يشكل هذا الموضوع أحد أهم تحديات العالم اليوم لذلك يتم ربطه بالتنمية، وفي لقاء جمع بين خبراء وباحثين وصناع القرار تم البحث في علاقة التنمية بإدارة التغيرات المناخية مما يدفع في اتجاه إعادة التفكير في العلاقات الدولية على ضوء التفكير في استراتيجيات جديدة، وبالنسبة للعالم العربي يحضر هذا الرهان في علاقة بالتحديات الجديدة التي أمست مطروحة اليوم على الشعوب العربية..

التّنمية المستدامة والتّغيّر المناخيّ

في سياق المشاركة في القضايا العامّة، وتفعيلاً للمساهمة في الاهتمامات الرّاهنة، شاركت د. صباح الجنيد أستاذ نظم المعلومات الجغرافيّة والبيئيّة المشارك بجامعة الخليج العربيّ في ثاني ندوات منتدى أصيلة الثّقافيّ الدّوليّ السّادس والثّلاثين الذي فيه البحرين ضيف شرف للمنتدى. النّدوة التي تبحث (التّنمية المستدامة والتّغيّر المناخيّ: أيّ دور للمنظّمات متعدّدة الأطراف)، انطلقت في الفترة ما بين 12 و14 أغسطس الجاري، وشكّلت ملتقى ما بين الخبراء والباحثين وكبار المفكّرين وصُنّاع القرار لبحث العلاقة ما بين التّنمية المستدامة وإدارة التّغيّرات المناخيّة، وإعادة التّفكير في العلاقات الدّوليّة وما تتّسم به من أجل وضع استراتيجيّات جديدة تساهم فيها التّكنولوجيا الجديدة للمعلومات والاتّصالات والطّاقات البديلة وعلم الجينيوم والهندسة الوراثيّة.

تضمّنت النّدوة خطابًا موجّهًا من بان كي مون الأمين العامّ لمنظّمة الأمم المتّحدة والذي نقله معالي السّيّد محمّد بن عيسى وزير الخارجيّة المغربيّ الأسبق ومؤسّس منتدى أصيلة، كما شارك في هذه النّدوة العديد من الشّخصيّات السّياسيّة وصُنّاع القرار في العالم، من بينهم: ماركوس كيبريانو (وزير الخارجيّة القبرصيّ الأسبق وعضو اللّجنة الاستشاريّة بمركز العلاقات الدّوليّة والتّنمية الاستشاريّة)، بيرستيغ مولير (وزير الخارجيّة الدّانماركيّ الأسبق)، لورد مايكل هوارد (الوزير البريطانيّ الأسبق وعضو حزب المحافظين)، فرانكو فراتيني (وزير الخارجيّة الإيطاليّ الأسبق)، روت غرينسبان بيل (الباحثة الأميركيّة في السّياسة العموميّة بمركز ويلسون الدّولي – برنامج التّغيّر والأمن البيئيّ)، سعيد ملين (المدير العامّ بالوكالة الوطنيّة لتنمية الطّاقات المتجدّدة وكفاءة الطّاقة في المغرب)، لويس ألفونسو دي آلبا (رئيس لجنة حقوق الإنسان السّابق والممثّل الدّائم للمكسيك في الأمم المتّحدة).

وقد وجّهت د. صباح الجنيد شكرها لصاحب الجلالة الملك محمّد السّادس نصره الله ملك المملكة المغربيّة، ولمعالي السّيّد محمّد بن عيسى وزير الخارجيّة المغربيّ الأسبق ومؤسّس منتدى أصيلة، مشيدةً باهتمامه المتواصل بالثّقافة وبتبنّيه لمواضيع ذات بُعدٍ واهتمامٍ عالميّ، أصبحت تتسيّد اللّقاءات والاجتماعات وتناقش العلاقات الدّوليّة في المنتدى. وأشارت: (إنّ استضافة جمعٍ من المتخصّصين والمهتمّين بمواضيع البيئة والتّنمية والتّنمية المستدامة وتغيّر المناخ والأمن الغذائيّ والطّاقة البديلة والاقتصاد الأخضر وغيرها خلال سنوات المنتدى فتح مجالاً واسعًا للتّداول وطرح الأفكار والنّقاش وتقريب وجهات النّظر ما بين المتخصّصين والباحثين، وتصغير فجوات الاختلاف ما بين الدّول)، مردفةً: (إنّنا في حاجة في هذا العالم للنّقاش والتّحاور كلما أمكن ذلك).

