيْفًا

وَقَدْ نَضَتِ الثَّوْبَ إِلاَّ قَلِيلاً كَعَادَتِهَا([14])"

وفي بعض الأحيان تتحوّل الصّورة من واقعيّتها المعلنة في نصّ القصيدة إلى حالة شبيهة بالأحلام تتداعى للشّاعر في غمرة انتشائه، وتبدو صورتها له وكأنّها في مرمى الأعيان:

"دَارَتِ الكَأْسُ وَتَدَاعَى النُّدَامَى رَأَيْتُ أَمِيرَةَ تَنْضُو مَلاَبِسَهَا"([15])

وقد تُفصح الصّورة على أكثر من ذلك، فتبدو في هيئة ما بين الحجب والتّعرّي، عندما تكون شبه عارية، بين لحظتين؛ ما قبل تحقّق المتعة كاملة بانكشافها، وبين احتجابها واختفائها خلف الثياب التي تمنع تجلّي جمالها، وإبداء تفاصيل جسمها، وبروز زينتها. وهذه المتعة غير الممنوحة لا تختلف عن الحال الأوّل؛ فالشّرفة لا تمنح العشّاق المتعة إلاّ بأقدار محدودة لا تزيد عن استراق النّظر واقتناص طيف الجسد في لحظة انعطاف أو لحظة التفاف قبل أن يختفيَ في الحجب. ويتضافر بروزها من الشّرفة مع عادات لا تنقضي، ومن أهمّها، رعاية إطار الشّرفة/ الصّورة ومكوّناته التي تزيد برعايتها صورة المرأة جمالا.

"اُنْظُرْ إِلَيْهَا كَيْفَ تَخْرُجُ شِبْهَ عَارِيَةٍ

تَرُشُّ أَوَانِيَ الوَرْدِ المُعَرَّشِ فَوْقَ شُرْفَتِهَا

فَيَلْتَفُّ المَسَاءُ بِهَا صَرِيعًا عِنْدَ شُرْفَتِهَا"([16])

ت‌-            القراءة: خلفية عميقة لظهور المشهد
تحفّز "الشّرفة" القوّة المتخيِّلة، فليس هنالك من شيء عميق وساحر وخصيب ومظلم، أكثر من شرفة محتفظة بأسرارها، لكنّ التّوقّعات تتغيّر حولها بحسب ما ينتظر منها؛ فهي تكون مخيفة ومرعبة وقبيحة أو فاتنة ومعجبة وملهمة. حضور "الشّرفة" في كتابات محمد الخالدي لا يمكن ردّه إلى "أثر من الواقع"، أو إلى تجربة نفسيّة عميقة، أو إلى طفولة ضائعة فقط، بل يمكن ردّه، فضلا عما سبق، إلى قراءات مخصوصة في الأدب الفرنسيّ. لم تكن الشّرفة مكانا واقعيّا فحسب، بل هي مكان نصّيّ آت من نصوص أخرى، فقد أشار محمد الخالدي في كثير من حواراته إلى إعجابه في سنين شبابه بالشّاعر الفرنسيّ شارل بودليرCharles Baudelaire. وقد تكون القراءات المبكّرة لنصوص "الشّرفة" (Le balcon) و"النّافذة" (La fenêtre)، من العوامل التي دعّمت الحضور الطّاغي للمشهد في تجربته الكتابيّة، خاصّة وأنّ الشّاعر الفرنسيّ حاله مثل حاله؛ يترصّد ملهمته الشّهيرة "جين ديفال Jeanne Duval".

