في ذروة الزحف الأمريكي والغربي للتحرك في منطقة الشرق الأوسط، يحاول الكاتب المغربي أن يقربنا من الخلفيات الحقيقية للحرب الجديدة ومن الخطط التي تحكمت في ميلاد التطرف..

داعش «ذريعة» الاستبداد العربي والاستكبار العالمي

حـفيـظ ياسين

قبل أي كلام لابد من إدانة أعمال القتل التي تجري ضد المدنيين، لا للعنف لا للعنف لا للعنف. ثم نتسائل مع المواطن البسيط، أمريكا وهي تحشد العالم والتأييد الدولي، تتحرك مجانا؟ انه النفط ، عليه مدار التحرك الدولي في المنطقة وما "داعش" إلا صناعة استخباراتية تطورت ووجدت الأرض الخصبة فيما تفرخه الجامعات والاجتهادات الشاذة التي تمولها أنظمة البترودولار ، في تواطئ غير رسمي وغير مباشر بالمنطقة شعاره عدو عدوي صديقي، ونكاية في التنظيمات المجتمعية الجادة والمسؤولة والسلمية والتي شاركت أو قادت الحراك العربي ولازالت تكافح من اجل شعب الكرامة والحرية والعدالة بصدق وغيرة ووطنية .

إن جر واستقدام "مراهقين" إلى العنف ومخاطره ومزالقه يخدم أجندة معينة مسطرة المعالم واضحة الأهداف ، بعد تحقيق المأمول منها،  يتم الإجهاز عليها، غلمة هم  نتيجة طبيعية لتعليم وتربية  "موجهين " وإخراج رديء يتخذ من المذهب السلفي مرجعه والتكفير عنوانه .

ويظن الأمير ومعه "عصابته" في "غزواته" أنهم في عمل بطولي جبار، يسبي ويقتل ويفشي الرعب في الأبرياء ،وما هو إلا الوهم والعجب يهدم ويشوه مدنا وقرى، فيصير لدى الكثيرين الاستقرار تحت وطأة الاستبداد وبكل سلبياته أفضل لها من العيش في "دار الحرب"، مجموعة لا يلمها إلا سفك الدماء والحصول على المال والنساء وتوزيع صكوك "الغفران" على العباد وهذا كله في زعمهم "دولة".

إن تسويق "صورة" معينة عبر الآلة الإعلامية الجهنمية العالمية حاليا ، يتيح الفرصة أمام الأنظمة العربية المستبدة التي تبحث عن إجراءات أمنية  "خاصة" ومشددة ثبت فشلها في تجارب سابقة ، خاصة بعد الربيع العربي الذي لم ينتهي بعد ، للتضييق على مزيد من الحريات وممارسة التعذيب والانتهاكات الجسيمة تحت يافطة محاربة "الإرهاب" وخنق المعارضات الجادة وكتم الأصوات، والتضييق على الحركات المجتمعية المعتدلة سواء الإسلامية منها أو الإنسانية .

بل حتى الكيان الصهيوني استغل هذه المرحلة، لربط حركة حماس  والفصائل المناضلة  عموما  ليهدد ويمهد  لنزع سلاح المقاومة والتنكيل بها، و تقوت الهجمة في بعض المنابر الإسرائيلية هذه الأيام بعد إعلان الانتصار.

وهو أيضا فرصة كبيرة ل"دولة الشر" كما يحب الكثيرون تسميتها لبسط السيطرة في المنطقة وحشد معاونيها الأوربيين  لخرق سيادة الدول والحصول على البترول بأرخص أسعاره بمقابل الاستمرار في تامين محمياتها بالخليج .

إن التضخيم من شأن الظاهرة خاصة في وسائل الاتصال السمعية البصرية ، قد يعطي نتاج عكسية وبدل التشهير المجاني والتسويق الاعتباطي ، يجب على المهتمين صدقا بالأمور تدقيق المعطيات وتجميعها لإيجاد حل جذري دائم بدل الحل العسكري الجاهز الذي يذهب ضحيته الكثيرون ويدفع الى عنف مضاد غالبا، ولا يمكن بتاتا القبول بالتطرف في الواقع العربي القابل للانفجار في أي لحظة، بل حاجتنا إلى الحوار تزداد ضرورتها يوما بعد يوم، وكان الله للعراق وأهله الذين مزقتهم القبلية كما فعلت بالجهاد الأفغاني قبلهم .

 يجب ان نستوعب الاختلاف بكل مشاربه وتنوعاته ونتعلم الاستماع الى الاخر والقبول به مهما كانت آرائه شريطة عدم تبنيه العنف كوسيلة باي شكل من الاشكال، و اختيار الاحتكام إلى الآلية الديمقراطية كمفتاح جزء كبير لمشاكل بلداننا العربية، وهو صك القطع الجذري مع العنف السياسي والتغيير العميق المنشود القريب إن شاء الله .

و يمكن استحضار التجربة التونسية كدرس واقعي قوي وفعال، والتي قطعت مع "التطرف" واستصدرت قانونا خاصا يعالج الظاهرة ويقتلعها من جذورها عبر استراتيجية واضحة وطنية سليمة ومدروسة لم تكن الإجراءات الزجرية إلا جزءا مكملا، تطبيقا لقولة "آخر العلاج الكي"، بعد بداية تأسيسية صحيحة لوطن يجمع الجميع دون إقصاء، وإعادة النظر في المناهج التعليمية وفسح المجال أمام حركات التحرر الوطني المعتدلة والتي تتبنى الخيار الديمقراطي كالنهضة مثلا، والعمل على ترسيخ التوافق والحوار بين مختلف الفرقاء السياسيين والفضلاء والغيورين لبناء مستقبل الأجيال القادمة وبلد منافس وقوي.