تكشف قراءة الناقد المصري المستبصرة لهذا النص الكوري أهمية قراءة أعمال أدبية من جغرافيات لم نهتم بها الاهتمام الكافي، وهي قراءة نعرف منها الكثير عما وراء النص من علاقات وأوجاع تسري داخل الجسد الكوري الذي عانى من التمزق إلى بلدين طوال سنوات الحرب الباردة، ولايزال يطمح إلى وحدته المستعصية.

مقاربة الواقع في الرواية الكورية المعاصرة

قراءة في رواية «موعدٌ مع أخي» للكاتب لي مون يول(1)

أحمد علواني

فى البدء .. استهلال:
«أنا واثق من أنه لن يطول الوقت، على يقين من أن شملنا سيلتئم قريباً»

(الأخ الأكبر/الجنوب كورى). الرواية: ص87.

فى رواية (موعدٌ مع أخي) يطرح الكاتب قضية فصل شبه الجزيرة الكورية إلى بلدين: "شمالى" و"جنوبى"؛ ولكنه لا يعرض القضية من المنظور التاريخي السياسي(2)؛ بل من المنظور الفني الإنساني. فالكاتب لا يناقش قضية الانفصال متبنياً الحقائق التاريخية، أو سارداً للملابسات السياسية، والضغوط الخارجية التي أدت إلى انقسام دولة واحدة إلى دولتين؛ ولكنه يطرح رؤيته الإنسانية حول تشظى شعب واحد إلى شعبين. يأتي هذا الطرح الفني عبر سرد الكاتب لتاريخ أسرة، تشظت وانشطرت إلى شطرين، شطر في الجنوب، وآخر في الشمال. ويتجلى ذلك بوضوح منذ عنوان الرواية: "موعدٌ مع أخى".

وبالولوج إلى متن الرواية، ومنذ البدء سنجد أن السرد يبدأ بضمير المتكلم، فالبطل يحكى عن نفسه وعن أسرته وحياته في الجنوب مع أخوته وأمه، ولكنه يفتقد إلى الأب الذى رحل إلى الشمال وانقطعت أخباره، ومن هنا تبدأ رحلة بحث البطل عن والده؛ ويستدعى هذا أن يرتحل البطل من الجنوب إلى الشمال محاولاً العثور على أبيه، ويظن البطل أن الأمر سيكون سهلاً؛ ولكنه يجد تعقيدات هيئة التخطيط الأمني، ووضع صعوبات وتخويفات فعلى النحو الآتي يخاطبه موظف التخطيط الأمني ليثنيه عن رغبته في زيارة كوريا الشمالية من أجل رؤية أبيه:

«إننا لا نضمن أمنك حال شروعك في مثل هذا الاتصال السرى. تصور أن قليلاً من عملائهم السرييين أتوا مع أبيك واختطفوك إلى كوريا الشمالية. هل تظن أنهم سيسمحون لك بادعاء أنك قد وقعت ضحية حادث اختطاف؟ وما الفائدة، حتى لو أصررت أنك اُخْتُطِفت؟ أقترح عليك الإقلاع عن الفكرة تماماً. بالفعل ليس الوقت مناسباً بعد. لم نكن لنثنيك عن هذا الأمر بالإقناع لو لم تكن تتمتع بأية أهمية عندنا. إننا نطلب منك أن تتوخى الحذر، لأنك لو كنت تخطط لشيء من هذا القبيل ولم تفلح، فإن الأمر سيتجاوز حدود الكارثة لك ولأفراد عائلتك، ويتحول إلى ضربة قاسية لكوريا الجنوبية. نحن نتفهم أمنيتك المُلحَّة، لأن والدك في الثمانين من العمر. ومن الطبيعى أن تتوق لرؤية أبيك قبل موته، ولو لمرة واحدة، ولكن هذا ينطوي على مخاطرة جسيمة لكل من لهم علاقة بالأمر»(3).

على النحو السابق ترى هيئة التخطيط الأمني أن زيارة البطل لأبيه في كوريا الشمالية تنطوي على مخاطرة جسيمة، وربما أدت الزيارة إلى كارثة؛ بل وصارت ضربة قاسية لكوريا الجنوبية، وبذلك تحول هيئة التخطيط الأمني دون رؤية الابن لأبيه، ويُصاب البطل بالملل والإحباط، ويخيم عليه الصمت والحزن، فيعبر عن حالته قائلاً:

«كان شعوري بالإحباط واللاجدوى طاغياً لدرجة أنني انفجرت باكياً في ذلك اليوم»(4).

ومن اللافت للانتباه أن البطل لم يرضخ لهذه المعوقات القهرية، فرغبته في رؤية والده تدفعه إلى الاحتيال ودفع المال لمن يساعده على رؤية والده أو زيارته في كوريا الشمالية. وهنا يستعين بـ "مستر كيم" ويغدق عليه مالاً كثيراً للقيام بتسهيل المهمة.

ويعكس بحث البطل عن والده رغبته في الاتصال بأصوله، أو البحث عن جذوره؛ وعلى الرغم من بذل البطل للمال في سبيل رؤية أبيه إلا أن أمله لم يتحقق، فقد مات الأب، وحُرم الابن من رؤيته، وهنا يعرض "مستر كيم" على "البطل" عرضاً جديداً:

«ما رأيك في أن تقابل أحد إخوتك، بدلاً من أبيك الذى لن تستطيع الالتقاء به أبداً؟ يبدو لديك من الأخوة القليل»(5).