ومن داخل النّصّيّة الموازية (Paratextualité)، يتضافر مستويان للدّلالة على عبور قراءات محمد الخالدي إلى نصّ "الشّرفة" ضمن "سيّدة البيت العالي"، وهو الذي يمثل أهمّ الإحالات على هذا العنصر المكانيّ ويعكس سلطته القويّة على وجدان الشّاعر. أمّا المستوى الأوّل، فهو الإشارة إلى الأثر (la trace) المتبقي من اطّلاعه على هذا الشّاعر، ففي حواراته يضعه في مرتبة سنيّة من بين قراءاته في الآداب الغربيّة، بل في بعض المواقع، لا يقدّم عليه أحدا([17]). هنالك الاقتباسات من كتاباته كثيرة، منها أنّه صدّر ديوانه "وطن الشّاعر"([18]) بقول لشارل بودلير: "الشّعر هو الطّفولة عثر عليها ثانية"، وليست هذه القراءة منغلقة على نفسها، لأنّها تنفتح على النّص الشّعريّ، فتتكوّن فيه نصّيّا في العنوان، وفي متن القصيدة، وهو حال "الشّرفة" التي لها علاقة مباشرة بالنّصّ الذي يحمل العنوان ذاته في ديوان "أزهار الشّر" Les fleurs de mal وهو من حيث المحتوى تغنّ بلحظات خاصة بجانب المحبوبة.

ولا يقتصر استدعاء الشّاعر الفرنسيّ الشّهير على نصوصه الشّعرية، مادام قد أفضى بافتتانه به داخل رواية "سيّدة البيت العاليّ"، فيذكره في مواضع مختلفة منها:

-                     مرّة، في إطار مقارنة بين "نوره" "سيّدة البيت العالي" و"فجره" الممرّضة التي عملت فترة محدودة في مستشفى الجهة، وفتنت بدورها الأهالي لما توفّر فيها من فتنة وإغواء. وقد استدعت المقارنة بينهما عرض نساء أخريات صرن مضرب الأمثال في التّقابل بين امرأة الإثارة وامرأة العشق. وجاء ذكر "بودلير" مع "إلياس أبي شبكة" باعتبارهما أثرين ممكنين للصّورة العميقة لبطلة الرّواية:

"ولأنه كان يتشبّه (البطل خالد الهاشمي) بشاعريْه المفضّلين، "بودلير" و"إلياس أبي شبكة"، فقد رأى في "فجره" رمزا للجسد المحترق في أتون الشّهوة، في مقابل "نوره" التي تمثّل السّموّ الرّوحيّ، تماما مثلما كانت "جان دوفال"، "فينوس السّمراء" رمزا للشّهوة المحمومة في مقابل "مدام ساباتيني"، "الملاك الحارس" بالنّسبة إلى شاعر "أزهار الشر". و"وردة"، رمز الخطيئة في مقابل "غلواء"، رمز الطّهارة بالنّسبة إلى صاحب "أفاعي الفردوس"([19]).

-                     ومرة أخرى، أثناء اضطلاع بطل الرّواية بتفسير معنى كلمة "داندي"([20]) التي ألحقها بابن عمه "سعيد الزاهي" حيث ينقل الرّاوي هذا الحدث:

"كان خالد يخبّئ "لابن العم"، في كلّ جلسة، مفاجأة من تلك المفاجآت التي يسرّ بها، فيثني عليه وعلى نبوغه. ولمّا كان مولعا ببودلير، فقد اقتنى كتاب "بودلير بقلمه" الذي أعاد قراءته أكثر من مرّة ليستعين به على فهم ما أغلق عليه من ديوانه "أزهار الشّر" .. وكان أكثر ما شدّ انتباهه في سيرته الصّاخبة هو غرامياته وتأنّقه. فقد كان بودلير "داندي"، وقد جهد خالد آنذاك في معرفة المعنى الحقيقيّ لهذه الكلمة، مستنجدا بالمعاجم. فلمّا وقف على معناها، ظلّ يبحث عن تجسيد لها، باعتبارها مذهبا وسلوكا في الحياة، إلى أن التقى "سعيد الزّاهي" في مشرب "الميس"، فرأى فيه تجسيدا للداندي كما يتصوّره"([21]).

ث‌-            ثوابت المشهد وتقنيات التّحويل:
هنالك ثوابت لا تتزعزع على مرّ الزّمن: القمر والشّرفة والورد والمرأة في هيئة نصف عارية أو شبه عارية وفي حركة معينة "تطلّ". ويمكن اعتبار عناصر هذه الصّورة نمطيّة في كتابات محمد الخالدي. وقد أفضى البحث في أشكال حضور المشهد في كتاباته إلى استبيان نظام الصّورة ورصد اتّجاهاته العميقة في النّصوص، يمكن اعتبار هذه الصّورة "نصّيّة ذاتية" (Autotextualité) تتوزّع اتّجاهاتها على تحوّلات أربعة:

1-              اتّجاه أوّل: وهو الغالب على بقية التّحولات، وتتجلّى فيه "صورة المرأة المطلّة من الشّرفة" في حيّز ديوان "سيّدة البيت العالي" وتتكرّر مفردات المشهد حرفيّا في كثير من النّصوص المكوّنة له.

