ينشر باب علامات مقالة تعود لسنة 1911 ومقتبسة من المجلة النسوية "الحسناء" لصاحبها جرجي باز. حبرت المقالة بقلم رائدة النسوية العربية لبيبة هاشم وفيها تقدم مقاربتها اللغوية لاعتماد لفظة "سيدة" كترجمة للكلمة الفرنسية "مدام" والتي درجت في الاستخدام اليومي، خاصة لدى الفئات المجتمعية الوسطى بفعل الاتصال بثقافة الغرب. وتأتي أهمية مقترح لبيبة هاشم لأنها تعكس وعياً ومشاركة نسائية مبكرة في سيرورة إصلاح اللغة العربية. كما تلحق المقالة برأي لجبر ضومط حول نفس الموضوع.

سيدة لا عقيلة

لبيبة هاشم

إعداد أثير محمد علي

 

طالعت اقتراح الحسناء في الجزء العاشر بشأن لفظة (عقيلة) ولما كنت ممن يستثقلون هذه اللفظة فقد تمنيت أن يتنبه علماؤنا لاختيار سواها من الألفاظ العربية، التي تؤدي معنى مدام بالافرنسية، وإلا فلا بأس من استخدام لفظة مدام إقتداء بسلفائنا العرب الذين لم يأنفوا من استعمال كثير من ألفاظا قوم غيرهم في لغتهم.

وبهذه المناسبة أذكر أن المرحوم الشيخ إبراهيم اليازجي كان يستنكر لفظة عقيلة، ولم يستعملها بكتاباته مطلقاً وأذكر أنه قال لي مرة (قد يحتمل سماع لفظة آنسة أمّا عقيلة فلا).

ولا بدع فإن كلمة عقيلة لفظة خشنة المخرج ثقيلة اللفظ، وهي تشتق من فعل عقل ولا يتعقل إلا البعير، فمعناها بارد تافه أيضاً حتى أن العرب في أبعد أزمنة جاهليتهم لم يخطر لهم استخدام هذه اللفظة المستهجنة على جهلهم بآداب الحضارة عطف المدنية بل هم استعملوا كلمة سيدة.

فمن العجيب بعد ذلك أن نستعمل نحن كلمة عقيلة في القرن العشرين، ولا أعلم ما وجه الضرر في استعمال كلمة سيدة في مقام مدام فأنها فضلاً عما فيها من رقة اللفظ ولطف المعنى فهي تؤدي معنى (مدام) تماماً، وما دعانا لإنكارها سوى عدم استخدامنا إياها في نسبة المرأة إلى الرجل، فإننا إذا قلنا مدام زيد لم يكن المراد بها قرينة زيد كما يتبادر إلى الذهن، وإنما اعتيادنا استعمالها في مكان قرينة قد جعل لها هذا المعنى، ولبيان ذلك أقول يعتبر الإفرنج الأسرة جذعاً وأعضاءها أغصاناً ولكل من هذه الأغصان أو الأعضاء نعت يميزه عن غيره. فمتى قالوا أسرة عمر مثلاً كان كل من أعضائها عمراً ولكي يميزوا بين عمر وعمر أطلقوا لفظة موسيو أو مستر للرجل ومدام أو مسز للمرآة ومدموازيل أو مس للفتاة فيقولون الخواجة عمر والسيدة والآنسة عمر، فهي إذن في اعتبارهم ألفاظ يقصد بها تمييز عضو عن عضو من العائلة التي هي في عرفهم جسم واحد، ويجب أن يكون لها اسم واحد، وليس كما يتبار لذهننا من أن اسم العائلة محصور بالرجل واسم الزوجة مضاف إليها إضافة.