وبناء على الاقتراح السابق يجد البطل نفسه في حيرة من أمره، لأن فكرة رؤية أخيه من أبيه لم تخطر له على بال، ولم يفكر فيها، أو يسعى إليها، ولذلك فالبطل لا يرد على هذا المقترح الجديد لا بالسلب أو الإيجاب، لا يصرح بالقبول أو الرفض.

وهنا وجد البطل نفسه إزاء إشكالية كبرى، إنها "موت الأب"، فالأمر لا يقتصر على رجل رحل عن الحياة ودُفن جسده، وانتهى أمره، فموته فتح الباب على قضايا صعبة وتساؤلات محيرة، وضعت البطل أمام حيرة كبيرة، وقد أخذ في البوح عن ذلك كله عبر تيار وعيه، والأفكار المتدفقة على عقله، والتساؤلات المنفتحة بينه وبين نفسه، فتقرأ هذا المنولوج الداخلي:

«لم أكن أيضاً على يقين من الطقوس التي  يتوجب على أداؤها كابن أكبر لأبي. أينبغي عليّ أن أنصب مقصورة لروحه وأرتدى ملابس الحداد، رغم أنه قد فات أوان هذه الممارسات؟ كيف أقوم بتحديد نهاية فترة الحداد الخاصة به، وليصح لي أن أحيى الذكرى السنوية لوفاته فيما بعد، وهل من الأفضل لي أن أدعو لشعائر صلاة للترحم على روحه في معبد بوذي أم كنيسة مسيحية؟ وما الذى ينبغي علىَّ القيام به حيال وثيقة الإقامة التي  تفيد أنه لم يزل حياً؟ هل سيعتبر إبلاغي عن موته قانونياً؟ هل ينبغي إبلاغ مجلس العشيرة، الذى يقوم الآن بإعداد كتاب في علم الأنساب حول الفرع الذى انحدر منه في العشيرة؟ أم هل عليَّ أن انتظر حتى يتسم الكبار بقدر كاف من الليبرالية تمكنهم من استيعاب فكرة ضم أقاربي إلى الشمال في شجرة النسب؟»(6 ).

وينقل المقطع السابق مونولوجاً داخلياً يعكس حيرة البطل وارتباكه، وعدم قدرته على اتخاذ القرار في مسائل عدة، فلم يعد يعرف إذا كان والده قد مات بالفعل في الشمال، أم أنه لم يزل حياً؟ وإذا كان موته حقيقة، فما يتوجب علي البطل فعله بشأن طقوس الموت، والممارسات الواجبة، من ضرورة نصب مقصورة لروحه، وارتداء ملابس الحداد، والصلاة عليه، والإبلاغ عن موته، وضم الأخوة في الشمال إلى شجرة النسب في الجنوب، بوصفهم فرعاً من فروع العائلة.

وقبل أن يأخذ البطل قراره، يفكر في "أمه" وحتمية إبلاغها نبأ وفاة الأب، وهنا يكشف لنا الراوي عن الأبعاد الرمزية في رسم الشخصية، ويتجلى ذلك بوضوح في حديث "البطل" عن أمه، فتقرأ:

 «إن أمي قد تعلن بوضوح عن أعراض الإصابة بمرض الزهايمر منذ بداية الشتاء، وليس هناك ما ينبئ عن ردة الفعل الغريبة التي  يمكن أن يثيرها مثل هذا الخبر عندها»(7).

ومن الملحوظ في النص السابق أن "الأم" ـ التي  تقطن في الجنوب ـ لم تعد تهتم بوجود الأب أو وفاته، لم يعد يعنيها الأب في شيء، وذلك بعد رحليه إلى الشمال، فقد رحل وتركها، ثم تزوج بأخرى وأنجب منها خمسة أطفال، وهنا انشغلت الأم بأبنائها وعكفت على تربيتهم في الجنوب، وتركت أمر الأب الذى انفصل عن الجنوب والتصق بالشمال، فلم تعد تهتم بأمره، ومع مرور الزمن، وتقدمها في العمر أصابها مرض الزهايمر/النسيان، وبذلك نست الأب تماماً. وفى هذه الصورة يتجلى لنا بعداً سيميولوجيا في رسم الكاتب لشخصياته، فالأب يمثل الوطن الواحد/ شبه الجزيرة الكورية، هذا الأب الواحد أنجب أبناء في الجنوب، وأيضاً في الشمال، هؤلاء الأبناء يمثلون الشعب الواحد، أو أبناء الوطن الواحد، والأرض الواحدة، ويمكن تخيل هذه العلاقة السيميولوجية ومدلولاتها عبر الرسم التوضيحي الآتى:

 

أبناء فى الشمال

 

 

(الأب الواحد)/(الشعب الواحد)/(الوطن الواحد)

 

 

 

أبناء فى الجنوب

 

 



(الأبناء)/(الأخوة) = (الوحدة)

فثمة أبٌ واحد، أنجب أبناء في الجنوب وأبناء في الشمال، هؤلاء الأبناء أخوة، خرجوا من صلب هذا الأب، وحملوا اسمه وانتسبوا له، وانتموا إليه. إذن فثمة دمٌ واحد يجرى في عروقهم، وأصل واحد يجمع بينهم، وصلة رحم تؤلف بين قلوبهم، وهذا كله يدفعهم ليتحدوا ويتوحدوا، تحت راية واحدة وعلم واحد. هذه هي القضية الأساسية التي يطرحها الكاتب في روايته، ويقلبها على وجوه عدة، ليناقشها، ويعالجها من جوانب مختلفة، بحسب تنوع الرؤى، أو اختلاف وجهات النظر.