2-              أمّا حركة التّحوّل الثّانية في هذا المشهد، فتتمثّل في انتقال الصّورة من ديوان "سيّدة البيت العالي" إلى ديوان "من يدلّ الغريب؟" مع الإبقاء على نفس مفردات الصّورة، وأضيفت إليها علامات تحيل على استمراريّة حدث الوقوف تحت الشّرفة، من قبيل: "لَمْ أَزَلْ/ تَحْتَ شُرْفَتِهَا أَتَرَقَّبُ طَلْعَتَهَا/(...) وَلَمَّا أَزَلْ أَتَسَقَّطُ أَخْبَارَهَا"([22]).

3-              وأمّا الحركة الثّالثة؛ فهي أخصّ من الحركتين الأوليين لأنّها تنشأ داخل القصيدة الواحدة ضمن ديوان "سيّدة البيت العالي" من ذلك نصّ "العشاق يحتفلون بأميرة"([23]).

4-              وآخر الاتّجاهات؛ إنّما هو ذو طبيعة تحويل مزدوجة؛ حيث يتحوّل المشهد بمكوّناته التي عرضناها، ويصاحب هذه العملية نصّا مصاحبا péritexte Un يتمثّل في عنوان متتطابق في نصّين متواجدين في مكانين مختلفين فـ"ـالعشّاق يحتفلون بأميرة" كائن في ديوانيْ "سيّدة البيت العالي" و"من يدلّ الغريب؟". وقد اختصّ هذا الاتّجاه في النّصّيّة الذّاتيّة عن الاتّجاهات المذكورة آنفا في التّحويل المزدوج لنصّ العنوان ومفردات نصّ المشهد.

تتكوّن اتّجاهات النّصّيّة الذّاتية آنفة الذّكر في النّصوص الشّعريّة، حيث يتحرّك مشهد "المرأة المطلّة من شرفتها" بصفة حرّة داخل المدونة، ولم يقم الشّاعر بالحدّ من وجوده أو بحذفه من نصوصه اللاحقة الأخرى. وظلّ المشهد حاضرا في كتابته السّرديّة أيضا، وخاصّة في رواية "سيّدة البيت العالي" التي حملت نفس عنوان الدّيوان الشّعريّ. والنّاظر في كتابات محمد الخالدي الموازية ومنها حواراته ومقدّمات كتبه، يلفي هذا التّطلع إلى كتابة نصّ سرديّ يعيد فيه كتابة بعض مضامين شعره. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ نشأة فكرة تحويل ديوان "سيّدة البيت العالي" إلى رواية ذات مضمون متطابق، دلّت عليها إشارات متعدّدة؛ منها الإشارة التي توجد في "المصاحب النّصّيّ" حيث يقول:

"قد سبق لي أن أشرت في أكثر من مقابلة وأكثر من مناسبة بأنّ مجموعتي "سيّدة البيت العالي" الصّادرة عام 1999 (وبعض قصائد "من يدلّ الغريب؟") هي رواية تشظّت إلى قصائد، وأنّني أنوي كتابتها روائيّا في يوم من الأيّام. وها أنا أفعل. ومن هنا إضافة عبارة "رواية" إلى العنوان تمييزا لها عن المجموعة الشّعريّة"([24]).

