تكشف الباحثة السودانية المرموقة في هذا القسم الأول من دراسة عن الوجه القبيح للثورة المضادة، وكيف أنها تحولت إلى صناعة قذرة تستهدف استمرار عمليات نهب مصادر الثروة في العالم لحساب الرأسمالية المالية، وقمع الثورات وتشويه بوصلة حركتها نحو التقدم من خلال إغراقها في دوامات العنف المجاني البشع.

صناعة الثورة المضادة بالغدر والخديعة

تتخفي الثورات المضادة دائما وراء كلمات القة ووعود لا يوفي بها

خديجة صفوت


 

)مهداة الى الامير تشارلز ولي عهد بريطانيا - سيجد الامير من يترجمها له مؤكدا ولا مانع من ان اساعد في الترجمة كون بعض مفرداتي قد تكون غير مألوفة(

مقدمة
يخيل الى ان الرأسمالية المالية-الصهيونية العالمية تثابر على ايصالنا للحظة التى يبدو لنا معها ان الطغاة الذين مروا علينا افضل من الطغاة الآتون على غرار الجن الذي تعرفه افضل من الجن الذى لا تعرفه كما نقول عندنا في السودان. او كما يقول الخواجات The Devil you know is better than the devil you do not know. وفيما يلي احاول التعين على استدعاء قاموس الخراب والدمار والدماء والابادة الجماعية واستخدام اسلحة الدمار الشامل ضد المدنيين العزل وتسوية مجتمعات الاف السنين الحضارية بالأرض وتشويه ومحو كل ما يدل على تاريخها ومعتقداتها(1) وتراثها والاستحواذ على ثرواتها وتسميم تربتها ومياهها واصابة اجنتها واطفالها بالتشوه في الارحام ونسائها ورجالها بالإعاقة تحت راية الحرية والديمقراطية. فقد غدى واردا ومناسبا ان تدمر دول لا يزيد عمرها على بضعة مئات السنين مجتمعات يزيد عمرها على مئات الاف السنين بموجب الفصل السابع. وتتلفع تلك المشاريع المشبوهة بعباءة كذبة كبرى او-و الميثوجيا(2) باسم العون الغذائي تحت ألوية التحرير والديمقراطية.

تمهيد: الاعداد للثورة المضادة
فيما يلي وصفة نموذجية يلاحظها الناس في كل مكان بلا كثير من امعان النظر الا ما خلا النظر المغرض الذي لا يرى سوى ما ينعكس على عين دربت على التخاتل او روح طوعت بالغرض. يبدأ الامر عموما بتجويع الشعب طويلا حتى تصل الأغلبيات العددية الى ما يشارف مرحلة الجمع والالتقاط، فلا يترك له سوى الخروج على الديكتاتور الذى يكون بدوره قد انتهت صلاحيته. وما ان يوشك السخط الشعبي الذى كان قد احتقن طويلا أن يبلغ درجة التفجر  حتى تتطير الرأسمالية المالية خشية ان يفاجئها اندلاع السخط الشعبي، فتسارع الى استباق السخط الشعبي الذى تخشاه الرأسمالية دوما. وحيث تتعين الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية على احتواء الثورة الا انها تحتفل بالانتفاضات بوصفها ربيع عربي او ربيع براغ او ثورات مخميلة وملونة.

فان خرجت شعوب جوعها وروعها طاغية بمعرفة وتمويل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي واسترخصت محاصيلها التي ما عادت تجرؤ هي على استهلاكها، وقد كرست للتصدير في الاسواق الحرة، بشروط منظمة التجارة العالمية، ولم يبق لها سوى العون الغذائي المشبوه. وتعينت الديون السيادية والفردية على استعبادها في علاقات عمل عبودية وبطالة وقد رفع التكيف الهيكلي والديون الهيكلية، ومنذ سبعينات القرن العشرين، الدعم عن الخدمات والسلع العامة التموينية تجد الشعوب نفسها في عراء فكري وتنظيمي.

ذلك ان التجويع والترويع يسلبان الشعب كل فضاء للتفكير والتنظيم، سوى الخروج في غضب عارم. وقياسا فانه عندما يخرج الشعب غاضبا فانه يكون غالبا قمينا بان يفتقد مفهوما معرفا واضحا لأهداف ما يثور من اجله، الا ما خلا الكرامة والخبز. في حين ان اعداء الشعب المحليين والخارجيين منظمين محصنين مسلحين بالفكر والتنظيم. والاهم هو ان يخرج الشعب بلا زعيم، ومع ذلك تفرز الثورة زعمائها من قلب الاعتمال الشعبي، الا ان الثورة المضادة ما تنفك تنقض على الشعب تعتقل زعاماته بقوات الامن القديمة.