إذن ينتهي بحث البطل عن والده بحقيقة موته، ولكن هذا الأب الذي مات ترك خلفه من يحملون اسمه، وهنا يُلقى الكاتب بمسئولية إحياء ذكرى الأب على البطل/الابن الأكبر وهو الأستاذ الجامعي الذي يقطن الجنوب الكوري، ومن هنا ستظهر فكرة سعى البطل/الابن الأكبر إلى أخيه من أبيه/الأصغر، فتقرأ:

«قررت أنه يتحتم علىَّ أن أعرف الحقائق والظروف بدقة قبل أن أتمكن من اتخاذ أية خطوة، وحينئذ فقط شعرت بالحاجة إلى مقابلة أخي»(8 ).

إن سعى البطل إلى أخيه يعكس الأمل في الوحدة، إنه يريد أن تلتئم جراح الماضي، أو يرغب في لم شمل الأسرة الواحدة التي تشظت بين شمال اشتراكي، وجنوب رأسمالي، إنه يأمل في تحقيق الاتحاد بين الأخوة الكوريين (الشماليين والجنوبيين)، ليتحولوا من الأخوة الأعداء إلى الأخوة الأصدقاء، فالدم الواحد يحتم عليهم ذلك ويفرضه بقوة.

لقاء الأخوين .. لقاء العدوين:
يطرح الكاتب التبعات والاختلافات السياسية والأيديولوجية والثقافية والاقتصادية التي نتج عنها انقسام الكوريتين، ويتم الطرح بطريقة فنية، وذلك عبر لقاء الأخوين، فقد عبر الأخ الأكبر/ الجنوب كوري عن تخوفاته من لقاء أخيه الأصغر/ الشمال كوري، فاللقاء أشبه بلقاء الأعداء، وهذا ما صرح به البطل عندما أخذ في وصف مشاعره، وعبر عن حيرته، فتقرأ:

«لم أكن متأكداً بالمرة من كيفية التصرف بطريقة ملائمة مع أخي في أول لقاء لى به. أنا ألتقى بأخي غير الشقيق للمرة الأولى في حياتى، وبيننا رصيد من العداء الفطري والوراثي دائم الوجود بين الأخوة غير الأشقاء. لم أكن متأكداً مما ينبغي أن أقوله له. لم أكن متأكداً حتى ما إذا كان ينبغي عليَّ استخدام الطريقة العادية والمألوفة العارية من الكلفة معه أم لا؟»(9 ).

على هذا النحو صرح البطل بمشاعره المتضاربة والمزدوجة تجاه أخيه الأصغر، فما هي حقيقة مشاعره؟ وكيف سيتعامل معه؟

ويبنى الكاتب مفارقة اقتصادية بين الشمال والجنوب الكوريين، وقد أخذت هذه المفارقة شكلاً فنياً؛ إذ صاغها الكاتب عبر الأخوين، فمن خلال المستوى الاجتماعي والطبقي يرسم الكاتب سعة يد الأخ الأكبر/ الجنوبي وثرائه؛ وكيف يتباهى بذلك على أخيه الأصغر/ الشمالي، لأنه يتمتع بدخل مالي كبير، ويحيا في ظل وضع اجتماعي أفضل. ولقد فطن الأصغر إلى تباهي أخيه الأكبر بثروته وواجهه قائلاً:

«إذن، لقد كنت تتباهى بثروتك طيلة الوقت؟»(10).

ويرد الأخ الأكبر مدافعاً:

«آه! لا. لقد أخبرتك فقط كيف أعيش»(11).

فهو يبرر بهذه الرد طريقته الاستعراضية في المفاخرة بممتلكاته ومدخراته وثرواته.

وإذا كان الأخ الأكبر قد نجح في الدفاع عن نفسه بلسانه؛ فإن حمرة وجهه تفضح أمره، فتقرأ ـ بضمير المتكلم ـ وصفه لنفسه: «دافعتُ عن نفسى بسرعة، لكنني كنت أتوارى خجلاً من حمرة وجهي»(12). فالوجه يُبدي ما يخفيه من مشاعر الخزي والارتباك.

ويُلح الكاتب على مشاعر العداء بين الأخوين ليظهرهما بوصفهما عدوين أو خصمين أكثر من إظهارهما أخوين، ولقد اشتعلت مشاعر العداء بين الأخوين عند سؤال الأخ الأكبر عن معيشة أخيه الأصغر:

«"وكيف تعيشون، إذن؟"

وجهت السؤال لأُظهر مدى اهتمامي بسعادتهم ورفاهيتهم، لكن طغى العداء في عيني أخي بصورة ملحوظة»(13).

فالأخ الأصغر/ الشمال كورى يرى أن توجيه مثل هذا السؤال بمثابة إهانة، ولذا يستفهم مستنكراً من السؤال السابق:

«كيف تتجاسر؟ هل تريد أن تسمع بأننا نتضور جوعاً؟»(14). وهنا سيرد الأخ الاكبر ليبرر موقفه، ويوضح مغزى سؤاله السابق:

«الأمر ببساطة هو أننا من دم واحد، ولابد علينا أن نكون دعماً لبعضنا البعض حتى تحدث الوحدة»(15).

كما يتجدد نزاع الأخوين، ويتبلور صراعهما حول أحقية كل منهما في إحياء الذكرى السنوية لوفاة والدهما، حيث يخاطب الأكبر أخاه الأصغر قائلاً:

«الأفضل أن أقوم بها أنا. سأقيم مراسم وشعائر إحياء ذكراه السنوية في اليوم الأول والخامس عشر من كل شهر، قلتُ بطريقة حاسمة»(16). ولقد أدى قول الأخ الأكبر إلى تضخم مشاعر العداء في نفس أخيه الأصغر، فاشتعل الغضب في عينيه، ولم يرضخ لقول أخيه الأكبر، بل تمرد عليه، مصرحاً بعدائه: «تعنى أنك تريد أن تأخذ إقامة مراسم إحياء الذكرى السنوية منا؟»(17).