وهذه الإشارة تبيّن خطّة الكاتب وتمشّيه، فهنالك نيّة مسبقة لتحويل المجموعة الشّعريّة إلى رواية، وبالتّالي، فإنّ كلّ ما يوجد من عناصر في الرّواية، إنّما هو تحويل لعناصر أخرى في المجموعة الشّعريّة بما فيها مشهد الشّرفة. والنّاظر في الرّواية يكتشف نشأته من جديد فيها منذ الصّفحات الأولى. فقد "توقّف الغريب قبالة المبنى، وهو يتأمّله، مستعيدا أجمل ذكريات شبابه المبكر، وصورة نورة وهي تطلّ مساء من شرفتها وقد نضت ثوبها إلا قليلا"([25]). ويرتبط هذا المشهد، بخلاف ذلك الموجود في المجموعة الشّعرية، بحدث العودة إلى الدّيار بعد غربة طويلة، لأنّ الصّورة التي قدّمت في ديوانيْ "سيّدة البيت العالي" و"من يدلّ الغريب؟" تمتح من الذّاكرة التي يسيطر عليها الإحساس بالغربة. أمّا في الرّواية فيتشكّل المشهد بطريقة مغايرة: فلئن حافظ على مكوّناته إطارا مرجعيّا لصورة المرأة المعشوقة، فإنّه يتّصل بعودة "خالد الهاشمي" إلى مسقط رأسه وإزماعه استعادة لحظات من حياته المشوّقة التي مضت بدون رجعة.

تنشئ الرّواية الصّورة بواسطة التّداعي الحرّ للأفكار والذّكريات والمواقف، لأنّ البطل لمّا يقف أمام "العلي" ويشاهد "الشّرفة"، تبدأ حينها الذّكريات في التّوارد على خاطره. وممّا يبدو في الرّواية أنّ الغريب كان يستعيد المشهد بحساسية مفرطة نمت من جرّاء البعد عن المكان، وتفاقم جذوة الحنين إلى مراتع الصّبا. فأصدقاؤه، ومنهم "عبد الكريم" الذي رافقه في بداية الأحداث لإعادة اكتشاف المدينة، لم يعِنَّ له الانتباه إلى "العلي"، أو تذكير البطل به، بل سارع "خالد الهاشمي" إلى جرّ صديقه إلى مشاركته هذه الذّكريات. إلاّ أنّه، مثلما يذكر الرّاوي، "كان واضحا أنّ "عبد الكريم" يتحاشى الحديث عن تلك المرحلة من عمره التي يبدو أنّه ألغاها من ذاكرته"([26]). إنّ الوظيفة التي تنهض بها الشّخصيّة في هذه المرحلة لا تقوم على استعادة الذّكرى من ذاكرته الخاصّة، بل أكثر من ذلك، إنّه يستجديها من لَدُن رفاقه الذين قَضَوا معه جزءا من هذه المرحلة، أو شاركوه بعض وقائعها.

وفي مكان آخر من الرّواية، يتمّ توضيح صورة "الشّرفة" بإضافة عناصر جديدة؛ من ذلك ما تتّصل بالموقع الذي تطلّ عليه، فقد "كانت الشّرفة تطلّ على ساحة براح يشقّها الطّريق العام الذي يشطر المحطّة والمدينة نصفين غير متوازيين"([27]). واقتضت بعض الأحداث المتعلّقة بسيّدة البيت العالي، من قبيل سعي رفقاء خالد الهاشمي إلى استكشاف عالمها المخبوء خلف شرفتها والاقتراب منه باستعمال المناظير المقربة، أن تضاف عناصر أخرى من "أشجار" و"أعمدة كهربائية" و"الحانة القريبة من العلي"([28]). وتنحو الإضافات في الرّواية أحيانا منحيين خارجيّا وداخليّا: لا تأتي على لسان البطل "خالد الهاشمي" هذه المرّة، حيث يتمّ تدقيق موقعها من خلال حديث "العربي الرّتيمي" الذي اُنيطت به مهمّة مراقبة "سيّدة البيت العالي"، فإذا تحرّكت أخبر الجماعة بذلك حتى يقتنصوا فرصة الاستمتاع بجمالها عن قرب يقول:
"كنت أرابط بالقرب من المدرسة، أروح وأجيء في الطّريق العامّ، قبالة "العلي"، أو أجوس أحيانا في الأنهج القريبة، كأنْ أتوقّف أمام مغازة "إسماعيل الصّامت"، أو أمام دكّان "الحاج النّاصر"([29]).