وتواجه الانتفاضة بعنف سلطات الامن القديمة فيقتل قادة الانتفاضة، وتقتلع عيونهم، وينكل بهم، ويعصف بالنساء بطائلة الجرؤ على "ما لا طاقة لهن به"، فتنعت الثورة بما يحيق بالمرأة اذن. حيث غالبا ما يروع الشعب بثورة دموية عنيفة مضادة غايتها دفع الشعب الى طلب السلامة مكان الديمقراطية- البرلمانية الحقة، وليس الديمقراطية ما بعد الليبرالية- والاستقرار مكان حرية التعبير والحرية الفردية والخبز مكان الحرية (ألم يخير سيدنا يوسف المصريين بين الخبز والحرية؟) بعد ان يكون معظم الشعب قد شارف التوبة بالندم على الانتفاضة، او على نشدان التحرير والدمقرطة مثلما في العراق وليبيا. وما قد يحدث في اوكرانيا- للمرة الثانية فقد حاولت الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية تحوير Caused it to mutate اوكرانيا ببقايا تشويهها بالثورة البرتقالية The Orange Revolution-وكما كان قد حدث في شيلي من قبل وفي السالفادور.

وبذلك لا تقيض للثورة ان تنشأ بالمجتمع صاعدا الى مرحلة أعلى مما كان عليه قبل الازمة (لاحظ(ي) ان الثورة او الانتفاضة ما تنفك تسمى الازمة. ذلك ان الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية لديهما حساسية من بعض المفردات مرة. لاحظي ان مفردة الثورة سرعان ما استبدلت بالحراك الاجتماعي فالثورة كلمة قذرة في قاموس الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية) ومرة اخرى ما تلبث الثورات الشعبية أن تخلق ازمة للرأسمالية المالية الصهيونية العالمية جراء انفلات أمر بعض الجماعات المتطرفة بمغبة تجاوز المرتزقة الجهاديين حدود الدور الذي رسم لهم كما في سوريا وربما في اوكرانيا تباعا). بل قد لا تعيد الثورة النظام الى ما كان عليه قبل الازمة على غرار الثورات الشرقوية وانما تنكص بالمجتمع الى ما هو أدنى مما كان عليه قبل الازمة. هذا ان بقي من المجتمع ما يدل عليه.

فقد تتعين الثورة المضادة على تمزيق وتجزئة المجتمع وضرب نسيجه وتدميره ومساواته بالأرض مثلما فعلت الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية في يوغسلافيا وليبيا وتحاول في سوريا وربما مصر، ان لم ترعوى مصر فلا تذعن لشرطيات المراكمة الرأسمالية المالية. فما هي مكونات السيناريو الذي يقيض للرأسمالية المالية الصهيونية العالمية الوصول الى غياتها تلك؟

رغم ان السيناريو لا يعاد انتاجه عادة حيث يفتضح اي سيناريو يوظف مرة، الا ان الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية لا تكترث بإعادة انتاج نفس المكونات في كل مرة بلا مواربة، ولا حتى خشية من ان يؤلف انكشاف المخطط خطرا على المخطط. ذلك ان الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية باتت- بعد الازمة المالية منذ 2007-2008 وتباعا-تلك التي راكمت الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية بها رساميل غير مسبوقة، باتت الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية من السطوة ومن القوة وصولا الى ما قد يشارف المنعة ازاء خصومها. أو هكذا يخيل اليها- وقد نجحت في سن قوانين لصالحها يتواطأ حلفاؤها على عهد المحافظين والعمال والديمقراطيين والجمهوريين ونظائرهم في كل مكان على مر السنين وتباعا- باتت الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية تتصور وكانه لم يعد ممكنا الاقتراب منها.

ومرة لان الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية باتت توقن ان احدا لن يجرؤ على مقاومتها، ومرة لأنها غدت تؤمن بان من تتعامل معهم هم اقوام غبية في افضل الشروط، بدليل فقر تلك الاقوام وعوزها. فقد جعلت الرأسمالية الصهيونية العالمية الذكاء دليلا على النجاح والثروة. ففقر وفشل تلك الكائنات يؤكد انحطاطها، و أنها هبطت من فوق الاشجار لتوها مغيبة جراء التطرف الذى غذته الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية بمال حلفاء مطوعين او-و ان خصومها هم من العجز بحيث لا يملكون ازائها فعلا يذكر او ينسى الا بإذنها هي وبتدبيرها وتخطيطها الذي ما تنفك تثابر على تكريسه في مواجهة الشعوب في كل مكان.