وأكّدت د. الجنيد خلال النّدوة أنّ التّركيز على موضوع التّنمية المستدامة والتّغيّر المناخيّ خلال الوقت الرّاهن يشكّل إحدى الحلقات الأساسيّة في استدامة الحضارة البشريّة واستمراريّتها من خلال تقارب جميع دول العالم تحت مظلّة المنظّمات الدّوليّة المتعدّدة ذات الصّلة، والتي يُعوّل عليها خلال الفترات القادمة في مراجعة وصياغة اتّفاقيّة تغيّر المناخ في باريس للعام 2015م، والتي تعمل على رأب الصّدع حول ظاهرة تغيّر المناخ، وإيجاد آليّات تنفيذ تُراعي جميع الدّول واستحقاقاتها المطلوبة.

وحول الموضوع، أوضحت د. صباح الجنيد أنّ التّغيّرات السّريعة المتلاحقة في النّظم البيئيّة والبشريّة النّاجمة عن تداعيّات تغيّر المناخ عنوان واقع الحياة اليوميّة في عالمنا المعاصر، ممّا يستدعي لأن تخطّط الدّول وبشكلٍ متسارعٍ موازٍ لهذه التّغيّرات وتأثيراتها على الجوانب الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسّياسيّة والبيئيّة في مجتمعاتها، محذّرةً أن تكون تلكَ الآثار أكثر حدّة وكارثيّة في كلّ الدّول سواء نامية أو متقدّمة، وهي في معظمها تغيّرات غير مستدامة تهدّد بركود اقتصاديّ وتفكّك اجتماعيّ واختلال في الأنظمة الإيكولوجيّة، إن لم يكن اندثار واختفاء الكثير من القِيَم والموروثات الاجتماعيّة والثّقافيّة والبيئيّة في بعض الدّول.

وأشارت إلى أنّ التّغيّرات المناخيّة ستتواصل بديناميكيّة متسارعة بشكلٍ قد لا يمكن التّنبّؤ به إلا في حدودٍ معيّنة، مثل: التّنبّؤ بزيادة درجات الاحترار العالميّ، ندرة الموارد، ارتفاع أسعار الموادّ الغذائيّة، زيادة الطّلب على الطّاقة وزيادة تدهور الموارد الطّبيعيّة، مبيّنةً أنّ العوامل الأخرى المتفاعلة مع هذه التّغيّرات – وبحكم طبيعتها – لا يمكن التّنبّؤ بها كذلك إلّا في حدود ضيّقة مثل: انهيار الأنظمة الماليّة، تصدّع الأمن العالميّ، زيادة انتشار الأمراض الوبائيّة، تكرار وزيادة تمرّد وثورات الشّباب، زياردة الهجرة ونازخي التّغيّرات المناخيّة وغيرها.

وعن أثر تلك التّغييرات والكوارث المناخيّة، بيّنت د. صباح الجنيد أنّها ستعيق جميع الدّول بشكلٍ عام، والدّول الجزريّة الصّغيرة النّامية بشكلٍ خاصٍ، وبأكثر حدّة، وتُهدّدها في تحقيق أهدافها في مجال التّنمية المستدامة. وفي لقاءٍ صحفيّ مع الأكاديميّة قالت: (مملكة البحرين تمثّل حالة فريدةً للدّول الجزريّة الصّغيرة النّامية، على الرّغم من أنّها ليست إحدى الدّول الباسفيكيّة أو الكاريبيّة التي تركّز عليها التّقارير العالميّة بارزة الصّوت في المفاوضات المناخيّة، فمساحتها محدودة وكثافتها السّكانيّة عالية ومواردها الطّبيعيّة محدودة جدًّا، وسطح جزرها منخفض، وتتعرّض أراضيها إلى ضغوط متواصلة بسبب التّنمية الاجتماعيّة التي يجب أن توفّر العديد من المشاريع الإسكانيّة، والتّنمية الاقتصاديّة التي تركّز على العديد من المشاريع الاستثماريّة وتتطلّب مساحات شاسعة من الأراضي والتّنمية الصّناعيّة). مردفةً: (كغيرها من الدّول الجزريّة، قد تتعرّض مملكة البحرين للكوارث النّاتجة عن ظاهرة تغيّر المناخ وارتفاع مستوى سطح البحر)، إذ أوضحت نتائج تقارير البلاغ الوطنيّ الأوّل والثّاني لمملكة البحرين المُقدّمة إلى الاتّفاقيّة الإطاريّة لتغيّر المناخ أنّ تغيّر المناخ قد يؤدّي إلى تهديدات خطيرة ناتجة عن ارتفاع مستوى سطح البحر حول جزر البحرين المتناثرة ذات السّطح المنخفض، وقد يؤثّر هذا الأمر على البنية التّحتيّة والقطاع الزّراعيّ والصّحة والمياه، وقد يزيد من تآكل السّواحل وتناقص التّنوّع البيولوجيّ وتناقص مساحة وكثافة الغطاء النّباتيّ، كما ستتزايد الضّغوط على مصائد الأسماك والشّعاب المرجانيّة خلال الفترات القادمة بسبب قابليّة تأثّرها البيئيّ المرتفعة جدًّا.

