يقترب هذا التقرير من الدور الحضاري التي تلعبه المتاحف في العالم كواجهة ثقافية، وقد تزامن هذه السنة، وضمن الاحتفاء باليوم العالمي للمتاحف، بانعقاد ندوة عربية رصدت طبيعة حضورها ودورها بعيدا عن طابع المتاحف الاحتفالي من خلال الإشارة الى فعلها الثقافي والمجتمعي..

منير بو شناقي يحاضر حول دور المتاحف في الدّول العربيّة

في اهتمامٍ بتنمية دور المتاحف في المجتمع، وحرصًا على تفعيل أهميّتها الثّقافيّة والسّياحيّة، أطلقت وزارة الثّقافة احتفاءها باليوم العالميّ للمتاحف، والذي يُصادف يوم أمس (الأحد، الموافق 18 مايو 2014م) في سياق احتفاء ما يزيد عن 35 ألف متحف من 120 دولة حول العالم بهذا اليوم، إذ أطلقت مجموعة من الأنشطة والفعاليّات التي تفصح عن مفاهيم العمل المتحفيّ وتشير إلى أهميّة هذا العمران الثّقافيّ والإنسانيّ، كان من بينها محاضرة للدّكتور منير بو شناقي مدير المركز الإقليميّ العربيّ للتّراث العالميّ حول (دور المتاحف في المنطقة العربيّة) التي قدّمها يوم أمس (الأحد) في قاعة المحاضرات بمتحف البحرين الوطنيّ، بحضور معالي وزيرة الثّقافة الشّيخة ميّ بنت محمّد آل خليفة، سعادة الشّيخ خالد بن حمود آل خليفة الوكيل المساعد للسّياحة وعددٍ من المهتمّين بالتّراث والعمل المتحفيّ والإعلاميّين.

وقد أوضح الدّكتور منير بو شناقي أنّ اليوم العالميّ للمتاحف أطلقته المنظّمة الدّوليّة للمتاحف (الإيكوم) في العام 1977م في اجتماعها بموسكو، وتهدف هذه الاحتفاليّة إلى زيادة الوعي بأهميّة المتاحف في تطوير وتنمية المجتمعات، مبديًا سعادته بكون متحف البحرين الوطنيّ وبقيّة المتاحف في المملكة واحدةً من تلكَ المنشآت المتحفيّة التي تشارك العالم هذا اليوم. وخلال حديثه أشار إلى أنّ التّعريف بالمتحف يوضّح مدى الارتباط ما بين هذا المُنشَأ وتنمية المجتمع، إذ يعرّفه المجلس العالميّ للمتاحف أنّه (أيّ مقرّ غير ربحيّ دائم من أجل خدمة المجتمع وتطويره، مفتوحٌ للعامّة، ويقوم بجمع، حفظ، بحث وعرض التّراث الإنسانيّ الماديّ وغير الماديّ وبيئته المتّصلة به لأهداف التّعليم، الدّراسة والتّرفيه، إلى جانب دوره في التّواصل). ويعود أصل كلمة المتحف إلى اليونان، حيث كان يشير إلى المكان الذي تسكنه بنات الإله زيوس التّسع، كما تشير الأبحاث إلى أنّ أوّل متحف في التّاريخ كان في مدينة الإسكندريّة في العام280 ق.م، كما عُثِرَ على بقايا متحف في العراق يعود للحضارة البابليّة.

وفي محاضرته، تناول الدّكتور بو شناقي المتاحف في العصور الوسطى، مبيّنًا أنّ العرب قبل الإسلام كانوا يتّخذون من موقع الكعبة المشرّفة في مكّة فضاءً لعرض قطعهم الفريدة والنّفيسة، فيما كانت القصور في مرحلة ما بعد الإسلام هي الموقع المثاليّ لذلك رغم أنّها لم تكن مفتوحة للعامّة. بالموازاة للمتاحف في الوطن العربيّ، واستعرضت المحاضرة أيضًا عددًا من المتاحف في أوروبا، إذ افتُتِحَت بعض المتاحف في إيطاليا خلال عصور النّهضة بدءًا من العام 1471م، أتبعتها العديد من المتاحف في مختلف دول أوروبّا، في الوقت الذي شهدت فيه مصر تأسيس مجموعة من المتاحف كما في القاهرة (1902م) والإسكندريّة (1896م)، كذلك الأمر في تونس والجزائر حيث كانت هاتان الدّولتان من أوائل الدّول التي افتُتِحَت فيها المتاحف بمفهومها الحديث.

