لازالت شخصية نيلسون مانديلا بزخمها الثوري والنضالي حاضرة بقوة في عالمنا اليوم وستظل نبراسا للحركات التحررية ولنضالات الشعوب ضد الاستعمار، واستطاع مهرجان فاس للموسيقى الروحية أن يستعيد سيرة الراحل ونبراسه النضالي ضمن ندوات المهرجانات، واستلهمت مداخلات المشاركين جزءا من سيرة ومسار الراحل النضالي والدروس المستخلصة من تجربته الطويلة..

فاس تستعيد التجربة السياسية للراحل نيلسون مانديلا

في إطار فعاليات الدورة العشرين لمهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة، احتضن متحف البطحاء ندوة علمية استعادت جانبا من التجربة السياسية للراحل نيلسون مانديلا. الندوة العلمية التي حضرتها ثلة من الباحثين والمفكرين في مجالات التاريخ والفكر السياسي والأدب الصوفي، حاولت استعادة جوانب من المسار النضالي لمانديلا، وفق منهج استقرائي توقف عند المميزات العامة لشخصيته السياسية، متجاوزا تقديم بورتريه دقيق قد يغيب البعد العالمي لتجربة تلك الشخصية.

من هذا المنطلق، وصف الدكتور فوزي الصقلي (مدير المهرجان) نيلسون مانديلا بالمُصارع الرومانسي الذي مارس نوعا من الفروسية الروحية، الواقعة ضمن دائرة  «الفتوة» بالتعبير الصوفي، والتي تجمع معاني الكرامة والشجاعة والقوة والرومانسية والشهامة. وأضاف الصقلي أن استحضار مسار هذا الرجل يجعلنا نطرح العديد من التساؤلات حول الكيفية التي ينبغي أن نمارس بموجبها السياسية في زمننا المعاصر.
أما الدكتورة بارزة الخياري (نائبة رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي) فأوضحت أن تخصيص ندوة علمية حول شخصية مانديلا تقتضي بالضرورة تأمل السمة العامة التي طبعت المسار السياسي لمانديلا، والتي تأرجحت بين قدرته على المجابهة في الدفاع عن أفكاره المرتبطة بالحرية والعدالة وحقوق الإنسان، وبين قدرته على جعل مشاعره الإنسانية النبيلة كالعفو والتسامح والقدرة على التعايش، خصوصا بعد وصوله إلى أعلى هرم في السلطة السياسية. وأردفت قائلة إن مانديلا يعتبر معلّماً للبشرية جمعاء وللفاعلين في مجال الممارسة السياسية على وجه خاص، فهو يعلمنا جميعا أن لا محبة بدون تسامح، وأن الرجولة السياسية بالمفهوم الصوفي لا تُمنح للذكور، وإنما هي قيمة تُستحق وتُنتزع مثلما فعل مانديلا، عبر جاذبية اختياراته وقيمه التي حملها ودافع عنها وفي مقدمتها التسامح والعفو.

من جهته، أكد جاك لانغ (رئيس معهد العالم العربي في باريس) أن نيلسون مانديلا يعكس صورة الإنسان والسياسي النبيل الذي اختار مد يده إلى أعداء البارحة بعد سنوات معاناته بالسجن، فهو ـ حسب المتحدث نفسه ـ لم يَعتقل ولم يعذب ولم يقتل إنسانا عندما وصل إلى أعلى هرم في السلطة؛ بل اختار السير على طريق تجهيز البنيات التحتية لبلاده، ووضع أسس التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية في مجتمعه.
وأضاف لانغ أن مانديلا جعل من الكلمة الأداة المقدسة لتحديث وإصلاح المجتمع، بدل السلاح والعنف والانتقام، حيث تمكن من تحويل سنوات معاناته إلى شحنات إيجابية من التسامح وتجاوز خصومات الماضي، بالعفو والاعتراف بالآخر والتطلع إلى المستقبل. واستطرد قائلا إن مانديلا يعدّ رجل المحبة والسلم واللقاء والتعايش واحترام الآخر بامتياز. واستدل على ذلك بأن مانديلا حتى حينما كان يزاول رياضة الملاكمة، فإنه لم يكن يستعملها لتعنيف الآخر، وإنما جعلها أداة لتدريب نفسه على كبح جماح العدوانية الموجودة عادة في الذات الإنسانية. يُذكر أن هذه الندوة تندرج في إطار منتدى «إضفاء روح على العولمة» الذي يعد موعدا مركزيا في مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة، يلتقي فيه الفن بالفكر بمختلف تشعباته السياسية والعلمية والقيمية.