فان باتت الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية تدرك ان الشعوب اخر من تخشاه فان الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية تأخذ تباعا في مصادرة كل وسيلة تقيض للشعوب التنظيم والتواصل وحتى التفكير بمغبة التشويش والتعميش ومصادرة الحقيقة. ذلك ان الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية كانت قد حاولت على مر السنين كسر ظهر حركات التحرر واخماد المقاومة. وما تبرح تفعل مع سوريا وحزب الله وايران وتثابر مع روسيا والصين بطائلة صراع الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية، والرأسمالية الصناعية في كل مكان. وما يتراءى من التجارب الاشتراكية في بعضها. والى ذلك فقد ابتاعت الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية ذمم وشرف معظم من قاومها او-و صادرت وجودهم فلا يسمع لهم صوتا او-واغتالتهم هكذا علنا، مما جعلها تعتقد في صلابتها اللامتناهية بلا حدود.

التنفيذ: توليفة من المرتزقة والجهاديين لا ولاء لهم الا لمن يدفع:
عليك بعد ان يندلع السخط الشعبي الذي قد تكون الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية قد اشعلته بشروطها او-و يكون قد اندلع سلميا وتلقائيا متجاوزا الاطر الحزبية والمطلبية وغيرها من التنظيمات الاهلية-عليك من اجل تحقيق الثورة المضادة استدعاء قناصة وموضعتهم فوق الاسطح في المدن، وحول الشوارع التي يمر بها الشعب المنتفض سلميا، مثلما حدث في درعا. وكان قد حدث في غيرها مما اذكره تباعا، وعليك اكتراء مرتزقة جهاديين محليين واقليمين ودوليين متخصصين وذلك للأعمال العنيفة والقذرة خاصة تلك التي لا تمت لقيم ومثل المجتمع مثل فقع العيون والاغتصاب وقتل وتجنيد الاطفال والشباب بالإكراه بمغبة الافقار العنيف الذي ألمّ بمعظم الناس والتمثيل بالجثث واكل الكلي والقلوب.

واذا لم يكن لك ان تكتري مرتزتقة اقليميين وعابرين للحدود، فعليك بأبناء القبائل والعشائر التي تعيش بعيدا عن العواصم والضعيفة وتلك التي تضمر للحضريين ضغائن اجتماعية واثنية تاريخية قديمة، خلقها الغزاة والحكام من بعدهم على طريقة فرق تسد، ويكون ذلك بتوفير المال واغراق المجتمع بسلاح من كل نوع، تبدع الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية في نشره في كل مكان. فالسلاح يمنح المستلبين والمغربين والمؤلينين alienated قوة، ويقيض لهم توكيد وجودهم بقوة. هذا والمراكمة الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية تتمأسس فوق صناعة وبيع السلاح خصما على الانتاج السلعي.

وعليك شراء من لا يفرق بوعي او بلا وعي بين الوطن والطاغية ولا يكترث لتدمير الوطن ومساواته بالأرض فإعادته الى العصر الحجري باسم الحرية والديمقراطية. وكذا عليك شراء متثاقفين وادعياء الفكر لزوم التعين على الاعلام المغرض، او الاحرى الاعلام المضاد Misinformation فاكثر من نصف الثورة المضادة يتمأسس فوق الاعلام بهذا الوصف وقد باتت الحرب حربا اعلامية او تجهيلية تشويشية تغييبيه كما يلاحظ الناس في كل مكان. فنجاح مخططات الثورة المضادة يصدر عن التعميش والتشويش ونشر الوعي الزائف False consciousness  خصما على الوعي الحقيقي. وكذا عليك بالمراسلين والمصورين المرقدين Imbedded  ليلفقوا الافلام الوثائقية، وويدعموا الصورة والحقائق على الارض، بأساطير وسرديات افتراضية.

