يعيدنا الشاعر الفلسطيني المغترب الى اللحظة الراهنة بكل مفارقاتها، حيث الجرح الفلسطيني المفتوح كأحد أكبر التراجيديات الكونية حيث الموت والشهداء ينسحبون في صمت، الجرح الذي زاد السدنة في تعميق تفاصيله حتى أضحى مشهد الأطفال العزل وهم يساقون الى مثواهم الأخير أكبر دليل على جرائم الكيان الصهيوني وعلى داعميه من مختلف الأطياف..

أول الدهشة

حسن العاصي

أيّها السديم المتدفّق
إعزفْ على ظمأي
لحن الغرباء
بمقام الجفاف
إعزفْ على القبور
مقام العظام
إن شأت لحن الإنتماء
أصلح أوتارك وأكمل
يا أبي ..
المسافة صيف والدروب ماء عاري
قد مرّت خمس غيوم

في أول الدهشة
ستظل الأشجار على قيد الضوء
تحترق الغربان
فوق أغصان الصفصاف
وزهر الليمون حارق هذا النهار
مسكونة هذه اليقظة بالفراغ
والنهر بياض يضاجع المرايا
خلف هذا السواد المحموم

يا أبي
جنون الموت يسير بلا خفين
يضيق الماء عند كوة الحياة
كعصفور مبلّل بالخوف
يرتعش غباري
يمتد الغصن فوق جسدي كفناً
أعبر الضفة الأخرى
لا سبيل للهروب
من هذا النبض الموشوم

هذا الوجع صوفيّ النزف
وهذا النصل خبز النبيّ الهارب
تشهر الصلاة قلبها
يفترش ظلّي لون الخطى
ويتبعثر القصيد فوق نحر الموج
على خد الفصول بكت فراشات القمر
دوّن أساطير الدم المسفوك
وهبني الخفق المكلوم

هذا البخار المالح
يجتاح رائحة الصلاة
يمضي الوطن نحو موت يشتهيه
والصغار يجرون خلف الندى
يطلي رؤوسهم التراب
تنتصب الهزيمة وتتطاول
وتمد مخالب تكبّل الرصيف
غيمة غيمة
والثمر مسموم

وحدنا وهذه الساعة الصفراء
نتلاشى في فراغ المواعيد
والعصافير سحابة
أينعت عش القمر
من منكم رأى قتبلاً
يعانق نصل قاتله
من شاهد المساء يشق
بخار البحر
والأسماء تموت ويتراقص الحنظل
فوق الجراد الملموم

فوق قيد المدى
ترسم الريح فوضى
تسقط الظلال على المرايا
والذاكرة مرثية زرقاء
وفراشات القلب تحترق
على أطراف العزلة
هذه الأجساد مقيّدة
فوق الغبار
والأطراف وقت يهبط ويضيق
بين أنياب الرّحى المغموم

يا أبي
هذا النصل الغائر يرتد
من ضلع إلى ضلع
وتلك المواسم عارية
والبساتين أوراق صفراء
أمعاء المدينة تتساقط
قبور فوق قبور
حتى ضاق بالقبور التراب
وتساقطت عيون الشمس
فوق كل شارع وكل دار
وعلى تلك الكروم..

 

شاعر فلسطيني