ثمّ يتعمّد، من ناحية أخرى، اعتراض "المكّي" لمرافقته إلى داخل العلي، وهو يساعده على حمل بضائع "السّيدة" إلى الدّاخل، وهنا يتجلّى له ما ظلّ مخفيّا وراء الشّرفة من عناصر متّصلة بالمكان:

"كانت "أمّ الخير" لمّا تزل في المطبخ لترتيب المؤونة ووضعها في الأماكن الخاصّة بها. فلم يكن من نورة إلاّ أن خرجت من الصّالون لتغلق الباب ورائي. كنت أتأمّل بعض لوحاتها المعلّقة على الجدران ... ألقيت، وأنا أتوجّه نحو الباب، نظرة إلى الدّاخل، فلمحت في الغرفة المحاذية للصالون سريرها وخزانتها بمرآتها التي تحتلّ الباب الأوسط من أبوابها الثّلاثة"([30]). ويبدو أنّ العالم القابع وراء "الشّرفة" عالم غيرُ ممنوح بسهوله حتّى يتمّ تقديمه بيسر؛ ففي الرّواية كلّها لم يذكر من عوالمها الدّاخلية إلاّ ما منحنا إيّاه المشهد السّابق، في حين تستفرد في الدّيوان بنصّ قائم الذّات هو "غرفتها"([31])، غير أنّ طوله الذي يمسح ثلاث صفحات من الدّيوان لا يقدّم من عناصرها إلاّ ما ذكر، وتتعاضد المكوّنات المقدّمة فيه لترسيخ القيمة الجمالية لسيّدة البيت العالي وتثبيت رقيّها الاجتماعيّ.

لابد من الإشارة إلى قيمة "الشّرفة" المزدوجة في كتابات محمد الخالدي، فهي إطار الذّكرى وباعثها من غياهب النّسيان. وقد استعملت لتكون أحد "مراكز التّثبيت (Fixation) لاستدعاء ذكريات متبقّية من الذّاكرة"([32]) وُظّفت، أيضا، لتكون موطن استثارة استيهامات جنسيّة.  وما يثير في صورة "الشّرفة" في شعر محمد الخالدي، أنّها، على ندرة عناصرها المكوّنة لها، تلحّ عليه بكلّ تلك الضّراوة حتّى تتحوّل، أحيانا، إلى باعث يأس وقاتل أمل في متابعة "الشّرفة" في سُجف الذّاكرة، وفي زمن تجاوز الثّلاثين عاما. لم تكن متعة، إذن، إنّها حنين إلى "الفردوس المفقود"، وهي لها بهذه الصّورة النّمطيّة في الفكر الإنسانيّ ككلّ أمشاج وعلائق.

خاتمة
لا تحضر "الشّرفة" في كتابات محمد الخالدي عرضًا أو حالة مؤقّتة تظهر لتزول بسرعة، وإنّما هي من جواهر تجربته، بحيث تمثّل بؤرة تجتمع حولها مجموعة من نصوصه. ولئن انفتحت على عوالم العواطف والمشاعر، فإنّها تحيل، كذلك، على الذّاكرة المتورّمة بصور الماضي، سواء أ كانت تجربة معيشة أم ثقافةً وقراءاتٍ وخبرةً بالنّصوص الواقعة في لغات أخرى.

 ومثّلت "الشّرفة" عالما أصغر داخل محيط الكتابة الممتدّ، عالما يجسّم تواصل التّجربة التي تخترق الأجناس الأدبية المتباينة. هي، إذن، علامة من علامات أخرى، تدلّ على أنّ الكاتب بصدد إنشاء مشروع كتابة متجانس، وإن تعدّدت أشكاله.



[1] - محمد الخالدي، شاعر تونسي من مواليد المتلويّ بالجنوب التونسي.

[2]- Maurice Edmond , La femme au fenêtre : L'univers symbolique d'Anne Hébert dans les Chambres de bois, Kamouraska et les Enfants du sabbat, PUL, Canada, 1984, p263.

 وللتوسع ينظر كذلك في: Pierre Ouellet, Poétique de regard : Littérature, perception, identité, éd. Septentrion, Québec,2000.

[3] - مكان واقعي موجود في مدينة المتلوي يتمثّل في بناية من مخلفات الاستعمار الفرنسي كانت تجمع النّازحين والمهاجرين.