وسيستعرض الأخ الأكبر لحججه التي  تبرر أحقيته في إقامة مراسم إحياء الذكرى السنوية لوفاة الأب، فهو الابن الأكبر، الذى يحترم تقاليد العشيرة ويحافظ عليها، فهو وريث العشيرة، وأسرته هي العائلة الكبيرة، لذا فمن الصعب أن يتنازل عن إقامة مراسم الإحياء.

وبقدر كثرة حججه ومحاولة إقناع الأخ الأصغر إلا أن شرر الغيظ ومشاعر العداء المتواصل لم تهدأ في عيني الأصغر، ولا يقتصر هذا الشعور العدائي على الأصغر فحسب، فالأخ الأصغر يشترك معه في هذه المشاعر العدائية، فتقرأ:

«كان أخي يعانى نفس العداء الذى شعرتُ به عندما فكرتُ في أبناء أبى من زيجته الثانية، عداء قائم حتماً بين الإخوة غير الأشقاء»(18).

سيلحظ المتلقي أن الكاتب يناقش قضية أحقية كلا الأخوين في إحياء ذكرى وفاة الأب، فهي القضية المطروحة ظاهرياً، ولكن ثمة قضية مطروحة باطنياً، فمن الصعب قراءة قضية الأخوين في الرواية بمعزل عن انقسام الكوريتين، فكلاهما وجهان لعملة واحدة. إن قضية إحياء ذكرى الأب ترمز إلى ضرورة إحياء الوطن الواحد الذى تشظى إلى شمال وجنوب، وما أدى إليه التشظي والانقسام من تبعات واختلافات بين أبناء الوطن الواحد. ولا يزال الكاتب يواصل هذه القضية ويقلبها على وجوه عدة، يحاول أن يبحث عن طريق واحد لجمع الأخوين قبل فوات الأوان.

ولقد تم اللقاء بين الأخوين، وسيطر عليه مد وجزر أو تقارب وتباعد أو تجاذب وتنافر، فالأخ الأكبر/ الجنوب كوري لم يكن متأكداً من كيفية التصرف بطريقة ملائمة مع أخيه الأصغر في أول لقاء بينهما.. كما أن الأخ الأصغر/ الشمال كوري ذهب مباشرة إلى منزل خاله بدلاً من المجيء إلى لقاء أخيه الأكبر مباشرة، وهذا يُعرب عن عدم توقه لرؤيته. ومن اللافت للانتباه أن ارتباك (البطل/ الأخ الأكبر/ الجنوب كوري) تأخذ في التلاشي بمجرد رؤيته لأخيه الأصغر/ الشمال كوري، «عندما تطلعت في وجه أخي ... أدركت أن كل القلق الذى عانيته لم يكن من الضرورة في شيء. بدا أخي مألوفاً تماماً. كان وجهه عبارة عن نسخة طبق الأصل تقريباً من وجه أبي»(19).

فالملامح الوراثية التي  ورثها الأخ الأصغر عن والده تمحو ما ترسب في عقل الأخ الأكبر من مخاوف، فهما متشابهان، ثمة ملامح واحدة تجمع بينهما، أخذوها عن أب واحد/ وطن واحد، وضع بذرة في الجنوب ورحل ليضع نفس البذرة في الشمال لتنبت أيضاً، فالبذرتان متشابهتان، ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، فقد أخذ الراوي يُقرب من نقاط التلاقي والتشابه بين الأخوين، وقد ظهر ذلك في مسألة التسمية، فالأب قد حرص على تسمية أبنائه في الشمال بنفس الرمز المحدد لعشيرته في الجنوب، وكأن هذا الأب الواحد، الذى نشأ في الجنوب ثم رحل إلى الشمال، يحرص كل الحرص على عاداته وتقاليده الجنوبية، «فلم يتجاهل أو يستخف بتقاليد عشيرته في تسمية الأطفال»(20).

ولعبت نقاط التلاقي بين الأخوين دوراً في خلق حالة شعورية إيجابية بين الأخوين، فقد زال القلق وحلت الألفة، وسرت ارتعاشة وجدانية في قلبيهما. وسوف تتزايد مشاعر الألفة والوحدة بين الأخوين مع تناولهما للطعام والشراب سوياً، فهذا سيقلل الكُلفة، وسيقرب عرى المودة وسيقوي الرغبة في الوحدة، وخلال طقس إحياء الذكرى السنوية لوفاة الأب واسترجاع ذكريات الماضي، وهذا ما صرح به الأخ الأكبر في آخر اللقاء حيث نقرأ:

«الذكرى المشتركة لشرب أبى للبيرة قد قاربت بيننا، وأطاحت بالمسافات التي  تفصل بين أماكن إقامتنا. أحسست أنني لن أستطيع أن أترك أخي يغادر دون أن أعتذر له عن التضاغن الذى أظهرته في غرفتي بالفندق»(21).

إن الأب الواحد، والتاريخ المشترك يجمع بين الأخوين ويقربهما معاً، مهما باعدت بينهما المسافات الجغرافية، أو فصلت بينهما الحدود السياسية، فسيبقى الأب والماضي والتاريخ يُقرب بينهما، بل وسيدفعهما إلى تضافر الجهود سعياً لتحقيق الوحدة.