ولزيادة الإيضاح أقول أن الإفرنج متى قالوا مدام عمر فهم يقصدون بها عضواً من أسرة عمر ويميزونه بكلمة مدام للدلالة على أن غرضهم السيدة من تلك الأسرة. أما نحن فنعتبر أن عمر هو لقب الرجل خاصة وأن اسم السيدة يجب أن يكون مضافاً إليه ولذلك يصعب علينا إيجاد لفظة لهذا التعبير أما إذا سرنا على خطة الغربيين في تعبيرهم فإننا لا نجد أليق وألطف من كلمة سيدة فضلاً عن أننا قد ألفناها زمنا وما من الناطقين بالضاد من يجهل المقصود منها.

ولا أرى ما يمنعنا من الإقتداء بالإفرنج في تعبيرهم هذا بعد أن سرنا على خطتهم في آدابنا الاجتماعية جملة، فنحن الآن نسمي نساءنا بأسماء أزواجهن وهي عادة غربية لم يألفها العرب، بل هم كانوا يسمون المرأة بعد زواجها باسم أبيها دائماً أما وقد خالفنا نحن هذه العادة وجعلنا نساءنا تترك أسماء آبائهم وتتكنى بألقاب أزواجهنّ، فأضحى من المناسب بل من الواجب أن نقتدي بهم أيضاً من حيث اعتبار المرأة أهلاً للرجل وذات حق نظيره بلقب أسرته وحينئذ لا يبقى موجب لإضافة اسمها إليه بل يكفي للدلالة على نوع عضويتها في الأسرة أن يقال السيدة عمر إذا كان لقب الأسرة عمراً والسيدة بكر إذا كان لقب الأسرة بكراً.

هذا ما رأيته في هذا الشأن ولعل علماؤنا يأتوننا بما هو أفضل منه وفي كل حال لا مندوحة لنا عن هجر لفظة عقيلة لما فيها من ثقل اللفظ وثقل المعنى الذي يمجه ذوق الهمجي فضلاً عن الحضري المتمدن.

* * *

عقيلة أو مدام

جبر ضومط

جاء في حديث إذا وجد الماء بطل التيمم، وهو حديث مشهور يضرب مثلاً عند الأدباء على أنه إذا وجد الفاضل والأفضل فلا حاجة إلى المفضل، وعليه فظاهر أنه إذا وجد مثل أستاذي العلامة إبراهيم أفندي حوراني وأساتذتنا الشرتوني والبستاني ففي أمثالهم غنى ومقنع عن مثلي.

على انه إذا كان لا بد لي من القول قلت أن العقيلة هي على ما أعلم أحسن لفظة تنوب مناب (مدام) عند الكتابة بدون أدنى تحول تارة أو بتحول قليل تارة أخرى. وأما عند المخاطبات الشفاهية فليس ثمّ أفضل من (ست) وهي لفظة مرّ عليها إلى الآن نحو من سبعمئة سنة وهي دائرة على ألسنة العامة والخاصة في سوريا ومصر وإليك ما قال فيها شاعر عصره الوزير الكبير البهازهير:

بروحي من أسميها بستي* * *فتنظرني النحاة بعين مقت

فإذا ظن بعقيلة الظنون (وبعض الظن إثم) واتهمت بتهمة الكراهة في السمع أو ما يدخل تحت هذا الباب من أشباهه ونظائره فلتستعمل لفظة (مدام) فإنها لفظة رشيقة شائعة والعربية أعلى من أن لا تحسن وفادة الوافدين عليها ومعاملتهم أبنائها وقد كانت وحري بها أن لا تزال كما كانت تقبل الأغراب النازلين عليها وتخلطهم بنفسها أعلاماً كانوا أم نكرات وكرباساً أو ديباجاً يلبس أم أساطير وأسطقسات.

هذا ما خطر لي ذكرته بصفة أني فرد من جملة أفراد يعدّون بعشرات الألوف ولكل منهم رأيه وكلّ له وجهة هو متوليها والله الهادي إلى سواء السبيل.

)الحسناء، مج2، ج12، بيروت، حزيران 1911(