لقارئ باب علامات تم اختيار واحدة من مقالات اميل زيدان رئيس تحرير مجلة "كل شيئ والدنيا" المصرية. تعود المقالة لعام 1933، وفيها يستحضر رئيس التحرير أرواح أربع شخصيات تاريخيّة مصريّة طوتهم يد الردى، ليطرح عليهم وجهة نظرهم في مستقبل لم يدركوه بالحياة.

لو عادوا إلى الحياة: لإميل زيدان

أثير محمد على

تلتفت علامات "الكلمة" لهذا العدد إلى عام 1933، لتستعيد مادة نشرت في مجلة "كل شيئ والدنيا" التي كانت تصدر في القاهرة، وفيها يستحضر رئيس تحريرها اميل زيدان أرواح أربع شخصيات طوتهم يد الردى، وهم: مصطفى كامل، الشيخ محمد عبده، أحمد عرابي، وقاسم أمين، ليسألهم عن أمنيته فيما لو تسنت له فرصة العودة للحياة.

المقالة تتضمن وجهة نظر اميل زيدان، وتصوراته لرؤية هذه الشخصيات وهي تخضع لسياق صراعات الظرف التاريخي المصري لعقد الثلاثينات من القرن العشرين. إضافة إلى أن محرر "كل شيئ والدنيا" يقنّع نقده السياسي والاجتماعي والديني للمرحلة التي يعيشها بردود يجعل لسان هؤلاء الرواد ينطق بها.

ضمن هذا المسار تنشر علامات "الكلمة" إجابة هذه الشخصيات التاريخية المصاغة من قِبَل اميل زيدان، إلا أنها بنفس الوقت تحاول أن تحفز القارئ على تصور إجابتها فيما لو عاشت سياق عصرنا الراهن. 


لو عادوا إلى الحياة

اميل زيدان


مصطفى كامل
ضد مصطفى كامل

قال مصطفى باشا كامل: "لو عدت إلى الحياة جعلت همي ووقفت جهودي على محاربة مصطفى كمال. إن الجامعة الإسلامية كانت أول شيئ في برنامجي، وهيبة السلطان كانت عندي مقدسة. ولا شك أن الانجليز لا يسمحون لي بالعودة إلى وطني أبداً، وإذن كنت انضم إلى مصطفى كمال أول الأمر إلى أن ينتصر. لكني كنت أثير عليه الجماهير بقوة بياني وفصاحتي عند تفكيره في إلغاء الخلافة.

آه لو كنت حياً!! إن الخلافة كانت تبقى حتى الآن، ويلتف حولها العالم الإسلامي. غير أني كنت لا أقر صلح مصطفى كمال سياسياً لانتهز فرصة الخوف من الشيوعية وخلاف الحلفاء على الأسلاب ونية ألمانيا على خرق معاهدة فرساي، ليزحف على سوريا والعراق وبلاد العرب ومصر... وما كانت بريطانيا تحرّك ساكناً لاشتغالها بثورة الهند، وثورة إرلندا، وثورة مصر. بالاختصار كنت أكون داعية و "بروباجندست" للخلافة وألبس عمامة بدل الطربوش زيادة في التأثر على العقول". 

الشيخ محمد عبده
يلغي الأوقاف ويضم الأزهر إلى الجامعة
وصرح لي الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده قائلاً: "لست أفهم معنى لبقاء الأوقاف إلى الآن. ولست أفهم معنى لفصل الجامعة الأزهريّة عن الجامعة المصريّة!

لو كنت حياً لبذلت جهدي في إلغاء الأوقاف كلها ما عدا الأوقاف الخيريّة. وكذلك كنت أسعى لضم الأزهر إلى الجامعة، ففي توحيدهما قوة هائلة.

إنني أول من عمل على إصلاح نظام التعليم في الأزهر، فحبذا لو عدت إلى الحياة لكي أعيده إلى سابق مجده.

لكن لله في خلقه شؤوناً... هذا ولا تنس أنني كنت أخلع العمامة وألبس الطربوش لأساير روح العصر". 

أحمد باشا عرابي
يشتغل بالزهد والدعوة إلى السلم

قال: "لو عدت إلى الحياة لما اخترت أن أكون جندياً لأن جيشنا المصري أشبه بالبوليس منه بقوة يعتمد عليها في صد الغارات ومكافحة العدو. بل بوليس البلاد الراقية أكثر منه استعداداً وأوفر عدة وأعظم تدريباً.

وأظن أني كنت أفضل الاشتغال بالزهد لأعطي درساً لبني وطني الذين صاروا نفعيين، لا يهمهم إلا إشباع شهواتهم بأية وسيلة، بقطع النظر عن مصلحة الوطن ومصلحة الأجيال المقبلة.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى كنت أدعو إلى السلم، وأطلب إلى الأحزاب والأفراد والهيئات أن تتصافى وتتكاتف في خدمة الوطن وإنقاذه من الانجليز.

وبالاختصار لو عدت إلى الحياة كنت أدعو إلى الزهد علاجاً للروح النفعية على حساب البلاد، وإلى السلم والمحبة، لأنهما علاج التنابذ والشقاق. وبذلك أسدي أجلّ خدمة لبلادي وأقضي على سياسة فرق تسد". 

قاسم بك أمين
يدعو إلى سفور الرجل
ابتسم قاسم بك أمين وقال: "أتظن أني لو عدت إلى الحياة أشتغل بتحرير المرأة وأجاهد لأجعل سفورها شاملاً كاملاً؟.. كلا!!

إن المرأة المصرية يمكن اعتبارها في حكم المحررة من جميع القيود، وما هي إلا سنوات قلائل، حتى ترى المرأة المتعلمة في كل مكان تعمل إلى جانب الرجل وتسايره وتختلط به.

إنه ليسرني أن دعوتي نجحت وأن البنات في المدارس يتفوقن على الصبيان، فلا تظن أني أعمل شيئاً للمرأة، إنما كنت أكرس جهودي للدعوة إلى سفور الرجل.

إن الحالة الحاضرة تدل على أن الرجل المصري محجّب، وأنه يعيش بين الجدران ولا يغامر في تيار الحياة، ويستحي من الصراع أو يخاف منه. نريد رجالاً قد تحررت عقولهم وقلوبهم ينزلون إلى ميادين الأعمال الحرة، ويتحملون آلام الجهاد في سبيل تحرير بلادنا اقتصادياً ومالياً.

متى تحرر الرجال، فقد فازت مصر بسعادة الجنسين اللطيف والخشن".

(كل شيئ والدنيا، ع 381، القاهرة، 22 فبراير 1933).