عنصرية أم دم واحد؟!
يطرح الكاتب قضية العنصرية بطريقة فنية؛ ولكنها ليست عنصرية عرقية من منطلق البيض والسود، إنها عنصرية تقوم على الأفضلية والدونية، وفى مقابل هذه العنصرية تتجلى قضية الدم الواحد الذى يجمع بين الكوريين. ففي رسم الكاتب لشخصية "صاحبة المقهى" تتبلور أمامنا هذه المفارقة الفنية، فيجسد الكاتب العنصرية/ التفرقة والأفضلية في مقابل الدم الواحد/ الوحدة والمساواة، حيث يعرض تجربة "صاحبة المقهى" وما تعرضت له من شقاء، وما لاقته من قهر وذل ومهانة أثناء العمل في كوريا الجنوبية؛ إذ تنتقد نظرة الجنوبيين المحتقرة بشأن عمال كوريا الشمالية، والمفارقة في الأجور، وتعقد مقارنة بين حياتها في الشمال الآن/ يان جي، وما عانت منه منذ عامين قضتهما تعمل في الجنوب/ "سول"، فتقول:

«عشت لمدة سنتين في سول ... بمجرد أن اكتشف الناس أنني من يان جي، نظروا نظرة وضعية وحاولوا الاحتيال عليَّ. حاولوا استخدامي جنسياً أيضاً ... الجميع كانوا يريدون تشغيلنا حتى الموت لو شموا خبر أننا من يان جي. المكان الوحيد الذى كان يدفع لنا رواتب مقبولة كانت أماكن العمل التي  يطلقون عليها 3-D  التي لا يعمل فيها مواطنو كوريا الجنوبية. لقد نصبوا على زوجي في أجره في أعمال الأجر اليومي. دائماً كانوا يخصمون جزءًا من أجره بذريعة أو بأخرى ... في كوريا الجنوبية لا يمكنني حتى أن أتقدم بطلب الحصول على عمل مكتبي، وفى المصانع يقولون إنهم سيدفعون لي مثل الفلبينيين. لماذا يدفعون لي مثلما يدفعون لهؤلاء البنات الكسولات اللاتي لا يفهمن أي شيء حتى التعليمات؟ كيف يستطيعون التصريح بهذا لمواطن مثلهم من أبناء جلدتهم؟»(22).

وفى عقد "صاحبة المقهى" للمقارنة السابقة بين العنصرية والانتماء لنفس الدم نلحظ تأكيدها ـ في أكثر من موضع ـ على انتماء الجنوبيين والشماليين لدم واحد، حيث تخاطب البطل/ الجنوب كوري مستنكرة: «كيف لك أن تقارننا بهم؟ نحن أبناء نفس الدم ... كيف يستطيعون التصريح بهذا لمواطن مثلهم من أبناء جلدتهم؟»(23).

ولا يقتصر إلحاح الكاتب على قضية الدم الواحد على هذا الموقف فحسب، ففي مواضع كثيرة أخذ يؤكد على الانتماء لنفس الدم أو وحدة الدم، ومنها:

       «إدراك هيمنة القومية ووحدة الدم»(24).

       «انتمائهم لنفس الدم»(25).

       «الأمر ببساطة هو أننا من دم واحد ولابد علينا أن نكون دعماً لبعضنا البعض حتى تحدث الوحدة»(26).

قضية الوحدة .. رؤى مختلفة ووجهات نظر متنوعة:
أهتم الكاتب بقضية الوحدة القومية بين الكوريتين، وحاول أن يناقشها مناقشة فنية، وذلك عبر شخصياته الروائية، التي  حملت وجهات نظر متنوعة: (قومية، اقتصادية، شعبية، ثقافية) وبذلك حلل الكاتب قضية الوحدة من زوايا متعددة.

• شخصية رجل الاتحاد .. وجهة النظر القومية:
عبر هذه الشخصية عرض الكاتب وجهة النظر القومية للاتحاد بين الكوريتين، فقد انصب حديث الرجل حول رثاء المجد الفاني لكوريا القديمة، كما ارتكزت خطبه على أهمية تحقيق الوحدة بوصفها خطوة أولى نحو استعادة ماضي الأمة المجيد، وقد تفاقم عنف خطبته المطولة عندما وصل إلى يان جي/ عاصمة كوريا الشمالية. وكأنه بذلك يرغب في أن يجلجل خطابه في العاصمة ومقر الحكم أملاً في أن تصل وجهة نظره القومية لمن بيده الحكم فيتبناها ويقتنع بها ويسعى نحو تحقيقها.