[4] - Maurice Edmond , La femme au fenêtre : L'univers symbolique d'Anne Hébert dans les Chambres de bois, Kamouraska et les Enfants du sabbat, p19.

[5] - سيّدة البيت العالي، الشّركة التّونسيّة للنشر وتنمية الفنون، تونس، 2001.

[6] - يمكن العودة إلى الإحالات التي ضمّنها الشّاعر ديوان "سيّدة البيت العالي"، ويشير فيها إلى المناشر التي ظهرت فيها نصوص الدّيوان أوّل مرّة، ص 86.

[7] - سيّدة البيت العالي ص21.

[8] - من يدلّ الغريب؟ مطبعة فنّ الطّباعة، تونس،2005. ص 97.

[9] - سيّدة البيت العالي، ص14.

[10] - سيّدة البيت العالي، ص16.

[11] - م ن ص64.

[12] - Nuisettes ; www.lovesexandfun.com

[13] - من يدل الغريب؟ ص11.

[14] - م ن ص21.

[15] - م ن ص56.

[16] - م ن ص105.

[17] - "قرأت ككلّ أترابي لأبي القاسم الشّابي وجبران وبقيّة أدباء المهجر. لكنّني اكتشفت في الوقت نفسه المدرسة اللّبنانيّة، فقرأت في سنّ مبكّرة، لإلياس أبي شبكة والأخطل الصّغير، وأمين نخلة وفؤاد سليمان ويوسف غصّوب من الشّعراء... وقرأت لكرم ملحم كرم من الكتاب ... وهؤلاء هم الذين أروني حبّ اللّغة. وقد تزامن اطّلاعي على آثارهم مع اطّلاعي على أعمال بودلير والرّمزيّين الفرنسيّين". ماجد السّامرائي، حوار مع محمد الخالدي، الشّاعر التّونسيّ محمد الخالدي: اللّغة وطن يسمح لي بالإقامة فيه. مجلّة عمان ع 57 ص 78.

وقد نقل هذا الاهتمام ببودلير إلى رواية "سيّدة البيت العالي"، من ذلك أنّه جرى حديث عن ولع خالد الهاشمي به، ويقدّم الرّاوي ذلك حين يقول: "... ولمّا كان مولعا ببودلير، فقد اقتنى كتاب "بودلير بقلمه" الذي أعاد قراءته أكثر من مرّة ليستعين به على  فهم ما أغلق عليه من ديوانه "أزهار الشّرّ".. وكان أكثر ما شدّ انتباهه في سيرته الصّاخبة غرامياته وتأنّقه". سيّدة البيت العالي ص123.

ويشير في موضع آخر إلى افتتانه بأجواء المدينة سواء مدن الغربة أو مدينة المتلوّي مسقط رأسه أو مدينة تونس العتيقة التي ظلّ سنينا متواجدا بها خاصّة في مكتبتها الوطنيّة. وينبّه إلى ولع بودلير بمدينة "باريس" في ديوانه Le spleen de Paris في الحوار الذي أجراه مع كمال الرّياحي(عمان ع 109 ص11.). ولا بدّ هنا من الإشارة إلى نصّ النافذة La fenêtre الذي كان له تأثير النّصّ السّابق في كتابة الخالدي حيث تحضر النّوافذ بصفة كبيرة مقترنة بصورة المرأة ومؤطّرة لجمالها ومبدية لفتنتها.

[18] - مطبعة فنّ الطّباعة، تونس، 2003.

[19] - سيّدة البيت العالي، ص 113.

[20] - dandy، وتعني المتأنّق، وهو اتجاه في الموضة Dandysme  برز في انقلترا في نهايات القرن 18.

[21] - من ص 123.

[22] - من يدلّ الغريب؟ ص97.

[23] - سيّدة البيت العالي، ص 09.

[24] - سيّدة البيت العالي، ص05.

[25] - م ن ص09.

[26] - م ن ص 10.

[27] - م ن ص 14.

[28] - م ن ص 17.

[29] - م ن ص 38.

[30] - م ن ص39.

[31] - ديوان سيّدة البيت العالي ص55.

[32] - Gaston Bachelard. La poétique de l'espace. PUF. Paris, 1989. p. 44.