وأشارت الجنيد إلى أنّ ما يزيد عن ثلث مساحة البحرين معرّض للغرق، كما تشير بذلك الدّراسات الوطنيّة والدّوليّة، وقد تفقد البحرين نصف أراضيها إذا ما تضافرت عوامل متعدّدة في زيادة ارتفاع سطح البحر، ممّا سيعرّض الكثير من قلاعها التّاريخيّة وموروثها الثّقافيّ إلى الخطر. وأكّدت أنّ المملكة تحاول التّصدّي لجميع القضايا التي حدّدها برنامج عمل بربادوس في التّقارير الوطنيّة البحرينيّة المقدّمة إلى مؤتمر القمّة العالميّ للتّنمية المستدامة في 2003 و2012م، لكنّها لا تزال تواجه تحدّيات تنمويّة كبيرة مثل تلك التي تواجهها الدّول الجزريّة. وقالت: (على الرّغم من أنّ التّنمية المستدامة تُعتَبر مسؤوليّة وطنيّة أساسًا، إلّا أنّ نجاحها يتطلّب تعاونًا دوليًّا فعّالاً من خلال تطبيق مبادئ وأهداف المؤتمرات البديلة التي تتالت خلال الثّلاثين سنة الماضية).

وخلال حديثها، ناشدت د. صباح الجنيد الدّول المتقدّمة من منطلق كون البحرين دولة جزريّة نامية بالالتزام بمسؤوليّاتها الأخلاقيّة والقانونيّة لكبح جماح الانبعاثات وتقديم الدّعم المادّيّ والفنّيّ والتّكنولوجيّ لتعزيز الجهود الوطنيّة في الدّول الأقلّ نموًّا لمواصلة تنفيذ معظم البرامج ذات الصّلة بالتّغيّرات المناخيّة وبناء قدراتها الآن أكثر من أيّ وقتٍ مضى، وذلك لتخفيف الكوارث البيئيّة واحتواء الأزمات الوطنيّة والمجتمعيّة المتصاعدة، من أجل المساهمة في عمليّة التّنمية العالميّة والسّلام.

كما أوضحت أنّ الاتّفاقيّات والجهود الدّوليّة لم تعد قادرة حاليًّا وبشكلٍ متزايد على تفادي الكارثة التي ستحلّ بكوكب الأرض، بسبب عدم وجود الآليّات الفعّالة التي تُلزِم دول العالم كافّة باتّخاذ الإجراءات الاحترازيّة والتّخفيفيّة المطلوبة. وقالت: (حان الوقت للتّوصّل إلى نظام فعّال جديد قبل فوات الأوان، يُبنى ويرسو على أسس الاتّفاقيّات السّابقة وإيجاد آليّات عمليّة قابلة للتّنفيذ، تأخذ بعين الاعتبار الظّروف الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسّياسيّة للمجتمعات، كما تأخذ بعين الاهتبار التّعليم والتّوعية ونقل التّكنولوجيا والاستهلاك المستدام). وأملت د. الجنيد أن يتمّ التّوصّل إلى اتّفاقيّة جديدة في باريس 2015م، تكون ملزِمةً قانونيًّا للدّول الأكثر تلويثًا، وبمساهمة من الدّول النّامية حسب الإمكانيّات والدّعم المقدّم، وبما يكفل تحقيق التّنمية المستدامة.