• شخصية رجل الأعمال.. وجهة النظر الاقتصادية:
يمثل رجل الأعمال وجهة النظر الاقتصادية نحو قضية الوحدة، ويرى أن عملية الوحدة هذه مزعجة للغاية، وهنا يكشف عن أفكاره بشأن ما يمكن أن يحدث بعد الوحدة من منظور اقتصادي فمثلاً إذا تم ضم العمالة الشمال كورية فهذا لن يفيد «في بناء الأعمال الاقتصادية الحديثة ... فتدريبهم يستغرق سنوات كي تتكيف مع احتياجات مجتمعنا ... فعمال كوريا الشمالية يأتون في مرتبة أدنى من الفلبينيين أنفسهم، وإذا ما كانوا يأملون في تقاضى أجور تتساوى مع الرواتب التي يتقاضاها الجنوب كوريين فإن هذا فقط سيكون بسبب انتمائهم لنفس الدم، في هذه الحالة لن تكون هناك أماكن كثيرة تتجه إلى تشغيلهم ... إن قوة العمل الشمال كورية ستكون عائقاً أكثر منها مصدر قوة لاقتصادنا ... إن كوريا الشمالية لديها فعلاً مصادر طبيعية أكبر مما لدينا، لكن القليل منها فقط فائق المواصفات وفقاً للمعايير العالمية. ولذا من الممكن أن تضطر صناعتنا لشراء المواد الخام الطبيعية من كوريا الشمالية رغم أنها أغلى في أسعارها وأقل في جودتها فقط لأنها تُستخرج من أراضينا. باختصار، الكوادر الطبيعية الشمال كورية يمكن أن تتحول إلى عبء على صناعتنا. أعتقد أن كل هذا سوف يأتي تحت باب "تبعات الوحدة" ... لذلك لابد أن نحتاط من تلك العوامل "أعنى بالمعنى الاقتصادي"... لو لم نحدد الاختلافات السياسية والأيديولوجية بين كوريا الشمالية والجنوبية قبل الوحدة فإننا بالفعل سنسقط في مغبة حرب أهلية فادحة(27).

على النحو السابق يطرح الكاتب عبر شخصية رجل الأعمال المنظور الاقتصادي لتبعات الوحدة وما يمكن أن تقود إليه، بسبب اختلاف الايديولوجيتين بين الكوريتين، فثمة أيديولوجية اشتراكية شمالية في مقابل أيديولوجية رأسمالية جنوبية، وتنتهى وجهة النظر هذه إلى صعوبة الوحدة لأن الوحدة تتحدد وفقاً لاتساق الأيديولوجية وتقاربها لا تنافرها وتباعدها.

• شخصية صاحبة المقهى.. وجهة النظر الشعبية:
سبق أن تحدثنا عن هذه الشخصية في قضية العنصرية، وهنا نعاود الحديث عنها من منظور وجهة النظر الشعبية لمواطني كوريا الشمالية تجاه قضية الوحدة. ولقد حكت صاحبة المقهى تجربتها الحياتية في "سول"/ عاصمة كوريا الجنوبية، واستعادت ما عاشته خلال عامين من الإذلال، وهى تمثل تجربة حية، تصرح بخلاصة تجربتها ووجهة نظرها على النحو الآتي:

«ربما تكون سول جديرة بالإقامة فيها بضع سنوات من أجل المال، لكن لن أقع تحت غواية أي شيء يدفعني للعودة إلى هناك طيلة حياتي»(28 ).

• المثقفون.. وجهة النظر الثقافية:
عرض الكاتب لوجهة نظر الكُّتاب والمثقفين في قضية الوحدة القومية/ اتحاد الكوريتين، ويتجلى ذلك في حديث الدكتور "ليو" مع البطل، فالدكتور "ليو" يقطن بكوريا الشمالية، ويقوم بتقديم المساعدة في التبادل الثقافي بين الجنوب كوريين والشمال كوريين، فيعرض تجربته مع منظمة: "جمعية الكُّتاب للوحدة القومية"، وقد طُلب منه أن يسهم في تنظيم لقاء بين كُتّاب كوريا الشمالية والجنوبية، فيقول:
«بذلنا جهداً شاقاً في العمل لتنظيم لقاء الكُتّاب. حددنا اختياراتنا بعناية فائقة. لأن كُتّاب كوريا الجنوبية أكثر ميلاً للاتجاهات الراديكالية، فاخترنا من بين كُتاب كوريا الشمالية من هم أقل راديكالية وأقل انتصافاً لتغليب الخطاب السياسي من بين كتَّاب كوريا الشمالية حتى نُحدث نوعاً من التوازن. لكن انظر إلى ما قاله الجنوب كوريين. قالوا إن كُتَّاب كوريا الشمالية لابد أن يكونوا أعضاء بارزين في المؤسسة الأدبية الكورية، ويكون بينهم ـ إذا أمكن ـ كُتَّاب وطنيون من أصحاب الحظوة لدى المؤسسة الرسمية. لذا أخبرتهم بأن مثل هؤلاء الكُتَّاب لم يعودوا منشغلين بالكتابة الآن، لقد أصبحوا ساسة، وليس من المنتظر أن تسمعوا منهم شيئًا سوى البروباجندا السياسية. وهل تعرف ماذا كان ردهم؟ قالوا إن هؤلاء الكُتَّاب هم بالتحديد من نريد الالتقاء بهم. أفهم أنهم يريدون مقابلة كُتَّاب الصف الأول. ولكن السبب في أن كُتَّاب كوريا الجنوبية يريدون الالتقاء بهم ليس مجرد شهرتهم. الأمر هو أنهم يعتقدون في إمكانية إقامة أفضل علاقات مع هؤلاء الكُتَّاب. وقد أكدوا على تعاطفاتهم الشيوعية الخاصة بهم. لقد صُعقت... بأي معنى نُطلق على هذا "تبادلاً ثقافياً"؟ إن هذا لا يمكن أن يكون أي شيء سوى احتشاد سياسى لمجموعة من الرفاق الشيوعيين. والكُتاب المتحفظون أيضاً ليسوا افضل كثيراً، إنهم من يجب عليهم الالتقاء بالشيوعيين البارزين. لكنهم كُتاب روايات غرامية وشباب من المدافعين عن الانفتاح. هذا نوع آخر من الاندماج معاً. لماذا نسمى هذه الأشياء تبادلاً ثقافياً؟ أليس أي تبادل يستهدف الاستماع إلى الطرف الآخر، والتوقف عند نقطة من نقاط التفاهم المتبادل؟ لكن كلا الجانبين يسعى إلى تقوية موقفه لاستجداء الدعم من المتعاطفين. كيف يمكن أن يكون هذا إعداداً ليوم الوحدة؟»(29).