إن حاصل جمع كل ذلك واكثر مما اتعرض له فيما يلي دفع خصومنا للاحتفال بالربيع العربي، كما بالثورات المخملية والملونة. ففد راح عرابو الثورة المضادة امثال فرانسيس فوكوياما يجأرون باكرا الاربعاء 24 فبراير 2011 بغبطة طافحة –من فوق شاشة البي بي سي 2 وقد تماهى معه سايمون شارما Simon Sharma- احد كبار المؤرخين البريطانين-بان "احدا لم يكن يتصور انه سيعيش ليرى ثورة في اي مكان". ولا يتردد المحافظون الجدد-حسب بعض المحللين الغربيين-في التصريح بانهم وراء دفع العرب للثورة على الطغاة. ماذا حدث؟ لماذا احتفل الغرب بالثورات العربية؟ والى ذلك ثمة سؤال ينبغي تأمله جيدا والتفكير في دواعيه وتداعياته الفكرية والتنظيمية وهو لماذا ما ينفك بعض غواريو الثورة المضادة- ممن كتبت فيهم مليا وممن لا يتردد في تهديد خصومهم الشرفاء بالقتل-يتماهى غواريو الثورة المضادة مع تحليلات الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية حول مستقبل الثورة ومستقبلنا؟ أليست الرأسمالية المالية العالمية الصهيونية العالمية هي التي ثابرت على تدريب وارسال قوات مكافحة الشغب وقوات حماية الامن الدولي- وقوات الانتشار السريع وغيرها من تنويعات قوى القمع الرهيب، وما تنفك حتى الجمعة 23 مايو 2014 تنادي بتطبيق الفصل السابع من وثيقة الامم المتحدة - الذي يبيح لكل كان اجتياح اي مجتمع لا تستحبه الصهيونية العالمية، بذريعة خرق القصل السابع-على سوريا واحالتها الى المحكمة الجنائية الدولية؟

وصفات الخراب الرأسمالي المالي الصهيوني العالمي:
عندما جأر فرانسيس فوكوياما بداية الالفية الثالثة باستباق نهاية التاريخ والايديولوجية اعتقد كثيرون انه يعلن نهاية تاريخ الاشتراكية لحساب الرأسمالية المالية. إلا أنني أجادل، وكنت قد جادلت، انه كان يهفو الى نهاية تاريخ الرأسمالية الصناعية، لحساب الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية. وكنت قد جادلت ان الحروب الدائرة حروب بين الرأسمالية المالية والرأسمالية الصناعية لحساب الصهيوينة العالمية. وانه ما ان نجحت الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية في اشاعة التوتر على تخوم منطقة البلقان التي كانت وبقيت دائما مسرحا للصراع بين اسلوب حياة the western way of life-  بمعنى انفاق وتبذير الغرب للموارد خصما على اصحابها- ومسيحية الغرب ونظيراتها الشرقية، فقد بات تفسيم يوغسلافيا منذ 1980 حتى 1990على قاعدة الحدود الاثنية قضية مقطوع بها. وما ان تجزأت يوغسلافيا خصما على الاقتصاد المخطط والقوى الاشتراكية والشيوعية لم تنفك الرأسمالية المالية ان راحت تطبق التجربة تباعا على المنظومة الاشتراكية بغاية تقسيمها فإلحاقها بشرط المراكمة الرأسمالية المالية.

ويمكن عقد قياس بين توازي ما حدث في يوغسلافيا والمنظومة الاشتراكية من ناحية، وتوازي ما يسمى الربيع العربي، وبخاصة ما يحيق بليبيا وسوريا، وما يلاحظه الناس في منطقة البلقان والقرم كأوكرانيا الى غيرها من الجمهوريات الاشتراكية السابقة، كبولندا وليتوانيا ورومانيا ولاتفيا واستونيا تباعا فيما اعرفه بإعادة انتاج الثورات المخملية، ولم تنجح الاولي تماما في تكريس شرط المراكمة المالية، والاذعان لشرطيات صندوق النقد الدولي، وللبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية وصولا الى الانخراط في عضوية حلف الناتو الخ. ويلاحظ الناس في كل مكان كيف ان تداعيات واعتمالات السيناريو أعلاه مشابهة بصورة تكاد تكون احيانا متطابقة كما يلي:

- يبدأ السيناريو باستباق الثورات الشعبية التاريخية وتكون الشروط الموضوعية والذاتية قد نضجت لاندلاعها، يبدأ السيناريو بإشاعة العنف في حركات مسلحة، يتعين في البدء على نشر قناصة من فوق الاسطح(3) ثم سرعان ما تظهر جماعات متطرفة – جهادية – فاشية- لتتولى زعامة الثورات السلمية، وتحولها الى ثورات مسلحة، تتحور معها الثورات السلمية الى ثورات مضادة، خصما على الغايات المعلنة "للحراك الشعبي" في كل مكان.(4) فقد اوجدت الرأسمالية المالية-الصهيونية العالمية القاعدة ومولتها وشجعتها(5). ثم اوجدت الجماعات التي نشطت في العراق بالمال السياسي، لخلق شرط الحرب الاهلية. الا ان الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية لم تنجح باجتياح العراق في 2003 حتى الان في تقسيم العراق بعد. فقد بقى الشعب العراقي امينا على وحدة الوطن وتثابر الرأسماية المالية على الحض على الحرب الاهلية. بل وتشير الى ما يحدث في العراق وسوريا وكذا في اوكرانيا بالحرب الاهلية، حتى يتعين افتعال التدخل. وقد شجع ذلك على انتشار العنف بصورة غير انتقائية حتى لم تعد نشرات اخبار العراق مثلا تزيد على نشرة اخبار القتل الجماعي للشعب العراقي في كل المدن بلا انتقاء. ولم تلبث الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية ان اوجدت تنويعة من المرتزقة اطلق عليها صفة "الفاشيون الجدد The Neo Fascists"  في اوروبا الشرقية لاحتلال مكان جبهة النصرة وداعش والقاعدة وغيرها كما في سوريا والعراق. ولا اشك في ان امثال بوكو حرام يتمتعون بسيرة مشابه. من يمول ويشجع بكو حرام؟ ومن المستفيد من نشاط بوكو حرام؟

ثورات مضادة تقودها الدول:
ما ان بدأت نيجريا في النشوء نحو مجتمع يتميز بمعدلات تثير تطير الرأسمالية المالية من النمو والازدهار الاقتصادي، حتى سارعت امريكا واوروبا الى اعادة انتاج السيناريو العراقي والسوري بادعاء قضية الفتيات اللواتي اخطفتهن بوكو حرام في مارس أذار-2014 لتجعل كل من امريكا وبريطانيا واسرائيل وفرنسا من القضية ذريعة لانزال قوات في نيجيريا وارسال طائرات بلا قبطان وتدريب قوات الشرطة النيجيرية على البحث عن وانقاذ 300 فتاة نيجرية اخطفتهن جماعة بوكو حرام-و يعنى تدريب الشرطة النيجيرية، خلق شرط نشوء شرطة معادية للشعب، كما في كافة السيناريوهات الامريكية في افريقيا.

ولا يزيد او يقل ذلك عما فعلته فرنسا بمساعدة الغرب في جمهورية مالي لحماية الحكومة القائمة ضد الجماعات الاسلامية المتطرفة والانقسامين من الطوارق او الازواد والقاعدة تحت راية العون الانساني. ومن المفيد تذكر ان ثروات مالي الطبيعة التى تبلغ اكثر من 14 معدن ومصادر مائية ينبغي الا تترك للأفارقة فهي حلال على الفرنسيين وغيرهم. ومن المفيد ملاحظة ان ثروات مالي الطبيعة تشمل الذهب والفوسفات والكوبالت والملح البوكسيد واليورانيوم والجرانيت والطاقة المائية فيما يوجد الحديد والصفيح والمنجنيز والنحاس مما لم يستخرج بعد . gold، phosphates، kaolin، salt، limestone، uranium، gypsum، granite، hydropower and bauxite، iron ore، manganese، tin، and copper deposits are known but not exploited.وقياسا فان فؤاد امريكا الرحيم يدفعها لإرسال طائرات استطلاع الى تشاد للبحث عن هاتيك الفتيات فيما يروح 5 ملايين نسمة من سكان الكونغو كينشاسا، اي جمهورية الكونغو الديمقراطية في مذابح يومية وتغتصب وتباع وتشترى فتيات صغار ونساء صباح مساء. فهل نشهد بداية خراب افريقيا بصورة اكثر تنظيما على غرار ما ادير خراب العراق وليبا وسوربا واوكرانيا تباعا؟ هل بوكو حرام تنويع على داعش وجبهه النصرة والقاعدة؟

أوكرانيا وسوريا وتشيلي نماذجا ماثلة:
حيث ان سوريا وهي في خاطر الصحو والمنام في كل ذلك أزعم ان ما يحدث بسوريا والعراق يحيق بأوكرانيا وكان قد حاق ويحيق بلاتفيا وليتوانيا وقبلهن بتشيلي وغيرها. ففي كل من تلك الحالات كانت خطة الاستخبارات الاجنبية والمال السياسي عموما كما يلي بلا انتقاء:

 1-استهداف الرئيس ضرب مقر او نقابة العمال نشر حالة من الندرة في السلع الغذائية بتخزين تلك المواد خصما على المستهلكين ارسال الاستخبارات الامريكية –او-و قوات حلف الناتو زيادة على فرق المرتزقة مثل بلاك ووتر Black water -وكانت قد سميت  Xe Services في 2009 ثم سميت  Academyفي 2011-ونشر القناصة فوق الاسطح (6) اطلاق ابواق الاعلام العالمي المأجور بلا انتقاء يكرر سردية متكاذبة لا ترى الرأسمالية المالية فيها اي مدعاة للحرج. ومن المفيد تذكر ان اساليب الثورة المضادة كانت قد وظفت منذ الثورة البلشفية حتى اليوم بلا زيادة او نقصان يذكر. ولعل الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية قد باتت تعتقد ان الشعوب في كل مكان على درجة من الغباء بحيث يستحيل عليها فضح الاكاذيب المكتوبة والمرئية والمذاعة والمسموعة صباح مساء.

2-اسراع صندوق النقد الدولي الى تلك المجتمعات ما ان تسنح الفرصة لتوريطها فيما من شأنه ان يلقي بها سراعا في خندق سياسات التقشف Austerity ذلك ان ارتهان الشعوب بالديون السيادية والفردية بات ترياق لدى الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية لمواجهة السخط الشعبي المنظم ضد الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية. فغاية الاخيرة ومنتهى مسعاها هو القضاء على قدرة الشعوب على التفكير والتنظيم بإحلال شرط النكوص الى علاقات العمل العبودي بينها في افضل الشروط، مكان علاقات العمل الرأسمالي الصناعي، التي كانت قد وفرت شرط نشوء المنتجين بفضل نضوج تنظيماتهم المطلبية، ونضالهم على مر السنين، الى قوى مكافئة لقوى الرأسمالية حتى كادت الطبقة العاملة كما في ايطاليا ما بين الحربين العالميتين وكادت في فرنسا غب الجبهة الوطنية حتى اوشكت الطبقة العاملة تستولي على السلطة بعد ان عجزت الرأسمالية البرجوازية الصناعية عن اعادة انتاج المجتمع(7) وفق ما تسعي اليه الرأسمالية لحساب الاقليات الاوليجاركيات المالية وخصما على التراكمات العددية لمن لا وجوه لهم من المنتجين للفائض والكفاف.

3- بعد ان خلف الافراد والجماعات القبائل والعشائر وحتى العائلة الممتدة وخلف معظم او بعض الشباب الاسرة النووية الى رحاب الدولة التي وفرت الخدمات والسلع العامة ولو جزئيا وقد تمأسست فوق الاخيرة الحريات العامة وجيزا ايضا وفى المقياس المدرج من المجتمعات الغنية الى الفقيرة في ستينات وحتى نهاية سبعينات القرن العشرين، حتى وصفت الدولة في المجتمعات الغنية بالدولة الدادة The Nanny state لم تلبث الدولة ان باتت الية تيسير الاعمال والمشاريع عابرة الحدود القومية وبخاصة الاوليجاركيات المالية خصما على القطاع العام-وقد بيع في كل مكان تباعا في المزادات العلنية- الى التوفر على ضمان المصارف الهالكة وتوفير السيولة وطبع الاوراق المالية والسندات في اسواق المال لحساب المراكمة الرأسمالية المالية. وقياسا ما ينفك الناس يدفعون-الى رحاب ما يسمى المجتمع الكبير وتقلص هوامش الدولة بل نهايتها تقريبا-للعودة الى الارحام التقليدية مجددا او-واللواذ بالإسلام السياسي او-و بماليشيات الثورة المضادة.

4- وفوق كل شيء وقبله تنفق مليارات الدولارات على شراء ساسة ونواب ومتثاقفين ونخب تماما كما حدث في كل من سوريا وليتوانيا ولاتفيا وتشيلي ومصر والسودان من قبلهم. فقد انفقت مليارات في سوريا في تجنيد المقاتلين الاجانب وشراء ما يسمى المعارضة الخارجية وخمسة مليار دولار في اوكرانيا لشراء اعضاء البرلمان الذي قام بانقلاب على الرئيس المنتخب. فأمريكا الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية قد تؤيد حكومات غير منتخبة، وترفض الاعتراف بحكومات منتخبة، فيما ترتفع عقيرة الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية محتفلة بما حاق بتلك المجتمعات والدول والشعوب من خراب الثورات الديمقراطية ما بعد الليبرالية تلك. ولعل اكثر ما يعبر عن نفسه في السيناريوهات الماثلة اعلاه ليس سوى عودة الثورات المخملية مجددا. فما لم يقيض تحقيقه في المحاولة الاولي عادت الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية لتكمل نكوص تلك المجتمعات بجراحة تجميلية او الاحرى تشويهية وبالرتوش الضرورية اللازمة.