وقد استعرضت المحاضرة كذلك المتاحف التي تمّ افتتاحها في النّصف الأوّل من القرن العشرين، مشيرًا د. بو شناقي إلى أنّ كلّ هذه المتاحف قد أُسّست من قِبَل المستعمر. بالإضافة إلى المتاحف التي تأسّست في النّصف الثّاني من القرن ذاته، والتي كانت تمثّل متاحف لدول بدأت تعلن استقلالها، وقد أوضح أنّ متاحف المرحلة الأولى كانت تمثّل فكر المستعمرين وتستهدف سكّان مناطقهم أكثر من أهالي البلاد، وكانت أكثرها متاحف متخصّصة ممّا جعل المجتمع العربيّ ينظر إلى تلكَ المتاحف على أنّها منشآت ومنظّمات أجنبيّة. وقد تبدّلت لاحقًا هذه الرّؤية في وعي بأهميّة تلك المتاحف في حفظ التّراث الإنسانيّ وتعزيز الهويّة الثّقافيّة، وصارت هذه المتاحف تأخذ بعين الاعتبار ما هي أولويّات المجتمع، وتستجيب للمجتمع المدنيّ وتحفظ أصوله وجذوره وهويّته، بالإضافة إلى إبراز الثّقافة والتّنوّع الثّقافيّ مع الرّؤية الشّاملة. وأكّد د. بو شناقي أنّ متحف البحرين الوطنيّ يمثّل متحفًا شاملاً، يتواصل مع العالم كلّه وينمّي الإبداع ويطوّر القِيَم الإنسانيّة ويحفظ التّراث الوطنيّ.

كما أكّد في حديثه إلى أنّ المتحف ثروة تتوجّه بالدّرجة الأولى إلى السّكّان والأهالي، وتتّجه كذلك إلى الزوّار.  وتناول كيفيّة إدراج إضافات إلى المتحف تهدف إلى جذب الزوّار، من بينها المكتبات والمقاهي، بالإضافة إلى فتح المتاحف صباحًا ومساءً وإقامة أمسيات احتفائيّة، موضّحًا أنّ ذلك من شأنه دمج المتحف في الحياة اليوميّة للنّاس. وشدّد على ضرورة تعميق العلاقة ما بين المتحف والنّاس، مبيّنًا أنّ المتحف يكامل دور المؤسّسات التّعليميّة، مستدلّاً على تجربة بعض البلدان في إدراج زيارات إجباريّة للمتاحف وتكوين فريق اختصاصيّ يتواصل مع هؤلاء الطّلبة لتمكين المتحف من القيام بدوره التّعليميّ. كما أشار إلى أهميّة تعزيز دور المتحف في إيصال الثّقافات الأخرى وتحقيق التّبادل الثّقافيّ والحضاريّ مع الدّول حول العالم.

إلى جانب هذه المحاضرة، فقد احتفت وزارة الثّقافة بهذا اليوم من خلال فتح أبواب المتاحف للزوّار مجّانًا طيلة اليوم على غرار المتاحف في دول العالم، كما أقامت مجموعة من الفعاليّات تحت عنوان (روابط تخلقها المجموعات المتحفيّة)، وذلك لتسليط الضوء على دور المتاحف كمؤسسات نشطة تساعد في خلق وتعزيز الصّلات والرّوابط بين الزوار، الأجيال، والثقافات المختلفة حول العالم.

وقد تمكّن زوّار متحف البحرين الوطني من الاستمتاع بالرحلات البحرية التي تأخذهم عبر البحر من متحف البحرين الوطني إلى قلعة بوماهر، ذهابًا وإيابًا مجانًا، كما تنوّعت الفعالياّت المقامة بهذه المناسبة، لتناسب مع الاهتمامات والأعمار المختلفة، إذ قدّم متحف موقع قلعة البحرين أمس الأوّل (السّبت) حفلاً شبابيًّا بمزاج بوهيميّ، عبر مجموعة من العروض قدّمتها الفرق المحليّة تنوعت بين الغناء والموسيقى والاستعراض وأقيمت على ساحل البحر المحاذي للمتحف، حيث استمتع الحضور بأجواء الاحتفال والطقس الجميل والأنشطة الترفيهية المقامة في الهواء الطلق.

بهذه المناسبة أيضًا، أطلقت وزارة الثّقافة بدءًا من هذا اليوم وحتّى 22 من شهر مايو الجاري برنامجًا خاصًّا للأطفال يتضّمن ورشًا تعليميّة وفنيّة، من بينها ورشة “اعثر على القطعة"، "ارسم ولوّن"، "لنتشارك بذكرياتنا"، "الرسم بألوان الأكريليك" مع الفنان البحرينيّ حسن الساري، وكذلك ورشة الرسم والتلوين على الفخّار، والتي تتوزّع ما بين متحف

الجدير بالذّكر أنّ مملكة البحرين تحتفي منذ العام 2008 باليوم العالميّ للمتاحف من خلال تنظيم فعاليات مختلفة تهدف إلى ابراز دور المتحف في المجتمع المحلي، والحفاظ على الإرث التاريخي والثقافي للمملكة.