على النحو السابق طرح الكاتب قضية الوحدة بين الكوريتين، وناقشها وحللها بطريقة فنية، اعتمد فيها على شخصياته الروائية، فشخصية رجل الاتحاد تقدم وجهة النظر القومية، في حين تعرض شخصية رجل الأعمال .. وجهة النظر الاقتصادية، أما عن شخصية صاحبة المقهى فجسدت وجهة النظر الشعبية لأبناء كوريا الشمالية، ومن خلال الكُتَّاب صور الروائي وجهة النظر الثقافية والفكرية. وإذا كان الكاتب قد ناقش قضية الوحدة عبر شخصياته الروائية من زوايا متعددة؛ فإنه أخذ يشدد على ضرورة الوحدة بين الأخوين بخاصة، فالأخ الأكبر يُعرب عن ثقته ويقينه في أن الوحدة ستحدث مستقبلاً، فتقرأ: «أنا واثق من أنه لن يطول الوقت، على يقين من أن شملنا سيلتئم قريباً»(30). وعندما ينتهى اللقاء الأول بين الأخوين، يُعرب الأخ الأصغر عن رغبته في اللقاء بأخيه ثانية، وأنه سيحاول معاودته وهنا يؤكد الأخ الأكبر على الوحدة القريبة بين الكوريتين، فتقرأ: «لا تُرهق نفسك بالمحاولة، كما تقول، ستتوحد بلادنا قريباً. وقتئذٍ، سيمكننا أن نلتقى أنى شئنا»(31). وفى صفحات الرواية الأخيرة تقرأ: «أمتنا في الأصل كانت واحدة، وأرضنا كانت في الأصل واحدة»(32).

تجليات العادات والتقاليد الكورية في الرواية:(33)
تتجلى في الرواية عادات وتقاليد كورية، مثل: (الطعام ـ السلام والتحية). أما عن الطعام:

يأتي "الكيمتشي" بوصفه أشهر الأطباق الكورية، وهو نوع من أنواع المخللات، ويصنع عادة من الكرنب الصيني أو الفجل أو الخيار أو الأطعمة البحرية والفلفل الأحمر، وقد ورد ذكره على لسان البطل عندما أعلن عن رغبته في تناول الطعام الكوري:

«كنت أريد أرزاً في حساء حار، وبعض الكيمتشي»(34ي).

وأما عن طقوس السلام والتحية:

فالكوريون عادة عند أداء التحية يحنون رأسهم قليلاً، أما عند أداء التحية لشخص أكبر في العمر أو المنصب فيحنون رأسهم بشكل أكبر.

ويظهر ذلك بوضوح في عدة مواضع سردية، نقرأ منها:

• «أخوك أكبر منك بعشر سنوات، لذلك أعتقد أنه يتوجب عليك الانحناء احتراماً وتحيةً ... استجبت لانحناءة أخي الكاملة بنصف انحناءة»(35).

• «أود أن أقدم كأساً من الشراب وأتوجه بانحناءة تبجيل لروح أبي»(36).

الانحناء الرمزي لكوريا الشمالية:
معروفٌ أن الانحناء يصاحب طقوس السلام والتحية بين الأفراد، ولكن أخذ الانحناء بعداً رمزياً، فالبطل يقوم بأنسنة كوريا الشمالية، وبمجرد رؤية معالمها الطبيعية تنتابه حالة من الوجد فينحني ولقد عبر عن حالته هذه في مواضع السردية الآتية:

• «انتابتني حالة من الوجد والعاطفة وانحنيت تبجيلا واحتراما لكوريا الشمالية من على ضفة النهر وأنا أبكى»(37).

• «غالبني الأسى الحقيقي الذى ينتاب الابن الذى أفقده الموت والده، بعده أن انتهيت من تقديم الشراب، وغلفت المراسم بشبه انحناءة. وأنا أميل برأسي لأنحني. استقبلت بعيني منظر كوريا الشمالية»(38).

قراءة الوجه:
ركز البطل على قراءة وجوه مخاطبيه، حيث عمد إلى التفرس في وجوههم ليستشف مشاعرهم، ويكشف عن خلجاتهم الداخلية، مهما حاولت كلماتهم أن تداريها أو تخفيها. وتمتلئ الرواية بالأمثلة الدالة على ذلك، ومنها: 

• وجه مستر كيم .. «لقد جعلني وجهه الهزيل الشاحب، وتململه القلق، أعتقد أنه ليس وسيطاً محترفاً»(39).

• وجه رجل الأعمال .. «غيمة من التردد ألقت بظلالها على وجهه، ولكن واصل محاولته للتملص والمراوغة»(40).

• وجه الأخ الأصغر.. «عندما تطلعت في وجه أخي ... أدركت أن كل القلق الذى عانيته لم يكن من الضرورة في شيء. بدا أخي مألوفاً تماماً. كان وجهه عبارة عن نسخة طبق الأصل تقريباً من وجه أبي... بدت على أخي ـ الذى كان ماشياً وعلى وجهه شيء من التصلب ـ علامات الارتباك والإجفال عندما وقعت عيناه عليَّ. لابد أنه نفس الإدراك قد داخله، هكذا عرفت من الضعف الواضح الذى اعترى وجهه»(41).