هوامش ومراجع:

(1) يقول تقرير «هيومن رايتس واتش» أن القوات السورية في درعا «شوّهت الجوامع برسومات على جدرانها»، مثل «ربك هو بشار، ولا إله الا بشار»، والمقصود هو الرئيس السوري بشار الأسد. هذا وقد صرح جهادي تونسي يعرف بـ«أبو قصي»، للتلفزيون التونسي، إن «مهمته» في سوريا كانت تدمير وتدنيس المساجد التي تحمل أسماء سنيّة (مسجد أبو بكر ومسجد عثمان وغيرها) في اعتداءات طائفية ذات شعارات خاطئة لتشجيع الانشقاق في صفوف الجيش السوري، ذات الغالبية السنّية. ومن الأمور التي قام بها «أبو قصي»، كتابة شعارات مؤيدة للحكومة وأخرى تتضمن تجديفاً على الله على جدران المساجد مثل «الله، سوريا، بشار وبس»، معتبراً ذلك بمثابة «تكتيك.. ليأتوا الى جانبنا»، بحيث «يصبح الجيش ضعيفاً».عن موقع قناة «روسيا اليوم» باللغة الانكليزية

(2) انظر(ي) Ralph Schoenman: The Hidden History of Zionism: Chapter 1:The Four Myths

(3) انظر(ي) مقال شيرمين نرواني تاريخ المقال: 10-05-2014 01:52 AM(نختصر بتصرف) الذي يقول ان نقاشا قام حول دور المحرضين على تأجيج الصراع بوضع بعض العناوين الرئيسية منذ المحادثة الهاتفية المُسرّبة بين وزير خارجية أستونيا أرماس بايت ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون، والتي كشفت بعض الشبهات بأن قنّاصين مؤيدين للغرب قتلوا عناصر من قوى أمنية أوكرانية ومدنيين خلال احتجاجات «ميدان اليورو». عن موقع قناة «روسيا اليوم» باللغة الانكليزية. واستميح الاستاذة شيرمين نرواني عذرا على التصرف احيانا قليلة في التقرير الممتاز واسجل امتناني وتقديري ولتحيا سوريا والنصر لشعبها العظيم بإذن الله وتضامن الشرفاء حول العالم

(4) انظر(ي) مقال شيرمين نرواني تاريخ المقال: 10-05-2014 01:52 AM(نختصر بتصرف) الذي يقول ان الاضطرابات الأولى في مدينة درعا في الجنوب السوري بدأت شهر آذار من العام 2011.بعنف موجه من معارضة مسلحة باكرا. فقد كانت بضع شاحنات عسكرية قديمة روسية الصنع، مُحمّلة بعناصر أمن سوريين، تشق طريقها على منحدر صعب في واد بين درعا المحطة ودرعا البلد. وكان عناصر الأمن يجهلون أن مسلحين صبّوا زيتاً على الطريق، وهم ينتظرون اقترابهم لإيقاعهم في الفخ. بدأت الشاحنات بالانزلاق على بعضها البعض، ولكن المسلحين لم ينتظروا إلى حين توقفها حتى بدأوا بإطلاق النار في اتجاهها. ووفقاً لمصادر عديدة في المعارضة السورية، «قُتل حوالي 60 جندياً سورياً» في ذلك اليوم، في مجزرة بقيت طي الكتمان من قبل الحكومة السورية وسكان درعا. ويشرح أحد هؤلاء السكان: «في ذلك الوقت، الحكومة السورية لم تكن تريد أن تظهر أنها ضعيفة، كما أن المعارضة لم تكن ترغب أن تعلن أنها مسلحة». لماذا ترغب الحكومة السورية في إخفاء هذه المعلومة (الحادثة)، التي من الممكن أن تدعم روايتها عما يحصل في سوريا، وخاصة تأكيدها أن «مجموعات مسلحة» كانت تستهدف السلطة السورية منذ البداية، وأن «الانتفاضة» في سوريا لم تكن أبداً «سلمية»؟ فحيث تظهر الأرقام تفاوتاً واضحاً في عدد الوفيات بين جهتي الصراع منذ البداية. فان الأرقام توحي بأن قسماً من «المعارضة» السورية على الأقل كان مسلحاً منذ الأيام الأولى للأزمة، وكان يستهدف القوات السورية كجزء من إستراتيجية، لإثارة رد فعل من قبلها لتأمين استمرار التصعيد." ويقول فيصل المقداد، وزير خارجية سوريا إن «هذه الحادثة تم إخفاؤها من قبل الحكومة السورية ومن السلطات الأمنية لأسباب أستطيع أن أفسّرها على أنها كانت محاولة لعدم إثارة العداوات. وفي مسعى لتهدئة الأمور، وعدم تشجيع أي محاولة لإثارة المشاعر ما قد يؤدي إلى تصعيد الأمور، وهي سياستنا التي كانت متبعة آنذاك». والغريب أن لا ضحايا لهاتين المجموعتين على اللوائح الرسمية. وفي العاشر من شهر نيسان من العام ذاته، وهو التاريخ الذي عرف بأول مجزرة بحق جنود سوريين، وكانا بمدينة بانياس-محافظة طرطوس حيث وقع عشرة جنود سوريين في كمين وأطلقت النار عليهم في حافلة كانوا يستقلونها. ادّاعت «بي بي سي» الإخبارية وقناة «الجزيرة» وصحيفة الـ«غارديان» أن هؤلاء الجنود هم «منشقون» قُتلوا من قِبل النظام السوري «لرفضهم إطلاق النار» على المدنيين فقتلهم الجيش بوصفهم منشقين بغياية عدم تشجيع الانقسامات داخل الجيش السوري وبين صفوفه. ولكن إذا كان ضباط الجيش السوري يقتلون رجالهم، فمن المؤكد أن الجيش السوري لم يكن ليبقى موحداً وسليماً خلال السنوات الثلاث التي مضت- عن موقع قناة «روسيا اليوم» باللغة الانكليزية

(5) انظري(ي) قائمة الجماعات المتطرفة فى سوريا على شبكة المعلومات وList of armed groups in the Syrian Civil WarFrom Wikipedia، the free encyclopediaنسخة منها ادناه

(6) يقول وزير خارجية أستونيا أرماس بايت: «كل الدلائل تُظهر بأن الناس الذين قُتلوا بواسطة القناصين هم من كلا الجانبين، أي رجال الشرطة والمدنيين، أي كان القناصون أنفسهم من قتل الناس من الجانبين معاً... وحقاً هذا يزعج التحالف الجديد (المؤيد للغرب)، وهم لا يريدون التحقق حول ما حصل بالتحديد». ويؤكد تحقيق للتلفزيون الألماني عرض مؤخراً حول نيران القناصين هذه الادعاءات، فاتحاً الباب أمام مناقشة لروايات حول الأحداث في أوكرانيا، وهي فرصة لم تتح في معظم مراحل الصراع السوري، أقله في وسائل الإعلام أو المنتديات الدولية. ولكن، بدلاً من وصف هذه الأمور باسم «نظريات المؤامرة»، يبدو أن دور المحرضين ضد الحكومات المستهدفة يظهر كجزء أساسي من الخطاب العام. فسواء أكانت الخطة الأميركية المُسرّبة لإنشاء «تويتر» كوبي، لإثارة الاضطرابات في الدولة الجزيرة، أو ظهور منشورات توجيهية في احتجاجات من مصر الى سوريا الى ليبيا الى أوكرانيا، جميعها أحداث تلتقي مع الكثير من حركات المعارضة الضخمة «المستنسخة» التي تتحول الى أعمال عنف، ما يجعل الناس يطرحون الأسئلة ويغوصون عميقاً في البحث اليوم. هذا لو أن الحكومة السورية أطيح بها بسرعة ـ كما حدث في تونس ومصر ـ ربما لما علمنا شيئاً عن هذه الممارسات الخادعة. ولكن، خلال ثلاث سنوات وسط الصراع، حان الوقت لتأسيس وقائع في مواجهة الفبركة. من سيربح من قتل «نساء وأطفال» في هذه الظروف؟ ليست الحكومة بالتأكيد؟ عن موقع قناة «روسيا اليوم» باللغة الانكليزية

(7) انظر(ي) انطونيو جرامشي كراسات السجن وهي كراسات بلغت 30 كراسة هربت من السجن وطبعت في الخمسينات ولم تترجم الى الانجليزية الا فى السبعينات . Antonio Gramsci: the Prison Notebooks