• وجه زوجة الأب .. «كان وجهها قاتماً وضارباً إلى الحمرة بشكل ملحوظ، بنية جسمها كانت قوية، وتعبيرات وجهها تشى بقوة إرادة. لم تكن تبدو زوجة طبيعية لرجل مثل أبي، الذى ـ حسبما أتذكر ـ كان مفكراً رائعاً»(42).

فمن الواضح في الأمثلة السابقة أن قراءة البطل لملامح وجه "مستر كيم" تعكس الضعف، وقراءته لوجه رجل الأعمال تنقل التردد، في حين أفصحت ملامح الأخ الأصغر عن الارتباك والاجفال، أما عن ملامح وجه زوجة الأب فيشي بقوة الشخصية، كما تُعرب حمرة الوجه عن صحة الجسد أو قوته البدنية. وإذا كان الكاتب في روايته "موعد مع أخي" جعل بطل الرواية/ الجنوب كوري يلتقى بأخيه/ الشمال كوري ويحاوره ويتقارب معه، فهو بذلك يُعرب عن أمله ويُصرح برغبته وحلمه في لقاء الشعبين وتوحد الشمالي مع الجنوبي. فطالما كتب الأدباء عن حلمهم المشترك، إنه حلم الوحدة، ورؤية الأخوين يعودان كما كانا من قبل يظلهما وطن واحد، وترفرف عليهما راية واحدة، وينشدون نشيداً واحداً.

عودٌ على بدء .. ختام:
"لقد أتيتُ لمواجهة مع عدو عمرى لكن .. لحظة رأيتك، لم أستطع التفكير فيك كعدو. ليس لديَّ توضيح، لكنك كنت.. يا أخي. كنت أريدك كي أعانقك وأبكي، لا لأوبخك وألعنك. وبعدما تعرفت عليك، تنامى داخلي شعورٌ بالخزي من عدائي لك. وبدا الأمر كأنني أتوق إلى مقابلتك طوال حياتي".

(الأخ الأصغر/ الشمال كوري). الرواية: ص ص112/113.

 

جامعة قطر ـ كلية الآداب والعلوم

aelwany@qo.edu.qa

 

هوامش:
(1) لي مون يول: موعد مع أخى ـ ترجمة: كيم جونج ميونج ـ تحرير ومراجعة: طاهر البربري ـ المركز القومي للترجمة ـ المشروع القومي للترجمة ـ العدد 1262 ـ الطبعة الأولى 2008.

(2) عقب الحرب العالمية الثانية 1945 تم تقسيم كوريا إلى منطقتي نفوذ سوفيتي وأميركي، كوريا الشمالية خضعت لنفوذ الاتحاد السوفيتي وكوريا الجنوبية خضعت للولايات المتحدة وحدث الانفصال عام 1948. فلم تعد كوريا بعد الحرب العالمية كما كانت كوريا الواحدة. فشمالها خضع للنفوذ السوفيتي، وجنوبها للنفوذ الأمريكي، وبعدما كانت خطوط العرض الوهمية ينظر إليها كخطوط للمناخ المتقارب بين الدول التي تمر بها، فقد اشتهر خط عرض رقم 38 باعتباره الخط الفاصل بين الكوريتين الشمالية والجنوبية، أخذ الشمال طريق الشيوعية، والجنوب طريق الرأسمالية الأمريكية.

 (3)الرواية: ص ص11 ـ 12.

(4) الرواية: ص 12.

(5) الرواية: ص15.

(6) الرواية: ص17.

(7) الرواية: ص ص17 ـ 18.

(8) الرواية: ص 18.

(9) الرواية: ص45.

(10) الرواية: ص63.

(11) الرواية: ص63.

(12) الرواية: ص6.

(13) الرواية: ص59

(14) الرواية: ص59.

(15) الرواية: ص59.

(16) الرواية: ص51.

(17) الرواية: ص 51.

(18) الرواية: ص 54.

(19) الرواية: ص 45.

(20) الرواية: ص 47.

(21) الرواية: ص68.

(22) الرواية: ص ص37 ـ 40

(23) الرواية: ص39.

(24) الرواية: ص27.

(25) الرواية: ص3.

(26) الرواية: ص59.

(27) الرواية: ص ص 30 ـ31.

(28) الرواية: ص40

(29) الرواية: ص ص42 ـ 43.

(30) الرواية: ص87.

(31) الرواية: ص89.

(32) الرواية: ص102.

(33) رغم الانفتاح الثقافي والعولمي الذي طرأ على الثقافة الكورية, يتمسك الكوريون بالكثير من العادات والتقاليد المتعارف عليها. فاحترام الأكبر سناً مهم جداً في الثقافة الكورية, لدرجة أن من غير الطبيعي أن يذكر شخص من هو أكبر منه سنا باسمه المجرد, حتى وأن كان فارق السن لا يجاوز السنة أو السنتين, فتزاد كلمة "هيونغ" ويقولها الفتى للفتى الذي هو أكبر منه سناً، وكلمة "نونا" يقولها الفتى للفتاة الأكبر منه سناً، وكلمة "اوبَا" تقولها الفتاة للفتى الأكبر منها سناً, وكلمة "اوني" تقولها الفتاة للفتاة الأكبر منها سناً، وكلمة سانباي تُقال للأكثر خبرة بأي مجال، أو للأعلى مرتبة من الشخص نفسه. وتقال الكلمات في نهايه الاسم.

(34) الرواية: ص40.

(35) الرواية: ص46.

(36) الرواية: ص73.

(37) الرواية: ص10.

(38) الرواية: ص75.

(39) الرواية: ص7.

(40) الرواية: ص32.

(41) الرواية: ص ص45 ـ46.

(42) الرواية: ص57.